الأحد، 20 ديسمبر 2015

تحية نضالية لعشاق الحرية

 
Maroc, le 19 décembre 2015
Des dizaines d'ex prisonniers politiques marocains se sont retrouvés le 19 décembre 2015 à Casablanca (club des avocats) pour les raisons suivantes:
- Rendre hommage aux amis français (femmes et hommes) qui avaient contribué à la création (en France) des comités de lutte contre la répression au Maroc. Certains ont fait le déplacement. Elles/ils étaient là. Nous les avons chaleureusement embrassé-es.
- Se retrouver pour "repenser" aux atrocités commises par le régime Hassan II, et commémorer la disparition des amis et camarades.
- Pour réaffirmer la volonté de continuer le combat pour la Vérité, la Justice. Contre l'impunité et l'oubli. Le combat pour un nouveau Maroc.
L'assistance a eu l'occasion d'écouter des témoignages émouvants: ceux des amis français, ceux des ex prisonniers, ceux des exilés marocains..
Merci à ceux et celles  qui ont organisé cette rencontre, à celles et à ceux qui ont contribué, d'une manière ou d'une autre, à son succès.
VIVE L'INTERNATIONALISME !
    LE COMBAT CONTINUE ! 
Ali Fkir ex prisonnier communiste marocain.


المغرب، 19 ديسمبر 2015اجتمع العشرات من السجناء السياسيين المغربي السابق 19 ديسمبر 2015 في الدار البيضاء (المحامون النادي) وذلك للأسباب التالية:- لتكريم أصدقاء الفرنسية (النساء والرجال) الذين أسهموا في إنشاء (في فرنسا) لجان ضد القمع في المغرب. جعلت بعض الرحلة. هم / أنهم كانوا هناك. نحن احتضن وفاق.- الحصول على معا من أجل "إعادة التفكير" الفظائع التي ارتكبها النظام الحسن الثاني وذكرى فقدان الأصدقاء والرفاق.- إعادة تأكيد الرغبة في مواصلة النضال من أجل الحقيقة والعدالة. الإفلات من العقاب والنسيان. النضال من أجل مغرب جديد.كان الحضور الفرصة للاستماع إلى شهادات تتحرك: أولئك الأصدقاء الفرنسي، وتلك من السجناء السابقين، وتلك من المنفى المغربي ..شكرا لأولئك الذين نظموا هذا اللقاء، والذين ساهموا بطريقة أو بأخرى، لنجاحها.VIVE الأممية!

    
FIGHT لا تزال!علي فقير سجين مغربي الشيوعي السابق



































__._,_.___

الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

جلادو المخزن...اسماء وتاريخ-5-الجلاد محمد الخلطي


الملف الأسبوعي | عميل المخابرات محمد الخلطي يتحدث عن الشبيبة الإسلامية وعلاقة مطيع ببنكيران


الحسن الثاني كان يهدد بإطلاق بنكيران على أحزاب الكتلة
سبق للزميلة «الأيام» أن أجرت حوارا مع عميل المخابرات محمد الخلطي حول اغتيال الشهيد عمر بنجلون ومساهمة عبد الكريم مطيع زعيم الشبيبة الإسلامية في عملية الاغتيال. وقد تحدث عميل المخابرات عن الظروف التي تلت العملية وكيف تفككت حركة مطيع وخروجها إلى العمل السري، كما تحدث عن انفصال بنكيران عن مطيع إثر خروجه من الاعتقال بعد التحقيق معه، وكيف اختار هو ورفيقه باها تأسيس جمعية الجماعة الإسلامية التي كانت تشتغل على وفاق تام مع الدكتور الخطيب، وعلى وجه الخصوص مع الحسن الثاني الذي كان يهدد أحزاب الحركة الوطنية بإمكانية تسليط الإسلاميين عليهم


{ هل توافق الذين يقولون إن محطة اغتيال عمر بنجلون سنة 1975 كانت هي بداية مرحلة المواجهة الأمنية للحركة الإسلامية بالمغرب؟
> > نعم، هذه هي الحقيقة، فمباشرة بعد حادثة اغتيال عمر بنجلون قرر المسؤولون عن جهاز الأمن الوطني تأسيس فرق مختصة يكون بوسعها مكافحة التطرف، سواء منه التطرف الماركسي اللينيني أوالتطرف اليميني. هكذا تأسست فرقة بالرباط، وكنت مسؤولا عنها، وثانية بالدارالبيضاء، وثالثة بفاس، ورابعة بوجدة، وخامسة بمراكش، وسادسة بخريبكة. وقد تلقينا تدريبات خاصة من أجل مباشرة مهامنا على أحسن وجه. تلقيتم هذه التدريبات بداخل المغرب أو خارجه؟ كانت التدريبات الأولى سنة 1975 بالمغرب، لكن بعد سنتين توجهت بصحبة عميد آخر إلى فرنسا حيث تدربنا على مكافحة تطرف اليسار وليس الإسلاميين. أعود إلى قضية اغتيال عمر بنجلون لأوضح لك أن الذين اعتقلوا في إطارها، تم اعتقالهم أساسا بالدارالبيضاء، أما بالنسبة للرباط فكانت توجد خلايا صغيرة جدا، وكان المسؤول عنها هو بن الأدهم الذي ألقي عليه القبض بداية في الدارالبيضاء قبل أن يطلق سراحه ويلتحق بالرباط من أجل مواصلة دراسته. وصراحة، كنا نجهل آنذاك كل شيء عن حركة الشبيبة الإسلامية، سواء تعلق الأمر بطريقة عملها أو بمناضليها. وكان المسؤولون الأمنيون يعتبرون أن كل ذي صاحب لحية متطرف، فلم يكونوا يفرقون بين المنتمين إلى الشبيبة أو جماعة الدعوة والتبليغ، أو السلفيين... كل ملتح فهو متطرف.. لهذا السبب عمت الفوضى، وبدأنا نشهد استنطاقات في كل جهة..
أفهم أنك باشرت مهمتك دون أن تتوفر على أي أرشيف يهم هذه الخلايا الإسلامية؟
لم نكن نتوفر على أي أرشيف، ولم نخضع حتى للتكوين الديني الذي يمكنك من التمييز بين الصوفية والسلفية وحركة الإخوان المسلمين.
{ وكيف استطعت أن تفرق بينهم؟
> > استطعت فعل ذلك بحكم اجتهادي الخاص، خاصة وأن تكويني الديني منذ الصغر ساعدني على ذلك. فقد درست منذ السنة الخامسة في الكتاب، وتربيت في أحضان الزاوية التيجانية حيث كان والدي مقدما، والذي درس سنتين في القرويين قبل أن يعينه المغفور له محمد الخامس طيب الله مثواه قائدا بالقصر الملكي بفاس خلفا لجدي إثر وفاته.. هكذا حفظت بعض السور من القرآن الكريم، والألفية، والأجرومية، والأذكار على الطريقة التيجانية، وتابعت دراستي بثانوية مولاي ادريس بفاس. وبعد تعييني رئيسا لمصلحة محاربة التطرف السياسي والديني عزمت على التفقه ولو قليلا في الدين، فقرأت بعض كتب تفسير القرآن، وجواهر البخاري في شرح القسطلاني، و»في ظلال القرآن» و»معالم في الطريق» للسيد قطب، وكتاب الشيخ حسن البنا و»الإخوان المسلمون» للدكتور رؤوف شلبي، ودرست كذلك كتبا في الصوفية، والسلفية، والبهائية، والقاديانية، واهتممت كذلك بدراسة المسيحية، ولاسيما النحل المتطرفة ك»شهداء يسوع» لأن المغرب كان يعرف منذ السبعينات حملة تنصيرية في صفوف الشباب الذي كان يفكر في الهجرة إلى أوربا عن طريق التنصير، وفي هذا الصدد أشير إلى أنني أثناء مزاولة عملي لمحاربة التطرف نجحت في إقناع بعض المغاربة الذين اعتنقوا الوهابية أو النصرانية بالرجوع إلى دينهم الإسلامي الحنيف، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة بدل تقديمهم إلى المحاكمة كما وقع بالدارالبيضاء والمحمدية في التسعينيات، الأمر الذي جعل منظمات حقوقية أوروبية وأمريكية تشن حملة دعائية ضد المغرب من خلال اتهامه بخرق حرية التدين. ومتى بدأت مباشرة اعتقال هؤلاء النشطاء الإسلاميين بمدينة الرباط؟ أولى الإعتقالات كانت سنة 1977. أتذكر أنه بعد صلاة الفجر اتصل بي هاتفيا ضابط المداومة السيد بنعلي، وقال لي إن جماعة من الشباب قد صلوا بمجسد حكم بحي المحيط ووزعوا مناشير تحمل إسم الشبيبة الإسلامية، وكانت هذه أول مرة نعثر فيها على توقيع الشبيبة الإسلامية، وحين طلبت منه أسماء هؤلاء الشباب، ذكرها لي، وقال لي إن واحدا منهم إسمه بن الأدهم كانت معه حقيبة ولا علاقة له بهم، فهو كان يستعد للسفر.. فنبهته أن هذا الشاب هو مسؤول الشبيبة الإسلامية بالرباط... وبعد ذلك تولت فرقة الشرطة القضائية التحقيق معهم، وكان آنذاك تنافس كبير بين الأقسام، فاتفق الشباب العشرة الذين اعتقلوا على توجيه التهمة إلى شاب إسمه بخات، والذي لم تكن تربطه أي علاقة بالشبيبة الإسلامية.
{ ولأي جماعة كان ينتمي بخات؟
> > كانت له جمعية ثقافية لا علاقة لها بتنظيم مطيع، وإنما تضم مغاربة وسوريين من جماعة الإخوان المسلمين الذين جاؤوا للاستقرار بالمغرب.
{ وتم اعتقاله رغم كونه لا ينتمي إلى الشبيبة الإسلامية؟
> > نعم، اعتقلته الشرطة القضائية، والمشكل أنه بعد خضوعه للتعذيب بدأ يقول إن مجموعة خططت لاغتيال مسؤولين سياسيين وحكوميين، وذكر منهم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ومدير الأمن الوطني ربيع.. ووقعت اعتقالات على صعيد المغرب كله، وكان من ضمنهم الدكتور أحمد الريسوني الذي استجوبته في هذا العدد من جريدتكم، والأستاذ گديرة رئيس المجلس العلمي للرباط حاليا، والذي كان مفتش تعليم وقتها..
وكيف عرفت أن بن الأدهم لم يكن عضوا بالشبيبة الإسلامية ولا علاقة له بالمناشير التي وزعت؟
لقد اطلعت على التقرير الذي أنجزته فرقة الشرطة القضائية وأرسلته إلى المدير الذي أمر بالاعتقالات، ورأيت أنه تم الوقوع في خطأ، حيث لم يتم تفتيش منازل هؤلاء الشباب حتى نعرف أين طبعت المناشير. كنت أعلم أن ابن الأدهم هو المسؤول، فنسقت مع الشرطة القضائية وتوجهنا إلى منزله بحي التقدم، فوجدنا فعلا المنشورات وآلة الطباعة. والغريب أن هؤلاء الشباب الذين كانوا ينتمون إلى الشبيبة الإسلامية انحرفوا بعد إطلاق سراحهم بسبب الكذب الذي رأوه في مسؤولهم الذي كان يعلمهم وجوب المحافظة على الأخلاق وما يأمر به الدين الإسلامي.. والذي تسبب في تعذيب بخات.. وبعد هذه القضية.. هل تمت اعتقالات أخرى في صفوف الشبيبة الإسلامية بالرباط؟ القضية الثانية ارتبطت بعبد الإله بنكيران، الذي كنا نشك في أنه من تحمل المسؤولية بالرباط بعد بن الأدهم، وقد كان على اتصال دائم بمطيع، لدرجة أنه سافر إلى فرنسا من أجل اللقاء به. وقد اعترف لي بهذا فيما بعد، وقال لي إنه كان قد ضرب موعدا مع مطيع للقاء به بأحد الفنادق لكنه لم يأت، وغير مكان اللقاء، وحين سأله لماذا هذه المراوغة؟ أجابه أنه لا ينبغي له أن يضع ثقة حتى في زوجته.. المهم، بعد سنة 1977 لم نستطع أن نجد أي دليل ضد بنكيران، وكان أول عمل مكشوف قام به، هو توزيع مناشير أمام باب فندق هيلتون على هامش انعقاد مؤتمر للمحامين الشباب، وذلك للتنديد بمحاكمة عناصر الشبيبة الإسلامية ونفي مطيع خارج المغرب. لكن قرار متابعته جاء بعد محاكمة اغتيال عمر بن جلون سنة 1980، حين حكم على مطيع بالإعدام غيابيا، فاتصل ببنكيران عبر الهاتف، وطلب منه أن يجمع الاخوة بالمسجد المحمدي بالدارالبيضاء وأن يخرج بهم في مظاهرة.. آنذاك اعتقل العشرات من هؤلاء الشباب، لكن رجال الشرطة كانوا يجهلون طبيعة التنظيم الذي ينتمون إليه، فاتصلوا بي عبر الهاتف وأخبروني بما وقع فطلبت منهم أسماء بعض الشباب، فأعطوني إسم الأمين بوخبزة، يتيم، حزيم فقلت لهم هذه الشبيبة الإسلامية.. ويجب أن تعتقلوا مسؤولهم بالرباط عبد الإله بنكيران لكنه هرب. وهنا قمنا بحراسة منزله بحي العكاري، لكننا لم نجده طوال 3 أيام. وصدفة توجهت إلى عين المكان لمراقبة الطريقة التي تتم بها الحراسة، فوجدته مارا بسيارته بصحبة والدته من أمام المنزل، فاعتقلناه وبدأت أمه تصيح، وطمأنتها أنها لن تتعرض لسوء..
{ وأشرفت على استنطاقه بنفسك؟
> > نعم استنطقته وحققت معه بنفسي، وكنت طوال 25 سنة أمضيتها في الإستعلامات العامة آنذاك أعرف أن المتهم لابد وأن يتكلم أثناء استنطاقه، وكان المسؤولون قد علمونا أن الإمام مالك قد أجاز ضرب المتهم حتى يعترف بجريمته، وأجاز قتل ثلثي الشعب من أجل إصلاح الثلث... هكذا كنا نعتقد في صحة هذا القول ونعمل بمقتضياته. وحين بدأت التحقيق مع بنكيران اعترف لي بمسؤوليته عن المظاهرة، وقال لي إن مطيع اتصل به وطلب منه تنظيم المظاهرة، لكنه أوضح لي أنه طلب من إخوانه الاجتماع في المسجد المحمدي للأحباس دون أن يكشف لهم عن نيته في الخروج بهم في مظاهرة، وبعد اجتماعهم أخذ مكبر الصوت وأمرهم بالتظاهر... للتنديد بالأحكام الصادرة ضد مطيع.. حذرته أن الشرطة القضائية «غادي تتكرفس عليه»، فأجابني أنه لن يعطي أسماء الذين حضروا المظاهرة، وقال إنه إذا صبره الله فالأمر كذلك وإذا لم يصبره فليس له ما يقوم به.. وهكذا كان، فالشرطة القضائية بكل صراحة «تكرفسات عليه» إلى أن أعطى بعض الأسماء.
{ وهل لمست أن انفصال بنكيران عن مطيع جاء بعد هذا الإعتقال؟
> > لا، الإنفصال سيأتي فيما بعد حين أصدر مطيع من ليبيا مجلة إسمها «المجاهد»، وحتى يراوغ الأمن كان يقول إنها تصدر من بلجيكا. وفي أواخر سنة 1980 أو بداية 1981 زارني بنكيران بمكتبي، وقال لي إن مطيع أصيب بخلل عقلي، وإنه أصدر مجلة تحتوي على موقف لا وطني من قضية الصحراء، حيث رأى مطيع أن الصحراويين الذين نقاتلهم هم مسلمون وأثر صلاتهم موجودة في الرمال خلافا لما قاله صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني آنذاك من أن غالبية من نقاتل أتوا من كوبا وأنهم «غير مختونين»، أما مطيع فقال هذا خطأ، وأن البوليساريو مسلمون ولا يمكن أن نحارب إخواننا المسلمين. هذا إلى جانب إصداره البيانات ضد عدد من الحركات الإسلامية في العالم العربي، ووعدني بنكيران بأن يرسل لي أعداداً من هذه المجلة، وأخبرني أن الشبيبة الإسلامية في الرباط قررت فصل مطيع الذي اتخذ هذا الموقف اللاوطني بشكل فردي.
{ وماذا كان رد فعلك حين قال لك بنكيران هذا الكلام؟
> > قدمت له نصيحة، وقلت له إذا أردت أن تكون واضحا أصدر بيانا من خلال الجرائد تحدد فيه موقفكم، وشجعته على ذلك فاستجاب لنصيحتي، وبالفعل اجتمعوا على صعيد الرباط وأصدروا بيانا ينددون من خلاله بموقف مطيع اللاوطني ويعلنون انسحابهم من الشبيبة الإسلامية، وحتى ينتقم منهم مطيع أصدر عددا من البيانات باسم المعتقلين في السجون يقولون إن بنكيران ومجموعته خونة يتعاملون مع الأمن، وبدأوا يروجون لدعاية مفادها أن بنكيران خائن يتعامل مع الخلطي ومع الدكتور الخطيب، وأصبحوا يقولون إن هذه خطة مدروسة تستهدف الشبيبة الإسلامية، الخلطي يسيرها أمنيا والخطيب يسيرها سياسيا. وكان هذا البيان الذي نشر في بعض الجرائد قد شفع للسيد بنكيران عندما اعتقل في أواخر سنة 1983 من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بعد اتهامه بتحريض تلاميذ ثانوية بمكناس على التظاهر في الشارع العمومي، ورفع شعارات ولافتات تمس بمقدسات البلاد، حيث كان هؤلاء التلاميذ قد اعترفوا أثناء استنطاقهم بدرب مولاي الشريف أنهم ينتمون إلى الشبيبة الإسلامية وزعموا أن المسؤول عن خليتهم ومحرضهم هو بنكيران. وقد نصحت بنكيران قبل أن يتوجه إلى درب مولاي الشريف أن يأخذ معه نسخة من البيان المذكور ونسخة من ملف طلب تأسيس جمعيته، وهكذا أطلق سراحه، وقدمت مجموعة التلاميذ إلى العدالة.
{ وهل أنت من اقترح عليهم تأسيس الجمعية؟
> > لا، حين قدم بنكيران ومن معه استقالتهم من الشبيبة الإسلامية، قرروا الخروج من السرية والعمل في المشروعية، فجاء المرة الأولى بنكيران لوحده ثم أتى بصحبة عبد الله بها للتشاور معي إن كان بإمكانهم تأسيس جمعية. فأجبتهم أنه يمكنهم ذلك، وقلت لهم أن يعدوا قانونها الأساسي ويركزوا على 3 محاور : موقفهم من الملكية، وموقفهم من وحدة المذهب المالكي، وموقفهم من الصحراء المغربية، ثم يفصحوا عن لائحة المكتب المؤسس.
{ كان هذا اجتهادك الشخصي؟ أم أنك نسقت مع المسؤولين لتقترح عليهم هذا الأمر؟
> > لا، كانت هذه مبادرة شخصية. وقد رأيت وتأكد لي أن بنكيران يرغب في العمل في إطار المشروعية... قال لي إنهم خدعوا، وإن مطيع أوهمهم أن الحسن الثاني هو الظالم و... لكنهم حين اجتمعوا رأوا أن الحسن الثاني كيفما كان فهم يعرفون نسبه بخلاف رؤساء بعض الدول العربية...
{ وماذا كان جوابهم حين اقترحت عليهم هذا الأمر؟
> > اجتمعوا على صعيد الرباط واتفقوا على توضيح النقاط الثلاث في القانون الأساسي للجمعية، لكنهم رفضوا تقديم لائحة اعتماد المؤسسين، وقالوا إن الخلطي يريد أن يضعنا في الفخ ويعرف منا الأسماء من أجل اعتقالنا. ولما أخبرني بنكيران بهذا الموقف اقترحت عليه أن يقدم الأسماء المعروفة لدى الأمن الوطني، أولئك الذين سبق اعتقالهم وأطلق سراحهم، وبنكيران مثلا كان قد حكم عليه بالسجن لمدة 3 أشهر موقوفة التنفيذ في قضية مظاهرة الدارالبيضاء.. وفي نهاية المطاف أسسوا جمعيتهم في نهاية سنة 1983 وقدموا ملف جميعة «الجماعة الإسلامية» إلى السلطات، لكنهم لم يحصلوا على الوصل. وبعد أن استشارني هل يجتمعون أم لا بعد التأسيس، سألته إن كانوا سيصدرون جريدة، فقال لي إنهم سيصدرون جريدة إسمها «الإصلاح»، فاقترحت عليه أن يجتمعوا تحت غطاء الجريدة وينظموا ندوات بإسمها.
{ نريد أن نعرف ما هي حدود الدور الأمني في توجيه مسار الإسلاميين السياسي الذي وصلوا إليه الآن؟
> > سأتكلم بداية عن قضية الحزب، فبنكيران حين وجد حريته في تأسيس جمعية الجماعة الإسلامية التي أصبحت حركة الإصلاح والتجديد فيما بعد أراد تأسيس حزب سياسي، وكانت مجموعته أقوى من العدل والإحسان هنا بالرباط، لكن بالدارالبيضاء كان العكس. ولما لم يتمكن بنكيران من الحصول على حزب سياسي خاص به، فكر في العمل مع حزب الاستقلال، لكن لم يحصل أي اتفاق بينهما، فلجأ إلى الدكتور الخطيب الذي كانت تجمعه علاقات قديمة بالإسلاميين. وبعد أن توصلت بالخبر أردت أن أتأكد من صحته فذهبت إلى الدكتور الخطيب وسألته إن كان سيتبنى حقيقة بنكيران ومجموعته في حزبه، فأجابني أنه اشترط عليهم العمل في إطار المشروعية وأن ينبذوا العنف ويحددوا موقفهم الواضح من الملكية وإمارة المؤمنين.. أما الحديث عن دور الداخلية في هذا الالتحاق، فهو أمر غير صحيح، فالذي قامت به الداخلية هو فقط إعطاؤهم الرخصة. والخطيب كان على اتصال قديم بالحركة الإسلامية، وحتى مجموعة التبين التي تحدثنا عنها، كان الخطيب يرسل بعض الشباب إلى إيران في إطار المشاركة في مباريات تجويد القرآن الكريم.. أما الداخلية فالأجهزة الأمنية لم تلعب أي دور في هذا الاندماج.
{ بنكيران يتعامل مع «الديستي»
> > مرة استدعى علابوش (مدير الديستي آنذاك) وبنهاشم (مدير الأمن الوطني آنذاك) بنكيران، وطلبا منه أن يوقف اتصاله بالخلطي، وأن يطرق بابهما إن احتاج أمرا. فأتى عندي بنكيران وأخبرني بما حدث، وقال لي إنه قد وقع لهما محضرا فقلت له استفت قلبك، إذا وجدت أنهما أرادا لك الخير فتعامل معهما، لكن إذا وجدت العكس فاستفت قلبك. أجابني قائلا : إذا أرادوا أن يعتقلوني فليفعلوا.. فذهب إليهم، وتكرفسوا عليه (الديستي)، وأخبرني أنهم كانوا يزورونه ببيته، ويدوسون زربية غرفته بأحذيتهم، ويدخنون بمكتبه.. فذهبت إلى علابوش وقلت له إنه على رجاله أن يتعاملوا بأخلاق..
{ ما هي أسماء هؤلاء الثلاثة؟
> > (….) كنت أعرف دائما أن اليد الواحدة لا تصفق. كنت أتعاون مع جميع الأجهزة بما في ذلك قسم الشؤون العامة، فمثلا مريزق (المكلف بالشؤون الدينية بقسم الشؤون العامة بولاية الرباط) أنا من عرفته على بنكيران وإخوان آخرين.. وبنكيران كان يقول لي يجب أن تعرف بنا لدى المسؤولين، فعليهم أن يعرفوا من نحن... وكان يأتي لي بجرائده ويطلب مني أن أعطيها للمسؤولين حتى يطلعوا علىمواقفهم.. وقد ساهمت في هذا الأمر إلى أن أصبحت مواقفهم معروفة، وها أنت ترى وضعهم الآن. وبعد دخولهم إلى البرلمان زرتهم بمكتب جريدتهم والتقيت ببنكيران والرميد، وحذرتهما من الغرور ومن الدخول في الصراع مع الاتحاد الاشتراكي..
{ كيف حذرتهم من الاتحاد الاشتراكي؟
> > قلت لهم إياكم ثم إياكم من الدخول في الصراع مع الاتحاد الاشتراكي، فقد يستفزونكم ويتحينوا لكم الفرصة للإجهاز عليكم.. فأجابني بنكيران قائلا نحن لن نخاف منهم، فمادام الحسن الثاني موجودا فنحن في حمايته، وأخبرني بسر لا أدري من أخبره به.
{ ماذا قال لك؟
> > أخبرني أنه يوم تقدمت الكتلة بمذكرتها المشهورة إلى الملك، قال لهم الحسن الثاني إذا لم تراجعوا مذكرتكم هذه، فسأطلق عليكم بنكيران. ورغم هذا حذرته، وقلت له إن الاتحاد الاشتراكي سيتربصون بكم إلى أن يتسببوا لكم في مشكل، وكان ما كان بعد 16 ماي، فقد استغلوها كمناسبة، وها أنت ترى أن الرميد لم يعد رئيسا للفريق النيابي، والريسوني أبعد من رئاسة الحركة.. في البداية كان يسألني بنكيران قبل أن يتخذ أي موقف عن موقف الاتحاد الاشتراكي، لكن فيما بعد أخذهم الغرور، وبدأوا يسلكون سياسة الاستفزاز..


5/8/2015 
..................
 

المعتصم: علاقة بنكيران بالكوميسير الخلطي كانت قيد النشأة والتطور

  • هيئة   التحرير
  • كتب يوم الأربعاء 25 يوليو 2012 م
معلومات عن الصورة : صورة ارشيفية
  … « من كان معتقلا معك في الدائرة الثانية؟ » تتساءل « المساء » فيرد مصطفى المعتصم في الحلقة 19 من مذكراته: »كنت أنا وبنكيران والعربي الطابلة ورشيد حازم »، فتضيف نفس اليومية متسائلة « وحول ماذا كان ينصب التحقيق؟ » يجيب المعتصم مرة ثانية: » حققوا معنا للتأكد من طبيعة علاقتنا بالشبيبة … كنا نشترك الطعام .. والكلام .. وبعد حوالي 30 يوما من اعتقالنا، تمت المناداة على عبد الإلاه بنكيران، وأطلق سراحه، ليبدأ في جمع التوقيعات ممن اعتقلوا في تلك الحملة أو الذين لم يطلهم الاعتقال في عريضة يتبرؤون فيها مما يقوم به مطيع ويعلنون فيها انفصالهم عن الشبيبة الإسلامية »، وحينها تتساءل « المساء » في نفس حلقة المذكرات الواردة في عدد الخميس 26 يوليوز الجاري: »كيف عرفت بأمر العريضة »، فيرد المعتصم: »أدخلها إلينا بنكيران إلى المعتقل »، ثم تستفهم نفس اليومية : »تريد أن تقول إنه أطلق سراحه وأصبح يدخل إلى الكوميساريات بسهولة لجمع التوقيعات؟ »، يجيب المعتصم: »نعم بعدما أُخلي سبيله عاد يطلب مني ومن الإخوة الذين الذين كانوا معي في المعتقل التوقيع على العريضة، وقد زار أيضا العديد من المعتقلات لتفس الغرض ».   وفي نفس السياق تسأل « المساء » المعتصم : »أنت وعبد الإلاه بنكيران كنتما معتقلين في كوميسارية الدائرة الثانية للأمن الوطني بالرباط، حيث كان عميد الشرطة الشعير محمد الخلطي الذي أثارت علاقته بعبد الإلاه بنكيران الكيير من القيل والقال، كيف كانت أنت علاقتك أنت بالخلطي؟ »، يجيب المعتصم: »كما قلت، علاقة الخلطي ببنكيران أثارت الكثير من القيل والقال، وربما كانت هذه العلاقة قيد النشأة والتطور، لكن بالنسبة إلي أنا فلنقل إن علاقتي بالخلطي كانت علاقة الجلاد بالضحية، وكان يسودها الكثير من عدم الاطمئنان، ما زلت أتذكر أنه في إحدى المرات أمر بـ »المجيء بي » إلى مكتبه، وبدا يسألني أسئلة لا أعرف لها جوابا ».
......................






إن النهج الذي كان سائدا، كان يكفل لأي ممثل للسلطة أن يفعل ما يشاء دون حساب أو مساءلة، وكان القائمون على الأجهزة الأمنية يحشرون
أنوفهم في كل شيء، وكانت لهم الكلمة العليا في التعيينات في المراكز المهمة والحساسة، لكن حدثت بعض التغييرات وحقق المغرب خطوات مهمة
في مجال حقوق الإنسان، كما أن الأجهزة الأمنية عرفت كذلك بعض التغيير، فقد قام الملك محمد السادس "بتمدين" "لادجيد" بتعيين مدني على رأسها
بعدما كانت حكرا على العسكريين.
وبعد أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، وأحداث 16 مايو بالدار البيضاء، وأحداث مدريد في الحادي عشر من مارس 2004، طفت على
 السطح إشكالية إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بالمغرب في أفق تقويتها ماديا وبشريا وتكنولوجيا.
ويظل من المفترض أن الأجهزة الأمنية هي الضمانة للأمن والاستقرار وتكريس سيادة القانون، ومن المفترض أن يكون دور رجال الأمن حيويا في
 تأمين السير على درب تكريس الاختيارات الكبرى، وعلى رأسها الآن الانتقال الديمقراطي في إطار حماية الوطن والسهر على مصلحة المواطن،
ولن يتأتى هذا إلا عبر الالتزام بتنفيذ الأوامر والتعليمات كل في موقعه ومسؤوليته وصلاحياته وواجباته حسب ما يقره القانون دون سواه.
من هنا سعينا إلى تقديم صورة موجزة عن المنحى العام الذي حكم تطور الأجهزة الأمنية بالمغرب لإبراز دورها في عصر عولمة الأجهزة الأمنية.
الهاجس الأمني في عهد الحسن الثاني
في بداية عهد الملك الراحل الحسن الثاني عرف المغرب مواجهات قوية بين الاختيارات السياسية للقصر والأحزاب اليسارية التي بلورت شعارات
أكثر راديكالية استهدفت المؤسسة الملكية. وكانت النتيجة اعتقالات بالجملة طالت قادة مختلف التنظيمات السياسية ومناضليها، فمنهم من أعدم في
 السجون ومنهم من تمت تصفيته ومنهم من حوكم غيابيا بالإعدام أكثر من مرة.
آنذاك ارتبطت أجهزة الأمن في ذهن المغاربة بتنغيص الحياة وليس بتوفير الأمن والآمان للناس، بإرهابهم وابتزازهم وبث الرعب في قلوبهم
والتنكيل بهم وتلفيق التهم وفبركة المحاضر وسوقهم إلى المعتقلات السرية أحيانا كثيرة، بناء على معلومات كاذبة أو وشاية مغرضة أو انتقام
لأغراض شخصية بحثة لا علاقة لها بالمزاعم التي عوقبوا أو أدينوا بسببها.
حينها كانت الأجهزة الأمنية تلعب دور المدعي والشرطي والقاضي والسجان في آن واحد، وهذا وضع لا مثيل له في كل الديمقراطيات، حتى الشكلية
منها. فرجال الأمن هم الذين يدعون على الأضناء وهم الذين يداهمون مساكنهم، وهم الذين يقودونهم مكبلين إلى مراكز الاعتقال أو مراكز التحقيق
وهم الذين يقومون بتعذيبهم والاقتصاص منهم بطرقهم التي أبدعوا وتألقوا فيها في الأقبية المظلمة حيث يقضون فيها سنوات دون أن يتمكن ذويهم
 من معرفة مصيرهم ومكان احتجازهم وسبب اختطافهم.
آنذاك سادت فكرة بين رجال الأمن، ذوي المراتب الدنيا، وهي القائلة: "من يحميني إن أنا أردت تطبيق القانون؟". فإذا كان تطبيق القانون حادثا
شاذا
 بينما خرقه يعتبر شطارة وقضاء مصالح.
من هذا المعطى كانت الأجهزة الأمنية أجهزة "خاصة" لأصحاب النفوذ، آخر ما تفكر فيه هي مصلحة المواطن وكرامته، وحل همها كان هو رضا
المسؤولين عنها خدمة لمصالحهم الشخصية. وزاد هذا الوضع تكريسا للوضع بعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، واعتماد الوساطة عند
التعيين الذي كان يتم وفق الولاء لمصالح متبادلة وليس على أساس الكفاءة والمهنية.
وتأكدت خطورة سيادة الهاجس الأمني بالسيطرة الأمنية على المؤسسات وتداعياتها على مختلف جهود الإصلاح. وبذلك ظل أي تغيير سياسي وأية
جهود لتنفيذ الإصلاح، حتى الجزئية منها، مجمدة ودون جدوى. كما ظلت النخبة السياسية فاقدة للقدرة على التأثير، واستهدف الأشخاص وأقصيت
تيارات وتوجهات وغاب أغلب المواطنين عن الحياة السياسية. وبذلك بقي المغرب يترنح في نظام مغلق يسيطر عليه الهاجس الأمني حتى النخاع،
ففقد أبناء المغرب إمكانية التخطيط للمستقبل وللغد الذي يريدونه حقا.
فلم يعد من الأسرار الآن أن الأجهزة الأمنية تدخلت بقوة في اختيار المسؤولين في المستويات العليا وفي التنظيمات السياسية والنقابية. فكل
الأحزاب السياسية لم تستطع الإفلات من قبضة الأجهزة الأمنية، وكل الصحف الجادة كانت فريسة لها. آنذاك لم يكن بالإمكان معرفة ما إذا كانت
الأجهزة الأمنية بالمغرب تسير وفق خطة محددة أو في إطار سياسة أمنية رسمية واضحة المعالم. فكل مسؤول أمني كان يتصرف كالإقطاعي في
إقطاعيته ويأخذ القرار الذي يريد في حق من يريد. وهكذا وقعت انتهاكات جسيمة، منها ما هو مرتبط بالسياسة وبالفعل السياسي، ومنها ما السياسة
بعيدة منه بعد السماء عن الأرض، وسادت حالة من العنجهية الأمنية التي لا ضابط لها. هذه هي أهم سمات الإطار الأمني العام بالأمس. الفلتان
الأمني....
"حاميها حراميها"
إن الفلتان الأمني الذي عاشه المغرب بين الستينات وبداية الثمانينات كان بالأساس من صنع السلطة وعناصر أجهزتها الأمنية القمعية وممارسات
 القائمين عليها وأفرادها. وكأنهم أخذوا على عاتقهم تكريس المثل الشعبي القائل: "حاميها حراميها".
فكم من جرائم وحوادث كانت من توقيع السلطة بواسطة عناصر أجهزته الأمنية، إما مباشرة أو بشكل غير مباشر.
آنذاك لم تكن الأجهزة الأمنية تقوم بدورها في حماية المواطن وإنما تجتهد اجتهادا لتنغيص الحياة عليه. كما أنها لم تكن تقوم بملاحقة أوكار الفساد
وتجار المخدرات، وإنما كانت متواطئة معها، بل أحيانا تقوم بتدبير وتسييرها لجلب الأموال الطائلة منها.
كانت السمة الطاغية هي تجاوز الأجهزة الأمنية للقانون. وقد تعددت وتنوعت الأحداث والوقائع المدلة على غياب القانون وتغييبه وعلى تعنت تلك
الأجهزة ورجالها حتى في القضايا التي لم تكن تمت بأي صلة بالسياسة التي كانت عنوانا للجريمة الكبرى آنذاك. فساد خلط وتماه بين ما هو سياسي
وعدم الالتزام بالقواعد الدستورية على علتها.
التستر على جرائم الأجهزة الأمنية
أغلب الحقوقيين ومناضلي الأحزاب الديمقراطية بالمغرب يعتبرون أن الأجهزة الأمنية مسؤولة، مسؤوليتها واضحة لا غبار عليها، عن الانتهاكات
 الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفتها، ولا زالت تعرفها أحيانا، البلاد.
فالمديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي والجهاز العسكري (المكتب الثاني والمكتب الخامس) و "الكاب 1" سابقا و "الديسطي" و "لادجيد" حاليا،
 كلها ساهمت بقدر أو بآخر في تلك الانتهاكات الجسيمة. وجهاز العدالة بما تضمنه من شرطة قضائية مارست التعذيب ولفقت التهم أثناء البحث.
وكذلك النيابة العامة تسترت وغضت الطرف عن جرائم اقترفتها الأجهزة الأمنية. وهذا في وقت استمرت فيه المتابعات والاعتقالات وطالبت بإنزال
أقصى العقوبات على مناضلين سياسيين وصحافيين، في محاكمات استندت على محاضر مفبركة ومخدومة.
لقد أضحى من الواضح الآن أن فاعلين تابعين للدولة وغير تابعين لها اقترفوا جرائم في حق الإنسان المغربي لكن تم التستر عليهم مع الإصرار
وسبق الرصد. فالأجهزة الأمنية مسؤولة، على 598 حالة وفاة، على أقل تقدير فيما بين 1956 و 1999. وهذا ما أقرت به هيئة الإنصاف
والمصالحة في تقريرها الأخير، علما أن القانون الجنائي المغربي، حتى قبل تعديله، ظل دائما لا يوجب فقط، على الموظفين العموميين ووكلاء
السلطة والأعوان المؤتمرين بأوامر رؤسائهم، التبليغ بارتكاب الجنايات أو محاولة ارتكابها، وإنما يعاقب على عدم القيام بهذا الواجب. فلم يسبق أن
 طبقت هذه الإجراءات بشكل واضح وعلني على موظفي وأعوان الأجهزة الأمنية الاستخباراتية والدركية والعسكرية الذين لم يبلغوا عن القضايا
الإجرامية وإنما قاموا بتنفيذها، بل هناك منهم من اجتهد أكثر من المطلوب واللازم لنيل رضا الرؤساء والتقرب منهم.
الأجهزة الأمنية
كانت الأجهزة الأمنية تنظر إلى المغاربة كأنهم متهمين بالتآمر، وكل ما كان ينقصها هو جمع أدلة الاتهام لتقديم المواطنين للمحاكمة.
وقد قال قائل... كان لابد لعناصرها أن يفعلوا ذلك ليثبتوا أنهم جديرون بالوظائف والمناصب التي يضطلعون بها.
فلو كانت الأمور هادئة مستقرة والشعب منصرفا لحاله فما فائدة وجود تلك الأجهزة التي كانت لا أول لها ولا آخر... فبالأمس كان عدد "البركاكة"
التابعين للأجهزة، عيونها المبثوتة في كل مكان، في كل قرية وفي كل مدينة وفي كل إدارة وفي كل قطاع وفي كل مؤسسة تعليمية. خلال سنوات
الجمر والرصاص كانت الأجهزة الأمنية هي أعلى سلطة في المغرب آنذاك، فقرارها قضاء وقانون، ومصير المرء كان يحدد بمجرد ما يسقط بين
 مخالبها.
لذلك، وبعد أن تغير الوضع ظلت أكثر من جهة تطالب بإبعاد جملة من كبار المسؤولين الأمنيين، لاسيما أولائك الذين ارتبطت أسماؤهم بفظاعة
سنوات الجمر والرصاص، من أجل إعادة ترتيب البيت لتكون تلك الأجهزة في خدمة البلاد والعباد وليس نقمة عليهم.
ومع مرور الوقت، ظهرت بشائر بعض التغييرات، وبدأت التراكمات، وكانت من أهمها تعويض العسكريين بالمدنيين على رأس أهم الأجهزة الأمنية.
وتتكون منظومة الأجهزة الأمنية بالأساس من: المديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي، المكتبين الثاني والخامس (مخابرات عسكرية) و "الكاب
 1" الذي تحول منذ 1973 إلى جهاز لمراقبة التراب الوطني "الديسطي"، (مخابرات مدنية داخلية)، وجهاز المديرية العامة للدراسات
والمستندات "لادجيد" (مخابرات خارجية).
مولد المخابرات المغربية
يعتبر "الكاب 1" منبع كل الأجهزة المخابراتية المغربية. فمنه انبثقت "الديسطي" و "لادجيد"، وكان الجنرال محمد أوفقير أو رئيس "للكاب 1" الذي
 تأسس تحت إشراف المخابرات الفرنسية، لكن سرعان ما تكلفت المخابرات الأمريكية والموساد بإعادة هيكلته.
واعتمد "الكاب 1" في انطلاقته على جملة من عملاء المخابرات الفرنسية، وبعض المقاومين الذين انخرطوا في الأمن الوطني. وعند توظيف عناصر
 جديد كان الاعتماد على القرابة والعلاقات، فمثلا الإخوان العشعاشي (عبد الحق و محمد)، كانا على علاقة مع أحمد أجداين، وإبراهيم أوفقير هو
شقيق الجنرال، والماجي (البوليسي الطالب)، وصاكا عبد القادر وحليم محمد، كانت تربطهم علاقة وطيدة بأحمد الدليمي، في البداية كان تمويل "الكاب
 1" يتم بتخصيص ميزانية توضع في صندوقه الأسود يتصرف فيها الجنرال أوفقير بدون حسيب ولا رقيب (وكان قد كلف أحمد الدليمي بتدبيره)،
وموازاة مع ذلك كان "الكاب 1" يستحوذ على 75 في المائة من مداخيل دور الدعارة التي كانت دائمة الاشتغال بفعل حمايتها من طرف عناصر
الجهاز، ولعدم إثارة الشبهة كانت إدارة تلك الدور والفنادق تعهد لبعض الفرنسيين بعضهم شاركوا بامتياز في عملية اختطاف واغتيال المهدي بن
بركة، وظلت أموال دور الدعارة تتهاطل على صندوق "الكاب 1" فيما بين 1962 و 1974، يتصرف فيها القائمون على الجهاز بدون حسيب ولا
 رقيب.
المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني "الديسطي"
يوم 9 نوفمبر 1999، استدعى الملك محمد السادس وزير الداخلية للحضور إلى مراكش، وهناك إلتقى هذا الأخير بجملة من شخصيات المملكة. في
 ذلك اليوم عين الملك مديرا جديدا لإدارة المحافظة على التراب الوطني، وقال جلالته في كلمته: "لا أريد شرطة سياسية"، وكان هذا التصريح بمتابة
 تعليمات لم يسبق لها مثيل بالمغرب، وحسب بعض الحاضرين أيقن إدريس البصري أنها نهايته.
وعلى المستوى التنظيمي، إن اختصاصات المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني مرتبطة بالأساس بوزارة الداخلية. وليس خاف على أحد أن
إدريس البصري عمل على استغلال موقعه وصلاحياته لتقعيد وضعيته كوزير فوق العادة وفوق كل الوزراء على امتداد أكثر من عقدين. وهذه ليست
حالة الميداوي الذي عوضه ولا إدريس جطو ولا مصطفى الساهل ولا شكيب بنموسى الذي عين مؤخرا وزيرا للداخلية، فالديسطي، بعد إدريس
البصري، ظل على اتصال مباشر بفؤاد عالي الهمة عبر أحمد حراري منسق العمليات سابقا، والذي كان أقرب إلى عالي الهمة أكثر من أي مسؤول
آخر. فالتقارير والجدادات التي تعدها الديسطي للملك تمر عبر فؤاد عالي الهمة.
وبعد أحداث 16 مايو 2003 قام الجنرال حميدو لعنيكري بإعادة هيكلة الديسطي بعد تعيينه رئيسا لها. وقد سهل قانون الإرهاب مهمته هاته، فقد
طلب لعنيكري التفويض الكامل والاستقلالية للقيام بمسؤوليته كمدير جديد للجهاز، وكان هذا على حساب بعض صلاحيات المدير العام للأمن الوطني.
 وهكذا أصبحت مديرية مراقبة التراب الوطني مديرية عامة، وبذلك تحررت من وصاية المديرية العامة للأمن الوطني، وأضحى الجنرال حميدو
لعنيكري يمركز مهمة مكافحة الإرهاب بالداخل والخارج، وبعد تعيينه مديرا عاما للأمن الوطني، عوضه عبد اللطيف حموشي على رأس الإدارة
العامة لمراقبة التراب الوطني مهمتها، كجهاز مخابراتي مدني، التصدي للجاسوسية والإرهاب وحماية الرصيد الاقتصادي والعلمي. وكل نتائج بحثها
مطبوعة بالسرية. وتضم حاليا ما يناهز 8500 عنصر ينشطون في الوزارات والولايات والعمالات والمطارات والفنادق والنوادي الخاصة.
إدارة الأمن الوطني
قبل أن يخلف الجنرال حميدو لعنيكري عبد الحفيظ بنهاشم على رأس الإدارة العامة للأمن الوطني، اضطلع بعدة مهام بالدرك الملكي و "لادجيد" وفي
مجال الاستشارة في الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية بدول الخليج قبل أن يتكلف بإعادة هيكلة إدارة المراقبة أو المحافظة على التراب الوطني
(الديسطي).
وتأسست إدارة الأمن الوطني في مايو 1956، وارتبطت بوزارة الداخلية لتدبير الأمن العمومي. وقد تعاقب على تسييرها الاستقلالي محمد الغزاوي
وأوفقير والدليمي وربيع والوزاني والظريف والميداوي وبنهاشم وصولا إلى الجنرال لعنيكري، وقد سعى هذا الأخير إلى مركزة المعلومة
الاستخباراتية على صعيد الجهات عبر والي الأمن كطريقة للتصدي لتشتت المعلومات ومحاربة البطء في اتخاذ القرارات وضمان القرب من المواطن
 عبر اعتماد شرطة القرب، وقبل هذه الإجراءات تدخل في إطار تجميع الشروط لتحقيق دولة المجتمع. وتتكون الإدارة العامة للأمن الوطني من
خمس مديريات: مديرية الأمن العمومي، مديرية الاستعلامات العامة، مديرية الشرطة القضائية، مديرية الموارد البشرية ومديرية التجهيز والميزانية.
 وهذا بجانب الديسطي والديوان المديري والمفتشية العامة.
وعموما لا يمكن ترجمة الأهداف المتوخاة (شرطة مواطنة كما ينتظرها المغاربة)، على أرض الواقع المعيش اليومي إلا بتأهيل العنصر البشري
وتشبعة بثقافة المواطنة وحقوق الإنسان وتحسين الوضعية المادية لرجال ونساء الأمن سواء على المستوى المهني أو الاجتماعي (المادي)، ليصبح
فعلا رجل الأمن في خدمة المجتمع قلبا وقالبا.
"لادجيد" "المخابرات الخارجية"
يعود إحداث المديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد) إلى سنة 1973 بعد تحويل الكاب 1 إلى إدارة للمستندات والوثائق والمحافظة على
التراب الوطني. ومنذ إحداثها ترأس أحمد الدليمي "لادجيد" إلى حدود ثمانينات القرن الماضي، وبعده ظل كرسي رئاستها شاغرا إلى أن تم تعيين
الجنرال عبد الحق القادري على رأسها الذي اضطلع كذلك بمهمة المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية قبل أن يحال على التقاعد لأسباب صحية
كما تم التصريح بذلك آنذاك. ثم خلفه الجنرال عبد العزيز بناني قائد المنطقة الجنوبية.
وعلى المستوى التنظيمي تظل اختصاصات "لادجيد" مرتبطة بالأساس بإدارة الدفاع، والتي يحددها القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية (الملك).
 ومنذ تأسيسها، ظل رؤساء "لادجيد" من العسكريين، وفي عهد الملك محمد السادس، ولأول مرة في تاريخ المغرب تم تعيين مدني على رأسها،
 ياسين المنصوري مكان وعوض الجنرال دو ديفيزيون أحمد الحرشي. ياسين المنصوري، ابن مدينة أبي الجعد، هو أحد رفقاء الملك في الدراسة،
 وأحد عناصر المجموعة التي كانت تضم فؤاد عالي الهمة وحسن أوريد ورشدي الشرايبي وآخرين.
وياسين المنصوري هو أول مدني يتولى مؤسسة استخباراتية ذات طابع عسكري، بعد الحرشي والقاديري والدليمي.
وكان ياسين المنصوري قد بدأ مشواره بديوان إدريس البصري، إذ كان معبرا أساسيا لمختلف الملفات الحساسة والشائكة، وقبل رئاسته لـ "لادجيد
" خضع في بداية التسعينات لتدريب خاص خارج المغرب بمصالح الأمن الفيدرالي الأمريكي، وبعد رجوعه عين على رأس وكالة المغرب العربي
 للأنباء مكان عبد المجيد فنجيرو، ثم كوالي مدير عام لمديرية الشؤون العامة مكان محمد اظريف، وشكل بمعية فؤاد عالي الهمة ومصطفى الساهل،
الثلاثي القوي في وزارة الداخلية (الإدارة الترابية)، وقد اضطلع ياسين المنصوري بملفات كبرى من قبيل الإعلام والصحافة، والصحراء، والتهريب
 والهجرة السرية.
وتظل مديرية الدراسات والمستندات (لادجيد) تحت إمرة القصر الملكي مباشرة. وتشغل حاليا 1600 مدني و 2400 عسكري (5 في المائة منهم
نساء)، هذا إضافة لفرقة عمل وتدخل، أناس غير مرئيين، مدربون ليظلوا نكرة لا يتعرف عليهم أحد، ويبلغ عددهم ما بين 250 و 300 فرد
ينشطون داخل المغرب وخارجه (في إفريقيا، العالم العربي، أوروبا وآسيا)، ويقال أن ميزانية "لادجيد" تناهز 10 ملايير من الدراهم (100 مليار
سنتيما).
وحسب أكثر من مصدر مطلع، سبق لـ "لادجيد" أن نبهت واشنطن قبل 11 سبتمر 2000 عن إمكانية حدوث أعمال إرهابية بالتراب الأمريكي إلا أن
 المخابرات الأمريكية لم تل أي اهتمام لهذا التنبيه.
وكلاء الملك
تتمثل مهمة وكلاء الملك في تتبع كل إجراءات المتابعة والتحقيق والتقصي ومعاينة ظروف القيام بهذه المهام. وقد أكد المشرع المغربي على ضرورة
القيام بزيارات من طرف وكلاء الملك لمعاينة أماكن الاحتجاز والحراسة والوقوف على ظروفها، كما أكدت وزارة العدل على هذا الإجراء بعد أن
تناسلت الاحتجاجات الحقوقية بخصوص ظروف الاحتجاز والاعتقال وحدوث وفيات في مخافر الشرطة. لكن يبدو أن وكلاء الملك لازالوا يتقاعسون
 في أداء هذه المهمة رغم أهميتها القصوى لارتباطها الوثيق باحترام حقوق الإنسان وكرامته. فإذا كنت الظروف السائدة في السابق تجعل وكلاء
 الملك لا يعيرون أدنى اهتمام لهذه المهمة، فإن الحال قد تغير الآن إذ أضحوا ملزمين بالحرص على عدم تجاوز القانون من طرف أي كان حتى في
 فضاءات الاحتجاز والاعتقال.
ففي الماضي كانت هناك أسباب من شأنها أن تفسر عدم اهتمام وكلاء الملك بهذه المهمة لأن الاعتقالات كانت تتم بقرار سياسي فوقي، وكانوا مجرد
 أدوات لشرعنة ذلك القرار وتمريره في محاكمات ولو صورية. أما اليوم، فالأمر غير الأمس ذلك أن المغرب سائر في درب تقعيد لبنات دولة الحق
 والقانون ودولة المجتمع عوض مجتمع الدولة كما كان سائدا من قبل.
من يراقب الأجهزة الأمنية؟
يعود دور مراقبة الأجهزة الأمنية، حسب الخطاب الرسمي، إلى رئيس الجهاز التنفيذي، الوزير الأول، لكن الواقع المعيش يكذب هذا الإدعاء.
فكل الجهات المتتبعة لعمل ونشاط الأجهزة الأمنية بالمغرب تؤكد أنها لا تخضع لمراقبة الحكومة ولا لمراقبة البرلمان. بل أكثر من هذا، اعتبارا
للفراغ القانوني في هذا المجال لا يمكن لا للجهاز التنفيذي (الحكومة) ولا للجهاز التشريعي (البرلمان) مساءلة الأجهزة الأمنية بالمغرب. ولم يسبق
 في تاريخ المغرب أن عاينا ولو مرة واحدة حضور مدير إدارة مراقبة التراب الوطني (الديسطي) أو مدير الإدارة العامة للدراسات والتوثيق
(لادجيد) للبرلمان للقيام بتصريح أو الجواب على أسئلة أو توضيح قضايا تشغل بال النواب في المجال الأمني، وحتى في حالة وقوع أحداث ضخمة،
كما وقع في الدار البيضاء في 16 مايو، لم يسبق لأي برلماني أن تجرأ وطرح سؤال واضح ومباشر على الأجهزة الأمنية أو يخص المجال الأمني
 بالمغرب.
وفي هذا الصدد سجل المغرب سابقة عندما قرر فريق العدالة والتنمية بالبرلمان طرح سؤال بخصوص ميزانية مديرية المحافظة على التراب الوطني
 تمت مواجهته بشدة وبأسلوب شديد اللهجة على اعتبار أن لا حق لأحد الخوض في مثل هذه المواضيع. وهذا ما يؤكد أن مراقبة الأجهزة الأمنية
بالمغرب خارج عن نطاق الحكومة ونواب الأمة عمليا وفعليا، خلافا لما قد يفهم من الخطاب الرسمي في هذا الصدد.
الأجهزة الأمنية والدبلوماسية
ظلت الأجهزة الأمنية تضطلع بدور مهم في مجال الدبلوماسية المغربية، ويعتبر ملف الصحراء المغربية من الملفات التي تبين بجلاء هذا الدور. فعلى
سبيل المثال لا الحصر نلاحظ بصمات واضحة لأحمد الحرشي (الرئيس السابق لـ "لادجيد")، وقبله عبد الحق القادري في الدبلوماسية المغربية،
وذلك منذ المراحل الأولى لعهد وزير الشؤون الخارجية محمد بنعيسى. فحسب جملة من المصادر الغربية اضطلعت الأجهزة الأمنية المغربية بأولى
المفاوضات السرية مع البوليزاريو في نهاية ثمانينات القرن الماضي.
وفي هذا الصدد كشفت تلك المصادر على عدة زيارات قام بها إدريس البصري رفقه مسؤولين أمنيين كبار إلى جنوب الجزائر للقاء مسؤولين كبار
 في البوليزاريو، ومن ضمنهم محمد عبد العزيز المراكشي.
وذهبت بعض المصادر الغربية إلى القول أنه حدث اختراق متبادل، البوليزاريو تمكنت من اختراق الديسطي المغربية، وتمكنت هذه الأخيرة من
اختراق البوليزاريو والمخابرات الجزائرية في فترة من الوقت.
بطاقات التعريف الوطنية مشروع فرنسي اقتناه المغرب
بطاقة التعريف الوطنية اختزلت وجود المواطن المغربي في رقم مرفوق بحرف من الأبجدية اللاتينية لضبطه ومعرفة سوابقه ومختلف المعلومات
المدون عنه لدى الأجهزة الأمنية، يكفي الضغط على زر لتظهر كل تلك المعلومات على شاشة حاسوب الأمن الوطني.
في الأصل كانت فكرة بطاقة التعريف الوطنية المغربية مشروعا فرنسيا، بلورته وزارة الداخلية الفرنسية لاعتماده إلا أن الفرنسيين رفضوه واحتجوا
 عليه بشدة باعتبار أن تطبيقه يمس بحق المواطن في حياة خاصة لا يسمح لأحد الإطلاع على تفاصيلها. والبطاقة – كما تم التفكير في استعمالها –
 ستمكن أي رجل أمن من التعرف على الشاذة والفاذة في حياة الإنسان العادي المحترم للقانون وغير الخارج عنه، ولم يقبل الفرنسيون اعتماد
 المشروع إلا بالنسبة للمجرمين والخارجين عن القانون والمبحوث عنهم. وهذا ما كان، حيث تخلت الحكومة الفرنسية رسميا على فكرة اعتماد
بطاقة التعريف الوطنية التي ظلت من اختصاص البلديات والهيئات المنتخبة وليس من اختصاص الدوائر الأمنية.
وهو نفس المشروع الذي اقتناه المغرب جاهزا وقابلا للاستخدام واعتمده وطبقه على المغاربة في عهد الوزير المخلوع إدريس البصري، الذي قيل
 عنه، أنه كان يسعى لربط كل مواطن مغربي بتهمة أو مخالفة أو سابقة حتى يسهل ضبطه ومساومته. إذن تسلم المغرب المشروع الفرنسي جاهزا
 وطبقه على المغاربة، وأضحت بطاقة التعريف الوطنية إلزامية بقوة القانون، وفي حالة عدم توفر المواطن عليها يؤدي غرامة محددة سلفا بنص
 قانوني. وبذلك أصبحت بطاقة التعريف الوطنية من الآليات الأمنية الأساسية لضبط المواطنين بعد تعميمها.
مركز تمارة
مركز تمارة، كان أحد الأماكن التي اهتمت بها جملة من وسائل الإعلام، ومنها من نعتته بالسجن الأخضر، ومنها من نعته بالنقطة السوداء أو فضاء
الظلام وموقع وراء الشمس. وحسب مصدر مطلع، تكلف خبراء أمريكيون بالإشراف على إضافة بنايات جديدة بالمركز، زنازين إضافية تستجيب
لمواصفات أمريكية مشابهة لزنازين غواناتانامو (كاشوات فردية). وفي غضون سنة 2002 اتجه عناصر من الديسطي إلى القاعدة الأمريكية
غواناتانامو للمشاركة في استنطاق معتقلي تنظيم القاعدة، إذ تكلف المغاربة بملف أبو زبيدة اليد اليمنى لبن لادن.
وأكثر من مؤسسة حقوقية وطنية وأجنبية أشارت في تقاريرها إلى أن مركز تمارة استقبل مشتبه فيهم، وتم تنقيلهم إلى المغرب للخضوع للاستنطاق
 بتكليف من واشنطن، وفي هذا الصدد كانت تصريحات المعتقل اليمني بمثابة صاعقة اتهم فيها عناصر الديسطي بتعذيبه، وهي التصريحات التي
انقضت عليها جملة من وسائل الإعلام العالمية للتشهير بمركز تمارة.
إدريس بنزكري والديسطي
قبل الحديث عن موقف إدريس بنزكري الكاتب العام للمجلس الاستشاري لحقوق لإنسان بخصوص الديسطي وجبت الإشارة أنه أضحى يعتبر
ممارسة
التعذيب والاختطاف من قبل أعوان الدولة ومن دون اعتراض منها، ليست تجاوزات جسيمة، وإنما هي مجرد تجاوزات وخلل إداري ليس إلا. كما
نفى أن يكون مركز الديسطي مركز اعتقال سري يستعمل فيه التعذيب رغم أن به أماكن مخصصة للبحث والتحقيق، وقد اعتبر الكثيرون هذا
التصريح بمثابة وقاحة لا يمكن أن تصدر عن من خبر بالأمس القريب محن التعذيب وآلام الاعتقال على يد الدولة وأعوانها رفقة العديد من رفاقه
في معتقل درب مولاي الشريف وناضل على رأس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف من أجل كشف الحقيقة والوقوف على دقائق الأمور
بخصوص
 الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وليس بخصوص مجرد تجاوزات وخلل إداري.. أي مجرد احتجاز خارج نطاق القانون ومجرد ممارسة التعذيب
 لانتزاع تصريحات واعترافات وشهادات ومجرد فقدان الحياة تحت التعذيب، ومجرد تلاعب بكرامة المعتقلين، ومجرد استخدام بعض القضاة في
التحقيق والحكم كآلة ضربت ضمانات التحقيق النزيه والمحاكمة العادلة، وأهم مقومات دولة الحق والقانون في قلب صميمها.
هكذا وصف إدريس بنزكري تجاوزات ما بعد 16 مايو وماتلاها. كما اعتبر في تصريحاته، أن مقر الديسطي بتمارة ليس بمركز سري ما دام هو
معروف لدى العام والخاص منذ 1973، وهذه حقيقة أصاب فيها، لكنها بمثابة حق أريد به باطل، فمديرية مراقبة التراب الوطني (الديسطي)، لا
علاقة لها قانونيا ومسطريا ولا إجرائيا بالجهاز الأمني الذي خول له القانون حق إجراء البحث التمهيدي والتحقيق القضائي، والتي هي من
اختصاصات الشرطة القضائية، تحت إمرة النيابة العامة دون سواها. وبالتالي فإن المشرع المغربي لم يجز تسلط جهاز الديمقراطية على سلطات
رجال الشرطة القضائية باعتبار أن لا حق لها قانونيا إجراء الأبحاث القضائية، لأنها بكل بساطة لا تخضع لتعليمات النيابة العامة ومراقبتها، علما أن
القانون صريح في هذا المجال، فمن يقوم بالاستنطاق يجب أن يكون خاضعا لتعليمات النيابة العامة ومراقبتها، وهذه ليست حالة الديسطي الخارجة
كليا عن هذه المراقبة.
وهذا، علاوة على أن عدة مصادر أقرت بإشراف عناصر من المخابرات الأمريكية (سي. إي. يا)، على جملة من التحقيقات بمركز تمارة، ويكفي
 القول أن هذا المركز مجهول لدى النيابة العامة ولا يلجه المحامون خلال الحراسة النظرية ولا تعرف الأسر أن ذويهم معتقلين به.
الأجهزة الأمنية والتعذيب لصالح العم سام
أكد تقرير "ديك مارتي" قيام عناصر من الأجهزة الأمنية المغربية باستنطاق متهمين، وذلك بتكليف من المخابرات الأمريكية، وأقر بممارسة التعذيب
لاستخراج جملة من الاعترافات.
و"ديك مارتي" هذا هو سيناتور سويسري، تكلف بمهمة القيام بالبحث والتقصي بخصوص المعتقلات السرية المستعملة من طرف الأمريكيين خارج
تراب الولايات المتحدة الأمريكية، وقد قاده التقصي عن حقائق بالمغرب حيث وقف، حسب تقريره، على حقائق تفيد بنقل مشتبه فيهم إلى التراب
 المغربي واخضاعهم للاستنطاق لفائدة واشنطن.
وحسب بعض المحللين لم يكن أمام المغرب اختيار، وكان لزاما عليه مسايرة رغبة واشنطن اعتبارا لعدم رغبته في تحمل معاداة البنك الدولي وكذلك
نظرا للتداعيات الأخيرة المرتبطة بملف الصحراء، علما أن الجزائر ظلت على استعداد دائم للسير في هذا الاتجاه قصد المزيد من الاستفادة من
علاقتها بواشنطن، لاسيما بخصوص التسلح، وهذا، دون نسيان أن "الرؤوس الأمنية" بالمغرب هي هي، ظلت تحتل مواقعها إلى الآن ومن شأنها
تسهيل السير في اتجاه الخضوع لكل طلبات واشنطن كشكل من أشكال ضمان سلامتهم، لا سيما وأن المطالبة بالمحاسبة لازالت قائمة وينادي بها
قسم كبير من المجتمع المغربي.
المعلومة "الأمنية"
إن السياسة الأمنية تظل مرتكزة بالأساس على سرعة وضع اليد على المعلومة. وذلك قصد الاستعداد للآتي، وقصد الاحتراز وضمان السبق في أخذ
 المبادرة، وللقدرة على انجاز الخطوة الإستباقية والتنبؤ، لأن كل شيء في مجال تدبير الشؤون الأمنية يرتكز على المعلومة كأداة لتأمين التراب
 والسكان. وتبرز كذلك أهمية المعلومة في بعدها الاقتصادي والتكنولوجي. وهذا ما يميز منظرو السياسة الأمنية بالمغرب اليوم عن منظور الأمس
 الذي كان مقتصرا على البعد السياسي المرتبط قصرا بالصراع حول السلطة داخليا.
وفي هذا الصدد قد يبدو تداخله فوضوي ظاهريا بين مكونات الأجهزة الأمنية المغربية: (الديسطي، لادجيد)، الاستعلامات العامة، المكتب الثاني
 والمكتب الخامس للقوات المسلحة الملكية)، وهذا من شأنه أن يوحي بأن المغرب دولة بولسية في هيكلته.
بالأمس القريب كانت كل الأجهزة الأمنية بالمغرب تحت إمرة مسؤولين عسكريين، ما عدا الاستعلامات العامة وإدارة الأمن الوطني، فالجنرال أحمد
 حرشي كان على رأس "لادجيد" (قبل ياسين المنصوري ولعنيكري على رأس الديسطي (قبل اضطلاعه بمسؤولية مدير العام لإدارة الأمن الوطني)،
 وأحروش بن علي على رأس المكتب الثاني والجنرال بلبشير على رأس المكتب الخامس، وظل المنسق بين بعض هذه الأجهزة (ليست كلها) هو
الوزير المنتدب بوزارة الداخلية فؤاد عالي الهمة.
والقاسم المشترك بين كل هذه الأجهزة هي المعلومة، فهل هناك تداخل في مهامها أم هناك تكامل؟ وهل تقوم بوظيفتها في إطار القانون أم فوقه وعلى
هامشه؟ بالأمس القريب كان من الصعب طرح مثل هذه الأسئلة والتوصل إلى إجابات عليها باعتبار أن الأجهزة الأمنية كانت من عالم الغيب
والخوف، ورغم العلم بوجودها لا يمكن الحديث عنها، وذلك لسبب بسيط وهو أن اهتمام تلك الأجهزة كان مصوبا ضد المغاربة المعارضين سياسيا
وإيديولوجيا، وهذا ما طبع سنوات الجمر والرصاص، أما الآن، فالسائد هو اعتبار الأجهزة الأمنية شر لابد منه، لكن شر بالنسبة لمن؟ ولماذا لابد
 منه؟
فإذا كانت هناك ضرورة فلابد أن هناك شر، وهذا الشر البارز حاليا هو الإرهاب. وحول الإرهاب بالأساس تتمحور مهمة الأجهزة الأمنية المغربية
 في الفترة الحالية. شخصيات يشار إليها بالبنان بعد وفاة الملك الحسن الثاني كسر المغاربة حاجز الخوف وبدؤوا يشيرون بالبنان لأشخاص ساهموا
بشكل أو بآخر في فظاعات سنوات الجمر والرصاص. ولازالت الجمعيات الحقوقية المغربية متمسكة بمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات الماضي،
مفسرة تمسكها هذا، كون الإفلات من العقاب قد يؤدي إلى تكرار ما جرى في الماضي. وإذا كانت هذه الجمعيات تعتبر أن توصيات تقرير هيئة
الإنصاف والمصالحة إيجابية في مجملها، إلا أنها غير كافية لإقرار دولة الحق والقانون التي تعد الضمانة الأساسية لعدم تكرار الانتهاكات مستقبلا.

كما أن الكثير من المغاربة تساءلوا بخصوص كيف يمكن ضمان مستقبل حقوق الإنسان، إذا اعترفت الدولة بانتهاكات الماضي بدون اعتذار عنها
 وبدون أي حديث عن محاسبة من اقترفوها أو ساهموا في اقترافها، علما أن هيئة الإنصاف والمصالحة أقرت بمسؤولية أجهزة أمنية مختلفة في
الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إنها أقرت بثبوت مسؤولية مشتركة بين أجهزة متعددة.
وظل وزير الداخلية المخلوع إدريس البصري لعقود مسيطرا على الأجهزة الأمنية المغربية، وكان رجل الثقة الأول للملك الراحل الحسن الثاني، لذا
يظل متهما من قبل الحقوقيين بكون أحد أبرز المعتدين على حقوق الإنسان والدوس عليها. ومن الشخصيات التي ظل يشار إليها بالبنان، هناك
عناصر الكاب 1 الذين لا زالوا على قيد الحياة والقائمين على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والقائمين على المعتقلات السرية وللجنرال حسني
بنسليمان الذي كان قبطانا في مكتب أوفقير في منتصف ستينات القرن الماضي.
الخلطي، جلاد الطلبة
الخلطي، كوميسير اشتهر بين طلاب جامعة محمد الخامس بالرباط في السبعينات. آلاف من طلبة كليات تلك الجامعة ذاقوا التعذيب إما على يده أو
 بفعل أوامره. والخلطي هذا، من رجال الأمن القلائل الذين قدموا نقدا ذاتيا علنيا عما صدر منه من أفعال ماسة بحقوق الإنسان وكرامته. كما أنه
كشف عن جملة من الوقائع والأحداث، سواء على صفحات بعض الصحف المستقلة أو على شاشة القناة الفرنسية فرانس 3، ومن ضمن ما كشف
 عنه تعامل عبد الإله بنكيران معه عندما كان هذا الأخير طالبا، إذ صرح الخلطي، والعهدة على الراوي، أن عبد الإله بنكيران كان أحد مخبريه من
سنة 1973 إلى حدود الثمانينات، وكان يتقاضى أجرا عن هذه المهمة. الوفاة في ضيافة الشرطة الموت في مخافر الشرطة في ظروف غامضة أثناء
التحقيق... إشكالية كانت ولازالت قائمة إلى حد الآن، إنها ظاهرة يسميها الحقوقيون: القتل في ضيافة الشرطة خارج إطار القانون.
وإذا كانت بعض الحالات القليلة جدا قد عرضت على أنظار العدالة إلا أن حالات كثيرة ظلت بدون تحقيق رغم إجراء عدة وقفات تنديدية بصددها من
 طرف الحقوقيين وفعاليات المجتمع المدني.
فهناك حالات عديدة من الوفيات في ضيافة الشرطة في أغلب المدن المغربية، لكن النيابة العامة لازالت تتحاشى كثيرا الاستجابة، لمطالب القيام
بتحقيق في مثل هذا النوازل، رغم أن مقتضيات القانون الجاري به العمل في هذا الخصوص، على علتها، تجيز ذلك.
تكاد لا تخلو قضية كبيرة من حدوث وفاة أثناء التحقيق، فهذا ما حدث في ملف السلفية الجهادية وكذلك في ملف اختلاس أواني من القصر الملكي.
 وتظل نادرة جدا هي حالات الوفاة التي خضعت لإجراء تشريح الجثة وفتح تحقيق بصددها، في حين أنه من المفروض القيام بذلك، وبدون أن
نطالب أي طرف بذلك اعتبارا أن الأمر يتعلق بأحد أهم حقوق الإنسان، الحق في الحياة.
التنسيق الأمني المغاربي – الفرنسي
حسب المعطيات المتوفرة ظلت عملية تبادل المعلومات قائمة بين مخابرات الدول المغاربية فيما بينها من جهة، وبينها وبين المخابرات الغربية من
جهة أخرى. ظلت تتم عمليات التبادل المعلوماتي بين الأجهزة الأمنية المغاربية والغربية بخصوص اللاجئين السياسيين والمعارضين من الباسك في
 الجزائر والمغرب أو أعضاء الجيش الجمهوري الايرلندي في ليبيا، في المقابل تحصل الدول المغاربية على معلومات دقيقة بخصوص معارضين
مغاربيين في فرنسا وإسبانيا والجزائر بخصوص المغرب، وفي موضوع قضية بن بركة كان هناك تنسيق كامل بين المخابرات المغربية والمخابرات
 الفرنسية من البداية حتى النهاية، فكان الفرنسيون يزودون المغاربة بأدق المعلومات عن بن بركة واتصالاته والشخصيات التي يلتقي بها. كما لجأ
 الملك الراحل الحسن الثاني إلى استثمار علاقاته الوطيدة بكبار الرسميين في فرنسا والذين كان يستضيفهم بالشهر والشهرين يقضونها في قصوره،
ومنهم الرئيس السابق جيسكار ديستان وغيره. وقد أكد أكثر من شاهد أن هناك ثلاثة أجهز أمنية شاركت في عملية اختطاف المهدي بن بركة، وهي
 المخابرات الفرنسية والموساد الإسرائيلي والمخابرات المغربية، إضافة لمساعدة المخابرات الأمريكية.
وذكرت بعض المصادر أن الملك الراحل الحسن الثاني كافأ الموساد بكم هائل من المعلومات عن مجموعة من الفصائل الفلسطينية ورجالاتها الذين
كانوا يستخدمون أسماء مستعارة وحركية في العديد من العواصم الغربية. وعموما تخشى حاليا الدوائر الأمنية في بلدان المغرب العربي أن يؤدي
الاسترسال في الكشف عن خبايا التعاون والتنسيق بين الأجهزة المغاربية إلى المزيد من فتح ملفات الاغتيال السياسي في المغرب العربي، الشيء
الذي من شأنه تشجيع مبادرة أهل الضحايا إلى رفع دعاوى ضد الحكام والمسؤولين الأمنيين المغاربيين في محكمة بروكسيل التي في طريقها
لمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون. وهذا التخوف لم ينبعث من فراغ، إذ توصلت عواصم المغرب العربي بتقارير تفيد بأن مجموعة
من الأشخاص بصدد إعداد ملفات مشفوعة بأدلة وبراهين وحجج لتقديمها للمحكمة البلجيكية.
في هذا الصدد دعت الكثير من الجهات عواصم غربية لتميط اللثام عن الأدوار التي اضطلعت بها أجهزتها الأمنية في تصفية عشرات من المعارضين
المغاربيين لجأوا إلى الغرب للحصول على الأمان المفقود تحت شمس وطنهم، وعلى رأس هاته العواصم باريس. الأجهزة الأمنية والعراق لقد نشرت
 صحيفة استرالية ومنابر أخرى أن عناصر من المخابرات المغربية والجزائرية والتونسية توجهت إلى العرق في غضون سنة 2004، وتحديدا إلى
 الحدود العراقية السورية من أجل التعاون مع السلطات الأمريكية لتحديد هويات المتطوعين العرب في فرق المقاومة وكشف الشبكات المكلفة
باستقطابهم في الدول المغاربية.
علما أن جملة من عناصر الأجهزة الأمنية المغربية سبق لها أن خضعت لتداريب في الولايات المتحدة الأمريكية حول الطرق الحديثة لمحاربة
الإرهاب، كما أن مصادر حسنة الإطلاع أفادت أن واشنطن زودت المغرب بمعدات متطورة لتحديد الهوية عبر جهاز شامل مرتبط بشبكة وطنية
ودولية، كما أنه، في هذا الصدد، وجبت الإشارة إلى محاكمة بعض المغاربة بتهمة محاولة الدخول إلى العراق للمشاركة في قتال الأمريكيين والمقاومة
 ضد الاحتلال بجانب جماعة أبو مصعب الزرقاوي، كما أشارت أكثر من صحيفة أن الأجهزة الأمنية المغربية اعتقلت عشرات الشباب في هذا الإطار
 (خلية سلا الإرهابية).
وحسب تقرير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تعرض واحد وعشرون شخصا من المعتقلين للتعذيب، كما سجلت جملة من وسائل الإعلام التنسيق
 المكثف بين الأجهزة الأمنية المغربية والجزائرية والسورية في هذا الصدد.
الأجهزة الأمنية المغربية و "سي. إي. يا"
منذ 11 سبتمبر 2001، ظهر بجلاء اهتمام المخابرات الأمريكية بمنطقة المغرب العربي، وزاد هذا الاهتمام بعد تغلغل الجماعات الإرهابية المرتبطة
 بتنظيم القاعدة في منطقة شمال إفريقيا والساحل الإفريقي، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى الاهتمام أكثر بالمنطقة في إطار الاستراتيجية الأمنية
 والعسكرية التي بلورتها واشنطن. وتتوخى الخطة الأمريكية تشديد الخناق على التنظيمات الإرهابية وتتبع حركاتها عن قرب لضربها في مواقعها.
وقد سبق لصحيفة ألمانية أن أثارت إشكالية وجود مراكز اعتقال سرية بالمغرب موضوعة تحت تصرف "سي. إي. يا"، وذلك بمناسبة نشرها لملف
 واف بخصوص المواطن الألماني، محمد حيضر زمار، الذي صرح أنه تعرض للتعذيب بالمغرب على يد مغاربة وأمريكيين، علما أن الحكومة
المغربية ظلت تنفي، جملة وتفصيلا وجود مراكز اعتقال سرية استضافت متهمين اعتقلهم الأمريكيون، أما أحزاب الأغلبية فقد اختارت الصمت ولم
تنبس بكلمة بهذا الخصوص.
كما كشفت جملة من المصادر أن أكثر من 10 مشتبه فيهم تم تنقيلهم إلى المغرب من طرف المخابرات المركزية الأمريكية قصد الخضوع للاستنطاق
من طرف مغاربة في أماكن سرية بالتراب المغربي.
وقد أكد أكثر من مصدر أن 18 مغربيا من بين معتقلي كواناتانمو، ومن ضمنهم عبد الله تابرك الحارس الشخصي لأسامة بن لادن والذي تمكن من
 الإفلات من المصيدة الأمريكية، استنطقوا من طرف مغاربة. وحسب صحيفة "واشنطن بوست" و "سيتل تايمز"، أن المحققين المغاربة هم الذين
 توصلوا إلى كشف مهمة ودور عبد الله تابرك في تنظيم القاعدة بعد أن قاموا باستنطاقه تحت إشراف الأمريكيين بمعتقل كواناتانامو.
وحسب موقع (Planète non violence) تعمل الولايات المتحدة الأمريكية حاليا على مساعدة المغرب في تشييد مركز لاستنطاق المشتبه في
 انتمائهم لتنظيم القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى، مع الإشارة إلى أن هذا المشروع ينجز تحت إشراف المديرية العامة للمحافظة على التراب
الوطني (الديسطي). وسيتم تشييده بعين عودة، جنوب الحي الدبلوماسي بالرباط بموقع يدعى "قريفلة" على بقعة أرضية محاطة بأشجار كثيفة من
جميع الجوانب وكائنة في محل وعر لا يمكن الوصول إليه إلا عبر مسلك واحد ووحيد، وهو مكان يشبه موقعه موقع مركز تمارة المحاط كذلك
بأشجار تحجبه عن العيون، وهو المكان الذي استضاف المدعو نيام محمد، الإنجليزي المزداد بأثيوبيا.
ويقول هذا الأخير أنه اعتقل فيه مدة سنة ونصف قبل ترحيله إلى أفغانستان في غضون شهر يناير 2004، ومن ثمة إلى معتقل عواناتانامو. كما
 تشير جملة من التقارير أن منظمة العفو الدولية وضعت يدها على جملة من الشهادات المرتبطة بمعتقل تمارة. وأشار "ديك مارتي"، عضو المجلس
 الأوروبي، في تقريره إلى رحلات جوية بين واشنطن وكواناتانامو والمطار العسكري للرباط – سلا.
وحسب مصادر دبلوماسية والمخابرات الفرنسية، تم في الأسبوع الأول من شهر دجنبر 2004 ملاحظة، هبوط 4 مشتبه فيهم معصوبي العينين
ومكبلي اليدين من بوينغ 707 حطت بمطار سلا، ثم وجهوا صوب سيارات أمريكية كانت في انتظارهم بمدرج المطار، وهذا ما نشرته كذلك
صحيفة "ساندي تايمز أون لاين" في منتصف شهر فبراير، مضيفة أن رونالد رامسفيلد زار المغرب يوم الأحد 12 فبراير 2006 للبث بمعية
مسؤولين حكوميين مغاربة في قضية فتح فرع لمكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية (إف. بي. أي) بالمغرب.
عولمة الأجهزة الأمنية
حسب الإعلام الإنجليزي، لاسيما صحيفة "إل. إيه، تايمز" قامت الأجهزة الأمريكية منذ ضربات 11 شتنبر 2001، بتوظيف الأجهزة الأمنية العربية
بشكل مباشر لخدمتها بذريعة محاربة الإرهاب في سياق استراتيجية أمنية أمريكية تقوم على مبدإ توطيد الارتباط مع الأجهزة الأمنية الأجنبية،
عوض محاولة القيام بكل المهام الأمنية المجهودات أمريكية محضة.
وإذا كان التعاون الأمني بين بعض الأجهزة الأمنية العربية (ومن ضمنها المغربية)، والأجهزة الغربية قديما، فإن الجديد بعد 11 شتنبر 2001، هو
 الطريقة التي بات يدار بها هذا التعاون، فالمخابرات المركزية الأمريكية (سي.إي. يا) باتت تشرف مباشرة على العمليات الميدانية اليومية،
وعمليات الرصد والاختراق والاعتقال التي تقوم بها بعض الأجهزة الأمنية العربية بعد أن تخططها الأجهزة الأمنية الأمريكية.
وحسب صحيفة "واشنطن بوست"، "القدم التي تدفع الباب محلية، ولكن مراكز مكافحة الإرهاب الاستخباراتية التي تقودها المخابرات المركزية
الأمريكية هي التي تشرف على الأمر كله من ألفه إلى يائه".
وزارة الأمن الوطني
قبل التعيينات الأخيرة دار الكثير من الحديث بخصوص إنشاء وزارة للأمن الوطني بالمغرب، ولا زال الحديث ساريا بهذا الخصوص. وإن تم هذا،
فستكون أول مرة في تاريخ المغرب يتم فيها تعيين وزيرا مكلفا بالأمن، حسب بعض المصادر، إن إحداث هذه الوزارة مطلب أمريكي لمواجهة
 التهديدات الإرهابية.
ومن المعلوم أن بعض الأحزاب السياسية المغربية طالبت بإحداث وزارة تتولى تدبير الشؤون الأمنية، كما دعت إلى الاهتمام بوضعية رجال الأمن
وتحسين ظروفهم المعيشية والمادية حتى يتسنى لهم أداء الدور المنوط بهم على أحسن وجه ودون اللجوء إلى أساليب ملتوية للبحث عن مبالغ مالية
لتجاوز ضائقتهم.
خلاصة القول
إن سياسة العقاب والزج بالمعارضين في السجون بالجملة كانت هي الحل المعتمد من طرف الأجهزة الأمنية ذلك أن التاريخ قدم دروسا سياسية
 أبرزت أن العنف لا يمكن إيقافه بعنف مضاد.
ومن المعلوم، أن الأجهزة الأمنية هي صاحبة النفوذ الرئيسي على امتداد بلدان العالم العربي، بصرف النظر عن طبيعة النظام، ملكيا كان أم
جمهوريا، والآن، لم يعد هدف الحركة الشعبية هو تغيير الأنظمة بقدر ما تذكر بأن الشعب هو المصدر الحقيقي للسلطة وليس الأجهزة الأمنية.
ويظل جوهر المسألة أن المؤسسات الأمنية تعتبر هي المؤسسات التي تمتلك السلاح، وهي أكثر المؤسسات تنظيما، وأنها تتميز بتقاليدها الخاصة
المميزة لها عن أجهزة الدولة الأخرى.
وقد تؤدي في بعض الظروف إلى انحراف نتيجة إحساس القائمين على أمور الأجهزة الأمنية، المبالغ فيه كونهم هم المسؤولون عن تحديد المصلحة
الوطنية وليس المؤسسات السياسية والتشريعية المنتخبة من طرف الشعب، وبذلك تنقلب الآية، إذ أن الذين يعهد إليهم توفير الأمن للمواطنين، هم
الذين ضيعوا الأمن وتآمروا عليه.
مع التحية .
....................
 

أسرار مدح بنكيران للملك محمد السادس على الدوام

أسرار مدح بنكيران للملك محمد السادس على الدوام
(الجزء الأول)
"لم أخرج خلال 20 فبراير لأنني أخاف على الملكية".."المغرب إما يكون بالملكية أو لا يكون".."الملك أب لجميع المغاربة"..هذه بعض العبارات التي ما فتئ يصرح بها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بخصوص الملكية بالمغرب سواء بمناسبة أو دون مناسبة؛ وهو ما جعل عشاق العد يتتبعون كلامه خلال برنامج "بلا حدود" في قناة الجزيرة، ويحصون عبارة "جلالة الملك" التي ترددت على لسان رئيس الحكومة 37 مرة في حلقة من 50 دقيقة، فزعيم حزب المصباح حريص على تأكيد دور الملكية في الحكم بالمغرب، وبأن اختصاصه كرئيس حكومة منتخبة بعد الربيع الديمقراطي الذي عرفه المغرب لا يعني نكران دور الملك في الخارطة السياسية المغربية.
تجربة بنكيران السياسية تجعله يدرك الفرق بين مواقفه الشخصية وقناعاته السياسية، لذلك فعدد من المراقبين يرون أن هذا الرجل ليس سوى انعكاس لسياسة حزب العدالة والتنمية التي لا تريد الدخول في مواجهة مع المحيط الملكي، وهو ما يتأكد عبر دعم أعضاء الحزب المطلق لبنكيران وانتخابه أمينا عاما للحزب للمرة الثانية على التوالي في تشجيع له على المضي قدما على نفس المنهج الذي سار عليه طوال 7 أشهر من الحكم، بينما لا يربط رأي آخر بين هذا الدعم الحزبي لبنكيران وبين آرائه الشخصية، ما دام عدد من أعضاء أمانته العامة كانوا قد أيدوا الحراك الاجتماعي ورفعوا شعار الملكية البرلمانية، وهو الشعار الذي يعاديه بنكيران..

غير أن الاعتذار الذي قدمه رئيس الحكومة أخيرا للمحيط الملكي خلق الكثير من الجدل عن حقيقة العلاقة بين القصر وزعيم الحكومة الملتحية، ليظهر أن هذه العلاقة ليست دائما وردية الشكل والمضمون، وأن هناك مدا وجزرا قد يرمي يوما بنكيران في شط المغضوب عليهم..
فهل صحيح أن بنكيران يحاول التقرب من المؤسسة الملكية؟ وإن سلمنا بإمكانية هذا الأمر، فهل الأمر يتعلق بقناعة شخصية أم بموقف عام لحزب المصباح؟ لماذا يحرص بنكيران أثناء كل حديث صحفي على إظهار مكانة الملك لديه؟ ألا يعتبر الأمر تملقا أم أن الأمر يعتبر تصريفا لإرادة فئات واسعة من الشعب المغربي مقتنعة تماما بدور الملك في العمل السياسي؟ ثم كيف ينظر القصر الملكي لبنكيران؟..
بنكيران..صديق الملكية حتى قبل ولادة العدالة والتنمية..
قدم محمد الخلطي ـ الذي يعتبره البعض واحدا من جلادي سنوات الرصاص ـ في حوار أجرته معه أسبوعية الأيام سنة 2005، مجموعة من الحقائق حول بدايات بنكيران في العمل السياسي، فبعد إعلان مطيع زعيم حركة الشبيبة الإسلامية عن عدم شرعية قتال البوليساريو الذين كان يراهم مسلمين شأنهم شأن المغاربة، قرر بنكيران وعدد من زملائه الخروج من هذا التنظيم سنة 1981 ، وقد كان بيان نشره مطيع حول خيانة بنكيران له هو السبب في عدم اعتقال هذا الأخير رغم أنه اتهم بتحريض مجموعة من التلاميذ على الاحتجاج وفق ما قالت الشرطة القضائية سنة 1983.
وأسس بنكيران بعد ذلك الجماعة الإسلامية، وساهم في تحويلها من بعد إلى حركة الإصلاح والتجديد حيث كان متعاونا مع السلطات المغربية، فقد كان السبب في توقيف بعض أعضاء جماعة التبيين، ثم حاول بعد ذلك التقرب من حزب الاستقلال. ولما فشل التحق بحزب عبد الكريم الخطيب سنة 1992، و قد صرح الخلطي بأن بنكيران كان محميا من طرف الراحل الحسن الثاني، وأن هذا الأخير كان قد هدد الكتلة الديمقراطية يوما أنها إن لم تراجع المذكرة التي قدمتها له، فسيطلق عليها بنكيران.
ومن هذا الجرد التاريخي البسيط عن بدايات بنكيران في العمل السياسي، يظهر أن الرجل عدٌل بسرعة من قناعته السياسية واختار العمل السياسي الشرعي القائم على الاعتراف بالمؤسسة الملكية وبل وحتى التقرب منها، وهو ما يؤكده إدريس الكنبوري الباحث في الحركات الإسلامية حيث قال إن موقف بنكيران من المؤسسة الملكية ليس جديدا، وبكونه كان يبحث عن الثقة الملكية منذ بداية الثمانينات، وقد ساعدته في مسعاه عدد من الوقائع مثل تجربة الصدام الذي حصل بين الشبيبة الإسلامية وبين المؤسسة الملكية، وكذلك الخصومة السياسية بين جماعة العدل والإحسان والحسن الثاني.

وأردف الكنبوري قائلا: "بنكيران كان يرى أن الإصلاح في المغرب لا يمكن أن يكون إلا بدعم ملكي، وأن الحركة الإسلامية ـ في تصوره ـ يجب أن تتعاون مع الملكية، وقد تبلور هذا الموقف بشكل خاص في مشاركة الحركة في جامعة الصحوة الإسلامية في الثمانينات التي أشرف عليها وزير الأوقاف السابق عبد الكبير العلوي المدغري، بضوء أخضر من الحسن الثاني الذي كان يريد إدماج جزء من الإسلاميين في المجال السياسي، وهي خطوة جاءت بعد تداعيات الثورة الإيرانية في الثمانينات التي مست الشأن الديني في العالم الإسلامي كله بدون استثناء، وتمثلت سياسة الدولة ردا على تلك التداعيات في أمرين: إنشاء المجالس العلمية لإدماج العلماء، وتنظيم جامعة الصحوة لإدماج الإسلاميين".
ويرى بلال التليدي، عضو المجلس الوطني حزب العدالة والتنمية، أن مواقف بنكيران من المؤسسة الملكية كانت حصيلة قراءة سياسية دقيقة لطبيعة النسق السياسي المغربي، حيث أشار إلى أن مواقف بنكيران كانت تندرج ضمن الجواب السياسي الذي يركز في سقف تطلعاته على دمقرطة نظام الحكم، وفي نفس الوقت الحفاظ على المؤسسة الملكية باعتبارها رمز وحدة واستقرار المغرب والضمير التحكيمي.

"بنكيران حاول بلورة هذا الجواب مبكرا في بداية الثمانينيات، لكن السياق السياسي لم يكن مساعدا، إذ تبلورت رؤيته السياسية في لحظة وصول الشبيبة الإسلامية إلى أزمتها السياسية، وتدشينها لسلسلة من المراجعات" يضيف التليدي.
ويستطرد التليدي بأن مواقف بنكيران اتجاه المؤسسة الملكية كانت مؤطرة، من جهة أولى، بالرغبة في إحداث تحول فكري وتنظيمي وسياسي داخل الحركة الإسلامية، ومن جهة ثانية في بناء الثقة ليس فقط مع المؤسسة الملكية ولكن مع مختلف الفاعلين السياسيين في اتجاه التطبيع السياسي، ومن جهة ثالثة، في تيسير الطريق نحو المشاركة السياسية باعتبارها في منظور بنكيران منهج الحركة لسعي المتدرج نحو تحقيق الديمقراطية.
خليوا عليكم الملك فالتيقار..
علاقة الود لبنكيران مع الملكية تبلورت أكثر في عز الحراك الاجتماعي الذي عرفه المغرب السنة الماضية، فقد رفض زعيم حزب المصباح الخروج في مظاهرات حركة 20 فبراير، وصرح حينها بأنه ضد الملكية البرلمانية التي نادى بها حتى أفراد من داخل حزبه، كما وصف شباب الحركة بـ"الطبالة والغياطة"، ورغم أن قراره أصاب الحزب بنوع من التصدع خاصة بعد خروج شبيبة الحزب مع المظاهرات، فقد أصر بنكيران على موقفه وشبه المغرب بـ"لفلوكة" التي قد تغرق إذا استمرت المظاهرات في الشارع.
وحاول بنكيران في الوقت ذاته انتقاد بعض الأشخاص المقربين من الملك، ومنهم فؤاد عالي الهمة الزعيم السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، ومنير الماجيدي سكرتير الملك، إضافة لانتقاده الدائم لمدراء القطب العمومي خاصة سميرة سيطايل وهي المرأة ذات العلاقات النافذة مع الدولة، مما يظهر أن بنكيران ـ وإن كان حريصا على خطب ود القصر ـ فهو لم يقبل بوجود بعض من يمسون وجود حزبه، فسيطايل كانت قد وصفت الحزب بالمتطرف ذات مرة على قناة فرنسية، والهمة صرح في وقت سابق أن هدف حزبه القضاء على الإسلاميين.
وبعد نجاح حزب العدالة والتنمية في تبوء الرتبة الأولى خلال الانتخابات الماضية وتمكنه من رئاسة الحكومة، ازدادت لغة التقرب للملك من طرف بنكيران، مقابل نوع من الصمت اتجاه فؤاد عالي الهمة الذي تحول إلى مستشار للملك بعد خروجه من حزب الأصالة والمعاصرة، وكذلك سميرة سيطايل التي لم يتحدث عنها بنكيران سوى مرة واحدة في عز أزمة دفاتر الخلفي، وهي ذات الدفاتر التي كادت أن تسبب شرخا بين الحكومة والقصر لولا ذلك الاجتماع بين الملك وبنكيران، والذي تم بموجبه التراجع عن الكثير من بنود هذه الدفاتر.
لماذا يستميل بنكيران المؤسسة الملكية؟
يعتبر حسين مجذوبي، صحفي بجريدة القدس العربي، أن بنكيران يتحدث ويستشهد بالمؤسسة الملكية بشكل مثير للغاية في تصريحاته البرلمانية والصحفية، وذلك لأن بنكيران يرغب في استمالة الملكية لتحقيق التطبيع بينها وبين وحزب العدالة والتنمية، بحكم أن الكثير من المعطيات تشير إلى توجس الملك محمد السادس وبعض مستشاريه وخاصة فؤاد علي الهمة من الإسلام السياسي.

ويرى أحمد بن الصديق، واحد من أشد الوجوه المعارضة بالمغرب، أن الهدف الرئيسي لبنكيران من هذه الاستمالة هو التطبيع مع الملك و كسب ثقته ورضاه، وجعله يقتنع بأنه يمكن الاعتماد على العدالة والتنمية حاليا ومستقبلا، مثل باقي الأحزاب وخاصة حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي.

ويرد بلال التليدي بأن مثل هذه التحليلات تشير إلى نوع من التخبط في التعاطي مع بعض مواقف بنكيران، وهو ما يراه شيئا متفهما بحكم أن رئيس الحكومة دشن تجربة الوضوح والكلام المباشر في حقل كان يلفه الغموض وكثير من الضبابية، وبدأ يتحدث عن العلاقات بين المؤسسات بصوت مرتفع، وهو الشيء الذي كان يجب استثماره في نظره من قبل الباحثين لمعرفة ما لم يكن متيسرا معرفته من قبل حول طبيعة العلاقة بين المؤسسات السياسية في المغرب.
"المؤسسة الملكية بدأت في التكيف الإيجابي مع الاستحقاق الدستوري، إلا أن هناك من يحاول أن يعمل على إيقاف هذا التوجه من خلال استثمار مواقف وتصريحات يتم اعتمادها كمؤشرات على نوايا فوق دستورية للإسلاميين، من أجل إقناع المؤسسة الملكية بأن دستور فاتح يوليوز جاء قبل وقته، وأن الأحزاب السياسية وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية، لم تتهيأ بعد لتكون في مستوى رهاناته، وأن الأفضل في هذه المرحلة أن تعود المؤسسة الملكية إلى الأدوار التي كانت تضطلع بها قبل الحراك" يقول التليدي.
غير أن بن الصديق يرد على أن هذا الخطاب لم يعد ينفع ما دام أن واقع ما بعد بزوغ الربيع العربي ليس هو ما قبله، ويضيف قائلا:" ما يجب على العدالة والتنمية أن يهتم به حاليا ليس هو البحث عن رضا الملك، ولكن هو ما سيحققه للشعب المغربي من نتائج ملموسة في الاقتصاد والعدل والكرامة والتعليم ومحاربة الفساد والمفسدين الذي يستسلم أمامهم بعدما كان يقول أنه سيحاربهم، ولو كان بنكيران مخلصا حقا للملكية لانتبه إلى أن أكبر خطر عليها اليوم هو مجموعة من قرارات الملك محمد السادس، و اختياراته و تصرفات أصدقائه ومحيطه الذي أغرق البلاد و العباد في الفساد السياسي و المالي".
..........................

عبد الاله بنكيران كيف تحول من مُخْبِر في الطابور الخامس الى رئيس للحكومة !!
في هذا الملف نستعرض لشهادة محمد الخلطي رئيس الاستعلامات العامة احد ابناء دار المخزن العارف بخباياها ليكشف لنا بالدليل علاقة رئيس الحكومة الحالي عبد الاله بنكيران بالمخزن ( العفاريت و التماسيح)،هذه العلاقة التي نسجت خيوطها داخل دهاليز وزارة الداخلية و اقبية الديستي و الاستخبارات العامة حيث كان يُقدم بنكيران على اساس انه مخبر من درجة رفيعة مستعد للوشاية بجميع اخوانه في الشبيبة الاسلامية من اجل اهداف آنية او مستقبلية، و كيف انه وضع خبرته و قربه من الجماعات الاسلامية في خدمة البوليس السري، للوشاية باصدقائه و الزج بهم في غياهب السجن مما اكسبه ثقة اعلى سلطة في البلاد ، خصوصا بعد الرسالة الشهيرة التي بعثها للبصري و التي اقترح من خلالها التنسيق مع المخزن من اجل قطع دابر اليساريين و الشيوعيين ، مما حدا بالحسن الثاني في احدى خرجاته المثيرة ان هدد الكتلة آنذاك : "إذا لم تراجعوا مذكرتكم سأطلق عليكم بنكيران" هذه المقولة تخفي ورائها ما تخفي و تُلَخص علاقة بنكيران بالمخزن هذا الاخير الذي لم يكن يرى في بنكيران غير كلب هائج يطلقه على اعداءه كلما دعت الضرورة الى ذلك و من جانبه بنكيران لم يكن غير ذلك الكلب الكثير النباح الذي لا يعصي لسيده امرا ،على هذا الاساس فعلاقة بنكيران بالمخزن لا يمكن فهمها الا بالعودة الى متلازمة ستوكهولم او عندما يسقط الضحية في حب الجلاد .
محمد الخلطي عمل بسلك البوليس السياسي حمل أكثر من إسم رسمي مع تعاقب المسؤولين وهيكلتهم لإدارة الأمن الوطني. التحق بهذه الإدارة يوم فاتح سبتمبر من سنة 1957 مباشرة بعد حصوله على شهادة الدروس الإعدادية من ثانوية مولاي إدريس بفاس.. اشتغل بداية بالدارالبيضاء قبل أن يعود إلى فاس ثم يستقر بالرباط، حيث عين رئيسا لفرقة محاربة التطرف السياسي والديني بالعاصمة منذ تأسيسها سنة 1975.
استنطق الماركسيين اللينيين من مختلف تنظيماتهم، ثم تخصص في الإسلاميين بعد أن طفا على السطح تنظيم الشبيبة الإسلامية وما تفرع عنه من مجموعات.. وبعد حصوله على التقاعد سنة 1997، ثلاث سنوات قبل تاريخه المقرر، ظل ضميره يؤنبه على التجاوزات التي وقع فيها، فاختار بمحض إرادته تقديم اعتذار مكتوب لضحاياه نشره في أسبوعية "لوجورنال"، لكن رد الفعل المتشدد الذي صدر عن المحامي المعروف عبد الرحيم الجامعي، والذي قال إنه لا يمكن التسامح مع الجلادين أدخله في صمت دام لسنوات… يلا مزاولته لعمله.. يفتخر بكون مكتبته مليئة بالكتب المهداة التي أطلع "الأيام" على توقيعات بعض أصحابها سواء من اليساريين أو الإسلاميين.. لسان حاله كان يتساءل.. ما الذي جناه الخلطي من 40 سنة قضاها بالاستعلامات العامة؟ لم يجن من الناحية المادية سوى أجرة لا تتجاوز سقف 4500 درهم، أما على مستوى صحته النفسية فهو مصاب بالاكتئاب تحت وقع استرجاعه لشريط طويل دام أربعة عقود.. هذا إلى جانب إصابته بالربو الحاد، والروماتيزم، وقرحة المعدة، وفقده البصر بعينه اليمنى.. خلال هذا الاستجواب نتوقف معه عند أبرز المحطات التي عايشها كمسؤول في الاستعلامات العامة كان ينسق مع باقي أجهزة الاستخبارات بخصوص ملف الإسلاميين، لنعود إلى تفاصيلها وأسرار باقي الملفات في حلقات مقبلة سيخص الخلطي قراءنا بها.
هل توافق الذين يقولون إن محطة اغتيال عمر بنجلون سنة 1975 كانت هي بداية مرحلة المواجهة الأمنية للحركة الإسلامية بالمغرب؟
نعم، هذه هي الحقيقة، فمباشرة بعد حادثة اغتيال عمر بنجلون قرر المسؤولون عن جهاز الأمن الوطني تأسيس فرق مختصة يكون بوسعها مكافحة التطرف، سواء منه التطرف الماركسي اللينيني أوالتطرف اليميني. هكذا تأسست فرقة بالرباط، وكنت مسؤولا عنها، وثانية بالدارالبيضاء، وثالثة بفاس، ورابعة بوجدة، وخامسة بمراكش، وسادسة بخريبكة. وقد تلقينا تدريبات خاصة من أجل مباشرة مهامنا على أحسن وجه.
تلقيتم هذه التدريبات بداخل المغرب أو خارجه؟
كانت التدريبات الأولى سنة 1975 بالمغرب، لكن بعد سنتين توجهت بصحبة عميد آخر إلى فرنسا حيث تدربنا على مكافحة تطرف اليسار وليس الإسلاميين. أعود إلى قضية اغتيال عمر بنجلون لأوضح لك أن الذين اعتقلوا في إطارها، تم اعتقالهم أساسا بالدارالبيضاء، أما بالنسبة للرباط فكانت توجد خلايا صغيرة جدا، وكان المسؤول عنها هو بن الأدهم الذي ألقي عليه القبض بداية في الدارالبيضاء قبل أن يطلق سراحه ويلتحق بالرباط من أجل مواصلة دراسته. وصراحة، كنا نجهل آنذاك كل شيء عن حركة الشبيبة الإسلامية، سواء تعلق الأمر بطريقة عملها أو بمناضليها. وكان المسؤولون الأمنيون يعتبرون أن كل ذي صاحب لحية متطرف، فلم يكونوا يفرقون بين المنتمين إلى الشبيبة أو جماعة الدعوة والتبليغ، أو السلفيين… كل ملتح فهو متطرف.. لهذا السبب عمت الفوضى، وبدأنا نشهد استنطاقات في كل جهة..
ومتى بدأت مباشرة اعتقال هؤلاء النشطاء الإسلاميين بمدينة الرباط؟
أولى الإعتقالات كانت سنة 1977. أتذكر أنه بعد صلاة الفجر اتصل بي هاتفيا ضابط المداومة السيد بنعلي، وقال لي إن جماعة من الشباب قد صلوا بمجسد حكم بحي المحيط ووزعوا مناشير تحمل إسم الشبيبة الإسلامية، وكانت هذه أول مرة نعثر فيها على توقيع الشبيبة الإسلامية، وحين طلبت منه أسماء هؤلاء الشباب، ذكرها لي، وقال لي إن واحدا منهم إسمه بن الأدهم كانت معه حقيبة ولا علاقة له بهم، فهو كان يستعد للسفر.. فنبهته أن هذا الشاب هو مسؤول الشبيبة الإسلامية بالرباط… وبعد ذلك تولت فرقة الشرطة القضائية التحقيق معهم، وكان آنذاك تنافس كبير بين الأقسام، فاتفق الشباب العشرة الذين اعتقلوا على توجيه التهمة إلى شاب إسمه بخات، والذي لم تكن تربطه أي علاقة بالشبيبة الإسلامية.
ولأي جماعة كان ينتمي بخات؟
كانت له جمعية ثقافية لا علاقة لها بتنظيم مطيع، وإنما تضم مغاربة وسوريين من جماعة الإخوان المسلمين الذين جاؤوا للاستقرار بالمغرب.
وتم اعتقاله رغم كونه لا ينتمي إلى الشبيبة الإسلامية؟
نعم، اعتقلته الشرطة القضائية، والمشكل أنه بعد خضوعه للتعذيب بدأ يقول إن مجموعة خططت لاغتيال مسؤولين سياسيين وحكوميين، وذكر منهم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ومدير الأمن الوطني ربيع.. ووقعت اعتقالات على صعيد المغرب كله، وكان من ضمنهم الدكتور أحمد الريسوني الذي استجوبته في هذا العدد من جريدتكم، والأستاذ گديرة رئيس المجلس العلمي للرباط حاليا، والذي كان مفتش تعليم وقتها..
وكيف عرفت أن بن الأدهم لم يكن عضوا بالشبيبة الإسلامية ولا علاقة له بالمناشير التي وزعت؟
لقد اطلعت على التقرير الذي أنجزته فرقة الشرطة القضائية وأرسلته إلى المدير الذي أمر بالاعتقالات، ورأيت أنه تم الوقوع في خطأ، حيث لم يتم تفتيش منازل هؤلاء الشباب حتى نعرف أين طبعت المناشير. كنت أعلم أن ابن الأدهم هو المسؤول، فنسقت مع الشرطة القضائية وتوجهنا إلى منزله بحي التقدم، فوجدنا فعلا المنشورات وآلة الطباعة. والغريب أن هؤلاء الشباب الذين كانوا ينتمون إلى الشبيبة الإسلامية انحرفوا بعد إطلاق سراحهم بسبب الكذب الذي رأوه في مسؤولهم الذي كان يعلمهم وجوب المحافظة على الأخلاق وما يأمر به الدين الإسلامي.. والذي تسبب في تعذيب بخات..
وبعد هذه القضية.. هل تمت اعتقالات أخرى في صفوف الشبيبة الإسلامية بالرباط؟
القضية الثانية ارتبطت بعبد الإله بنكيران، الذي كنا نشك في أنه من تحمل المسؤولية بالرباط بعد بن الأدهم، وقد كان على اتصال دائم بمطيع، لدرجة أنه سافر إلى فرنسا من أجل اللقاء به. وقد اعترف لي بهذا فيما بعد، وقال لي إنه كان قد ضرب موعدا مع مطيع للقاء به بأحد الفنادق لكنه لم يأت، وغير مكان اللقاء، وحين سأله لماذا هذه المراوغة؟ أجابه أنه لا ينبغي له أن يضع ثقة حتى في زوجته.. المهم، بعد سنة 1977 لم نستطع أن نجد أي دليل ضد بنكيران، وكان أول عمل مكشوف قام به، هو توزيع مناشير أمام باب فندق هيلتون على هامش انعقاد مؤتمر للمحامين الشباب، وذلك للتنديد بمحاكمة عناصر الشبيبة الإسلامية ونفي مطيع خارج المغرب. لكن قرار متابعته جاء بعد محاكمة اغتيال عمر بن جلون سنة 1980، حين حكم على مطيع بالإعدام غيابيا، فاتصل ببنكيران عبر الهاتف، وطلب منه أن يجمع الاخوة بالمسجد المحمدي بالدارالبيضاء وأن يخرج بهم في مظاهرة.. آنذاك اعتقل العشرات من هؤلاء الشباب، لكن رجال الشرطة كانوا يجهلون طبيعة التنظيم الذي ينتمون إليه، فاتصلوا بي عبر الهاتف وأخبروني بما وقع فطلبت منهم أسماء بعض الشباب، فأعطوني إسم الأمين بوخبزة، يتيم، حزيم فقلت لهم هذه الشبيبة الإسلامية.. ويجب أن تعتقلوا مسؤولهم بالرباط عبد الإله بنكيران لكنه هرب. وهنا قمنا بحراسة منزله بحي العكاري، لكننا لم نجده طوال 3 أيام. وصدفة توجهت إلى عين المكان لمراقبة الطريقة التي تتم بها الحراسة، فوجدته مارا بسيارته بصحبة والدته من أمام المنزل، فاعتقلناه وبدأت أمه تصيح، وطمأنتها أنها لن تتعرض لسوء..
وأشرفت على استنطاقه بنفسك؟
نعم استنطقته وحققت معه بنفسي، وكنت طوال 25 سنة أمضيتها في الإستعلامات العامة آنذاك أعرف أن المتهم لابد وأن يتكلم أثناء استنطاقه، وكان المسؤولون قد علمونا أن الإمام مالك قد أجاز ضرب المتهم حتى يعترف بجريمته، وأجاز قتل ثلثي الشعب من أجل إصلاح الثلث… هكذا كنا نعتقد في صحة هذا القول ونعمل بمقتضياته. وحين بدأت التحقيق مع بنكيران اعترف لي بمسؤوليته عن المظاهرة، وقال لي إن مطيع اتصل به وطلب منه تنظيم المظاهرة، لكنه أوضح لي أنه طلب من إخوانه الاجتماع في المسجد المحمدي للأحباس دون أن يكشف لهم عن نيته في الخروج بهم في مظاهرة، وبعد اجتماعهم أخذ مكبر الصوت وأمرهم بالتظاهر… للتنديد بالأحكام الصادرة ضد مطيع.. حذرته أن الشرطة القضائية "غادي تتكرفس عليه"، فأجابني أنه لن يعطي أسماء الذين حضروا المظاهرة، وقال إنه إذا صبره الله فالأمر كذلك وإذا لم يصبره فليس له ما يقوم به.. وهكذا كان، فالشرطة القضائية بكل صراحة "تكرفسات عليه" إلى أن أعطى بعض الأسماء.
وهل لمست أن انفصال بنكيران عن مطيع جاء بعد هذا الإعتقال؟
لا، الإنفصال سيأتي فيما بعد حين أصدر مطيع من ليبيا مجلة إسمها "المجاهد"، وحتى يراوغ الأمن كان يقول إنها تصدر من بلجيكا. وفي أواخر سنة 1980 أو بداية 1981 زارني بنكيران بمكتبي، وقال لي إن مطيع أصيب بخلل عقلي، وإنه أصدر مجلة تحتوي على موقف لا وطني من قضية الصحراء، حيث رأى مطيع أن الصحراويين الذين نقاتلهم هم مسلمون وأثر صلاتهم موجودة في الرمال خلافا لما قاله صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني آنذاك من أن غالبية من نقاتل أتوا من كوبا وأنهم "غير مختونين"، أما مطيع فقال هذا خطأ، وأن البوليساريو مسلمون ولا يمكن أن نحارب إخواننا المسلمين. هذا إلى جانب إصداره البيانات ضد عدد من الحركات الإسلامية في العالم العربي، ووعدني بنكيران بأن يرسل لي أعداداً من هذه المجلة، وأخبرني أن الشبيبة الإسلامية في الرباط قررت فصل مطيع الذي اتخذ هذا الموقف اللاوطني بشكل فردي.
وماذا كان رد فعلك حين قال لك بنكيران هذا الكلام؟
قدمت له نصيحة، وقلت له إذا أردت أن تكون واضحا أصدر بيانا من خلال الجرائد تحدد فيه موقفكم، وشجعته على ذلك فاستجاب لنصيحتي، وبالفعل اجتمعوا على صعيد الرباط وأصدروا بيانا ينددون من خلاله بموقف مطيع اللاوطني ويعلنون انسحابهم من الشبيبة الإسلامية، وحتى ينتقم منهم مطيع أصدر عددا من البيانات باسم المعتقلين في السجون يقولون إن بنكيران ومجموعته خونة يتعاملون مع الأمن، وبدأوا يروجون لدعاية مفادها أن بنكيران خائن يتعامل مع الخلطي ومع الدكتور الخطيب، وأصبحوا يقولون إن هذه خطة مدروسة تستهدف الشبيبة الإسلامية، الخلطي يسيرها أمنيا والخطيب يسيرها سياسيا. وكان هذا البيان الذي نشر في بعض الجرائد قد شفع للسيد بنكيران عندما اعتقل في أواخر سنة 1983 من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بعد اتهامه بتحريض تلاميذ ثانوية بمكناس على التظاهر في الشارع العمومي، ورفع شعارات ولافتات تمس بمقدسات البلاد، حيث كان هؤلاء التلاميذ قد اعترفوا أثناء استنطاقهم بدرب مولاي الشريف أنهم ينتمون إلى الشبيبة الإسلامية وزعموا أن المسؤول عن خليتهم ومحرضهم هو بنكيران. وقد نصحت بنكيران قبل أن يتوجه إلى درب مولاي الشريف أن يأخذ معه نسخة من البيان المذكور ونسخة من ملف طلب تأسيس جمعيته، وهكذا أطلق سراحه، وقدمت مجموعة التلاميذ إلى العدالة.
وهل أنت من اقترح عليهم تأسيس الجمعية؟
لا، حين قدم بنكيران ومن معه استقالتهم من الشبيبة الإسلامية، قرروا الخروج من السرية والعمل في المشروعية، فجاء المرة الأولى بنكيران لوحده ثم أتى بصحبة عبد الله بها للتشاور معي إن كان بإمكانهم تأسيس جمعية. فأجبتهم أنه يمكنهم ذلك، وقلت لهم أن يعدوا قانونها الأساسي ويركزوا على 3 محاور : موقفهم من الملكية، وموقفهم من وحدة المذهب المالكي، وموقفهم من الصحراء المغربية، ثم يفصحوا عن لائحة المكتب المؤسس.
كان هذا اجتهادك الشخصي؟ أم أنك نسقت مع المسؤولين لتقترح عليهم هذا الأمر؟
لا، كانت هذه مبادرة شخصية. وقد رأيت وتأكد لي أن بنكيران يرغب في العمل في إطار المشروعية… قال لي إنهم خدعوا، وإن مطيع أوهمهم أن الحسن الثاني هو الظالم و… لكنهم حين اجتمعوا رأوا أن الحسن الثاني كيفما كان فهم يعرفون نسبه بخلاف رؤساء بعض الدول العربية…
وماذا كان جوابهم حين اقترحت عليهم هذا الأمر؟
اجتمعوا على صعيد الرباط واتفقوا على توضيح النقاط الثلاث في القانون الأساسي للجمعية، لكنهم رفضوا تقديم لائحة اعتماد المؤسسين، وقالوا إن الخلطي يريد أن يضعنا في الفخ ويعرف منا الأسماء من أجل اعتقالنا. ولما أخبرني بنكيران بهذا الموقف اقترحت عليه أن يقدم الأسماء المعروفة لدى الأمن الوطني، أولئك الذين سبق اعتقالهم وأطلق سراحهم، وبنكيران مثلا كان قد حكم عليه بالسجن لمدة 3 أشهر موقوفة التنفيذ في قضية مظاهرة الدارالبيضاء.. وفي نهاية المطاف أسسوا جمعيتهم في نهاية سنة 1983 وقدموا ملف جميعة "الجماعة الإسلامية" إلى السلطات، لكنهم لم يحصلوا على الوصل. وبعد أن استشارني هل يجتمعون أم لا بعد التأسيس، سألته إن كانوا سيصدرون جريدة، فقال لي إنهم سيصدرون جريدة إسمها "الإصلاح"، فاقترحت عليه أن يجتمعوا تحت غطاء الجريدة وينظموا ندوات بإسمها.
وماذا كان جوابهم حين اقترحت عليهم هذا الأمر؟
اجتمعوا على صعيد الرباط واتفقوا على توضيح النقاط الثلاث في القانون الأساسي للجمعية، لكنهم رفضوا تقديم لائحة اعتماد المؤسسين، وقالوا إن الخلطي يريد أن يضعنا في الفخ ويعرف منا الأسماء من أجل اعتقالنا. ولما أخبرني بنكيران بهذا الموقف اقترحت عليه أن يقدم الأسماء المعروفة لدى الأمن الوطني، أولئك الذين سبق اعتقالهم وأطلق سراحهم، وبنكيران مثلا كان قد حكم عليه بالسجن لمدة 3 أشهر موقوفة التنفيذ في قضية مظاهرة الدارالبيضاء.. وفي نهاية المطاف أسسوا جمعيتهم في نهاية سنة 1983 وقدموا ملف جميعة "الجماعة الإسلامية" إلى السلطات، لكنهم لم يحصلوا على الوصل. وبعد أن استشارني هل يجتمعون أم لا بعد التأسيس، سألته إن كانوا سيصدرون جريدة، فقال لي إنهم سيصدرون جريدة إسمها "الإصلاح"، فاقترحت عليه أن يجتمعوا تحت غطاء الجريدة وينظموا ندوات بإسمها.
بجانب الجماعة الإسلامية كانت هناك أيضا جمعية أسسها عبد السلام ياسين، تختار العمل في ظل المشروعية. ألم يكن ملفها من ضمن الملفات التي تابعتها؟
التعليمات التي كانت بحوزتنا، هي أن كل متطرف يجب أن يكون تحت المراقبة، لاسيما الذي خرج من السجن، ولم تلغ هذه المسألة إلا قبيل وفاة الحسن الثاني- رحمه الله… وكنا آنذاك نلزم جميع الماركسيين اللينينيين أن يشعرونا بسفرهم إذا كانوا ينتقلون من مدينة إلى أخرى. أما بنكيران، فكان لي اليقين أنه يريد العمل في المشروعية، فلم أكن أراقبه كثيرا، وكنت أترك له حريته، أما في سلا فرئيس الاستعلامات بها- رحمه الله، كان يشدد مراقبته على عبد السلام ياسين، والتقارير التي تخصه كانت تضم زيادات كثيرة، وتستعمل خلالها مصطلحات تضخم من أمره وأمر جماعته.. وحتى يتعرف الأمن على الذين كانوا يزورونه ببيته من مختلف أنحاء المغرب كانوا يطلبون منهم بطاقتهم الوطنية أمام باب منزله.. ولما ضاق الحال بعبد السلام ياسين أمر أتباعه بالامتناع عن تقديم بطاقاتهم.. لكن عبد السلام ياسين كما عرفته، فهو رجل متفتح ويريد العمل في إطار المشروعية..
سبق لك أن حققت معه؟
لم أحقق معه، لكن زرته ببيته بصحبة مسؤول بوازرة الداخلية ووالي الأمن بسلا، فرحب بنا، وقال لي سيد الخلطي أنت كما حكوا لي عنك رجل متفتح ولك إلمام بالشريعة الإسلامية، لهذا فأنا أقبل بالحوار معكم، ويمكنكم أن تطرحوا ما تريدون. فقلنا له نريدك أن تعمل في إطار المشروعية. أجابنا قائلا : كيف يعقل أني مسلم، أريد العمل في إطار المشروعية ويمنعون جمعيتي، في حين أن علي يعته شيوعي يرخص له بالعمل؟. وشرحت له ما شرحته لبنكيران، فعلي يعته رحمه الله، كان ممنوعا من حزبه الأول، ولما أراد تأسيس حزب ثان عقد ندوة صحفية بفندق حسان، أبرز خلالها المحاور الثلاثة (موقفه من الملكية الدستورية، ومن الإسلام، ومن الصحراء)، كذلك الأمر بالنسبة للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية كان موقفهم من الملكية غير واضح، لكن في مؤتمر 1975 وأوضحوا موقفهم من الملكية ومن الصحراء. وطلبت من عبد السلام ياسين أن يوضح موقفه، وقلت له أنت ضد وحدة المذهب المالكي وتطالب بالخلافة، ولم يسبق لك أن تكلمت عن الصحرآء، فصمت قليلا وطلب أن نعطيه مهلة 3 أشهر ليفكر ويرد علينا، ففهمت أن لديه خلافات..
(أقاطعه) خلافات مع من؟
خلافات في القيادة، وقد تأكد هذا بعد انسحاب البشيري فيما بعد، وعبد السلام ياسين كان يحتاج إلى الوقت من أجل إقناع من يوجد معه في القيادة، وبنكيران كذلك حتى يقنع من معه احتاج إلى 6 أشهر عقدوا خلالها عددا من الإجتماعات. وفي الحقيقة فإن سبب نهج بنكيران لتوجهه وعبد السلام ياسين لتوجه آخر، هو مسألة حظ. فعبد السلام ياسين كان متواجدا بسلا حيث كان مسؤول الاستعلامات العامة متشددا معه. فهو كان يرغب في العمل في إطار المشروعية لكنه لم يجد من يساعده، ولم يكونوا يثقون فيه. أما بالنسبة لعلاقتي ببنكيران فقد انبنت على الثقة، وتبددت الشكوك مع مرور الوقت.
ومعتقلو الشبيبة الإسلامية كانوا يقولون إن بنكيران هو من كان يحدد لكم الأسماء التي يجب اعتقالها وتلك التي يطلق سراحها؟
لا، هذا أمر آخر سنصل إليه عند حديثنا عن جماعة التبين. وأعود لعبد السلام ياسين لأقول لك إن الحصار الذي ضرب عليه كان خطأ ارتكبته الاستعلامات العامة التي تجاوزت حدودها، وأوردت في تقرير لها أنه كان يتصل بالحركة الإسلامية في تونس، وأن عناصرها كانوا يزورونه، وأنه سيتم توحيد الحركة الإسلامية المغاربية، وسيكون هو المسؤول عنها.. وجاء خبر مفاده أنهم سيعقدون مؤتمرا بالخارج لاتخاذ هذا القرار، فتقرر لأول مرة منعه من السفر إلى الخارج، ومنع أعضاء جماعته من زيارته واستدعيناهم على صعيد المغرب ووقعوا محضرا يلتزمون من خلاله بعدم الذهاب إلى بيت ياسين. وفي الحقيقة لم يكن حصارا، وإنما سموه كذلك، فهو كان فقط ممنوعا من السفر إلى الخارج، أما مغادرته لبيته فكان أمرا واقعا، فقد كان يذهب لأخذ أجرته كمتقاعد، وكان يتوجه دائما إلى طبيب الأسنان بشكل منتظم أسبوعيا، لكن الأمن كان يتبعه، وهو كان يأمر السائق بتخفيض السرعة حتى تتمكن سيارة الشرطة من تعقبه.. ليظل محميا. لماذا؟ لأنه إذا فعل أتباعه شيئا لا يتهم بأنه من أعطاهم التعليمات. وحقيقة سبق لأعضاء من العدل والإحسان يقيمون بفرنسا أن أتوا إلى المغرب واعتقلناهم بعدما وصلتنا تقارير تفيد أنهم متطرفون يدعون إلى العنف، وأثناء التحقيق معهم قالوا لنا إنهم ينتمون إلى جماعة عبد السلام ياسين، ولما حملنا صورة مسؤولهم إلى عبد السلام ياسين قال لنا بالفعل هذا الشخص ينتمي إلى الجماعة، لكن إذا فعل شيئا خارج القانون فسيتحمل وحده مسؤولية ذلك. بمعنى أن عبد السلام ياسين كان يعرف ماذا يفعل.. فقط السلطات لم تحسن التعامل معه، أما هو فكان سيدخل إلى البرلمان، لأنه في أواسط الثمانينات كان يحتج على وجود الشيوعيين في البرلمان، ويقول لماذا لا يعطونا بدورنا هذا الحق. وأتذكر أنه قبل اعتقال مجلس الإرشاد لجماعة العدل والإحسان سنة 1991، ذهبت مع نفس المسؤولين بالداخلية وأمن سلا إلى عبد السلام ياسين، وطلبنا منه أن يكتب رسالة إلى الملك يوضح من خلالها مواقفه، لكنه رفض، وقال لنا إنني لست فقيها حتى يعطيني رخصة لأصلي الجمعة بالناس، وإنما أنا رجل سياسي. يعني كانت هذه فرصة ضاعت.
ما الذي اقترحتموه على عبد السلام ياسين ليضمنه في الرسالة؟
قلنا له إنه لابد أن يوضح موقفه من الملكية، ويقر بأن جلالة الملك هو أمير المؤمنين، وأظن أنه لم يكن متصلبا مثل البشيري، لكن الأمور تغيرت الآن.
وما هي قصتك مع بنكيران ومجموعة التبين؟
جماعة التبين كان قد أسسها عبد الرزاق المروري – رحمه الله – وكان يزورني هنا في بيتي من أجل الحصول على جواز سفره. وكان قد بلغني خبراً مفاده أن هناك مجموعة من الشباب بمسجد العكاري لهم اتصالات بإيران، وفي الحقيقة كانت سفارة إيران آنذاك تتصل ببعض الشباب وتعطيهم منشورات لتوزيعها.. ففي وقت الخميني كانت هناك محاولة لتصدير الثورة. ولما اعتقلنا ثلاثة منهم، اعترف لنا أحدهم أنهم ينتمون إلى التبين، ولما سألته عمن يكون المسؤول عنهم أجاب أنه لا يعرف. ففكرت في عبد الإله بنكيران، وقلت مع نفسي هو من سيكون له دراية بهذا الأمر، وبالفعل اتصلت به، وقلت له إننا توصلنا بخبر لا أدري إن كان وشاية أو كذبا مفاده أن هذه المجموعة لها اتصال بإيران، ونحن لا نريد القيام بضجة، ونذهب إلى المنازل ونعتقل الشباب أمام آبائهم، فمن الأحسن أن تخبر مسؤولي هذه الجماعة وتقول لهم إنه من الأفضل أن يأتوا عندي، وأنا سأحقق معهم، وإذا ثبت أنهم أبرياء فإنني أضمن لك أنهم سيذهبون لحالهم دون أن يتعرضوا للأذى فاتصل بالمجموعة، وجاؤوا جميعهم عندي، وكان عددهم 15 فردا، منهم المروري وطبيبان، ومهندسان… فقلت لوالي الأمن أنه لا ينبغي أن تعتقلهم، فوضعت رهن إشارتهم شقة وكان الصيف آنذاك، فتركت لهم الشرفة مفتوحة، وفتحت المجال لعائلاتهم من أجل الاتصال بهم. وأتذكر أن المروري كان يعد أطروحته وطلب مني الحصول على المراجع، فقلت له هاتف زوجتك وقل لها أن تحضر لك المراجع.. وهم أنفسهم قالوا إننا لم نكن في الإعتقال، وإنما في نزهة أو مخيم.. وهذا سجلته في شريط يمكنك أن تسمعهم يقولونه بصوتهم…