الأحد، 6 ديسمبر 2015

هل حقق المغرب القفزة المنتظرة

هل حقق المغرب القفزة المنتظرة

سنة 1956، سادت على الحراك السياسي قوتين : القصر وحزب الاستقلال، وهما القوتان اللتان كانتا تسجدان وتنشطان الروح الوطنية المغربية آنذاك، وبالتالي لم تكن أي قوة أخرى مؤهلة غيرهما لتدبير الشأن العام وتفعيل تصورهما في أحداث المؤسسات الدستورية، لذلك اتسمت السنوات الأولى من الاستقلال بصراع على السلطة والنفوذ والتحكم في دواليب الدولة والفوز بدور الرائد والقائد المتصدر للمسيرة . و تكرس موقع و دور المؤسسة الملكية عبر استفتاء 1962 مما جعل نفوذ حزب الاستقلال يتقهقر بفعل تفعيل شبكات محلية من رجال السلطة للتحكم في العالم القروي وانطلاق سيرورة تدجين جملة من رؤوس القوى السياسية ومخزنتها، إلا أن الآليات والميكانيزمات الدستورية المحدثة سرعان ما ستتوقف عن سيرانها الطبيعي المرتقب بفعل التقاطب السياسي المفرط السائد في المؤسسات البرلمانية آنذاك وعجزها في التصدي للاحتقان الاجتماعي من جراء الركود السياسي والاقتصادي الذي طبع عمل الدولة ونشاطها.
وهذا ماعبرت عنه بجلاء أحداث الدار البيضاء في 23 مارس 1965 والتي أعلنت عن موت التجربة البرلمانية الأولى، وإعلان عن حالة الاستثناء التي أدت إلى مركزة السلط واعتماد الأساليب التقليدية في الحكم، المرتكزة على معيار الولاء مقابل تنمية المصالح والمواقع الاجتماعية والاقتصادية، وهكذا احتل شخص الملك الدور المحوري، وتزامن هذا الوضع مع ظهور ممارسات قمعية واغتناء متفاحش للأقلية، وجاء دستور 1970 ليكرس هذا الوضع، وتزامن ذلك مع استفحال الأزمة وتدني ظروف العيش لأغلبية المغاربة، وثلث ذلك مرحلة ( 1971-1973) التي عرف فيها المغرب هزات عنيفة، الانقلاببيين العسكريين الفاشلين ومحاولة الجناح البلانكي الاتحادي، الشيء الذي دفع القصر إلى مراجعة الأوراق ومحاولة تجديد العلاقات مع القوى السياسية. وهكذا منذ 1972 بدأت تظهر بوادر الانفتاح على أحزاب المعارضة لمحاولة البحث على توازن والسعي وراء استرجاع استقرار اجتماعي. واعتمدت البلاد دستورا جديدا سنة 1972 ذات طابع أريد منه أن يظهر أكثر ليبيرالية وأكثر ديموقراطية من الدساتير السابقة وذلك أخذا بعين الاعتبار بعض مطالب أحزاب المعارضة. إلا أن هذه التجربة سرعان ما واجهت رفض أحزاب المعارضة للمشاركة في حكومة الائتلاف الوطنية المقترحة من طرف القصر بعد انقلاب صيف 1972، وبذلك تم إجراء الانتخابات، آنذاك خرج للوجود المخطط الاقتصادي 1973-1977، الذي حدد توجها نحو دعم النمو وتحقيق عدالة اجتماعية بفضل اعتماد مغربة التجارة والصناعة واسترجاع الأراضي وإعادة هيكلة قانون الاستثمار، وقد مكنت هذه الاستراتيجية من إعطاء نفس جديد الانطلاقة الاقتصادية والسياسية، كما ساعدت بدرجة كبيرة للمزيد من تدجين النخب الاجتماعية ومخزنتها و ظل الحسم في انتظارات أوسع الفئات مؤجلا بل مهمشا.
وجاء مشكل الصحراء ليساهم في إرجاء التعامل مع التناقضات الداخلية والاهتمام بتقوية الوحدة الوطنية، وبعد مفاوضات لم يعرف عنها إلا الشيء القليل آنذاك وبعد معركة قانونية، كان الإعلان عن المسيرة الحضراء التي شكلت نجاحا تاريخيا سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو العالمي، كما أن الإجماع الوطني حول قضية الصحراء وفر جملة من الشروط لتحقيق نوع من الاندماح على الصعيد الاقتصادي والتقارب على الصعيد السياسي، الشيء الذي سهل اعتماد مسلسل ديمقراطي شكلي يمكن من إدماج النخب المدجنة والممخزنة بتزكية بعض الفاعلين في المنظومة السياسية المغربية.
ومع حلول 1983 تأزمت الأوضاع واستفحلت، و سقطت على المغرب مطرقة سياسية التقويم الهيكلي، وبذلك ولجت المنظومة الاقتصادية المغربية عهد الوصاية على امتداد ما يناهز عقد من الزمن، وأصبح الاقتصاد الوطني يسير ويوجه من الخارج. ففي 1983 بلغت الأزمة درجة جعلت الحكومة المغربية تخضع بدون قيد ولا شرط لأوامر البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ومنذ غشت 1983 اعتمد المغرب مخطط التقشف مرفوقا، بجملة من الاجراءات الاجتماعية. وبذلك انخرط المغرب تحت وصاية صندوق النقد الدولي الذي فرض عليه فرضا اعتماد سياسة التقويم الهيكلي في المجالين الاقتصادي والمالي على وجه الخصوص وهذا ما أثر وبشكل مباشر وسريع على مختلف مجالات الحياة بالبلاد. وقد انخرطت الحكومة في قبول هذه الوصاية الخارجية قصد التمكن من الاستفادة من تسهيلات متعلقة بالقروض الخارجية وكذلك إعادة جدولة الديون المتراكمة والتي بلغت آنذاك ( نهاية 1983) ما يناهز 13 ملياردولار ( تقريبا ما يفوق 130 مليار درهم). مقابل ذلك تعهدت الحكومة المغربية باتخاذ جملة من القرارات والتدابير التي تروم إعادة هيكلة الاقتصاد حسب ما تقتضيه تعليمات صندوق النقد الدولي، الموصومة آنذاك بالليبيرالية الجديدة، وهي كلها قرارات وإجراءات تتوخى بالأساس التوازنات المالية المحضة عبر التقليص الكبير من المصاريف العمومية وتشجيع وتدعيم الصادرات بأي ثمن باعتبارها هي الوحيدة التي يمكنها أن تجلب العملة الصعبة لتسديد الديون المتراكمة، ولم يكن هذا كافيا في نظر صندوق النقد الدولي، بل كان لزاما على الحكومة كذلك اعتماد برنامج واسع النطاق لخوصصة الجهاز الانتاجي والبنكي وكذلك الانخراط الكلي بدون قيد ولا شرط في منظومة السوق العالمية عبر التحرير الكلي للواردات.
وكان أول إجراء قامت به الحكومة هو ذو طبيعة مالية مرتبط بالميزانية، وهو تقليص الاستثمار العمومي وتقليص خلق فرض الشغل في الوظيفة العمومية والمزيد من الضغط على الأجور والتقليص الكبير من دعم الاستهلاك، والمراقبة الدقيقة للكتلة المالية والرفع من نسبة الفوائد وخفض قيمة الدرهم، وكلها إجراءات كانت لها انعكاسات وخيمة على الصعيد الاجتماعي، والحتوت منها أغلب الفئات الاجتماعية لا سيما منها الفقيرة والمتوسطة.
وبموزاة مع هذه الإجراءات التي نزلت كالصاعقة على الشعب المغربي اعتمدت الحكومة خطة إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني تستهدف الرفع من المردودية والجدوى والقدرة على التصدير، وفيما بين 1984 و1990 عرف النظام الضريبي تحولات كبيرة فيما يخص اعتماد الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل وترسانة من الضرائب المحلية، كما أن النظام الجمركي عرف هو كذلك تغييرات بجانب قوانين الاستثمار. وقد وصلت الديون سنة 1989 ما مقداره 20 مليون دولار بفضل سياسة التقويم الهيكلي التي أدى ضريبتها الثقيلة الشعب المغربي لاسيما أوسع فئاته الفقيرة والمتوسطة وقد تجسدت الإصلاحات المعتمدة في القطاع العمومي في التخلي السافر للدولة عن الدور الذي كانت تلعبه بخصوص المؤسسات والوحدات ذات الطابع الاقتصادي والتجاري وذلك لفائدة منطق السوق. وهكذا تم تحديد لائحة تظم 112 مؤسسة مقترحة للخوصصة منذ سنة 1989، كما تم تحديد جدول زمني وإطار قانوني إنجاز ذلك قصد تسليمها للقطاع الخاص، كما أنه تم الإقرار بتحرير الأثمنة والتجارة الخارجية، واستفاذت الأنشطة التصديرية من جملة من التسهيلات، لاسيما بفتح الأبواب على مصراعيها للمستثمرين الأجانب بعد التخلي عن سياسة المغربة وجوهرها، ورفع مراقبة مكتب الصرف فيما تخص تحويل الدخل والرأسمال.
كما أن الميدان الفلاحي لم يفلت هو كذلك من حركية الخوصصة وسيرورة تخلي الدولة عن مهامها الاقتصادية والاجتماعية التي دئبت على القيام بها، ونفس الشيء حصل في قطاع التعليم وقطاع الصحة واللذان تقرر أخضاعهما لعوامل وقواعد منطق السوق.وقد أدت هذه السياسة إلى إعفاء الدولة من جملة من الاستثمارات العمومية الشيء الذي تترجم على أرض الواقع بتقلص ملحوظ في وثيرة النمو والذي لم يقو على تجاوز نسبة 4 أو 3 في المائة فيما بين 1983 و1989.
واعتبارا للنمو الديموغرافي ( ما بين 2.6 و3 في المائة سنويا) لم يعرف نمو الدخل الفردي إلا نسبة ضئيلة تقدر إلا بنقطة أو نقطة ونصف سنويا في المعدل، علما أن هذه النسبة لم يستفد منها إلا الكمشة المحظوظة بالبلاد وهي أقلية لا تكاد تبين، في حين أن الدخل الفردي الفعلي للأغلبية الساحقة، للمغاربة عرف تقهقرا وتدنيا على امتداد هذه المرحلة وزاد الطين بلة بفعل انعكاسات السياسة المعتمدة في قطاع التشغيل عموما الذي عرف تراجعا لم يسبق له مثيل.
ورغم أن سنة 1991 عرفت موسما فلاحيا استثنائية، إلا أن الاقتصاد المغربي ظل هشا جدا، وظل المغرب مصنفا ضمن البلدان ذات درجة الخطر المرتفعة حسب الأبناك الدولية والمستثمرين الأجانب، وذلك اعتبارا لثقل الدين الخارجي الواقع على الاقتصاد والذي بلغ ما يناهز 22 مليون دولار سنة 1991، وهذا علاوة على ضعف تنوع السلع المصدرة، لدرجة أن خسران سوق أو صفقة في مجال الفوسفاط أو موسم فلاحي سيء النتائج من شأنها بسهولة، ومن عشية لضحاها، تعميق هوة الديونية وكبح وثيرة النمو، وهذا في وقت كان فيه الجدال على أشدة بالمغرب حول الانعكاسات السلبية الوخيمة لسياسة التقويم العهيكلي والثمن الباهضة الذي أداه الشعب المغربي من جرائها، وحول تفاقم الفوارق الطبقية الصارخة واستشراء البطالة، كما ظهر بوضوح أن الأقلية استفادت من هذه السياسة على حساب أغلب المغاربة، وقد وصلت الأزمة أوجها سنة 1992، حيث بلغت حدا لم يسبق أن علاينته البلاد مكنذ استقلالها في أواسط خمسينات القرن الماضي، وهكذا قامت الفئات الشعبية بشكل لم يسبق له مثيل وقد تجلى هذا بوضوح عبر تراجع مختلف المؤشرات المرتبطة بالطلب والاستهلاك.
ورغم ذلك استمرت الحكومة سنة 1992 في الاهتمام فقط بالتوازنات المالية واستمرت، مع سبق الإصرار والترصد- في التنفيذ الحرفي للتعليمات الواردة في سياسة التقويم الهيكلي المبلورة حسب هوى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دون أي اعتبار للأوضاع القائمة بالبلاد، لقد فضلت الحكومة نيل رضى المؤسسات المالية واستمرت – مع سبق الإصرار والترصد- في التنفيذ الحرفي للتعليمات الواردة في سياسة التقويم الهيكلي المبلورة حسب هوى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دون أي اعتبار للأوضاع القائمة بالبلاد، لقد فضلت الحكومة نيل رضى المؤسسات المالية الدولية عوض السعي لتحقيق نمو آني وسريع وكانت أول جميل منحته الحكومة للوطن، أن التحرير المتوحش للواردات ساهم في تقليص حصة جملة من الأنشطة الصناعية المغربية في السوق الداخلي وهذا جميل سوف لن تنساه لها الأجيال القادمة التي كتب لها أن تؤدي توابع هذا الاختيار، وحصلته تظهر بجلاء في عدد العمال المسرحين والوحدات التي اضطرت اضطرارا إلى اقفال أبواب الرزق على العديد من العائلات.
وعموما إذا كانت سياسة التقويم الهيكلي قد تمكنت من تحقيق التحسن على صعيد التوازنات المالية المحضة، فإنها لم تمكن، بأي حال من الأحوال، الاقتصاد الوطني من مواجهة تحديات إلغاء الحواجز الاقتصادية واحتداد المنافسات التجارية. إن البنية الإقليمية للتبادلات الخارجية تعكس بوضوح وجود عجز مع شركاء المغرب سواء في أوروبا أو آسيا، في حين تظل المبادلات مع الدول الإفريقية ودول المغرب العربي الكبير رغم عامل القرب والعوامل التاريخية، ضعيفة جدا إن لم تكن قد عرفت تراجعا هي كذلك كما انه يفعل تراجع عائدات العمال المهاجرين ومحاصيل السياحة، فإن ميزان الأداءات ظل يعرف عجزا سيزداد تفاقما بفعل الموارد المخصصة لتسديد الدين الخارجي وتوابعه. وهذه الوضعية انعكست مباشرة على وضعية الشركات المغربية التي أضحت تعيش حالة من الركود تدعو إلى القلق، و لم تزد الأوضاع الاجتماعية إلا تقهقرا بفعل تراكمات الخصاص في مختلف القطاعات، وتأكد ضعف النسيج الإنتاجي المغربي بفعل كثرة الوحدات الصغيرة المتأثرة بسهولة فائقة بإكراهات المحيط لاسيما أن سياسة الانفتاح المعتمدة بسرعة وبدون سابق إنذار قد ساهمت بشكل كبير في خلخلة البنية الإنتاجية المغربية- ليس في الاتجاه الإجابي وإنما في الاتجاه السلبي المدمر. وبفعل هذه المستجدات وبموازاة مع العوامل الخارجية تعمق العجز التجاري . فهل والحالة هاته يمكن اعتبار أن المغرب حقق قفزة نوعية أو في طور تحقيقها أم أن الأمر يدعو وبإلحاح إلى التحلي بالجرأة لإعادة النظر في جملة من المسائل؟ إنه سؤال مركزي وجوهري على الجواب إلحاحا قويا وشديد اللهجة.
مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير و غد أفضل
إن الإنسان هو ابن ظروفه و نتاج أوضاع تدور و تجري حوله، إنه محصلة كل ما أحاط به و انتمى إليه و آمن به. و لم يعد يخفى على أحد الآن أنه لابد و أن تعتري مرحلة الشباب اندفاعات و حماسات و تقديرات تغلب فيها أمور على أخرى.
إن كل الذين ماتوا من أجل التغيير أو من أجل غد أفضل بالمغرب فرضت عليهم ظروف صراع خاضوه بكل ما أوتوا من جهد و قوة. على أية حال تحمل مغاربة و استجابوا انطلاقا من فهمهم و درجة وعيهم لنداء الوطن رفضا للاستبداد و الظلم. و قد احتضن المغرب شهداء من أجل التغيير و غد أفضل، خاضوا معارك بين قوة الفكرة و فكر القوة، و من كان على حق – و أغلبهم كانوا كذلك- و إن مات فقد انتصر.
لقد عرف المغرب، ككثير من بلدان العالم، منذ الربع الأول من القرن العشرين احتلال أراضيه من طرف فرنسا و اسبانيا تحت ذريعة الحماية. إذ أن الإمبريالية الفرنسية حمت بالخصوص من تواطأ معها و ضمنت لعملائها الموارد الاقتصادية و المناصب الإدارية حتى أضحى الخونة يملكون السلطة و يسيطرون على مراكز القرار السياسي بالبلاد. في حين ذاق المقاومون مختلف أنواع البطش و العذاب من طرف المستعمر عقابا لهم و تنكيلا بهم على مواقفهم الرافضة للاحتلال، لكن سياسة القمع و التنكيل و تخاذل الكثيرين من عملاء الاستعمار لم يثبطا من روح الوطنية و الكفاح لدى المجاهدين، بل زادهم ذلك قوة و صلابة و مناعة في توسيع جبهات مواجهة الاستعمار و التصدي لعملائه.
و عموما يمكن تقسيم تاريخ المقاومة المغربية للاستعمار إلى مرحلتين أساسيتين- المرحلة الأولى تبتدئ من التغلغل الاستعماري- من معركة تطوان سنة 1860- و تنتهي عام 1936 حين تمكن الاستعمار الفرنسي بتعاون مع الاستعمار الاسباني من السيطرة العسكرية و السياسية على المغرب بما فيه الأقاليم الصحراوية. أما المرحلة الثانية فهي الممتدة من 1952 إلى 1958 حيث تطورت فيها المقاومة المسلحة في المدن لاسيما بعد نفي الملك محمد الخامس. علما أنه في سنة 1958 تم القضاء على فصائل جيش التحرير المغربي التي كانت على وشك طرد الأسبان من الصحراء.
و عبر هذا المسار تتجلى بعض المحطات : 1953-1959،1962-1963، مارس 1965 ، 1969، 1971-1973، 1980-1984، عاين فيها المغرب و احتضن رجالا أوفياء لفكرة آمنوا بها و فقدوا حياتهم من أجل التغيير و من أجل غد أفضل. و أغلب هؤلاء الرجال و النساء كانوا يعتقدون بشكل أو بآخر أن المغرب في تلك الفترات لم يكن يحتاج إلا لشرارة لانفجار الأوضاع و بالتالي لبلوغ المراد و هو تغيير الحال.
مئات المغاربة... شهداء باختيارهم أو شهداء رغما عنهم... عاقروا بدمائهم أكثر من أربعة عقود من تاريخ المغرب المعاصر... أكثر من أربعة عقود من تفعيل آليات القمع و آليات مختلف أنواع الوحشية التي كان يقابلها تصاعد النضالات البطولية للفعاليات الحية المخلصة للشعب المغربي و لآماله و انتظاراته.
و اعتبارا لكون المغرب اجتاز أكثر من أربعة عقود رهيبة من الكر و الفر بين النظام و حلفائه من جهة و بين القوى الحية للشعب المغربي من جهة أخرى فكان من الطبيعي جدا أن يسقط رجال و نساء و أحيانا أطفال أبرياء سواء إبان المرحلة الاستعمارية أو مرحلة ما بعد الاستقلال. هؤلاء المغاربة رغم التباين في أفكارهم و منطلقا تهم و أهدافهم، فإنهم كلهم فقدوا حياتهم من أجل التغيير في هذا الاتجاه أو ذاك، و من أجل غد مغاير ليوم مر المعاش. و ذلك لأن هذه الفترة التاريخية من تاريخ المغرب تميزت باستفحال الفقر و تردي الأوضاع و بخروقات رهيبة و جسيمة لحقوق الإنسان مازالت جراحها شاخصة للعيان، لاسيما و أن بعض مقترفيها بامتياز لازالوا في مواقع صنع القرار بالبلاد بالرغم من الجرائم التي ارتكبوها في حق جملة من أبناء الشعب المغربي البررة. و بعض هذه الأفعال إن لم تكن كلها تعتبر بشهادة كل النزهاء من قبيل جرائم في حق الإنسانية. فخلال هذه المرحلة شهد المغرب اضطرابات كبيرة بدءا من أحداث 1963 و مرورا بأحداث الدار البيضاء في مارس 1965 و أحداث مولاي بوعزة في فجر السبعينات و انقلابي الصخيرات في 1971 و الطائرة الملكية في 1972 و الاعتقالات و الاختطافات الواسعة المدى على امتداد ستينات و سبعينات و ثمانينات القرن الماضي و مظاهرات منتصف الثمانينات بجملة من المدن المغربية.
آنذاك كانت تستضيف المعتقلات السرية من أمثال تازمامارت و درب مولاي الشريف و الكاب و دار المقري و الكومبليكس و الكوربيس و قلعة مكونة و أكدز و فيلات عديدة معدة لهذا الغرض مئات بل آلاف المختطفين فقد بعضهم حياتهم و أقبروا في حفر دون احترام أدنى شروط الدفن المنصوص عليها إنسانيا و عرفيا و قانونيا و شرعيا و دينيا . و هذا ما وقع بالتمام و الكمال بالنسبة للشهيد عبد اللطيف زروال و شهداء تازمامارت المصمم من طرف القائمين على الأمور بالبلاد آنذاك لأكل البشر.
إن جل الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير و من أجل غد أفضل بالمغرب كانوا بسطاء في حياتهم و في تصرفاتهم، إلا أنهم كانوا أقوياء بعقيدتهم و صدق وطنيتهم الحقة و ليس الوطنية المشبوهة مادام لا وجود لوطنية فعلية تقهر الشعب و تغتال طموحاته و آماله و تحكم بالإعدام مع سبق الإصرار و الترصد على انتظاراته على امتداد ما يناهز نصف قرن تقريبا.
و أنا أكتب هذه الورقة المتواضعة جدا أستحضر كل شهداء الشعب المغربي الأبرار بدءا بشهداء حرب الريف و شهداء المقاومة و جيش التحرير و وصولا إلى شهداء معتقل تازمامارت و مخافر الشرطة و الدرك الملكي و كذلك الذين اغتيلوا داخل المغرب أو خارجه في ظلمة الليل أو وراء الشمس، كل هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم من أجل مغرب متحرر من الظلم و الاستغلال و الإهانة و الفقرقراطية و الخوفقراطية و الدوس على الكرامة الإنسانية و التخلف و الميز الاجتماعي و القهر الاقتصادي و الزيف الثقافي.
إن تضحيات هؤلاء ساهمت بشكل كبير في إنارة الطريق و الكشف عن جملة من الحقائق عرت عن المكر السياسي و سياسة المكر و كانت انتصارا على مجهودات التعتيم على التاريخ الشعبي الفعلي الذي لا زال ينتظر الكتابة و التوثيق باعتبار أن التاريخ الرسمي لم يكشف الحقيقة كلها بل اجتهد القائمين عليه اجتهادا على تعتيمها و تغييبها لأنها بكل بساطة هي حقيقة فاضحة لمختلف المؤامرات التي تعرض لها الشعب المغربي.
و مادام من الصعب علي ذكر أسماء كل الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير و غد أفضل بالمغرب، أولا اعتبارا لكثرة عددهم و ثانيا اعتبارا لطبيعة هذه الورقة ، فإنني سأكتفي بالإشارة لبعض المحطات و لبعض الأسماء، علاوة على أن موضوعا من هذا القبيل و من هذا الحجم يتطلب مجهودات أكثر و تقصي و تنقيب واسع المدى.
ففي عشرينات و ثلاثينات القرن الماضي كانت حرب الريف التحريرية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي و التي تعتبر أوج المقاومة الشعبية المسلحة آنذاك. و قد سجل التاريخ أسماء مئات الشهداء الأبرار لأن ذاكرة الشعب لا تنسى و فكره لا يتوقف و ضميره لا يموت. و قد قال الزعيم الصيني ماو تسي تونغ في حق البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي ما يلي :
" إن أول درس تعلمته في حرب التحرير الشعبية هو من تجربة النضال و الكفاح الذي قاده محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف بالمغرب".
و تتالت السنوات و ظل المغاربة يقاومون الاحتلال الاستعماري بشتى الوسائل المتاحة و سقط من سقط منهم. و تعنت المستعمر و قام بنفي الملك و أعلن بن عرفة سلطانا مزورا على البلاد. آنذاك انتفض المغاربة و أعلن ثلة من أبناء المغرب الجهاد ضد المستعمر. و من بين هؤلاء علال بن عبد الله و الزرقطوني و الفطواكي و الديوري و رفاقهم في درب الكفاح. و قبل أن يقوم بعمليته الاشتهادية الرامية إلى تصفية السلطان المزور في واضحة النهار و على مرأى العيان كان علال بن عبد الله قد طرد من خلية حزب الاستقلال اعتبارا لخلاف تافه مع قادتها. إلا أنه أراد أن يبرهن للجميع و للحزب بالخصوص أنه سيظل مناضلا مخلصا و وفيا لأن صفة مناضل أو مقاوم أو مكافح أو شهيد لا يمنحها حزب أو القائمون عليه و إنما الاقتناع و العمل و الممارسة الفعلية على ركح الواقع المعيش. اتصل علال بن عبد الله بأحد المقاومين و طلب منه إمداده بسلاح ناري لتنفيذ عمليته الفدائية إلا أنه لم يتمكن من ذلك باعتبار أن قيادة الحزب أصرت بأن لا يصاب السلطان بن عرفة بمكروه خوفا من انتقام المستعمر. و لم يثنه ذلك عن عزمه، و إنما أعد خنجرا و ذهب يوم الجمعة إلى ساحة المشور بالقصر الملكي بالرباط و هجم على بن عرفة في سيارته و هو في طريقة إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، لكنه استشهد على يد أحد رجال الأمن المغاربة قبل بلوغه مرماه. و لم يصب بن عرفة إلا بجروح.
و تلت هذه العملية عمليات عديدة و توسعت دائرة المقاومة و سقط من سقط من المقاومين و المقاومات و استشهد العديد منهم كما اعتقل العديد ما بين 1953 و 1955. و شهداء هذه المرحلة لم يكونوا لا كبارا و لا أعيانا و لكن أناس بسطاء ضحوا بصمت بدون بهرجة. بعضهم استشهد في ساحة المعركة و بعضهم حكمت عليهم المحاكم العسكرية ليعدموا رميا بالرصاص في العنق بالدار البيضاء و بسجن العادر بضواحي مدينة الجديدة و بسجن لعلو بالرباط و بالسجن المركزي بالقنيطرة أو بالثكنات العسكرية. هؤلاء تعرضوا للتعذيب الشرس و ذاقوا مرارة السجون، و كلهم أناس متواضعون من سكان الأحياء الشعبية بالمدن و من القرى. هؤلاء الذين بفضلهم رجع الملك الشرعي إلى عرشه لأنه لم يرجعه لا رجال السياسة و لا المثقفون و لا العلماء و لا المتخصصون في سياسة المكر و المكر السياسي. إن الذين أرجعوا الملك من منفاه هم الذين ذاقوا ويلات التعذيب و التنكيل و الاعتقالات التعسفية و الإعدامات... إنهم الذين كانوا يساقون إلى عمود الإعدام مقيدين و مغللين... هم الذين قالوا بصوت عال في وجه القضاة و الجلادين " نحن فخورون بأن نموت في سبيل وطننا و نضحي بحياتنا من أجله".
هؤلاء هم الذين يعتبرهم المؤرخون النزهاء من شهداء ثورة الملك و الشعب التي انطلقت في غضون شهر غشت من سنة 1953، و هو اليوم الذي جعله المغاربة يوم انطلاق ثورة عارمة عمت المدن و البوادي. و كانت بمثابة نقلة نوعية في الكفاح الذي خاضه الشعب المغربي. حيث ارتوت أرض المغرب بدماء الشهداء الذين سقطوا فداءا و قربانا للحرية و الاستقلال الفعلي غير المفبرك. من ضمن هؤلاء شهداء جملة من السجون و الذين نفد فيهم المستعمر أحكام الإعدام بعد كل ما عانوه من أنواع التعذيب و ما لحق بعائلتهم و دويهم من أذى و ضرر. هؤلاء بالرغم من وسائلهم البسيطة جدا استطاعوا أن يعلنوا للملإ بفضل ارادتهم القوية أن إرادة الشعب في التحرر و الانعتاق و الاستقلال لا يمكن أن يقهرها السلاح و العتاد و خيانة العملاء و المتعاملين و التصفيات الجسدية.
و نالت البلاد استقلالها – الذي رفض صيغته و مدلوله جملة من أعضاء جيش التحرير لا سيما بعض قاداته- إلا أن الشعب المغربي لم يعاين ما كان ينتظره، و تكالب الخونة و العملاء و الوصوليون و الانتهازيون على خيرات البلاد و استمر الفقر في الاستفحال بالنسبة لأغلب الفئات و برزت دواعي الاستمرار في النضال و الكفاح من أجل تحقيق التغيير. و كالعادة لم يبخل الشعب المغربي من تزويد ركح النضال و الكفاح بأبنائه البررة الذين سقطوا مرة أخرى و فقدوا حياتهم من أجل غد أفضل نذكر منهم بعض قادة جيش التحرير الذين اغتيلوا أو صفوا جسديا و من بينهم عباس المساعدي و الفقيه لعور و آخرون. و تلت ذلك مؤامرات لتصفية مناضلين مخلصين من أمثال المهدي بن بركة و جملة من الشهداء الذين نعتوا بشهداء الحركة الاتحادية، لا سيما جناحها البلانكي الذي قدم أكثر من رجل فقد حياته من أجل التغيير و غد أفضل نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر شيخ العرب و عمر دهكون و بن حمو و رفاقهم على درب النضال من أجل تغيير الحال.
و توالت النضالات و سقط شهداء آخرون من بينهم عمر بن جلون على يد أشخاص سخروا تسخيرا للقيام بجريمتهم النكراء. و كذلك التلميذ كرينة محمد الذي لفظ أنفاسه في مخفر الشرطة بعد اعتقاله لأنه أجهر بمساندته غير المشروطة للشعب الفلسطيني و دعم كفاحه و لأنه شارك في تظاهرة نظمت لهذا الغرض.
و قبل هذا كانت أحداث مارس 1963 و انتفاضة 23 مارس 1965 بالدار البيضاء. فعلى إثر الأحداث الأولى اعتقل و اختطف الكثيرون و عذب المئات و استشهد البعض الذين دخلوا المغرب عبر الحدود أو الذين كانوا بداخله لأنهم ناضلوا و كافحوا من أجل التغيير و غد أفضل. و على إثر انتفاضة الدار البيضاء في 23 مارس 1965 لمناهضة السياسات المتبعة و للتنديد بتردي الأوضاع أقدمت السلطات على إطلاق النار على المتظاهرين العزل و سقط العشرات منهم سقت دماؤهم، كسابقيهم، حقل النضال و الكفاح من أجل التغيير و غد أفضل.
و في فجر سبعينات القرن الماضي عرف المغرب محاولتين انقلابيتين، انقلاب الصخيرات في يوليوز 1972 و أحداث الهجوم على الطائرة الملكية في غشت 1972. و من المعروف أنه ليس هناك كثير من الحديث عن الجيش بالمغرب، حتى الصحافة نادرا جدا ما تتكلم عن الجيش الملكي إلا بتمجيده و التنويه بدوره ربما نظرا لأن عاهل البلاد هو القائد الأعلى للجيش و قائد أركانه العامة. كما أن الميزانية الخاصة بالجيش يصادق عليها مباشرة و توا بدون مناقشة و بدون أدنى تعليق من طرف البرلمان المغربي، تتم المصادقة عليها كما هي و كما أنزلت.
و منذ المحاولتين الانقلابيتين في فجر السبعينات عاد الجيش يخضع إلى مراقبة قريبة و متواصلة من طرف الدرك الملكي القائم عليه الجنرال الحسني بنسليمان. و أضحت كل تحركات القوات مهما كان حجمها خاضعة لمراقبة لصيقة من طرف الدرك و كل المناورات و التداريب على استعمال السلاح مراقبة من طرفه بدقة شديدة.
و مهما كانت خلفيات و دواعي و منطلقات الانقلابيين فإن عملهم هذا يدخل بشكل أو بآخر ضمن السعي لتغيير الأوضاع. و الذين فقدوا حياتهم منهم إما سقوطا في المواجهات أو عبر الإعدام أو الاستشهاد بتازمامارت بعد أن قضوا المدة التي حكمت عليهم بها المحكمة العسكرية، فإنهم فقدوها من أجل التغيير أردنا أم كرهنا، اتفقنا مع أهدافهم أم لم نتفق. علاوة على أن الذين لقوا حتفهم بتازمامارت في ظروف غير آدمية يعتبرون من ماتوا من أجل التغيير. و لقد أكد الشهيد الأستاذ عمر بن جلون للمعتقلين الانقلابيين أن حزبه ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) طالب آنذاك في مفاوضاته مع القصر بمحاكمتهم كمعتقلي رأي و ليس كمجرمين.
و بعد محاكمة المتورطين في انقلاب الصخيرات – 1972- قام الملك بإعفاء الضباط الثلاثة المستشارين في هيئة المحكمة التي حاكمتهم من مهامهم العسكرية و أحيلوا على التقاعد بحجة أنهم تعاطفوا مع الانقلابيين و اعتبارا لأن الأحكام الصادرة كانت مخففة. أما بخصوص المتورطين في الهجوم على الطائرة الملكية في غشت 1972، أمقران و الكويرة و من معهما، فقد كان الجنرال الدليمي ضمن هيئة القضاة التي حكمت على المتهمين، علما أنه كان على مثن الطائرة الملكية عندما تعرضت للهجوم، و بذلك كان خصما و حكما في ذات الوقت.
و يقول آيت قدور – و هو مناضل بالحركة الاتحادية- و صديق حميم لأمقران، أن هذا الأخير كان شابا وطنيا وفيا عاش توابع الانقلاب الأول في الصخيرات و قد نجا بأعجوبة. و أمقران هذا تعرض لتعذيب وحشي قبل أن يحكم بالإعدام و يرمى بالرصاص صباح يوم عيد الأضحى. و يعتبره البعض شهيد ثورة كانت تسعى للتغيير.
و لم تخرج الحركة الماركسية اللينينية المغربية عن القاعدة، إذ قدمت هي كذلك جملة من الشهداء من أجل التغيير و عد أفضل. و خلال مسيرتها النضالية الصعبة و الشاقة سقط عدد من مناضليها إخلاصا لمبادئهم و سعيا وراء تحقيق طموحات و انتظارات الشعب المغربي الذي أدى الثمن باهضا على امتداد عقود من النضال و الكفاح المستميت. و من شهداء هذه الحركة هناك بوعبيد حمامة و عبد اللطيف زروال و سعيدة المنبهي و التهاني أمين و رحال جبيهة و المنتصر البريبري و شباضة عبد الحق و الدريدي مولاي بوبكر و مصطفى بلهواري.
فعبد اللطيف زروال و التهاني أمين سقطا ضحية التعذيب الوحشي من جراء صمودهما البطولي في وجه جلادي المعتقل السري درب مولاي الشريف. أما بوعبيد حمامة يعتبر أحد رواد اليسار الذي لقي حتفه بعد معاناة قاسية في منفاه بالجزائر. و بخصوص سعيدة المنبهي فقد استشهدت في خضم إضراب عن الطعام بالسجن بالدار البيضاء بعد تجاوز أربعين يوما.
أما بنعيسى آيت الجيد و المعطي بومليل فهما طالبان مغتالان على يد متطرفين بحرمة الجامعة.
و عبد اللطيف زروال هو أحد الشهداء الذين عرفتهم و خاطبتهم و عاشرتهم خلال الندوات الوطنية المقامة من طرف منظمة " إلى الأمام" عندما كنت مكلفا بتمثيل منطقة الغرب (القنيطرة) في تلك الندوات. عرفته مناضلا منضبطا ذو فكر ثاقب متشبث بمبادئه كثوري محترف مهمته الثورة بالمغرب لكن دون عزلها عن الثورة العربية و الثورة العالمية. و قد استشهد تحت التعذيب في معتقل درب مولاي الشريف في منتصف نونبر 1974، و لازالت عائلته تطالب برفاته إلى حد الآن.
و لم تسلم الحركة الطلابية المغربية هي كذلك من أداء ضريبتها من الشهداء من أجل التغيير و غد أفضل، إذ سقط طلبة شهداء في وجدة في دجنبر 1982 و في الانتفاضة الشعبية سنة 1984 و الشهداء الأجراوي محمد عادل و خليفة زبيدة و سعاد بجامعة فاس في يناير 1988 و أحمد أوزكار في فبراير 1990.
كما عاينت أحداث مدينة الدار البيضاء سنة 1981 شهداءها. ففي شهر يونيو من تلك السنة عرفت العاصمة الاقتصادية للمملكة إضرابات و تظاهرات ووجهت بالقمع الوحشي و سالت دماء و سقط مغاربة عزل من السلاح إلا من سلاح إصرارهم على المطالبة بالتغيير من أجل غد أفضل.
و أدت كذلك المظاهرات الشعبية الكبرى سنة 1984 ضريبتها من الشهداء من أجل التغيير و غد أفضل. فخلال المظاهرات التي كانت منطقة الشمال و مراكش مسرحا لها سقط قتلى بسبب إطلاق الرصاص على المتظاهرين العزل بذريعة اتهام النظام لمنظمة "إلى الأمام" و الإسلاميين بإشعال فتيل المظاهرات و القلاقل بالبلاد علما أن تلك المظاهرات الصاخبة جاءت تعبيرا عن الاستياء العميق لتردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و خنق الحريات العامة.
هكذا يبدو و بجلاء أن كل الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير و غد أفضل صمدوا في زمن التراجع و الانهزام و حلموا بحلم وردي في زمن الكوابيس و ظلوا واقفين منتصبي القامة في زمن الانهيار و السقوط. كلهم كانوا يحلمون بمجتمع جديد غير المجتمع الذي عاشوا فيه.
إدريس ولد القابلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق