الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

المعتقلات السرية بالمغرب-1- المعتقل السري لدرب مولاي شريف

درب مولاي الشريف


درب مولاي الشريف هو معتقل سري سابق سيء السمعة بمدينة الدار البيضاء بالحي المحمدي، كان يُستعمل خلال سنوات الرصاص لاستنطاق وتعذيب معارضي النظام آنذاك. حسب الشهادات التي جمعتها هيئة الإنصاف والمصالحة، فإن المئات وربما الآلاف الذين سوقوا إلى هذا المعتقل الرهيب، وذاقوا به اشدّ العذاب حيث لقي العديد منهم حتفه بينما خرج الآخرون بعاهات نفسية وجسدية مستديمة.

الموقع

يقع هذا السجن بشارع مولاي الشريف بالحي المحمدي الدار البيضاء، ومن موقعه التصق به اسم درب مولاي الشريف. تواجد السجن بقبو عمارة كبيرة كان ولا زال يسكنها العديد من العائلات، ولم يكن يعلم سكان تلك العمارة بما يحدث في قبوها من تعديب واذلال وانتهاك لحقوق الإنسان على يد رجال السلطة.
أماعن تسمية السجن بدرب مولاي الشريف ليس إلا لكونه يوجد في شارع يحمل نفس الاسم، ويوجد في الطابق التحت أرضي لعمارة يطلق عليها اسم عمارة الشرطة، وذلك لكون جل سكانها ينتمون إلى رجال الشرطة، إضافة إلى أنه يوجد خلف المقاطعة الحضرية 43 والتي تتواجد في تراب نفس الحي.

ذاكرة المعتقلات السرية 8 درب مولاي الشريف... مركز التعذيب والألم


المحتجزون ذاقوا "الفلقة" و"الشيفون" و"الطيارة" بعد وجبات خفيفة للتأديب
لم يكن من الممكن تجاوز الحديث عن معتقل درب مولاي الشريف، وهو المعتقل السري الشهير في المغرب. معتقل الذي ارتبط اسمه باسم الحي الذي يوجد  به، لم يكن سريا  بالنسبة إلى الجوار، في الوقت الذي تباين فيه عدد المحتجزين باختلاف الظرفيات، إذ أن  الرقم يتراوح  بين 40 محتجزا و300 محتجز.
ويمكن تصنيف المحتجزين، حسب ما جاء في الكتاب، إلى عدة مجموعات منها ما ارتبط بالأحداث السياسية، لما بعد الاستقلال، أو بانتفاضات وحركات عصيان وتمرد، أو بتنظيمات  يسارية،  أو إسلامية، أو شبابية تلاميذية وطلابية. لذلك قد نجد في قوائم من مروا به، أسماء من مشارب مختلفة.  وتبدأ معاناة المعتقلين بدرب مولاي الشريف، منذ لحظة الاستقبال ، يتحولون إلى مجرد أرقام عليها  أن تلتزم الصمت  وتنفذ العمليات، أي الانضباط  للنظام الداخلي للمكان. إلا أن ذلك، لم يكن سوى وجبة خفيفة  للتأديب، أما الوجبات الدسمة، المخصصة للاستنطاق  فتتوزع ، حسب  ما صار  متداولات  في أدب السجون، بين "الفلقة" و"الببغاء" و"الشفون" و"الطيارة"...
كانت معاناة المعتقلات أقسى ربما، وذات خصوصية، قد تبدأ بالتعامل  من منطق العقلية الذكورية  ومناداة المحتجزات بأسماء رجالية، ولا تنتهي بالإهانة والتحرش، وكان الأمر يزداد سوءا بالنسبة إلى الحوامل منهن، خاصة مع سوء التغذية  والتخوف  على صحة الجنين. فالطعام حسب إفادة احد المحتجزين السابقين، كان عبارة عن أكل بسيط كي يستمر المعتقل على قيد الحياة.
في هذا الكتاب، نجد أيضا جوابا على سؤال  يطرح نفسه بقوة، كيف  تطورت دينامية الاعتقال والاحتجاز بهذا المركز، إذ أوضح الكتاب أن "كريان  سنطرال"، الحي الحاضن للمعتقل، شكل مبعث قلق دائم  للإدارة الاستعمارية، بحكم  التركيبة البشرية  التي تقطنه، المشكلة أساسا من فئات اجتماعية بسيطة، وفدت إلى البيضاء  بحثا عن عمل في مصانعها.
 وحسب المعلومات المتوفرة في الكتاب، فقد ظلت الإدارة الأمنية، التي كانت تتولى شؤون "الكريان"، مستقرة  خارج هذا  الحي، مكتفية بخدمات مركز الشرطة داخل بناء بسيط، يقع بين درب مولاي الشريف و"الشابو"، في انتظار إقامة مركب إداري متكامل. إلا أن الزخم النضالي الذي عرفه "كريان سنطرال"، مع مطلع الخمسينات من القرن الماضي، خاصة مع الأحداث التي واكبت المظاهرات  المنددة  باغتيال  الزعيم النقابي  التونسي فرحات حشاد، عجل بالتفكير بضرورة إحداث مؤسسة  أمنية للتحكم في الوضع عن قرب. إلا أن التعقيدات الإدارية حالت دون انجازها خلال الفترة الاستعمارية. 
وبعد الاستقلال، عاد التفكير افي إحياء المشروع ، فتم بناء عمارة لهذا الغرض، خلال 1959، وهي التي استعملت لأغراض الاعتقال والاستنطاق والاحتجاز بين 1959 و1991. يؤكد الكتاب أن بعض الشهادات أفادت أن مفوضية الشرطة بدرب مولاي الشريف  كانت في بداية اشتغالها، مؤسسة عادية  يقصدها أبناء الحي لإنجاز وثائقهم الإدارية، وحسب هيأة الإنصاف والمصالحة  كانت  تابعة منذ إنشائها  للفرقة  الوطنية للضابطة القضائية، كما أن القضايا الكبرى التي تصنف في خانة  المس بأمن الدولة، ومنها قضايا  تزوير الأموال والمخدرات  والجرائم السياسية، كانت  تحال على هذه المفوضية.
 وبنيت العمارة علـــى مساحــــة 1451 مترا مربعا، وهي بنايـــة مـــن ثلاثة طـــوابق  تحتــوي على  35 شقــة  لإيواء موظفــي الأمـــــن الوطني، تعلــو دورهــــا الأرضي الـــذي استعمــل مفــــوضية للشــرطـــة في البداية قبل أن يتحول إلى  مركز سري  للاعتقال.
وتــدور حول البنايـــة، عــدة روايات متضاربة في ما يخــص وجــود قبو تحتها من عــدمه، بل إن وقع المكان على سكان الحي جعلهم يتحدثون عن وجود قبو يمتد على مساحة تتجاوز مساحة العمارة.
ADVERTISEMENT
إعداد: إيمان رضيف
 ............................
 شمعون ليفي: أوفقير والدليمي حققا معي في معتقل درب مولاي الشريف

نشر في المساء يوم 25 - 03 - 2008

تاريخ اليهود جزء من تاريخ المغرب.. تاريخ تعايش ديانتين على أرض واحدة. في هذا الحوار مع شمعون ليفي، رئيس المتحف اليهودي والأستاذ الجامعي والمناضل اليساري، يأخذنا في رحلة اكتشاف تاريخ اليهود في المغرب، معتقداتهم، مهنهم، علاقتهم بالسلطة، ومأساة تهجيرهم إلى إسرائيل.. الوجه الآخر لطرد الفلسطينيين من أرضهم... لنتابع
- تعرضت خلال تولي الجنرال أوفقير لوزارة الداخلية للاعتقال هل لك أن تضعنا أمام صورة ما حدث وكيف كان يتعاطى مع الحزب الشيوعي؟
< أوفقير رجل اليمين، من الجيش الفرنسي، وبقي يترقى إلى أن أصبح في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وزير الداخلية، وفي سنة 1963 أنت تعلم ما وقع مع الاتحاديين، وفي سنة 1965 خرجت مظاهرة سكان مدينة الدار البيضاء وخاصة تلاميذ ثانوية محمد الخامس، حيث كنت أدرس هناك ووقع لي ما وقع من أحداث سياسية وغيرها.
وفعلا الحركة خرجت من ثانوية محمد الخامس في 22 مارس وفي 23 مارس اعتقلت من منزلي على الساعة 3 صباحا مثلي مثل مجموعة من الأساتذة ومناضلين آخرين. وأطلق سراحي في 28 مارس مع جميع الذين اعتقلوا، أي أن مدة الاعتقال دامت خمسة أيام، وفي الوقت الذي دخلت فيه سليما معافى تم رميي بأحد الأزقة وأنا أحمل كسورا في الكتف واليد مع خمسة غرامات من محلول البول في الدم في حالة هي بين الوعي واللاوعي ولكني كنت مطمئنا لشيء واحد هو أنني لم أش بأحد، أي كنت منتصرا رغم الألم الجسدي الذي تطلب مني ثلاثة أشهر من العلاج وعدت إلى خندقي مثل العسكري.
السؤال هو: هل أوفقير لعب دورا في هاته القضية؟ المعروف هو أنه لعب دورا خاصا، إذ قدم بطائرات الهيلكوبتر وبدأ القصف الجوي على الشعب، ومع الأسف أنه في هاته الأيام الأخيرة لم يتحدثوا كثيرا عن أحداث 1965 كحديثهم عن أيام الظلام.
وأنا لا أستعمل مصطلح «سنوات الرصاص» كما يفعل الآخرون. لماذا لأنها توحي دائما أننا كنا مظلومين والحقيقة أننا كنا مكافحين ومناضلين سياسيين وعلى علم بما سيقع لنا مسبقا. وأنا أتحدث عن جيلي، ففي اليوم الذي خرجت فيه من المعتقل السري يوم 28 مارس كنت فرحا،إذ كنت مثل إنسان دخل إلى جهنم وخرج منها سالما، معنويا وليس جسديا، بحيث لم تضعف ثقتي بنفسي. وكان هذا هو الجو عند الطلبة والأساتذة خصوصا، ورغم ذلك بقيت مسؤولا عن نقابة الأساتذة في نقابة الاتحاد المغربي للشغل.
- من هم المسؤولون الذين تولوا التحقيق معكم؟
< طبعا كان هناك أوفقير، كما أنني وأنا داخل المعتقل انتابني شعور قوي أن الدليمي كان هناك أيضا. هل صحيح أم لا؟ لأننا كنا معصوبي الأعين، ففي اليوم الأول تولى التحقيق معنا رجال أمن عاديون أما في اليوم الثاني من التحقيق فقد جاء رجل مهم من الأمن قال لي رفاقي بالزنزانة إنه كان الدليمي ويوم السبت أطلقوا سراحنا بعد أن جلبوا لنا بعض الطعام، إذ إننا أمضينا الأيام الأولى دون طعام. وأذكر أنه قبل إطلاق سراحي تعرضت لوابل من الضرب ظنا منهم أنني سأبوح لهم ببعض الأشياء أو الأسماء.
- من كان وراء اقتراح تغييركم الاسم من أجل ضمان الترخيص لكم أو بمعنى أدق من أفتى لكم بإزالة لفظة شيوعية من اسم الحزب؟
< كانت فكرة تغيير الاسم واردة قصد تطبيق أهداف الحزب. ولا سيما بعد المنع الذي وقع في سنة 1960 وذلك بدعوى عدم توافق الشيوعية مع مبادئ الإسلام. وكان الرفيق الهادي مسواك، الذي له اتصالات على أعلى المستويات، قد لعب دورا كبيرا في هذا الإطار. وطرحنا القانون الجديد والاسم الجديد: حزب التحرر والاشتراكية، لكن سرعان ما كانت هناك ضغوطات أمريكية ورجعية، ومرة أخرى تم القبض على علي يعته وشعيب الريفي ومنع الحزب.
- من هي بالضبط هاته القوى الرجعية؟
< الدور الأساسي كان لأمريكا فهي التي حركت اللعبة ..
- من الثابت أن جزءا من النفوذ الذي كان يتمتع به الحزب الشيوعي هو العلاقة التي كانت تربطه بالمعسكر الشرقي ما خلفيات هذا النفوذ؟
< جزء من نفوذنا كان في علاقتنا بالمعسكر الشرقي والحركات التحررية في العالم. فالنظام نفسه كان يعتبر وجود الحزب الشيوعي في المغرب عنوانا للعلاقات الطيبة مع المعسكر الشرقي. ولكن لماذا كان الحكم يرغب في تلك العلاقة الطيبة مع هذا المعسكر؟ لممارسة نوع من التوازنات والضغوطات ما بين المعسكرين.
- لماذا جمدت نشاطك داخل الحزب؟
< نشاطي داخل الحزب ليس مجمدا، هم الذين جمدوه... التنظيم السياسي الآن هو المجمد بسبب أغلاطهم. فلتتصور معي أن هناك 400 شخص في اللجنة المركزية، والحالة هذه يصعب على الجميع المشاركة في النقاش، الدليل على ذلك أن اللجنة المركزية اجتمعت مؤخرا طيلة أربعة أيام ولم يصلوا إلى نتيجة ولم يصادقوا على شيء، سوى المصادقة على تقرير الأمين العام.
بصراحة، في الفترة التي كنت فيها عضوا في المكتب السياسي كانت هناك أخطاء، ولكن الأخطاء التي ارتكبت فيما بعد هي كون الإدارة الحالية تريد أن يكون الحزب مثله مثل باقي الأحزاب. لكني أنتفض وأقول: «هاد 60 عام ديال تمارة لاش مشات» ستون عاما من النضال من أجل ماذا؟ من أجل ماذا؟ كل تلك السنين من المعاناة داخل السجون والتعذيب من أجل ماذا؟ هل من أجل أن نصبح في آخر المطاف من جملة الأحزاب الموجودة. هذا النوع من الأحزاب هو موجود فلنلتحق به إذن.
يوجد الاتحاد الاشتراكي وله مساره، ونحن كحزب التقدم والاشتراكية لنا مسارنا فلنكمله، والحمد لله أنه وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي لم ينهر حزبنا وبقي صامدا، وهذا هو الواقع.
وناديت بضرورة أن نقوم بدورنا الحقيقي، دور اليسار مع الاتحاد الاشتراكي ومع القوى النقابية ومع آخرين في طرح الأمور الصحيحة داخل الحكم. مع الأسف كانت المعادلة معكوسة وكان الهم السائد داخل الحزب هو الرغبة الملحة في الدخول إلى الحكومة بأي صفة من الصفات. ولفرض برنامج ما يجب أن يكون الجميع موحدا، وقريبا من الكتلة وخصوصا الاتحاد الاشتراكي. كان هذا هو الفرق، ولكنه فرق شاسع.
وفي نهاية المطاف، في ذلك المؤتمر ظهر نوع من الانتهازية السياسية عند بعض الرفاق، والكثير منهم كان يرغب في الالتحاق بالمكتب السياسي وهذه الانتهازية هي التي جعلت قاعدة الحزب تنفجر.
انعقد المؤتمر في المركب الرياضي مولاي عبد الله بالرباط، حيث ثارت القاعدة، أنا كنت في اللجنة السياسية، أنهينا عملنا في الثالثة صباحا، وغادرت مقر الاجتماع وحينما أردت ولوج المرحاض منعني أحدهم مهددا إياي بهراوة. بعد ذلك التقيت رفاقا من الشبيبة أخبروني بأنه في لجنة الترشيحات وقع صراع دام لمدة 7 ساعات، يناقشون فيه هل يطردونني من اللجنة المركزية أم لا. وبعد 7 ساعات من النقاش قرروا طردي. وبعدها قال لي الرفاق ما العمل؟ وما هو الحل لمواجهة هذا القرار؟ آنذاك نصحت الرفاق بالتوجه إلى منازلهم والانتظار إلى الغد، لكن الرفاق قضوا الليل كله في العمل من أجل التعبئة ليوم الغد لمواكبة مستجدات المؤتمر. وفي الغد وصلت متأخرا إلى المؤتمر، ولاحظت أن الوجوه متجهمة، دخلت إلى القاعة فوجدت شخصا جالسا في مكاني.

................................

عبد اللطيف زروال 1951 – 1976 لفظ أنفاسه الأخيرة تحت التعذيب الشرس

عبد اللطيف زروال 1951 – 1976 لفظ أنفاسه الأخيرة تحت التعذيب الشرس 


عبد الرزاق السنوسي معنى
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 11 - 2009

في مثل هذا اليوم 4 نونبر 1974 ، تم اعتقال المناضل عبد اللطيف زروال واقتيد إلى المعتقل السري درب مولاي الشريف . منذ ذلك التاريخ أصبح مصيره مجهولا . لقد مرت 35 سنة على اعتقاله ، و33 سنة على قتله تحت التعذيب .
ولد عبد اللطيف زروال بمدينة برشيد في 15 ماي 1951 ، هوابن عائلة شعبية كادحة ّ.
بعد حصوله على الشهادة الابتدائية، انتقل إلى مدينة الدار البيضاء ثم إلى مدينة الرباط لمتابعة دراسته الثانوية، حصل على شهادة الباكلوريا وعمره سبعة عشر سنة، التحق بكلية الآداب بالرباط شعبة الفلسفة، و بعد حصوله على الإجازة في الفلسفة التحق بالمدرسة العليا للأساتذة، ثم عين أستاذا بمدينة سطات.
كان عبد اللطيف شاعرا ثوريا من أشهر قصائده "الشهيد" التي نشرت له في مجلة "أقلام" في أواخر الستينيات ، كما ألف كتابا بعنوان المغرب قبل الحماية (احتجزه البوليس). 

ارتبط في بداية نضاله مع جماعة أنيس بلافريج، (ابن المرحوم المناضل الوطني ، القائد الإستقلالي أحمد بلافريج)، كان زروال عضوا في تنظيم "23 مارس" ثم التحق بمنظمة إلى الأمام سنة 1973. كان مناضلا في صفوف المنظمة الطلابية "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" ، وعضو قيادي في منظمة "إلى الأمام" .
ساهم مساهمة فعالة في تطور الحركة التي ينتمي إليها . حكم عليه بالسجن المؤبد غيابيا في محاكمة الدارالبيضاء في شتنبر 1973 . تابع نضاله السري داخل المغرب ، كما طورد في إطار الحملة الشرسة التي استهدفت المناضلين الاتحاديين وكذلك المنظمات اليسارية ك "إلى الأمام" فظل في السرية إلى أن أختطف واقتيد إلى المعتقل درب مولاي الشريف السري السيء السمعة يوم 4 نونبر 1974 ومنذ ذلك التاريخ أصبح مصيره مجهولا بعدما تعرض هناك لكل أنواع التعذيب، على مسمع من والده ، وقد استمروا في تعذيبه إلى أن أشرف على الموت.
صرحت كريستين في إحدى الصحف الوطنية سنة 2009 . أن في سنة 1972 طلب بعض رفاق تنظيم "23مارس" منها أن تؤوي بمنزلها شخصا مبحوثا عنه وبعد استشارة زوجها الأول قبل الإقتراح شرط أن لايتجاوز الشخص شهرا واحدا . وسيكون هذا الشخص المبحوث عنه هو أبراهام السرفاتي ، الذي سيصبح فيما بعد زوجها . كما أوت رفاقه الذين كانوا مصرين جميعا على الاستمرار في النضال ، وهم : عبد اللطيف زروال والمشتري وشخص رابع ،
وأضافت أن هذه العملية دامت عامين ونصف ، وفي سنة 1974 ألقي القبض بالصدفة على أحد مناضلي "23 مارس" ، والذي كان على موعد مع زروال ، ومنذ تلك الفترة لم يظهر أثر عبد اللطيف زروال ، تقول كريستين أن زروال لم يعترف بشئ فمات تحت التعذيب . وتضيف كريستين لقد تأكد لها ذلك عندما استدعيت للتحقيق معها ، و أثناء التحقيق رفعت بصرها باتجاه الرفوف في تلك الغرفة الفسيحة فإذا بها ترى ظرفا مكتوبا عليه اسم عبد اللطيف زروال . وكانت لاتعرف الأسماء الحقيقية للرفاق الذين كانت تخبئهم حيث كانوا يتحركون بأسماء مستعارة إلا أنها بالصدفة في إحدى الأيام عرفت الإسم الحقيقي لزروال من خلال اطلاعها على جواز سفره . حيث فهمت أن الظرف الذي كان على الرف في كوميسارية درب مولاي الشريف كان يعني أن زروال قد مات وأن الظرف يحتوي على أغراضه الخاصة .

أثناء التعذيب الجهنمي الذي تعرض له زروال ، كان من جملة المناضلين الذين احتفظوا بمعنوياتهم وصمود هم ، الأمرالذي جعله يستشهد تحت التعذيب الشرس سنة 1976 من طرف السفاح اليوسفي ومن معه . بعد نقله إلى المستشفى ابن سيناء بالرباط حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في الطابق الخامس للمستشفى.
إن جريمة اغتيال عبد اللطيف زروال ، جريمة شنعاء ، تضاف إلى سجل الجرائم التي ارتكبها النظام المغربي في تلك الحقبة من الماضي الملوث بانتهاكات حقوق الإنسان ، و هناك من اغتيل معه كالمناضل البقالي والمناضل العبدي وآخرون كثيرون تحت التعذيب ، علما أن اللائحة المقدمة من طرف وزارة الداخلية في عهد هيئة الإصلاح والمصالحة وطي صفحة سنوات الرصاص ، لا تتضمن أسماء كل المختفين ، وخاصة الذين ماتوا تحت التعذيب

...............................

Derb moulay echrif - YouTube

https://www.youtube.com/watch?v=wB9OF9NcgHo
14‏/05‏/2012 - تم التحديث بواسطة Elhasni Alaoui Hassan
البرغوت يهجم على سكان درب مولاي شريف - Duration: 4:23. by choufmedia 1,795 views. 4:23. Reportage 1.3 Prison au Maroc passeur ...
......................

تأملات في زمن الاعتقال السياسي السري بالمغرب


   الاعتقال السياسي هو قضية من القضايا الطبقية الكونية التي ترتبط بشكل مباشر بالأنظمة الديكتاتورية التي تسعى دائما وراء احتكار السلطة لنفسها دون اشراك باقي الأطراف المعارضة،وبالتالي عزلها عن الساحة السياسية والاجتماعية عن طريق الاعتقال والزج بها في غياهب المعتقلات السرية والسجون،فما المقصود بالمعتقل السياسي؟
يحيل مفهوم المعتقل السياسي إلى كل شخص تم توقيفه أو حجز حريته بدون قرار قضائي بسبب معارضته للنظام في الرأي أو المعتقد أو الانتماء السياسي أو تعاطفه مع معارضيه أو مساعدته لهم او بسبب مبادئه السياسية أو دفاعه عن الحرية .
تميز مغرب ما بعد الاستقلال الشكلي بانتشار بطش الايادي  السوداء من خلال الاغتيالات وغزارة الاعتقالات السياسية  ضمن صفوف المعارضين للسياسة التي ينتهجها النظام القائم آنذاك،وخاصة المتسلحين بالفكر الماركسي الرامي إلى قلب البنية من خلال الثورة على صناع القرار الذين يحكمون بالنار والحديد تارة والمكر والخديعة تارة أخرى،لكون المغرب كان يعيش تحت سلطة الاستثناء،وكان الطابع المميز للممارسة السياسية هو القمع والاكراه  والاستبداد،ومن هذا المنطلق آثرت الانطلاق من دجنبر 1959 حين تم اعتقال الفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي فحوكم الأول ب 6 أشهر و الثاني بشهر واحد،على خلفية تآمرهما لاغتيال الحسن الثاني آنذاك. كما شكلت أحداث مولاي بوعزة 1973 أرضية خصبة للاعتقال السياسي الذي طال مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،بمعتقلات الترهيب السرية سيئة الذكر(درب مولاي الشريف بالدارالبيضاء،الكوربيس بذات المدينة،قلعة مكونة،تازمامارت،تمارة، دارالمقري بالرباط…) بعد اختطافهم و التنكيل بهم ولعل المناضل أحمد بنجلون و سعيد بونعيلات خير دليل على التربص الرهيب الذي انتهجه النظام الحاكم وقتئذ،حيث تم اعتقالهما بالعاصمة الاسبانية مدريد من طرف الشرطة الاسبانية يوم 29 يناير 1970،لتتم إحالتهما على المغرب عبر تسليمهما للشرطة السرية المغربية،التي نقلتهما عبر طائرة عسكرية بعد أن تم تقييد يديهما إلى الخلف و ربطهما من الأرجل بسلسلة حديدية متكونة من 73 حلقة واستبدال غطاء الرأس بعصّابة سوداء مع الأمر بالجلوس تحسبا لقيام المعتقل بأي حركة ،لأن الشرطة كانت تعتقد بخطورته كما جاء على لسان أحمد بنجلون.وبقيا على هذا الوضع حتى بعد أن زجا بهما وباقي المناضلين الحركيين في المعتقل السري دار المقري،وفي هذا يقول أحمد بنجلون:”…أما المكان الثاني فإنه دار المقري،كنت أقضي في المكان الذي وضعت فيه الليل و النهار ويداي مقيدتان وراء ظهري،وسلسلة حديدية على رجلي ،كنت أحس في بعض الأحيان أن لدي عدة أدرع،لقد كان الاحساس بألم القيد طاغيا إلى أبعد الحدود وكنت أجد صعوبة في الانتقال من وضعية إلى أخرى”.وأضاف قائلا:”لقد قضيت سنة تقريبا وأنا في الاعتقال السري تحت التعذيب و الاستنطاق قبل أن نخرج إلى العلن عند قاضي التحقيق،ونحال على المحكمة لكي تقول كلمتها فينا ،المهم هو أن أوفقير أخذ يسألني عن بعض الأسماء الحركية في تنظيمنا مثل الحاتمي و غيره”.
أوفقير، العشعاشي، الدليمي،قدوراليوسفي،الحمياني…هم الجلادون الذين سهروا على الاختطافات الرهيبة والاستنطاقات الجهنمية الدموية لخيرة أبناء الشعب، سعيا وراء تشتيت التنظيمات الرامية حسبهم إلى إنشاء الجمهورية على أنقاض النظام القائم من خلال تحالف العمال مع الحزب الثوري استنادا على حرب التحرير الشعبية ،أما أفازاز وعبد اللطيف اللعبي… فهم الذين ترأسوا عدة محاكمات سياسية أفضت إلى الحكم على مئات الشباب الطامح إلى التغيير بقرون من الزمن في ظل محاكمات صورية،تحت دريعة ملفات مفبركة وصورية كذلك ، إذ أنه رغم الاختلافات في التوجه الايديولوجي بين أعضاء التنظيمات إلا أنه تمت محاكمتهم على خلفية ملفات موحدة واعتقلوا بمعتقلات سرية واحدة،ولعل محاولة استئصال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،خلال 1973،أي بعد أحداث مولاي بوعزة أو ما يعرف بأحداث 3 مارس وهي أحداث ناجمة عن تسرب عناصر مغربية من الحدود الجزائرية إلى داخل الوطن،والتي حوكم بمقتضاها 160 معتقلا تحت صك اتهام مفاده أن هناك مؤامرة كانت تحاك ضد الأمن الداخلي للبلاد حيث تضمن أن هناك تدبيرا مسبقا تمثل في أنه كانت هناك تداريب على حمل السلاح أقيمت في بعض الدول العربية من قبيل سوريا والجزائر تحت إشراف الفقيه محمد البصري،سعيا وراء القيام بتمرد داخلي في الأطلس المتوسط،لأن الاحتقان الذي كانت تشهده البلاد سيساهم في ثورة قبائل الأطلس والجنوب بمجرد إطلاق أول رصاصة وبالتالي ستعمم الثورة على باقي جهات وأقاليم الوطن من شأنها أن تؤدي بتغيير النظام أو إسقاطه، مما استدعى محاكمة المعتقلين ال 160 محاكمة عسكرية بمدينة القنيطرة كان بطلها عبد اللطيف اللعبي الذي ترأس جملة من المحاكمات السياسية أهمها محاكمة مراكش 1971،والتي صنف خلالها المعتقلين ال 160 إلى معتقلين سياسيين ومعتقلين عسكريين،وبالتالي صدرت أحكام براءة في صفوف المعتقلين السياسيين وفي المقابل تراوحت أحكام المجموعة الثانية بين الإعدام وخمس سنوات سجنا نافذا،حيث تم إعدام 20 معتقلا،من المجموعة الثانية،أما أفراد المجموعة الأولى فرغم أحكام البراءة التي صدرت في حقهم كما غطتها الاذاعة و التلفزة المغربية و كذا جريدة العلم ووكالة المغرب العربي للأنباء، إلا أنه تم ضرب كل ذلك عرض الحائط حيث تم تجاوز كل الاعتبارات القانونية والإنسانية بعدما تم نقل المحكوم عليهم بالبراءة إلى المعتقل السري بتمارة بعدما وضعوا عليهم العصّابات و قيدوهم بالأصفاد،حيث قضوا 6 أشهر هناك،ومن ضمن هؤلاء نجد:(عمر بنجلون،محمد اليازغي،اسماعيل عبد المومني،أحمد بلقاضي،توفيق الادريسي،عمرالخطابي،مصطفى القرشاوي،عبد العزيز بناني…) ليتم بعدها تقسيمهم إلى 3 مجموعات،أولاهما شكلت من 32 معتقلا،وهم الذين تمت إحالتهم على القضاء من جديد،على خلفية ملف مفبرك يتعلق بمحاولة اغتيال الحسن الثاني و التخطيط للهروب من السجن ،سعيا وراء احتلال السفارة المغربية بلندن، ليتم إعادتهم الى السجن المركزي بمدينة القنيطرة فأطلق سراحهم خلال شهر غشت 1974 وحوكموا في المحكمة الجنائية بالرباط خلال 1976 حيث أصدرت في حقهم أحكام بالبراءة،أما أفراد المجموعة الثانية فتم نقلهم الى المستشفى بغاية إطلاق سراحهم فيما بعد ومن بينهم محمد الحلوي و بلقاضي و محمد اليازغي الذي نقل حينها إلى مدينة افران ووضع تحت الإقامة الجبرية إلى غاية شهر يونيو 1974 وهو زمن الإفراج عنه،بينما وزع أفراد المجموعة الثالثة على معتقلات سرية أخرى من قبيل قلعة مكونة،درب مولاي الشريف،تازمامارت أو دار المقري…
إن الهاجس القمعي والتصفوي الذي خيم على النظام خلال 1973 أدى إلى اعتقال مايزيد عن 5000 مناضل اتحادي وزعوا على المعتقلات السرية سابقة الذكر، إذ احتضن درب مولاي الشريف ما بين 300 و400 مناضل اتحادي بينما تم الزج ب 1300 آخرين بالكوربيس بآنفا، بالاضافة الى محاصرة ومداهمة وإغلاق المقرات الحزبية الاتحادية سعيا وراء القضاء على التنظيم الذي أزعج النظام وأربك حساباته،لكن رغم الحسابات الدقيقة التي أجراها وخططها صناع القرار فإنها لم تأتي أُكلها لأنهم عالجوا الأزمة بأزمات أكثر حدة و تعقيد، وبالتالي أفسحوا المجال بمصراعيه أمام اليسار الجديد الذي خرج بقوة وبحجم كبير خلال هذه المرحلة، بداية من فاتح ماي 1973 والمتمثل في الحركة الماركسية اللينينية التي آمنت بقيام نظام جمهوري عن طريق التحالف مع العمال و الفلاحين والحزب الثوري ومنه خوض حرب التحرير الشعبية،والتي من شأنها إعطاء الكلمة النهائية للشعب للفصل في الاتجاه الذي يجب أن تسير وفقه حركة التاريخ،ولعل هذا المشهد سبق له أن حدث خلال 1965 حين النكسة التي شهدها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،وعدم قدرته على تحمل مسؤولية مجابهة النظام شديد البأس،وخاصة بعد أحداث 23 مارس 1965 الدامية بشوارع الدار البيضاء التي قادها محمد أوفقير وقتئذ ،بفعل الانتفاضة الشعبية التي جاءت كنتاج لقرار بلعباس القاضي بمصادرة حق أبناء الجماهير الشعبية في التعليم مما دفع الجماهير الشعبية للخروج إلى الشوارع للدفاع عن مصالحها الطبقية، فعمد النظام كعادته على قمع الجماهير المنتفضة و شن حملة اعتقالات في صفوف الجماهير الشعبية كانت هي الأوسع مقارنة مع الفترة التي سبقتها من تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال الشكلي حتى 1965،وبحكم الانكسار العميق الذي أصاب نفوس أبناء ألشعب بدأت تتشكل تنظيمات ماركسية لينينية مؤطرة بالفكر الاشتراكي العلمي، فكر الطبقة العاملة، تمثلت في منظمة إلى الأمام،منظمة 23 مارس ولنخدم الشعب،فبالنسبة للأولى خرجت من رحم التنظيم الذي كان يعرف ب “أ” وهي الجماعة التي انشقت على حزب التحرر والاشتراكية وهي التي تحولت فيما بعد إلى منظمة إلى الأمام ،و”ب”هي الجماعة التي سهر على تقعيدها مناضلين من قبيل(عبد اللطيف الدرقاوي، سيون أسيدون، كمال الحبيب، محمد باري) التي تكونت بعد تكتل الأنوية الطلابية والتلاميذية وبعض القيادات السياسية اليسارية الشابة، إضافة إلى بعض الطلائع النقابية وبعض رموز الحركة الثقافية الثورية خلال الستينيات وخصوصا بعد أحداث 23 مارس 1965 والتي تم توحيدها خلال 1970، وبالتالي أنتجت ما يسمى بمنظمة 23 مارس، وبعدها منظمة لنخدم الشعب ذات المرجعية الماوية (نسبة إلى الزعيم الصيني ماوتسي تونغ)،الذي له كتاب صغير تحت عنوان “لنخدم الشعب”والتي لعب فيها كل من عمر الزايدي ومحمد شغو الدور الأكبر.
لقد تعرضت الحركة الماركسية اللينينية لتضييق خانق من لدن النظام القائم و المتمثل في الاعتقالات المتتالية بداية من 2 ،3 ،4،5،و6 نونبر 1974،وذلك نظرا للالتحام الكبير الذي شهدته الحركة مع الجماهير الشعبية،مما جعل النظام يهرع إلى الاعتقالات بالجملة في وسط هذه الحركة التي خرجت الى الوجود بقوة لم تكن متوقعة والزج بمناضليها في غياهب المعتقلات السرية من قبيل المعتقل سيء الذكر درب مولاي الشريف الذي كان في البدء عبارة عن مخفر رسمي للشرطة بالحي المحمدي لفترة من الزمن، بيد أنه تحول فجأة الى معتقل سري ،يسكنه عناصر من قوات التدخل السريع بالأعلى ويزج بالمعتقل السياسي بالطابق السفلي وهو عبارة عن مكاتب وممرات ضيقة،وكان يدخله المعتقل وهو معصوب العينين ومكبل بالأصفاد،مع الشتائم و السباب والقذف بالكلام السوقي والفاحش والضرب المبرح من طرف الجلادين، مما يجعله لا يعي الوجهة التي يسلكها خاصة إذا كان من مدينة أخرى بل حتى أن القليل من معتقلي البيضاء من كان يعي وجهته من قبيل المناضل الماركسي اللينيني صلاح الوديع الذي ناضل الى صفوف الجماهير من داخل منظمة 23 مارس،و الذي دخل درب مولاي الشريف في ربيعه 12 في زيارة لوالده المعتقل الاتحادي، ثم عاد إليه وهو معتقل سياسي في سنه 22 ،حين تم اعتقاله يوم 8 نونبر 1974 على الساعة 11و20 دقيقة صباحا،والذي قضى في نفس المعتقل 17 شهرا قبل إحالته على المحاكمة ،تحت سياط الجلاد بمختلف تلاوين التعذيب والتنكيل، كالتجريد من الملابس المدنية وتعويضها ببذلة كاكية والتي لايحق له استبدالها إلى غاية الخروج من المعتقل كما أنه كان محروما من الاغتسال طيلة المدة التي قضاها هناك مع التجويع المستمر، اللهم ما يسمح له بالبقاء على قيد الحياة، حيث كان يقدم للمعتقلين خبزة “معجنة” مع كوب من الشاي في الصباح الباكر، والقطاني خلال الظهر و الليل،الحمص،الفاصوليا،الأرز أو الفول،كما يجبر على حلق الرأس،وعصب العينين ومنعه من الكلام مع أي كان حتى في حالة رغبته في قضاء حاجته البيولوجية كان لزاما عليه طلب ذلك من “الحاج”لأن الحراس من داخل الزنازين كان يطلق عليهم لقب الحاج،فكل هؤلاء الحُجّاج، كانوا يمثلون الجلاد والجزار الذي يسهر على تلقين خيرة شباب المغرب حصص من العذاب المبين داخل الزنازين والمتمثلة في جملة من اشكال التعذيب من قبيل الخنق بالماء الممزوج بالصابون أو أي مادة أخرى من مواد النظافة من قبيل “كريزيل”،ثم هناك الفلقة المباشرة،أو”البيروكي”:أي يتبث المعتقل من يديه ورجليه على عمود أفقي يقف على عمودين آخرين،حيث يكون رأسه على مقربة من الالتصاق بيديه ورجليه،وظهره مقوسا ويضرب على رجليه في تلك الوضعية،وهو أقصى أنواع الضرب خاصة حينما يتم بشكل بطيء مع إضافة الملح والماء على الجروح،حينها يصبح المعذُب غير قادر على المشي،وفاقدا الإحساس بقدميه،كما أن هناك ما يعرف بالطائرة أو”الطيَارة” وهي  وضعية “البيروكي”مقلوبة.
إن هذه الأنواع من العذاب التي تعرض لها الآلاف من الشباب المناضل داخل زنازين التعذيب بالمعتقلات السرية من قبيل دار المقري، قلعة مكونة، أكدز،”الكومبليكس” ،تازمامارت،تمارة،الكوربيس…،درب مولاي الشريف الذي استقبل خلال شهر يناير 1975 ما يزيد عن 600 معتقل،وهي المرحلة الاولى المرتبطة بالتحقيقات و الاعتقالات التي طالت مناضلي الحركة الماركسية اللينينية من أجل القضاء عليها كما تصور جهاز المخابرات السرية،وهنا تمت إحالة مجموعة من المناضلين الى المحكمة التي أدانتهم بأحكام ثقيلة تراوحت بين 5 سنوات و الإعدام ،إذ كان عددهم 169 بعد الغربلة و التصفية خلال 1975، حيث أدت بكثير من المناضلين الى مفارقة الحياة بعد صمودهم تحت نيران آلة التعذيب الجهنمية والامتناع عن تقديم أي اعتراف من شأنه أن يضر بالتنظيم الذي ينتمون إليه، وفي هذا المضمار نذكر المناضل عبد اللطيف زروال، القائد الشيوعي، الأممي، الثوري وهو قيادي وعضو الكتابة الوطنية لمنظمة ” إلى الأمام ” الذي استشهد تحت سياط الجلادين بالمعتقل السري درب مولاي الشريف حيث كان آخر ما نطق به “أموت فداك يا وطني”، وكان ذلك يوم 14 نونبر 1974 ،وكذا رفيقه أمين التهاني المسؤول والقيادي في نفس التنظيم، ابن وجدة البار الذي تم اختطافه وزوجته يوم 27 أكتوبر 1985 واقتيادهما لنفس المعتقل حيث استشهد يوم 6 نونبر 1985 من جراء التعذيب الذي تعرض له منذ لحظة القبض عليه، كما لا ننسى استماتة عبد الله زعزاع في الصمود وهو من قيادي منظمة  الى الامام كذلك،والذي حوكم بالمؤبد الى جانب أبراهام السرفاتي، عبد الفتاح الفاكهاني،بلعباس المشتري،وعبد الرحمان نوضة.
وعلى سبيل التذكير فإن حصص الاعتقال والتعذيب والتنكيل لم تستثني العنصر الأنثوي حيث تم اعتقال المناضلة الديناميكية في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والاتحاد المغربي للشغل ومنظمة إلى الأمام، والتي اختطفت في 16 يناير 1976، لتتذوق بعدها ألوان من التعذيب بدرب مولاي الشريف ، بمعية رفيقاتها فاطمة عكاشة وربيعة لفتوح، والسيدة بييرادي ماجيو الإيطالية المساندة والمدعمة لمناضلي الحركة الماركسية اللينينية بالمغرب،ومنه فقد حوكمت سعيدة المنبهي مع مجموعة أبراهام السرفاتي أو ما يعرف بمجموعة 138 بخمس سنوات سجنا نافذا زائد سنتين بتهمة الإساءة إلى القضاء حيث خاضت مع رفاقها مجموعة من الإضرابات عن الطعام توجت بالإضراب اللامحدود عن الطعام وذلك لسن قانون المعتقل السياسي وفك العزلة عن الرفيقات وعن المناضل إبراهيم السرفاتي.والذي أدى الى وفاتها بعد يومها الرابع والثلاثون يوم 11 دجنبر 1977 بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء. بالإضافة إلى فاطنة البيه التي اعتقلت يوم 17 ماي 1977 وتم الزج بها في درب مولاي الشريف بمعية خديجة البخاري،ماريا الزويتني،وداد البواب،لطيفة اجبابدي،نكية بودا،بعدما تم اختطافها لمدة 7 أشهر دون أن تعلم أسرتها مكان تواجدها وقضائها 3 سنوات سجنا دون محاكمة،20 يوما في سجن اغبيلة بالدار البيضاء و المتبقى من الأيام بسجن مكناس،والتي عرضت عن المحكمة بعد خوضها لإضراب عن الطعام دام 20 يوما،ليتم إحالتها بعد ذلك على المحاكمة التي قضت بإدانتها بخمس سنوات سجنا تحت تهمة تهديد أمن الدولة، فيا للعجب شابة تهدد أمن  الدولة وشاب يسقط النظام استنادا لقوة السلاح ،لكن أي سلاح وأي تهديد؟
لقد استعمل النظام القائم خلال سنوات الجمر والرصاص كل قواه وأجهزته العلنية والسرية من أجل الحفاظ على كرسي الحكم عن طريق النار والحديد، مداهمات اعتقالات بالجملة،اغتيالات،إعدام في صفوف الحركة الماركسية اللينينية والقوى الاشتراكية والشيوعية عامة،التي كان من شأنها تهديد مصالح النظام وذيوله تحت مبررات درائعية ،اتهامات ثقيلة ومحاكمات صورية مجحفة ب 22 و30 سنة، بالمؤبد تارة والإعدام تارة أخرى دون احترام لأي قانون كان سماويا أو وضعيا وعدم مراعاة أي بند من بنود حقوق الانسان.
أعدم عمر دهكون و21 مناضلا منهم الملياني ومصطفى جدايني…،استشهد عبد اللطيف زروال والتهاني أمين تحت سياط الجلاد ،سعيدة المنبهي ،ومولاي بوبكر الدريدي ومصطفى بالهواري بعد الاضراب اللامحدود عن الطعام،حوصرالاتحاد الوطني لطلبة المغرب واعتقل مناضلوه كممت الأفواه المنادية بالحرية والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية،تم انتهاج سياسة التدجين والاحتواء ونزع إنسانية الإنسان لكن ماذا بعد ذلك؟
الإجابة على هذا السؤال نتركها للقارئ من أجل التأمل العميق في التضحيات الجسام التي قدمها شباب كله تطلع لبناء بلد ديمقراطي متقدم يتيح الفرص للجميع ينبني على المشاركة والإشراك لكافة القوى المجتمعية فأين نحن من هؤلاء؟
** القنيطرة-المغرب
51129124-3dec-47bc-84e5-6eea5bc25b1c

هناك تعليقان (2):

  1. لحظات في أركان درب مولاي الشريف
    إدريس ولد القابلة


    منذ الوهلة الأولى اكتملت الصورة في خاطري...تصورت أن عصابة من قطاع الطريق اختطفتنا من منازلنا ونزعتنا من ذوينا وجاءت بنا إلى فضاء مظلم منسي، ركح الإذلال والتحطيم واغتيال الصفة الإنسانية..شعرت بريح عفنة تهب في هذا المكان الغريب.

    كلما تذكرت أيام ضيافتي بدرب مولاي الشريف، يتخيل إلي أن مصائب هذا الكون بأسره بالكاد تساوي قضاء ليلة واحدة بالدرب، ومهما دونت ووصفت، ومهما اجتهدت فلن أستطيع عطاء صورة حقيقية بمأساة الإنسان بدرب مولاي الشريف. كان الولوج إلى هذا الدرب بمثابة الدخول إلى غابة متوحشة مليئة بالحيوانات المفترسة المتعطشة للدماء الآدمية....لكنها حيوانات ليست كالحيوانات، لأن هذه الأخيرة خلافا للأولى، لا تفترس إلا بمقدار وللضرورة مع احترام قواعد معلومة مجبولة عليها. أما حيوانات درب مولاي الشريف فخلت قلوبها من الرحمة ولو من اختلاجة منها، ولا مكان فيها لذرة من الشفقة، إنها آلات عذاب وتعذيب...كذبوا أمثالي على امتداد سنة أو أكثر..مخلوقات كانت ترهب الناس خوفا من استيقاظهم...مخلوقات كالتنينات تخرج من أفواههم نار تقضي على كل ما هو طيب وجميل في نفس الإنسان المغربي.

    بعد الاستقبال وتقييد الأسماء..خلعنا ملابسنا ومنحونا قميصا وسروالا كاكيين...أعادوا تكبيلنا بالأصفاد ما دامت العيون ظلت معصبة " ببانضة " محكمة العقدة...بعد أن جردونا من النقود والساعات اليدوية والأقلام والسجائر رموا بنا بين أيدي جماعة من " الحجاج" ( وهم سجانو درب مولاي الشريف)..صففونا صفا واحدا ووجوهنا إلى الحائط..وكان الصراخ يرتفع من كل مكان ومن كل زاوية...يستمر الصراخ في التصاعد ليتحول إلى لحن جنائزي..لحن استقبال أحياء ـ أموات في فضاء هتك الصفة الإنسانية، فضاء يقبع فيه أناس يواجهون مصيرا مجهولا بين جدران صماء موروثة عن الاستعمار المستبد...فضاء لا مكان فيه للأمل ولا للأمنية...لم يكن أمامنا إلا الصبر والصمود. و " الحجاج" يهمون بوضع كل واحد بمكانه انطلق صوت رخيم رفيع وحاذ:
    الصمود الصمود يا رفاق القنيطرة.

    وعرفت بعد شهور أنه صوت عبد الله زعزع الذي حوكم بالمؤبد، قالها متحديا الجلادين، وأظن أنه ما زال يذكر ذلك جيدا.

    كان الحاج يمنعنا من وضع الأقدام على جدار القبور نتعمد استفزازه لكي يعاقبنا بالوقوف على رجل واحدة لمدة ساعة أو ساعتين.

    أودعونا في سرادب تحت أرضي ضيق كانت تفوح منه رائحة نتنة كأنها لب الصديد، وكانت التعليمات تقضي بعدم صدور أي صوت وإلا فالصفع والركل والضرب والتنكيل...كل حركة وبطلب رخصة من " حاج" من " الحجاج" وما أكثرهم بدرب مولاي الشريف، أدخلونا في ذلك السرداب في جو من الفزع والخوف..فتساقطنا الواحد فوق الآخر قبل أن يجمدنا أحد " الحجاج" كل في مكانه تحت سيل من التهديدات والوعيد والتنكيل...ظل الفرد منا في مكانه يجتر أفكاره وآلامه ومحنته في صمت رهيب. كنت أشعر بجوع شديد ، لكن ما الجوع بجانب الرعب والخوف العارم الذي كان يخلخل الصدور في ذلك الفضاء بدون علم أحد وراء شمس الوجود.

    ولا داعي للتأكيد بأنه لم يذق أحد منا طعم النوم في تلك الليلة وربما حتى في الليالي الموالية. كانت الآلام التي تواجهنا ونعايشها تشغلنا عن التفكير في التحقيق الذي ينتظرنا والذي ربما يستدعي إليه بعضنا في أية لحظات من لحظات الليل أو النهار. في تلك الليلة الأولى سمعت صوتا يصرخ وصدى فرقعات سوط تولول..أتصوره سوطا يهوي على جسد نحيف..صوت شخص مريض تسكنه بحة ..كان السبب هو أن أحد " الحجاج" ضبطه يتكلم مع أحد ضيوف الدرب الكثيرين آنذاك..بعد مدة علمت أن الصوت كان للملاخ الذي قام بطبع، رفقة العلوي، رسالة الشيخ عبد السلام ياسين " الإسلام أو الطوفان"، قبل المشاركة في توزيعها..شعرت أنني في كابوس مزعج لدرجة أنني حاولت جاهدا عدم التفكير فيما يجري ويدور حولي، علما أنني لم أكن أدري كيف سينتهي الحلم المزعج..في كل وقت كنت أحسب ألف حساب لكل لحظة قادمة، ولم يكن أمامي إلا الاستسلام في مواجهة الأحداث مع الحرص الشديد على محاولة إبعاد التذمر والانهيار..لم أقو على النوم رغم التعب والإرهاق...تذكرت أمالي وأحنبيلا:لبهجة التي كنت أشعر بها عندما كنت أناضل ( بين التلاميذ والطلاب، في التجمعات والمظاهرات..) لأن هدفي كان نبيلا : تحرير الإنسان من الظلم والاستغلال والذل لتمكينه من شروط العيش كإنسان بكرامة لا أقل ولا أكثر

    ردحذف
  2. لحظات في أركان درب مولاي الشريف
    إدريس ولد القابلة-2-
    ...بدأت تساؤلات تتزاحم بدماغي...أين هو القانون كما هو سار به العمل عندنا على علته ونواقصه؟ أين الحضارة ؟ أين التحديث والتقدم اللذان يطبلون له ويغيطون في مختلف وسائل الإعلام آنذاك؟ ...وضاعت صورة العدل والعدالة بين التساؤلات في مخيلتي وانتابني غثيان وشعرت برغبة جارفة للتقيؤ على التو...كل هذا وأنا أجهل ما كان ينتظرني ...وإلى أي مصير أنا مقتاد بمعية الرفاق الممدودين بجانبي، وفي كل ركن من أركان فضاءات هذا الدرب اللعين.
    في صباح اليوم الموالي ساقنا أحد " الحجاج" إلى غرفة بها " حاج" آخر بيده آلة حلاقة، كان يمسكها ويحركها بطريقة مخيفة، كأنه جزار ينتظر الأكباش للبطش بها..وكلما جلس أحدنا أمامه هم به كأنه سيفترسه...جاء دوري وانتهت المجزرة تحت عاصفة من الشتائم لم اسمع مثلها من قبل.

    كنت مع مجموعة القنيطرة في ذلك القبو الذي لا يتجاوز عرضه المتر ونيف، وكنا مستلقين على ظهورنا ليس في اتجاه طوله وإنما في اتجاه عرضه، الشيء الذي حرمنا من مدر أرجلنا، لاسيما أصحاب القامات الطويلة منا، فكانوا يتعذبون ويعانون أكثر مني، أنا القصير القامة خصوصا وأن " الحاج" كان يمنع منعا كليا رفع الأقدام ووضعها على الجدار...كنا ملزمين بالاحتفاظ بالرجلين مطويتين، وهذا كان يسبب آلاما لا تطاق...لذا كان الواحد منا يتعمد استفزاز " الحجاج" لكي يعاقبه بالوقوف على رجل واحدة لمدة ساعة أو ساعتين مع الضرب المبرح...

    معتقل درب مولاي الشريف فضاء التعذيب والتعسف والموت البطيء، والذاكرة لا تنسى الآلام والمحن، فهناك في قلب ذلك الفضاء استشهد من استشهد، وفقد من فقد وخبل من خبل...درب مولاي الشريف مفارقة غريبة، لعب ذلك الفضاء دورا في النضال ضد المستعمر، كما أنه كان فضاء لاغتيال الأمل....إنه مرتع أناس ارتبطت أسماؤهم بالفترات المظلمة...قضيت به ما يناهز ثمانية شهور، وهناك في أكثر من ركن من أركانه صادفت رائحة محمود عرشان والحمياني واليوسفي قدوري وغيرهم...هناك كانت بأيديهم سلطة الحياة أو الموت على ضيوفهم...كانوا يفعلون بهم ما يريدون وما يحلو لهم دون حسيب ولا رقيب ولا مسائلة. ومن بين السماء والوجوه التي ظلت عالقة بالذهن، رغم أنني كنت معصوب العينين منذ ولوجي عتبة الدرب: اليوسفي قدوري رئيس الغرفة الوطنية للشرطة القضائية وعبد اللطيف بطاش و " الديب " رئيس " الحجاج"، صورهم ما تزال عالقة بذهني.

    ردحذف