هسبريس ـ حسن أشرف
الأحد 09 غشت 2015 -
نسجت العديد من الكتابات التاريخية الكثير من الأخبار الطريفة
والغرائبية عن أحد أشهر سلاطين الدولة العلوية، وهو عبد العزيز بن الحسن،
الملقب بمولاي عبد العزيز، وهو السلطان الثامن عشر في سلسلة سلاطين
العلويين، حيث حكم البلاد في الفترة الزمنية الممتدة بين 1894 و 1908، أي
زهاء 14 عاما فقط.
ونُسبت لهذا السلطان العلوي، الذي ولد عام 1878 في مدينة فاس، وتوفي سنة
1943، سلوكات غريبة تخرج عن المألوف في حياة الحكام، من قبيل تسليته بصعق
عبيده بالكهرباء التي كان مهووسا بها، كما كان مفتتنا باقتناء الدراجات
والألعاب والآلات الأوربية، لكن كل هذه الأخبار لا تزال في حاجة إلى إلقاء
شعاع من الضوء بشأنها.
تصوير وكهرباء
هسبريس اتصلت بالأكاديمي والمؤرخ، الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش،
والذي أورد أن أبرز السلوكات الغريبة المنسوبة لهذا السلطان تتمثل في شغفه
الزائد عن الحدّ بالمخترعات التكنولوجية التي أبدعها الغرب في بداية القرن
العشرين، خاصة ولعه الشديد بالدراجات الهوائية والنارية، والسيارات
الثلاثية العجلات، فضلا عن الكهرباء الذي وصلت أسلاكه إلى القصر السلطاني،
والهاتف، وآلات التصوير..
وأفاد الأستاذ بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس أن الكتابات التاريخية التي
وصلتنا حول ولع السلطان عبد العزيز بهذه المخترعات، تعبّر عن إعجابه بها
واستخدامها للتسلية واللهو، واقتطاع فواتير اقتنائها من خزينة الدولة، بدل
توظيفها في تحقيق المشاريع الإصلاحية بالمغرب".
وأكمل المتحدث بأن "السلطان لم يكن يستثمر الطاقة الكهربائية كتقنية
جديدة تفيد في إنارة أزقة ودروب المدن المغربية، بل كان يستعملها كأداة
للتسلية في صعق عبيده، ولم يكن يستثمر السكة الحديدية التي طلبها من الشركة
الفرنسية لتحديث وتطوير بنية وسائل النقل والمواصلات بين الحواضر
المغربية، بل للمتعة والتنزّه في حدائق أكدال.
واستطرد ذان الأكاديمي بأن هذا السلطان كُتب عنه أنه استعمل آلات
التصوير لتصوير نسائه وحريمه، بدل استعمالها لتأسيس مشروع إنتاج سينمائي،
بل الأدهى من ذلك أنها صوّرت ولعه بهذه المخترعات ما يظهره كسلطان متصابي،
غارق في اللهو واللعب في ظرف عصيب كان ينذر بكارثة سياسية خطيرة".
في حميمية السلطان
ونبه بوتشيش إلى أن المصدر الرئيسي الذي نسب إليه هذه السلوكات يتمثل في
المذكرات التي كتبها كابرييل فييرGabriel Veyre، وجمعها في كتاب تحت عنوان
"في حميمية السلطان " Dansl´intimité du Sultan الصادر سنة 1905 والمترجم
للعربية بعناية عبد الرحيم حزل، تحت عنوان "في صحبة السلطان".
وتساءل بوتشيش عن حدود مصداقية ما نسب إلى السلطان المذكور، وقال إن
كابرييل فيير لم يكن مؤرخا بالمعنى الاحترافي، بل كان خبيرا متمرسا في
التصوير والسينما التي كان يتم الترويج لها بحكم نشأتها آنذاك من قبل إحدى
الشركات الباحثة لها عن أسواق، فكلّفت كابرييل بالسفر إلى عدد من البلدان
ليجد فيها المبتغى.
وكانت الجالية الفرنسية بالمغرب قد بعثت إلى "فيير" تحثه على القدوم
والاتصال بالسلطان مولاي عبد العزيز، وأبلغته بشغفه بالمخترعات التقنية،
فحلّ ضيفا على المغرب سنة 1901، واتصل بالسلطان الذي جعله صديقا حميما
ومهندسا تقنيا يسدّ حاجاته من الوسائل التقنية إلى حدود سنة 1904.
وتأسيسا على هذا المعطى، يضيف بوتشيش، يمكن القول بأن كابرييل فييرلم
يكن مؤرخا محترفا، بل تقنيا بارعا، لذلك لم يخلف لنا نصّا تاريخيا بمعنى
الكلمة. إلا أنه ترك مذكرات لها قيمتها المعرفية باعتبارها ذاكرة أجنبية
تلقي الضوء حول زمن تاريخي معقّد، وحول مكان محاط بالأسرار والألغاز، وهو
"القصر السلطاني".
وتابع الأكاديمي أن "القصر السلطاني" غالبا ما حجبته الكتابات التاريخية
المغربية من التداول، وسيّجت أحداثه وكواليسه بأسوار منيعة يصعب تجاوز
النظر إلى ما ورائها"، مضيفا أن مذكرات فيير تخترق الخطوط الحمراء لتصل إلى
الحياة الحميمية للسلطان، وكواليس صنع القرار، وتمدنا بمادة خبرية نادرة،
ولحظات تزخر بالإيحاءات والدلالات".
ولفت بوتشيش إلى أن الكتابات الأجنبية في تلك المرحلة التي كان يحضّر
فيها لاستعمار المغرب تجعل الباحث يأخذ روايات فيير بنوع من الحذر
والتحرّز، باعتبار أن الذات التي كانت تهيء للاحتلال كانت تسعى بكل السبل
إلى استصغار الذات المحتلة بما في ذلك إهانة سلطانها الذي هو بمثابة الرأس
من الجسد ، وذلك تمهيدا لقبول فكرة الحماية أو الاحتلال.
البوح بأسرار البلاط
واعتبر المؤرخ المغربي أن وضع نصوص كابرييل فيير تحت مبضع النقد
والمساءلة والاستنطاق، تنحو بنا نحو الإقرار بصدقية أقواله بناء على عشر
مؤشرات وقرائن، الأول أنه كانت لـ"فيير" صداقة حميمية مع السلطان، وعاش في
بلاطه مدة 4 سنوات كانت كافية لرصد سلوكاته وتسجيلها بدقة.
والمؤشر الثاني، وفق بوتشيش، أن المتن الأجنبي عموما، بخلاف المصدر
المغربي، يتسم بالجرأة، وعدم القبول بالمساومة أو التستّر عن ذكر الحقائق
والبوح بأسرار البلاط، كما أنه لا يخشى خدش رمزية السلطان وهيبته، ويتعامل
معه كغيره من البشر الذين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويذكر أخطاءه
وزلاته التي يمكن أن يرتكبها أي شخص عاد.
والمؤشر الثالث، تبعا للأكاديمي ذاته، الذي يرجح مصداقية أحكام كابرييل
حول انغماس السلطان مولاي عبد العزيز في اللهو والتسلية بالمخترعات
الأوروبية، أن السلطان تولى مقاليد الحكم صبيا دون الرابعة عشر من عمره،
وعاش السنوات الست الأولى من حكمه تحت وصاية الرجل النافذ أحمد بن موسى
الملقّب "بباحماد" وأمه "للارقية".
وبعد وفاة "باحماد" في سنة 1900، سيخضع لحجر سياسي آخر من قبل رجل
الدولة القوي آنذاك السيد المنبهي الذي استغل فتوة سنه ليجعل بينه وبين
عالم السياسة حجابا سميكا، وتعتيما جعله لا يقدّر الأمور بما ذلك القضايا
الداخلية الحساسة، حيث كان يجهل خطر ثورات بوحمارة والريسوني وغيرهما من
الثوار والمتمردين.
والمؤشر الرابع أنه عرف عن السلطان مولاي عبد العزيز بإيثاره الإقامة في
قصر مراكش الذي كان فضاء يوفّر له كل أدوات اللهو والاستمتاع، بعيدا عن
قصر فاس الذي كان مقرّ الحكم الإداري، وسرّة الحكم التي منها توجه القرارات
وتعالج القضايا المصيرية، مما جعله غير مطّلع على موازين القوى السياسية
والعسكرية.
وأما المؤشر الخامس، يقول بوتشيش، أن الأوروبيين عرفوا كيف يوظفون
الطفرة التكنولوجية التي شهدها الغرب في تمرير مشاريعهم الاستعمارية، ونجحت
فرنسا وأنجلترا في إغراق المولى عبد العزيز بمنتجات الغرب التكنولوجية
الترفيهية لإلهائه تمهيدا للاحتلال.
سلطان متصابي ودولة هشة
والسادس أن فتاوى من قبل علماء المغرب صدرت تحرّم التعامل مع الأجانب
والتشبّه بعاداتهم، ورغم أن هذه الفتاوى تعبّر عن انغلاق في العقلية
التقليدية، فإنها تعبّر أيضا عن تبرّمها من سلوكات السلطان التي كانت مقلدة
للطراز الغربي، من خلال شغفه باختراعاتهم واقتنائها بأموال باهظة، مما
يقوم دليلا على أن روايات فيير تتساوق مع فتاوى العلماء.
والمؤشر السابع، يردف بوتشيش، أن خلع السلطان مولاي عبد العزيز ومبايعة
أخيه مولاي عبد الحفيظ، هي عملية تحمل دلالات حول عدم رضى خالعي البيعة عن
السلوكات التي كان ينهجها السلطان، إذ أنه من الشروط التي تضمنتها البيعة
الحفيظية عدم التعامل مع الكفار، وهو شرط يشي بتذمر الرعية من سلوكات مولاي
عبد العزيز، المتمثلة في الإقبال على اقتناء منتوجات الغرب ،وترك فريضة
الجهاد.
والقرينة الثامنة، يتابع بوتشيش، أن وضع السلطان مولاي عبد العزيز في
هذه الصورة السلبية هو انعكاس أمين لصورة الدولة المغربية نفسها في تلك
الفترة، باعتبار أنها دولة هشّة ومهترئة، أنهكتها الأزمات المتعددة، واتساع
رقعة بلاد "السيبة"، واستفحال ظاهرة المغاربة المحميين من طرف السلطات
الأجنبية، واندلاع الثورات في طول المغرب وعرضها..
والمؤشر التاسع، وفق المصدر، أن فشل الإصلاح الذي حاول أن يقوم به
السلطان مولاي عبد العزيز، ساهم في اهتزاز صورة السلطان الحازم التي انحدرت
إلى مستوى السلطان المراهق في نص مذكرات كابرييل، باعتبار أن ضريبة
الترتيب لم تجلب سوى سخط الأعيان والمحميين والمتنفذين في المجتمع، مما جعل
كل عملية إنقاذ شبه مستحيلة.
وذهب بوتشيش إلى أن المؤشر العاشر، يتمثل في "صمت معظم المصادر
التاريخية المغربية عن سلوكات مولاي عبد العزيز المراهقة، وهو ما يمكن أن
يؤول بمنهج الإعراض والنسيان، ففي الوقت الذي كتب عن أبيه الحسن الأول عدد
من المؤلفات، فإن المؤرخين ألجموا قلمهم عن التعرض لتاريخ ابنه"، معتبرا أن
هذا الصمت يحمل دلالات عميقة ويؤكد صحة نصوص كابرييل فيير.
....................
في مثل هذا اليوم، أي 30 مارس من سنة 1912، وقع السلطان عبد الحفيظ على
مابات يعرف بـ" معاهدة الحماية الفرنسية" على المغرب، والتي حتى حصول
المغرب على "استقلاله" سنة 1956.
شملت "الحماية الفرنسية" المنطقة
الوسطى بالمغرب والذي سيطرت عليه فرنسا بموجب معاهدة فاس التي قسـم المغرب
بموجبها إلى ثلاث محميات:
المنطقة الشمالية والمنطقة الصحراوية في
الجنوب تحت الحماية الأسبانية والمنطقة الوسطى تحت الحماية الفرنسية ومدينة
طنجة خضعت لحماية دولية بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإسبانيا.
نصت "معاهدة الحماية" (30 مارس 1912) على مايلي: تأسيس نظام جديد بالمغرب
يشمل الإصلاحات الإدارية والعدلية والتعليمية والاقتصادية والمالية
والعسكرية واحترام هذا النظام لحرمة السلطان وشرفه ثم احترام الشعائر
الإسلامية وتأسيسات الأحباس وتنظيم مخزن شريف ومضبوط ثم تفاوض الفرنسيين
والأسبان على مصالح الدولة المغربية في المناطق الشمالية مع وجوب مساعدة
السلطان على الاحتلالات العسكرية الفرنسية بالايالة المغربية لضمان الامن.
تولي السلطان يوسف العرش
تولى السلطان يوسف العرش سنة 1912 بعد تنازل أخيه عبد الحفيظ والبلاد تعج
بالفوضى والاضطرابات، واعتبره المقيم العام الفرنسي (الجنرال ليوطي)الملك
المناسب للبلاد لأنه وبدون شك سيقبل اصدار جميع القرارات التي تهم
الفرنسيين وتخدم مصالحهم بالبلاد.
مراحل الاحتلال العسكري بالمغرب
مرحلة ماقبل 1912: احتل فيها الفرنسيون شمال شرق البلاد (وجدة، فيكيك وما
والاها) + الوسط الغربي (فاس + مكناس + الرباط + الدار البيضاء والنواحي).
مرحلة ما بين 1912 و1914: تم احتلال مناطق شاسعة من وسط البلاد (من ممر تازة إلى مراكش ونواحيها + الصويرة وأكادير).
مرحلة ما بين 1914 و1920: تم خلالها ضم باقي مناطق وسط البلاد (حوض ملوية + الراشيدية وورزازات والضواحي).
مرحلة ما بين 1921 و1926: تم خلالها احتلال أقصى الشمال وماتبقى من وسط البلاد.
مرحلة ما بين 1931 و1934: تم خلالها احتلال جنوب شرق المغرب وصحرائه.
المقاومة التي واجهت الاحتلال العسكري
واجه الاحتلال مقاومة في كل أنحاء المغرب لا في الريف ولا في الأطلس
المتوسط ولا في الجنوب ففي الشمال ثار المجاهد محمد أمزيان بالريف عام 1909
ضد إرهاصات الحماية الأسبانية فهزم ثلاث فرق أسبانية مات من رجالاتها
جنرالان اثنان وعشرة آلاف جندي وقد ثارت منطقة (جبالة) عام 1913 خاصة بين
الشاون وتطوان.
كانت انتفاضة عارمة انطلقت من أقصى الجنوب في
الصحراء المغربية تجمعت حشودها في الساقية الحمراء بزعامة الشيخ ماء
العينين وولده الهبة وانضمام المحاربين من جبال الأطلس والسهول وما كاد نبأ
توقيع معاهدة الحماية بفاس يطرق الأسماع حتى هبت القبائل المجاورة للعاصمة
الإدريسية فطوقت المدينة وامتلأت الأسوار بآلاف المحاربين بزعامة الحجام
وثار الجيش السلطاني على ضباطه الفرنسيين وكانت ملحمة دامية قتل فيها عدد
من الفرنسيين فقنبلت فرنسا جانبا من المدينة وأعدمت عشرات السكان وجمعت
فرنسا السلطات في يد شخصية عسكرية هي الجنرال ليوطي الذي ورد على فاس يوم
28 مايو 1912 في خضم الاضطرابات الشعبية ما لبثت أن شملت المغرب عن بكرة
أبيه.