الأحد، 13 ديسمبر 2015

جلادو المخزن...اسماء وتاريخ-1- محمد العشعاشي

هذه تفاصيل التكوين السري لـ«الكاب» 1 وأوفقير كان خارج اللعبة



 



كيف التحقت بجهاز «الكاب 1»؟

بالنسبة لي، عندما تقرر حل البوليس السياسي وتأسيس «الكاب 1»، فقد راجع الخبراء الأمريكيون لائحة أعضاء البوليس السياسي، وأثارتهم مهمة السكرتارية والأرشيف التي كانت منوطة بي خلال فترة اشتغالي بالبوليس السياسي. لكن عندما انضممت إلى الفريق الذي سيتم تأهيله واختيار الذين سيشتغلون في المخابرات من بين عناصره، فهموا أنني لا يمكن أن أفيدهم بأي شيء بخصوص السكرتارية والأرشيف. والسبب راجع إلى كون البوليس السياسي جهازا عشوائيا لا أرشيف له ولا لوائح تسجيل ولا محاضر.. لا شيء.

عندما تم جمعنا في البداية كنا حوالي 300 بوليسي، شكلنا نخبة مصالح الشرطة والاستعلامات العامة بالبلاد.

تم استقطاب أفضل كوميسيري الاستعلامات العامة من مدينة وجدة، لأنهم كانوا يتوفرون على أفضل العلامات في ملفاتهم السنوية المتوفرة بالإدارة المركزية للاستعلامات العامة في الإدارة العامة للأمن الوطني بالرباط، ومن بين هؤلاء أذكر محمد العشعاشي، الذي سيصبح المسؤول رقم 1 في جهاز «الكاب 1» وستربطه علاقة مباشرة بالملك الحسن الثاني، بالإضافة إلى أخيه عبد الحق العشعاشي، وبنعبد الله، ثم حومادة وحميدة بنعبد الله.

عندما تم جمع الـ300 عنصر برتب مختلفة، اختاروا من بينهم من سيبقون في جهاز «الكاب»، وقالوا لنا في البداية إنهم اختارونا من أجل تكوين الأمن السري للبلاد وخلق مخابرات وفق معايير دولية، وقد صرف الكثيرون ممن لم تكن مهاراتهم ملائمة لهذا العمل. اجتزنا تكوينا عاما مكثفا، استمر لستة أسابيع بمقر «الكاب 1» بالرباط، ثم خضعنا لتدريب، حسب التخصصات التي وزعنا عليها. دام التدريب ثلاثة أشهر، بمعدل حصتين صباحيتين كل أسبوع.



اسم محمد العشعاشي أثير كثيرا في قضية المهدي بن بركة، ومعروف أنه كان أهم رجل في جهاز «الكاب 1».. ما الفرق بينه وبين أخيه عبد الحق؟

الكثيرون وقع لهم الخلط بين محمد وعبد الحق، وقد اطلعت على مقالات كثيرة نشرت في الصحافة المغربية خلال سنوات، يقدم أصحابها أوصاف عبد الحق العشعاشي، ويطلقون عليه اسم محمد العشعاشي. وفي فرنسا أيضا تحدث الصحفيون الفرنسيون عن عبد الحق. محمد لم يكن معروفا إلا عندما كشفت اسمه لأول مرة في مذكراتي بجريدة لوموند بخصوص موضوع المهدي بن بركة.

فمحمد كان رئيسا لنا ومسؤولا فعليا للمخابرات، ودوره كان أكبر من دور الجنرال أوفقير وحتى الدليمي.. الكثيرون يظنون أن الجنرال أوفقير كان أهم رجل في «الكاب 1»، لكن الحقيقة أن محمد العشعاشي هو الذي سطع نجمه بعد فترة التكوين ثم التدريب التي استمرت في «الكاب 1» منذ تأسيسه على يد الخبراء الأمريكيين الذين أرسلتهم «CIA» إلى المغرب..

محمد العشعاشي لم يسبق له أن عذب أحدا طيلة فترة اشتغاله في «الكاب 1»، وأنا أقول هذا الكلام من موقعي كأقرب معاونيه، ولازمته سنوات طويلة جدا، أنا والضابط احميدة وعرفناه معا عن قرب. أما أخوه عبد الحق فقد كان يضرب ويعذب، مثل الكثيرين. من جهة أخرى، فإن محمد العشعاشي كان حاصلا على شهادة الباكلوريا سنة 1956، بينما أخوه عبد الحق لم يتمكن من الحصول عليها.



هل كانت الباكلوريا وحدها سر تفوق العشعاشي ليختاره خبراء «CIA» على رأس «الكاب 1»؟

بالرجوع إلى مساره المهني، فقد كانت التقارير التي يعدها للاستعلامات العامة «RG»، صحيحة ومفيدة، وهو ما ساهم في إغناء ملفه في الإدارة المركزية للأمن بالرباط. وهنا أشير إلى أنه صديق طفولة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ومنزلا أسرتي العشعاشي وبوتفليقة كانا متقاربين جدا في أحد أحياء مدينة وجدة، ودرسا معا في المرحلة الابتدائية، ليتوقف مسار بوتفليقة في «البروفي»، بينما نجح العشعاشي وواصل دارسته إلى أن حصل على الباكلوريا وانضم إلى الاستعلامات العامة. وبحكم العلاقة القديمة التي كانت تجمعه ببوتفليقة، فقد كان الأخير يحصل منه على المعلومات بعفوية، ويجلس معه في المقاهي والأماكن العامة بوجدة، ويتحدث بوتفليقة عما كان يعرفه بحكم قربه في ذلك الوقت من بن بلة وأبرز أسماء الثورة الجزائرية، ولم يكن بوتفليقة ليظن أن صديقه العشعاشي يعد تقارير عن المعلومات التي يحصل عليها، وقد قدم بهذا الخصوص معلومات مهمة جدا.. هذه النقطة أثارت اهتمام الكولونيل Martin، وجعلته يعرف قيمة العشعاشي الحقيقية ويقترحه بعد انتهاء فترة التكوين التي استمرت 6 أسابيع مكثفة، وزعنا بعدها على الأقسام والتخصصات المناسبة.



بالرجوع إلى Martin، هل كان هو المشرف على التكوين؟

نعم كان هو المشرف على التكوين، لكن مهارات الآخرين لا تقل عن مهاراته. فالثلاثة كانوا برتبة كولونيل (Martin، Scott ، Steve) ولهم درايات واسعة في المجال المخابراتي وسبق لهم القيام بمهمة تكوين المخابرات في الدول الأجنبية كما أخبرتك.. أي أن الأمر لم يكن جديدا عليهم، وسبق لهم العيش داخل مدن عربية كثيرة. Martin كان أكبرهم سنا في الخامسة والأربعين ذلك الوقت، واضطلع بمهمات سرية كثيرة في أمريكا اللاتينية وكان خبيرا في الإعداد للانقلابات العسكرية.

المثير في هذا الكولونيل الأمريكي أنه لم يكن يتردد نهائيا على الحانات والمطاعم، ولم يكن يسهر خارج إقامته، حيث وضعت تحت تصرفه فيلا في حي السويسي بالرباط، وقد زرتها مرات كثيرة بمعيته، عندما اختارني كي أعمل إلى جانبه في أرشيف المخابرات الفرنسية الذي وجده في مقر إدارة الأمن.. وقابلت زوجته هناك ورأيت كيف كان يعيش حياة محافظة كأي أب محافظ.

الكولونيل «Scott» كان يصغر Martin بخمس سنوات، ولديه نقط مشتركة كثيرة معه وعمل هو الآخر في مهام سرية في القاهرة وبيروت، وساهم في تأسيس الموساد الإسرائيلي، وكان هو الآخر يعيش حياة محافظة جدا، ولا يتردد على الحانات والملاهي وكان وقته مخصصا لأسرته أيضا.

الكولونيل Steve كان نقيضا لرفيقيه، إذ كان مطلقا، وخبيرا في الكاراتيه، وكان يتردد على الكباريهات والملاهي، ويحب السهر ويسافر إلى مدن كثيرة ويتردد على الحانات والمطاعم، وبلغت صداقتي معه، أنا واحميدة مبلغا كبيرا، وكنا نسهر سويا في مناسبات كثيرة، لكنه لم يكن يجلس مع محمد العشعاشي، وكان يكن له احتراما كبيرا، بصفته مسؤولا في «الكاب 1».



قلنا إن أوفقير عين على رأس الإدارة العامة للأمن الوطني، أريد أن تتحدث لي عنه في تلك الفترة، وأيضا عن علاقته بالكاب 1..

كما قلت لك، فأوفقير لم يكن أساسيا في «الكاب 1»، ولم يكن له أي دخل في التكوين الذي خضعنا له ولا التداريب التي مررنا منها. ولم تكن أيضا تربطه أية علاقة بخبراء «CIA».



لكن كان لديه مكتب في مقر «الكاب» بشارع مولاي إدريس بالرباط؟

رغم ذلك، محمد العشعاشي كان هو المسؤول أمام الملك الحسن الثاني، بعد وفاة الملك محمد الخامس. وحتى بعد انطلاق عمل «الكاب 1»، كان الجنرال أوفقير صامتا في جميع الاجتماعات التي كانت تعقد بمقر «الكاب 1»، بينما كان محمد العشعاشي يتمتع بروح قيادية ويشرف على الأمور الدقيقة في الجهاز.

عندما تقرر تعيين أوفقير على رأس الإدارة العامة للأمن الوطني، مكان محمد الغزاوي، فإن الأخير لم يهضم هذا الأمر بسهولة، واعتبر الأمر إهانة له، ولم يكن يبرح بيته لشهور، وهكذا وجد الجنرال أوفقير نفسه مديرا عاما للأمن الوطني، وهو منصب غاية في الحساسية، ولم يجد الغزاوي ليسلمه السلط كما هو متعارف عليه في تلك الطقوس التي تسبق تبادل المسؤولية.

كانت لدى أوفقير سيارة صغيرة بسيطة، جاء بها إلى مقر الإدارة العامة للأمن الوطني، وسرعان ما استبدلها بعد جلوسه في كرسي الإدارة العامة.

كانت أولوياته هي السهرات وحياة العبث، ولم يكن رجل دولة، ولا يفهم في الإدارة والتسيير الإداري. الأمريكيون كانوا صارمين جدا، ويستحيل أن يتعاملوا مع شخص مثل أوفقير، لذلك كانت علاقتهم مباشرة بالملك، وفي نفس الوقت أخضعونا جميعا لتكوين موحد، بعده اختاروا من سيكون على رأس «الكاب 1»، ثم مساعديه المقربين، ورؤساء الفرق المختلفة، ومعهم أعضاء الفرق. لم تكن هناك أية محسوبية أو اعتبارات في اختيار تلك الأسماء. الكفاءة وحدها جعلت محمد العشعاشي على رأس «الكاب 1».

ولم أر في حياتي أوفقير وحتى الدليمي معه، يتدخلان في أحد الاجتماعات التي كان يحضرها العشعاشي.. كانا يصمتان إلى أن ينتهي من كلامه، ولم يكونا يجرؤان على الاعتراض على كلامه أو ما يتقرر في الاجتماعات.

وهنا أريد أن أشير إلى مسألة مهمة جدا بخصوص علاقة العشعاشي بأوفقير والدليمي، بعد قضية المهدي بن بركة سنة 1965، فقد أقسم محمد العشعاشي على مقاطعة أوفقير والدليمي إلى الأبد وكذلك كان فعلا. استاء العشعاشي كثيرا من التحول الذي شهدته قضية تعقب واختطاف المهدي بن بركة وكيف خرجت الأمور عن السيطرة، وتدخل أوفقير والدليمي.. شعر أنه تعرض للخيانة على يديهما، وقاطعهما ولم يتحدث إلى أي أحد منهما نهائيا.



ألم يكن يتحدث إليهما حتى في أمور العمل؟

نهائيا.. عندما يكون من الضروري أن يوقع أوفقير على وثيقة إدارية معينة، فإن العشعاشي يرسلها معي أو مع احميدة، ونضعها عند كاتبته في وزارة الداخلية، مدام المسناوي، وهذه السيدة كانت قوية جدا، وزوجة المسناوي الذي عمل معنا أيضا في «الكاب 1». كانت في منصبها قبل تعيين أوفقير وزيرا للداخلية. كنا نأتي إلى أوفقير ونطلعه على رسالة العشعاشي، وكانت دائما مقتضبة وملخصة، ويقوم أوفقير بالتوقيع عليها دون نقاش أو اعتراض، أو يكتفي في أحيان كثيرة بموافقته الشفوية، وإذا لم نجده، وهذا ما كان يحدث غالبا، كنا نترك رسالة العشعاشي لمدام المسناوي، وتدخلها إلى أوفقير فور قدومه للتوقيع عليها.



لم تكن الوحيد القادم من البوليس السياسي إلى جهاز «الكاب 1».. كيف جاء الآخرون إلى هذا الجهاز؟

بعضهم فقط من جاؤوا إلى «الكاب 1» وقد جيء بهم، لأنهم كانوا يمارسون التعذيب هناك، وتمت الاستعانة بهم في الفرق الخاصة للجهاز. أذكر منهم عبد القادر صاكة، أحمد أرباب، المعطي ريحان، عبد القادر الوالي، مصطفى كواشة.



سنأتي إلى دور الفرق الخاصة في «الكاب 1»، التكوين الذي خضعتم له خصصت له ميزانية كبيرة.. ماذا تعرف عن هذا الأمر؟

الاتفاقية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية كانت واضحة، وحسمت في أمر ميزانية خلق جهاز «الكاب 1»، إذ أن الخبراء الأمريكيين يشترطون دائما توفير ما يلزم من المال للقيام بمهمة التكوين واختيار الأطر التي ستشتغل في المخابرات، وتكوينها وفق أحدث المعايير ذلك الوقت.

الكولونيل Martin ألح على ضرورة استفادة مسؤولي وضباط «الكاب 1» من سكن ممتاز وأجور ممتازة، بالإضافة إلى ضرورة استفادتنا من تعويض عن الأخطار المهنية وكذلك مصاريف وتعويضات أهم من تلك التي كان يحصل عليها البوليس العاديون. وهكذا وبأمر من الملك محمد الخامس شخصيا، تم تخصيص قدر مهم جدا من ميزانية الإدارة العامة للأمن الوطني لـ«الكاب 1»، كان هذا في يوليوز 1960. بالإضافة إلى ميزانية أخرى غير محدودة مستقلة عن الدولة.

محمد العشعاشي الرئيس المؤسس للمخابرات المغربية/ التعليقات والتفاعل


محمد العشعاشي الأب الروحي للمخابرات المغربية







هناك تعليقان (2):

  1. ان اسمي ايوب العشعاشي

    ردحذف
  2. شكرا جزيلا عن هده الحقائق وأريد سؤالك في اي سنة تم تأسيس لكاب1 وهل لازالة لكاب1 موجود الان

    ردحذف