الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

المعتقلات السرية بالمغرب -4-معتقل الكوربيس


jeudi 6 décembre 2007

معتقل الكوربيس من مكان لإصلاح الطائرات إلى فضاء لإلحاق الأعطاب بالوطن



إثنا عشر ألف معتقل ذاقوا أبشع أنواع العذاب


الكوربيس من مكان لإصلاح الطائرات إلى فضاء لإلحاق الأعطاب بالوطن


محمد بودردرة
صفد واحد كبلت به رفقة عبد الواحد بلكبير لـمدة شهر


عادل تشيكيطو


كان إسم الكوربيس كافيا ليجعل الرعب يدب في شرايين الدار البيضاء العظيمة. دون غيره تقشعر لرهبته الأبدان خوفا من أن يزج بها فيه وتلتهب بجمر الكوربيس الحارقة.. فالموت به امتياز يمنحه القدر رحمة بالمعذبين.. لا أحد به يعلم إن كان سيستنشق من ريح البيضاء أو لا. اجتهد خدامه في تمزيق جلود المعتقلين بالسوط إلى أن يعترفوا بالمنسوب إليهم دون أن يكونوا قد اقترفوا خطأ.. فالكوربيس المشؤوم اتخذ لنفسه مجداً أجوف عتا به واستبد وأرهق حياة أبرياء ظلما واحتقارا وتحديا لقدسية تلك الأرواح. إنه الجحيم.. إنه الرحلة إلى الموت... محرقة البشر في مدينة عشقت ولازالت تعشق البشر فكانت رحبة به. يعد معتقل ومركز التعذيب الكوربيس من بين أكبر المعتقلات التي عرفت انتهاكات جسيمة في حقوق الإنسان. وقد أحدث هذا المعتقل خلال فترة الستينات وعند بداية السبعينات خصوصا بعد عمليات سنة 1973 المسلحة وقد شهد المعتقل أثناء تلك الفترة أبشع أنواع التعذيب خلال مرحلة الإستنطاقات وسجلت فيه وفيات كما سجلت داخله ولادات. وتقدر منظمة حقوقية عدد المعتقلين الذين مروا بالكوربيس ب 12 ألف معتقل من مختلف مناطق المغرب مكثوا فيه معصوبي العيون مصفدي الأيادي والأرجل في انتظار نتيجة التحقيق معهم، وتوجيههم فيما بعدإلى المحاكم العسكرية أو الجنائية. أو تبرئتهم مع فرض الحراسة المشددة عليهم. ويقع معتقل الكوربيس في أنفاق مطار محمد الخامس أنفا بالدار البيضاء حيث يقال أن هذا الأخير كان يستعمل كمكان لإصلاح الطائرات والإحتفاظ ببعض أجزاءها. وتحول إلى معتقل سري لصعوبة الوصول إليه. ويسهر على إدارة هذا المعتقل الكاب1 الذي كان يرأسه الجنرال محمد أوفقير وتمثله بالدار البيضاء وحدة الأمن الخاصة التي يديرها المدعو صاكا وكان هذا الأخير يتوفر على فرقة خاصة مسؤولة عن كافة عمليات الاختطاف التي وقعت في الدار البيضاء طيلة فترة الستينيات والسبعينيات وهذه الوحدة حسب ما أدلى به عميل المخابرات السابق أحمد البخاري لإحدى الصحف الوطنية، كانت مكلفة بالإختطاف والإستنطاق والتعذيب والتخلص من الجثت في حالة وقوع حالة وفيات، وقد التحق بها وقادها المدعو صاكا سنة 1966. وكانوا ينهجون قبل عملية الإختطاف والتعذيب طريقة جمع التقارير. فبمجرد توصل إدارة الكاب 1 بالرباط بمعلومات حول أحد الناشطين في المجال السياسي أو الحقوقي حتى تسارع إلى إرسال تيليكس إلى رئيس الفرقة الخاصة بالدار البيضاء إذ يطلب منه القيام ببحث دقيق عن الشخص المطلوب، وبعد 3 أو 4 أيام تتوصل إدارة الكاب 1 بالرباط بتقرير مفصل على الشخص، ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثانية ـ كما سماها أحمد البخاري ـ حيث يصدر أمر على رئيس العملية التقنية عبد الحميد جسوس عميد شرطة ممتازالذي يرسل رجاله ويجندهم لخدمة العشعاشي. وهكذا يقوم هؤلاء بتتبع ومراقبة الشخص المطلوب لمدة أسبوع إلى عشرة أيام بدون توقف مع تدوين حركاته والتزاماته وبرنامجه اليومي وعلاقاته وأوقات دخوله وخروجه. وبذلك فإن العملية التي تسبق الإختطاف كانت تضم 4 تقارير للفرق الخاصة وتقارير للفرقة التقنية ويقرر بعدها العشعاشي ساعة الإختطاف ومن سيقوم به. ليتم اختطاف أحدهم والمضي به مباشرة إلى مركز التعذيب الكوربيس حينها يتمنى المختطف أن تأخذ روحه على أن تستمر فوقه ألوان التعذيب ويتلذذ الجلاد ويبدع في طرق إذلاله وإخضاعه.. فالمعذبون بالكوربيس حكوا بمرارة عذاب هذا الأخير وعجز معظمهم عن وصف فظاعة مايقع بهذا المعتقل بل إن منهم من أصيب باضطرابات عقلية ومنهم من حمل بدنه عاهات جسدية. وإعاقات ظلت شاهدة على إجرام الجلادين الذين لم يذخروا جهدا في تذليل الإنسان وجعله ­ إن كتبت له الحياة ­ يعيش حالة الذعر طيلة عمره ويصارع الكوابيس التي تقظ مضجعه كلما أراد أن يغمض جفن الراحة.

الوطن أقوى من سوط الجلاد

محمد بودردرة في شهادته أمام هيئة الإنصاف والمصالحة بإحدى جلسات الإستماع. اعتبر أن التجارب الفردية للمعتقلين هي بالضرورة تجارب جماعية لأن قمع الفرد هو قمع للمجتمع برمته ومس بكرامته وهو يقصد بذلك حالة الذعر التي ركبت المجتمع خصوصا عند سماعه لحكايات التعذيب التي دارت بمعتقل كالكوربيس. وهو ما يسبب جرحاً جماعيا. فقد عاش محمد بودردرة الألم الفردي عندما مورس عليه التعذيب بهذا المعتقل وقاسى العذاب الجماعي عندما لمحت عيناه أفواجا من المعتقلين الأبرياء يزج بهم في الكوربيس ويعدبون بدون رحمة. عن تجربته الأليمة في معتقلات العار وخصوصا الكوربيس يقول محمد بودردرة حوكمت غيابيا بالسجن المؤبد ومصادرة الأملاك رغم أني لم أكن أملك شيئا وبعد مدة قضيتها في المعتقلات السرية حوكمت مرة أخرى بالبراءة لكن وقع اختطافي من جديد يوم 1973/09/20 في إطار الأحداث العامة التي وقعت أنذاك. ومابين الإختطاف وتاريخ إيداعي بالسجن قضيت 4 أشهر و22 يوما بالعصابة والقيود في مراكز الإعتقال السري بالرباط ودرب مولاي الشريف والكوربيس بالدار البيضاء. وفي هذين المركزين وصلت وحشية التعذيب الفردي والجماعي إلى درجة أن عددا كبيراً من المختطفين مثلي إما توفوا وإما وصلوا إلى أعلى درجات الحمق والجنون. إنه منظر لن أنساه أبداً. فالكوربيس.. المكان الرهيب جمع فيه المئات من المناضلين الذين اعتقلوا سنة 1973. وهو فضاء شاسع كان يستعمل لإصلاح الطائرات )c'est des Hangars . فإذا به يحول في وقت لاحق إلى إلحاق الضرر والأعطاب بالإنسان. كنانمضي كل الفترة بالكوربيس معصوبي العين مقيدين ويمنع علينا التكلم مع بعضنا البعض كانت تعطى لكل منا بدلة كاكية عسكرية قديمة ومهترئة جداً، وكان الجميع ينام على الأرض وكان الفصل فصل شتاء ونظراً لندرة الماء فقد تراكمت الأوساخ على الجميع مما جعل أجسام جل المعتقلين مرتعا خصبا للقمل، حتى لمَّا تريد أن تلامس أي طرف من الوجه فإنك تجد يديك مملوءة بالقمل. وهنا أتذكر شيوخ مولاي بوعزة 1973 الذين نالوا القسط الأكبر من الإعتقالات. كان أغلبهم تجاوز الستين كانوا بكثرة التعذيب ونتيجة لكبر سنهم يعجزون عن تنظيف رؤوسهم من القمل وكنا أنذاك شبابا في مقتبل العمر كان معي عزيز المنبهي وعبد الواحد بلكبير، كنا نحاول أن نساعدهم. أتذكر أن أغلبية هؤلاء الشيوخ يصلي وحتى الذي لم يكن يصلي أصبح يصلي حتى يحقق الطمأنينة لنفسه كانوا في صفوف متراصة والكل )بالمينوط و الباندة واللحي والشعر الطويل، وعند نهاية الصلاة يبدأ المصلون بالدعاء بتنقيلنا إلى درب مولاي الشريف، تصوروا معي حتى جحيم مولاي الشريف أصبح بالنسبة لناجنة. معنى ذلك أن الكوربيس كان حلقة وسط جهنم. هذه الصور جعلتني لن أنسى أبدا جميع المعتقلين الذين كانوا معي، أي رجال قبائل أيت حديدو رجال ونساء وأطفال مولاي بوعزة كلميمة الراشيدية تنغير عين شعير تمسمان وكذلك فكيك وغيرها من قبائل الشهامة والصمود والكرامة. إن الجراح التي بداخلي ليست جراح ذاتية ولكنها جراح جماعية.. وسأحكي لكم إحدى مظاهر الإستهثار بالإنسان. فقد كبلوني أنا وعبد الواحد بلكبير بصفد واحد لمدة شهر ونحن ننام به ونذهب لبيت النظافة بقيد واحد ولانفترق أينما ذهب أحدنا إلا وتجد الآخر إلى جواره وكأن المسؤولين ليست لديهم أصفاد أخرى .. إنها الجراح التي مست ثلة من أبناء هذا الشعب فمات واستشهد العديد منهم. الذين مروا بدار المقري ودرب مولاي الشريف والكوربيس وتازمامارت وأكدز وغيرهم من المعتقلات السرية والتي أزهقت فيها أرواح الكثير منهم ووفاء لذكراهم يقول محمد بودردة وفاء لذكرى الضحايا المتوفين ولكي يكون لاستشهادهم معنى لايحق لأي كان أن يتلاعب بمصير أبناء هذا الشعب ولا أن يعتبرهم أقل من مواطنين. فنحن لسنا أقل من مواطنين ولسنا أقل من إنسان ومن كان في السابق يعتقد ذلك إلى درجة غيَّب فيها كل القوانين والأعراف ­ يضيف محمد بودردرة ­ فإن التاريخ أظهر له عكس ذلك . نعم لقد أظهر التاريخ للجميع أن الوطن وأبناؤه أقوى من أن يلطخ الجلادون سجلاته التاريخية بحماقات الإعتقال والإغتيال والإختطاف والتعذيب. الوطن أقوى من سوط الجلاد ومن جدران معتقل الرهبة.. معتقل الكوربيس
........................
 

هناك 4 تعليقات:

  1. حول الفقيدة جميعة:-1-

    من جرائم الاعتقال السياسي: المناضلة " اجميعة "
    في حوار مع جريدة النهج الديمقراطي


    ولدت و كبرت جميعة داخل عائلة كادحة و مناضلة،عائلة أزغار، فهي تقول باعتزاز أنها رضعت النضال في سبيل الشعب من " بزولة" أمها. كان الأب يشتغل في معمل " لافارجlafarge " الأسمنتي بروش نوار ، و الأم بمعمل تصبير الحوت بالحي المحمدي. الكل كان يعرف المناضلة النقابية عائشة الباهية. تقطن العائلة بكريان صنترال(carrière centrale) بالحي المحمدي، إحدى القلعات التي انطلقت منها شرارة مقاومة الاستعمار الفرنسي. وكان المنزل ـ البراكة مأوى للعديد من المقاومين.
    اعتقل الابن، محمد و عمره لا يتجاوز 17 سنة، سنة 1955 و أفرج عليه غداة رجوع الملك محمد الخامس، كمان تعرض لعدة اعتقالات و مطاردات فيما بعد. ساهم الأب و الأم و الابن في تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية 1959.
    لقد كبرت جميعة و أختها زهرة في جو الحرمان و الإرهاب من جهة و جو الصمود و المقاومة و رفض الاستلام من جهة ثانية.
    و ها هم الإخوة الثلاثة، و بعد رحيل الأب و الأم منذ عقود مضت، يلتقون اليوم مع مراسلي جريدة النهج الديمقراطي، عبد السلام اومالك و علي فقير، لتحكي جميعة جزءا من تاريخها المتعلق بالاعتقال و الإرهاب السياسيين و المخلفات الجسدية و النفسية التي تعاني منها. رغم هذه المخلفات فقد وجدا مراسلا الجريدة الإخوة جميعة و زهرة و سي محمد بمعنويات مرتفعة يتحدثون بافتخار عن مسارهم النضالي، و عن المرحومين الأب و الأم الذين لم يقبلا طول حياتهم أن يعيش مذلولين رغم الفقر و الحرمان.
    فتحياتنا نحن طاقم جريدة النهج الديمقراطي لعائلة أزغار، و شكرنا العميق للمناضلة جميعة على قبولها استقبال مراسلي الجريدة و التحدث للقراء عن جزء من حياتها.
    ...............................
    ـ س: هل يمكن تقديم نفسك لقراء جريدة النهج الديمقراطي؟
    ـ ج: اسمي أزغار جميعة، حوالي 60 سنة، ولدت و كبرت بكريان صنطرال، الحي المحمدي، الدار البيضاء، و هذه أختي الأكبر مني زهرة و سيلتحق بنا أخون الأكبر سي محمد. متزوجة، لدي بنت تدرس بالثاني الثانوي.
    ـ س: كيف بدأ اهتمامك " بالسياسة" ؟
    ـ ج : ولدت و كبرت وسط عائلة مناضلة، و درست في مدرسة كان يديرها المناضل الحبيب الفرقاني، و عشت انتفاضة مارس 1965، و ربطتنا علاقة الجوار بعائلة بوجمعة السكليست الذي حكم عليه بالإعدام اثر تفجير " لافوار" الحي المحمدي سنة 1952 و افرج عليه بعد الاستقلال، و هو من أكبر المقاومين و من أكبر مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، و قد توفي في العقد الماضي و هو منظف المراحيض العمومية بسيدي عثمان.
    ـ س: ارتبطت معاناتك بالإرهاب الذي تسلط على التيارات الثورية الاتحادية غداة ما أصبح يطلق عليه "احداث 3 مارس 1973 "، و ارتبط اسمك باسم الشهيد عمر دهكون. فهل يمكن الحديث عن هذا الأخير إن لم يكن هناك إحراج.؟
    ـ ج: إن علاقاتي بعمر علاقات عائلية، كان أبوه يشتغل مع أبى بنفس المعمل، و علاقات سياسية كمناضلين اتحاديين. كان عمر دهكون مبحوثا عنه منذ 1970 في إطار ما يسمى "مجموعة مراكش" ( احمد بنجلون، الحبيب الفرقاني، سعيد بنعيلات....)، و قد كنت إحدى قنواته الأساسية في الاتصال بالمناضلين.
    كانت تحركاته محدودة و بحذر شديد، فمرة كان يلبس جلباب نساء، و مرة جلباب الفقيه بلحيته، و مرة بلباس عصري و بدون لحية... كنت ملقبة بزينب.
    ـ س: متى تم اعتقالك؟
    ـ ج: كان عمري لم يناهز بعد 27 سنة، و كنت أشتغل كممرضة متدربة. اعتقلنا، نحن الاخوة الثلاثة، ثلاثة أيام بعد اعتقال عمر. اختطفنا ليلا من المنزل و بعد حوالي 3 ساعات من الدوران، و رؤوسنا تحت أقدامهم ، و جدنا أنفسنا في معتقل درب مولاي الشريف.
    ـ س: كيف تم استقبالك؟
    ـ ج: بعد "البندة و المونوط" بدا الاستنطاق و التعذيب مباشرة. كان الاستنطاق يدور حول علاقاتي بالفقيه ( الاسم المستعار لعمر)، بالتنظيم السري، بالسلاح... استعملت جميع وسائل التعذيب بما فيه الكهرباء في حميع أطراف الجسم الحساسة، و قد نتج عن هذا نزيف عانيت منه لمدة سنوات و سنوات. أنكرت كل شيء و صمدت. أتوا بعمر الذي طلب مني الاعتراف بالحقيقة لأنهم يعرفون كل شيء فلا داعي للنكران. كان جوابي هو أنني أعرف عمر دهكون عائليا و حزبيا و لا أعرفه فقيها أو منتميا لمنظمة سرية.

    ردحذف

  2. في اليوم الموالي تم تجريدي من جميع الملابس و تم تعليقي على شكل " البروكي (perroquet) " مع الضرب، و الكهرباء و " الشيفون" و أحضروا أخي سي محمد الذي صدم بالمشهد الذي كان أمام عينيه و بدأ يحتج و يوضح أن علاقاتنا بعمر دهكون لا تتعدى علاقات عائلية.
    " هزوني عريانة في كاشة مقطعة و موسخة".
    في اليوم الموالي استأنف التعذيب الرهيب و" طرتقت عيني اليسرى" التي فقدتها بشكل نهائي. أنا لا أرى بها اليوم. جيء بعمر ليرى حالتي، ذهل من حالتي وطلب منهم إسعافي. فكان جوابهم " ستفقد العين الأخرى إن هي رفضت التعاون معنا و تزويدنا بالمعلومات حول التنظيم السري و التخطيط للعنف و السلاح المستورد..." و قد تشبثت بما قلته سابقا: علاقاتي بعمر علاقات عائلية و حزبية فقط،، و لا تتعدى أنشطتي توزيع البيانات الحزبية و النقابية. و أن كل ما افعله، أفعله في سبيل الشعب و الوطن، و لدنا و كبرنا في البراكة، نفتخر بنضال أبوينا و بما نعمل.
    بقينا في هذه الظروف الجهنمية لمدة 6 شهور، بدون ألبسة و لا غسل، بدمائنا نحن النساء، نتبول في نفس المكان... يستغل الجلادون ( الحجاج) كل مناسبة لإهانتنا و ضربنا. لم يبقى لأختي زهرة إلا سنين اثنين بعد ضربها للفم من طرف جلاد عندما حاولت مساعدة عمر بنجلون الذي عجز عن استعمال يديه لشرب " السوبة Soupe" بعد حصة تعذيب رهيب. كنت أتألم كثيرا لوضعية الأخت منديل عائشة الذي كان عمرها يناهز 70 سنة، و هي جارتنا و أم بوجمعة السيكليست و قد اعتقلت معنا نحن الاخوة الثلاثة في نفس اليوم، لم أعرف إلي حد الآن السبب . كان درب مولاي الشريف مملوءا عن آخره بالمئات من المناضلين.
    ـ س: ماذا جرى بعد جهنم درب مولاي الشريف؟
    ـ ج: نقلنا في حالة يرثى لها من معتقل مولاي الشريف إلى " الكربيس" المكون من عدة « هنكارات hangars » كانت تستعمل في ما يبدو لإيواء الطائرات ( مطار أنفا بالدار البيضاء). كان الجميع معصوبي العينين و مربوط " بالمنوط". كنت مربوطة بأختي زهرة " بالمنوط" و أنا في حالة صحية متدهورة : العين تقطر الدم، و النزيف الذي لم يتوقف منذ أن استعمل الجلادون الكهرباء في الأماكن الحساسة. سوف لن تفارقنا المنوط أنا و أختي لشهور عدة.
    ـ س: أعطينا بعض التفاصيل حول الكربيس.
    ـ ج: وجدنا أمامنا مئات من المناضلين جيء بهم من مختلف الأقاليم ( خنيفرة، الحاجب، وجدة، اميلشيل، الراشيدية...).
    بقينا مرميين فوق الأرض، مختلطين، نساء و رجال، معرضين يوميا و ليلا لمختلف الإهانات ( الضرب، الكلام الساقط...)، بدون غسل ، فالقمل و مختلف الطفيليات كانت تفعل فينا ما تشاء.
    ـ س: هل فعلا كانت هناك وفيات؟
    ـ ج: نعم فقد شاهدنا الجلادين يحملون المتوفين في صناديق خاصة.

    ردحذف
  3. ـ س: هل تتذكرين بعد أسماء الموجودين معكم في الكوربيس؟
    ـ ج: هناك من النساء: زيادة على أختي زهرة و جارتنا المسنة منديل عائشة، هناك ايطو و أختها فاظمة من خنيفرة، خديجة أخت الشهيد الملياني الذي أعدم فيما بعد رفقة عمر دهكون، كانت هناك امرأة حامل من اميلشيل أجهضت نتيجة الاعتقال و التعذيب، و ليلى بوعبيد الليبية... و من الرجال أحمد صبري الذي أبان عن صمود و شجاعة مثله في ذلك مثل الحاج المنوزي و الوديع الاسفي...
    أطلق سراح البعض و وزعت الأغلبية على مختلف سجون المغرب للمحاكمة.
    أما نحن فبقينا في هذه الظروف اللاإنسانية لعدة شهور، قبل أن تتحسن شيئا ما وضعيتنا اثر انتفاضة أختي بعد الاعتداء الذي تعرضت له على يد أحد الحراس: "غسلنا، و لبسنا الكاكي و عزلنا عن الرجال، انخفضت حدة الاعتداء و الاهانة". و قد سبق لي أن طلبت من أحد الحراس أن يقتلني فرفض.
    ـ س: ماذا وقع بعد الكوربيس؟
    ـ ج: بعد أن قضينا حوالي 18 شهر بالكربيس، احلنا على السجن مرورا بوكيل الملك الذي استهزأ منا و قرأ علينا تهما مرتبطة بالتخريب، و الانتماء إلى منظمة سرية و حمل السلاح...
    ـ س: كيف تم استقبالكم في سجن غبيلة بالدار البيضاء؟
    ـ ج: تم استقبالنا في جو رهيب. الكل ينعتنا بالخطيرات منع عن الجميع الاقتراب منا أو الحديث معنا. رمينا نحن الثلاثة: أنا و أختي زهرة وعائشة منديل في زنزانة صغيرة و هي عبارة عن مرحاض. سنبقى معزولين عن البشر داخل الزنزانة لمدة ثلاثة أشهر.
    كانت حالتنا الصحية جد متدهورة، لا نستطيع الوقوف لحمل الآكل من الباب حيث يضعه الحراس الذين لا يقتربون منا. لما لاحظت إدارة السجن أننا لا نأكل ظنت أننا دخلنا في إضراب عن الطعم. و راسلت إدارة السجون في الموضوع، و هكذا انتقل مدير إدارة السجون من الرباط إلى السجن بالدار البيضاء. أطل على الزنزانة و وجدنا نموت، و أنا رأسي في ثقبة المرحاض حيث سقطت، ذعر من المنظر و سألنا لماذا نرفض الأكل كان جوابي أننا غير قادرات للوصول إليه. أعطى مدير إدارة السجون تعليماته من أجل السماح لنا بالغسل، و بتزويدنا بالحليب ... و هكذا تحسنت نسبيا حالة الاعتقال.
    ـ س: هل تعرفت على أحد داخل السجن؟
    ـ ج: كانت تزورنا و تساعدنا المناضلة الاتحادية ( طالبة معتقلة بنفس الحي) عائشة مفتوح ( ليست عائشة فتوح التلميذة من طنجة والمعتقلة مع سعيدة المنبهي و اللواتي كن يتواجدن في حي آخر بنفس السجن). في أحد الأيام جئتني حارسة و طلبت مني اصطحابها في سرية تامة، و كم كانت مفاجئتي كبيرة عندما و جدت سعيدة المنبهي في انتظاري حيث شجعتني و قالت " رغم أننا ننتمي إلى مجموعات مختلفة فان المبادئ و الأهداف تجمعنا".
    ـ س: متى تمت محاكمتك؟
    ـ ج: في النصف الأول من سنة 1975. طلب لي وكيل الملك المؤبد رغم أنني استحق حسب قوله الإعدام.
    في نهاية الأمر حكم علينا بسنة سجن و غرامة مالية. خرجنا من السجن، و جدنا المناضلين و الجيران في استقبالنا.أما العائلة فلم يبقى لنا أحد: الكل مات قبل اعتقالنا.
    رجعنا إلى "منزلنا"، و تكلف الجيران بإطعامنا ( هناك من يتكلف بالغذاء، و هناك من يتكلف بالعشاء). لم يكن لنا أي مورد للعيش كما منعتنا الشرطة من مغادرة الدرب للبحث عن العمل.
    و قد التحق بنا من بعد أخونا سي محمد الذي نقل إلى القنيطرة صحبة عمر بنجلون، حيث حكم عليه بالبراءة.
    بعد حوالي 7 سنوات من المعانات و الفقر و الحرمان و الاستفزاز البوليسي المستمر، اتجهت الى مقر جريدة حزب الاتحاد الاشتراكي لمقابلة محمد اليازغي حيث شرحت له و ضعيتنا المأساوية. و هكذا قرر تشغيلي كمنظفة في بناية الجريدة.
    لم أستطيع أن أقوم بجميع الأشغال نظرا لوضعيتي الصحية، و نظرا لضخامة الأشغال المطلوبة مني. طلبت منهم تشغيل أختي لمساعدتي و قد قبلوا، و هكذا أصبحت أتقاضى 8000 ريال و أختي 6000 ريال شهريا.

    ردحذف
  4. ـ س: و هل انتهت متاعبك مع الشرطة؟
    ـ ج: لا بطبيعة الحال. لقد استدعانا الكومسير ثابت ( الذي تم إعدامه من بعد) أنا و أختي و مناضل اتحادي آخر. و لما استقبلني في مكتبه قال لي " أنظري أنت الممرضة و المناضلة و الصامدة كيف التلت بك الأيام و أصبحت "جفافة" مقابل لاشيء. نحن مستعدون لتخصيص لكما، أنت و أختك "ماندات" شهرية ، بشرط أن تكونا رهن إشارتنا عند الحاجة". قلت له أن ما قمت به هو في سبيل الشعب و الوطن و أنا غير مستعدة لبيع كرامتي و شرفي. انقض علي بالضرب هو و شرطي آخر، فلولا أختي و المناضل الآخر لما تمكنت من الوصول إلى مقر الجريدة.
    ـ س: هل لك كلمة خاصة للنساء بشكل عام و للشابات بشكل خاصة بمناسبة 8 مارس؟
    ـ ج: أريد أن أقول أن نضالنا و تضحياتنا هي في سبيل الشعب، في سبيل الجيل الحالي و الأجيال القادمة.
    كما أطلب من الشباب عامة أن يدرس التاريخ لمعرفة جسامة التضحيات و أن يطلع على المساهمة الفعالة للمرأة المغربية في جميع المحطات النضالية، و أخيرا أعتبر العلاقات بين الرجل و المرأة يجب أن تكون نتيجة التفاهم و الاحترام المتبادل و المساعدة خارج و داخل المنزل.

    ردحذف