الخميس، 30 مارس 2017

30 مارس تاريخ بيع الارض بالمغرب


هذا الملف أعدته أسبوعية “الحياة” عن “حماقات” ملك مغربي غير ناضج فكريا وسياسيا، بل لا يعدوا أن طفلا لاهيا رغم كبر سنه، ورث العرش بنفس الطريقة التي ورث بها حفيده، ملك المغرب الحالي السلطة السياسية، رغم كونه غير مؤهل لممارسة الحكم، ورغم وجود رجال آنذاك قادرين بحنكتهم وبعد نظرهم على قيادة السفينة إلى بر الأمان. إنه إحدى أبرز الانعكاسات السلبية لتوريث الحكم بمبررات واهية من قبيل “النسب الشريف”، “استمرارية الدولة العلوية”، وهو التوريث الذي لن يؤدي إلا إلى الهاوية. فما أشبه الأمس باليوم، فملك المغرب الحالي يعتبر من نسخة طبق الأصل لأسلافه، فهو عاشق الأثواب الفاخرة وآخر صيحات الموضة في مجال الآليات الموسيقية والسيارات …. و”الجيتسكي” وغيرها من وسائل الرفاهية المبالغ فيها في الوقت الذي يتخبط فيه ثلثي الشعب المغربي في فقر مدقع نتيجة السياسة “الإفتراسية” لحفيد عاشق الدراجات واللعب البلاستيكية.
الملف أعادت نشره صحيفة “ساشانيت” الالكترونية، وتعميما للفائدة نعيد نشره :


حماقات ملك مغربي

    ملك عشق اللهو واللعب وحكت عنه أجيال أنه باع البلاد مقابل دراجة، وهيأ البلاد للاستعمار. إنها حكاية مثيرة عن السلطان  مولاي عبد العزيز يرويها فرنسي لازمه لسنوات طويلة. “يجب التأكيد على أن لا أحد مطلقا قام بتهييء عبد العزيز للدور الكبير، الذي نؤدي عليه خطأ من أجل لعبه كنا نعرف أن عليه فقط أن يسود؟” هكذا يصف غابرييل فيري Gabriel Veyre”مهندس” ألعاب السلطان جانبا من شخصية ملك حكم المغرب طيلة 14 سنة أمضى الست سنوات الأولى منها تحت وصاية الحاجب القوي أحمد بنموسى”باحماد”.ويرسم صاحب كتاب “في حميمية السلطان” صورا أخرى عن مولاي عبد العزيز قائلا: “السلطان كان مجرد مراهق كبير بدنيا طويل القامة له ملامح شخص قوي من دون أن يتوفر على العضلات الضرورية”.



ملك عشق اللهو واللعب وهيأ البلاد للاستعمار


السلطان مولاي عبد العزيز هو الابن السادس للسلطان مولاي الحسن الأول. ولد سنة 1880 وتولى الحكم وهو لم يتجاوز بعد ربيعه الرابع عشر ليظل تحت سلطة وصاية الصدر الأعظم “باحماد” ووالدته للا رقية. وعندما سيكمل السلطان العشرين سنة سيكون المغرب قد ولج القرن العشرين وهو يعاني أزمات متعددة. مغرب بداية القرن العشرين كان يعاني من تزايد الضغوط الأجنبية وارتفاع وثيرة المشاكل الداخلية والاقتراض من الدول الأجنبية. وفيما كان الريسوني وبوحمارة يعلنان تمردهما عن السلطان كان هذا الأخير ينتظر على أر من الجمر وصول “الإمدادات” من اللعب الجديدة. وأمام ندرة المداخيل وانتشار الجراد والمجاعة وتزايد حجم القروض الأوروبية لم يجد مولاي عبد العزيز من وسيلة سوى فرض ضريبة” الترتيب” على المواد الفلاحية من أشجار وبهائم ومواشي على جميع السكان بدون استثناء مما أجج غضب العمال والقواد والشرفاء وشيوخ القبائل والتجار والأعيان والمحميين.






وسط هذه الأجواء يقدم “غابرييل فيري” تفاصيل دقيقة عن شخصية وانشغالات واهتمامات السلطان خلال سنوات حرجة من تاريخ المغرب. سلطان مشغول باللعب ويستقدم لديه خبراء ومهندسين من الخارج وينفق أموالا باهظة من أجل ذلك. ومثل أي طفل يفرح بقدوم اللعب ويغضب لتأخيرها أو إصابتها بأعطاب بل إنه جلب ذاة مرة ثلاثين عبدا لكي يستمر في اللعب أثناء الليل بأول دراجة نارية حصل عليها. كان السلطان كما يحكي صاحب الكتاب مولعا بالتكنولوجيا الحديثة وبآخر التقنيات التي ابتكرها الغرب. غير ان هذا الانبهار لم يوضف للنهوض بالبلاد وإنما وظف في اتجاه آخر: اللهو واللعب. تعرف السلطان على الكهرباء وافتتن بها غير انه لم يستثمره لـ “ينير المغرب” بل ليكون وسيلة للعب. أدخل السكة الحديدية فقط ليتنزه في حدائق الأگدال بفاس ليتركها بعد ذلك عرضة للصدأ. كتاب غبريل فيري لم يقف عند حكاية لهو ولعب سلطان المغرب في بداية القرن العشرين وإنما أورد بعض الحكايات التي تقدم صورة عن المغرب تلك المرحلة من خلال الكيفية التي كان يجري بها الحكم بالبلاد بينما دول أوربا تتوسع في العالم خارج نفوذها الجغرافي. خرج السلطان مولاي عبد العزيز من وصاية الصدر الأعظم “باحماد” ليدخل تحت وصاية دراجته الهوائية والنارية وسياراته ولعبه المختلفة تحت إشراف المنبهي وزير الحربية إلى أن تم غزله سنة 1908 عاصر لحظات عصيبة من تاريخ المغرب حيث عمت “السيبة” مختلف المناطق وهرع المغاربة لطلب “الحماية” عند البعثات الأجنبية ليشكل كل ذلك مقدمة لـ توزيع المغرب بين الدول الاوروبية بمقتضى مؤتمر “الخزيرات”عام 1908 لينتهي الامر على فرض الحماية سنة 1912 حيث دخل المغرب عهد الحماية والاستعمار الذي رسم مصير مغرب القرن العشرين وما زالت آثاره مستمرة إلى الآن. اشتهر مولاي عبد العزيز عند المغاربة بـ “السلطان الذي باع المغرب مقابل دراجة هوائية” وعرفه التلاميذ والطلبة كفصل من دروس التاريخ تحت عنوان ” مظاهر التدخل الاستعماري بالمغرب في بداية القرن العشرين” جانب من شخصية هذا السلطان الذي عاش تحت وصايتين وقاد المغرب نحو وصاية ثالثة يقدم تفاصيل عن غابرييل فيري في كتابه “dans l’intimité du sultan”  ”في حميمية السلطان” الذي صدر سنة 1905 وأعادت إصداره في طبعة جديدة منشورات “إفريقيا الشرق”.  ”الحياة” تقدم جانباً من ” الانشغالات” التي كانت تستحوذ على اهتمام السلطان كما رواها غابرييل الذي لازم مولاي عبد العزيز طيلة أربع سنوات.



مراهق كبير


إذا كان التاريخ سيؤاخذ مولاي عبد العزيز على حبه المفرط للعب فإن العتاب أن يطال في حقيقة الأمر إنجلترا. ذلك أن السلطان كان مجرد مراهق كبير بدنيا طويل القامة له ملامح شخص قوي من دون أن يتوفر على العضلات الضرورية. ولذلك سينصحه “مال لين” بممارسة الرياضة وسيجلب له لعبة جديدة أثارت إعجابه. فقد أقيم في إحدى ساحات القصر رواق به أرجوحة وتعلم السلطان لعبة يقفز خلالها اللاعبون فوق بعضهم كما تعلم جل الرياضات الممارسة داخل الجيش البريطاني بحيوية كبيرة الى جانب التنس وكرة القدم قبل ان يشرع في تعلم المسايفة على يد “فيردون” قائد ماك لين ثم ركوب أول دراجة هوائية سيعشقها.
لقد تم تحويل ساحة اللعب على مضمار غير عاد مليء بالحواجز وكان السلطان شديد الحذر ففي البداية كان الجلباب يضايقه ولذالك اقترحنا عليه ركوب دراجة هوائية خاصة بالنساء يقول ماك لين لكن ما إن علم بالأمر حتى احتج بقوة وبكبرياء. وكان من جلب الدراجة النارية لكي تخسر الأولى مكانتها في نفس السلطان.   إني أعترف بمسؤوليتي في إدخال الدراجة النارية إلى قصور السلطان.. ففي اليوم الذي قمت بإظهار أول دراجة نارية تسير على ثلاث عجلات أمام السلطان حتى تملك هذا الأخير شعور غريب. لقد وجد أن هذه الآلة اقل أناقة لكن نظامها الميكانيكي أثار إعجابه وضل يسال عن وظيفة مختلف مكوناته. كان يلمس مقودها ويريد أن يعرف الكيفية التي تشتغل بها.. شغلت المحرك وبدا السلطان غاية في النشوة والفرح. فقد كانت المرة الأولى التي يشاهد فيها السلطان آلة تسير لوحدها: “ارجع ارجع” كان السلطان يناديني وما إن نولت من فوق الدراجة النارية حتى قفز فوقها وانطلق بسرعة جنونية داخل الساحة. تبعته جريا للحظة: فقد كان داك هو الدرس الوحيد الذي عليه تعلمه.

 حكاية الدراجة النارية و 30 عبداً
 كان السلطان فرحا للغاية وقضى ما تبقى من اليوم وهو يتسلى بهذه اللعبة الجديدة وحينما اقبل الليل لم يمن قد اشبع بعد رغبته في هذه اللعبة فاستخدم ثلاثين عبدا محملين بالفوانيس والشموع لإضاءة مساره الجنوني على أن شعر بالتعب والحاجة على العودة على مأواه والحلم بهذه اللعبة…

 كان يلهو حتى بالمدافع
 كان مولاي عبد العزيز يجد متعة عقيقية في اللهو بالمدافع ويحكي صاحب الكتاب أنه في طريق العودة من مراكش على فاس كان السلطان يتسلى عدة مرات عبر التسديد من المدفع في اتجاه أهداف من الصخور وكان أحيانا يستدعي المنبهي ليشاركه التسديد وكان هذا الخير يخطا مرارا التصويب وسط الفرحة العارمة للسلطان الذي كان يخاطبه قائلا:” كيف؟ أنت وزيري في الحرب ولا تعرف كيف تسدد؟”.

الهاتف وبرج إفيل
إذا كنت سأتحدث عن الأمور الجدية التي كانت تسيطر على عقل السلطان وفكره عدا هذه اللعب مثل الهاتف والتلغراف والكهرباء فلأن جميع الغرائب التي كانت تدفعه للسؤال ومعرفة اختراعاتنا الحديثة ولدت في ساحة اللعب في القصر بما فيها مختبري… في اليوم الذي أنهيت تركيب أول خط هاتفي بمراكش وكان يربط بين قاعة البلياردو والمعمل داخل القصر أخبرت السلطان عبد العزيز بالأمر فحضر إلى القاعة وقدمت إليه تهانئي من معملي الصغير وما إن سمع أولى الكلمات حتى افلت السماعة من يده وجرى نحوي مندهشا. كان يريد كالعادة تفسيرا لما سمع .. كان يريد دائما فهم ما يجري وسببه. وان كان يصعب أحيانا إشباع حبه للمعرفة. فقد أحسست بالحرج مثلا حينما طلب في احد الأيام تفسير أهمية برج إفيل وقال: “ما الفائدة من هذه المشاريع الجميلة إذا كنا سنقوم بتدميرها بعد ستة أشهر من بنائها؟”.

كان يجد متعة في تشغيل الكهرباء بنفسه
كانت الكهرباء واستعمالاتها المتعددة من بين الأشياء التي أعجب بها السلطان. فقد قمنا بتركيب محطة بدائية ومتواضعة بقصر مراكش وهي عبارة عن مولد “دينامو” يشتغل بمحرك للبنزين وبطارية وكانت تكفي لإضاءة القصر. لم يسبق لعبد العزيز أن رأى نور الكهرباء  قبل تشغيل هذه المحطة. ورغم انه اثني على هذا العمل إلا انه لم يتمكن من فهم الكيفية التي ينتقل بها النور ليضيء غرفه في القصر انطلاقا من هذه المحطة. بدا مقتنعا رغم ذلك حينما قلت له بان الأسلاك التي تمر عبر الجدران هي عبارة عن خراطيم يجري بداخلها سائل وهو تفسير قريب نوعا ما من النظرية. وبمدينة فاس أقمنا محطة متكاملة تضم آليات جديدة. وكان عبد العزيز يجد متعة في تشغيل المحركات بنفسه..

السلطان يلهو بصعق العبيد
كنت الهو بعد الظهر بالكهرباء مع السلطان وكان السلطان عبد العزيز هو الذي يعدل التيار الكهربائي وكان يلهو عبر صعق المحيطين به  بشكل مفاجئ وهو يضحك من قسمات وجوههم وكان مجموعة من العبيد الصغار السود يتابعون المشهد عن قرب. فإذا بأحد المحيطين بالسلطان كما يحكي الكاتب يقترح صعق هؤلاء الصغار بالكهرباء فقام مولاي عبد العزيز بمناداة احد هؤلاء العبيد الصغار وأمره بمسك التيار الكهربائي فاستبد الهلع بالعبد الصغير الذي اخذ في التوسل للسلطان الذي ألح عليه بمسك التيار الكهربائي مرة أخرى. لكن العبد الصغير شرع في البكاء وانحنى أمام قدمي السلطان متوسلا. فشرع السلطان في الضحك من الخوف الذي الم بالعبد الصغير فهز كتفيه وانسحب   من اللعب.

اللعب بالمنطاد والمفرقعات
كانت هناك لعب أقل إثارة لاحتجاج الناس وتشكيهم وأكثر شعبية كذلك. فعلى سبيل المثال كنا نلعب بالمنطاد وكان الجميع يشارك في ملئه بالهواء بمن فيهم مال لين الذي يشرف على العملية برمتها والمنبهي دون أن أتحدث عن نفسي.. كما كنا نلعب كذلك بالشهب النارية التي كانت على العكس تدخل الفرحة على قلوب سكان المدينة الدين كانوا يصعدون غلى سطوح منازلهم للتمتع برطوبة الليل ومتابعة ما يجري وكانت تثير متعة السلطان لان الإنسان المغربي يجد متعة كبيرة في الألعاب التي يلمع فيها البارود. كان انفجار أولى المفرقعات يعلن كل مساء على بداية الحفل ويبعث البهجة في نفوس سكان مدينة مراكش وكان السلطان عبد العزيز أول من يلتحق بمكان الحفل. وفي أحد الأيام كاد أن يسقط ضحية لهذا الاهتمام الكبير بهذه اللعبة. انفجرت إحدى المفرقعات وتناثرت الحجارة في كل اتجاه وبلغت قدمي السلطان. ولتفادي تكرار مثل هذا الحادث قمنا بوضع حاجز يمكننا من إعداد المفرقعات دون مخاطر على الجمهور. بعد أربعة أشهر استنفدنا كل المتفجرات قبل أن يشبع السلطان عبد العزيز رغبته وطلبنا متفجرات جديدة وكان لا بد من مرور ما يكفي من الوقت قبل أن نتوصل بها لكن ما إن وصلت على مراكش حتى كان السلطان قد غادر المدينة نحو فاس لان أمورا أخرى كانت تشغل باله…

السلطان يتعلم التصوير في حريمه
كان التصوير العادي رغم تعقيداته لا يكفي السلطان. فحينما سمع بالتصوير بالألوان رغب في تعليمه. فقمت بتعليمه التصوير بثلاث ألوان. وبعدها أصبح متمكنا وأحيانا يقضي ساعات طوال وسط حريمه ليأخذ صورا لنسائه لان رغبته في الواقع كانت تتمثل في تثبيت ملامحهن على الصورة. كان يطلب منهن التزيين بأحلى وأجمل حليهن ثم يجلسن أمام خلفيات مضيئة والزرابي وبعض الأزهار الاصطناعية.. بحثا عن أفضل لوحة. وكان يحصل في الغالب على صورة جميلة…

من الدراجة إلى السيارة والنقل السري لنساء القصر
بعد عدة أيام طرح السلطان وكان يهم بالنزول عن دراجته النارية سؤالا وقال: “ألا يوجد ما هو أكبر من هذه الآلة.؟” وهنا أصبح من الضروري جلب هذه السيارة فجلبنا أربع سيارات كان السلطان قد أختارها بنفسه من خلال “الكاتالوج”. كانت هناك سيارتان صغيرتان إحداهما من نوع لويس 16 بسيطة خضراء اللون ومذهبة والثانية تتوفر على مقعد واحد ومحرك بثلاث أحصنة وهيكلها مجرد مركبة قديمة تستعمل للسير فوق الجليد تم طلاؤها.. لقد وصلت هذه السيارة عن أجزاء صغيرة لا يمكن استعمالها في جميع الحالات بسبب طول المسافة التي تم نقلها عبرها من الساحل إلى مراكش ثم على فاس حيث تم الالتحاق بالسلطان غير أن شكلها الأنيق ومقدمتها التي تشبه عنق طائر اللقلاق أعجب بها السلطان فأمرني بجلب نسخة منها من فرنسا غير أن هذه الطلبية لم تصل أبدا … خلال إقامتنا في فاس كان السلطان ينظم بعض السباقات حيث كنا هو واحد المهندسين البريطانيين وأنا، فنتنافس.. لا شيء كان يوقف سواء تعلق الأمر بالحواجز أو الموانع كان يخترق أي شيء بسرعة كبيرة دون أن يفكر في العواقب والأضرار التي ستنتج عن ذلك أو التي يمكن أن تلحق بسيارته. وكانت كل نزهة تكلفني ثمانية أيام مضنية من الإصلاحات.. أعجب السلطان بالسيارة وتعلق بها بشغف كما يحدث مع باقي اللعب وقرر أن يشرك نساءه في الأمر. فقد حدث أن حل السلطان بقصر الصيف بالقرب من فاس البالي بسبب أشغال كانت تجري بالقصر الذي يقيم فيه لكن نساءه كن يرغبن في تتبع الأشغال التي كانت تجري في القصر الذي انتقلن منه والاستعدادات التي كانت جارية لاستقبالهن فيه من جديد. ولذلك قرر السلطان أن يحملهن إلى القصر على متن السيارة في كامل السرية.. هكذا تقرر أن ياتين عبر مجموعات تتكون كل واحدة من أربع نساء رفقة السلطان عبد العزيز وأنا وكل منا يقود سيارته ومعه اثنتان منهن. اخترنا يوم الخميس للقيام بذلك وهو اليوم الذي تغلق فيه أبواب القصر في وجه الغرباء حتى تتمكن النساء من التجول بحرية داخله. بعيدا عن أعين الفضوليين. اتفقنا على أن نلتقي في ساحة اللعب في الساعة الواحدة صباحا.. وكذلك كان،، وقضينا أسابيع على هذا النحو على أن تم نقل كل النساء بهذه الكيفية وسط المدينة النائمة والهادئة.. هكذا استطعنا أن نخفي عن شعب السلطان عبد العزيز عرضا كان الجميع سينتقده لأنه يمس بالاحترام والوقار الذي يتمتع به كما تفادينا إثارة الاضطراب في حياة سكان الأحياء التي كنا نسلكها كما كان يحدث دائما خلال الخرجات التي يقوم بها السلطان ولو على ظهر الفرس..

 استعمال البغال لجر القطار
رغب السلطان في سكة حديدية سكة مختصرة صغيرة ذات مسار ضيق تمكنه من التنقل بين القصر وحدائق دار الدبيبغ الواقعة على بعد أربعة كيلومترات. ولذلك طلبنا من شركة “كروزو” سكة من نوع “دوكفيل” وهي آلة صغيرة وجميلة لها مقطورتان منجدتان ومزينتان بشكل رائع. توصلنا بمراسلة تؤكد أن كل شيء جاهز بعد أن تم شحنه وإفراغه بميناء العرائش غير انه لا يمكن تصور ما يعنيه نقل شحنات مثل هذه من الساحل نحو فاس. فقد استغرق نقل القاطرة والمقطورتان وقضبان السكة الحديدية بعد قطع150 كيلومترمن الطرقات غير المعبدة. حتى كاد عبد العزيز الرجل الذي لا يحب الانتظار أن يفقد عقله.. بدأت أشغال تركيب السكة الحديدية والآليات المتحركة مباشرة بعد فتح الصناديق. لكن لم نكن نعثر لسوء الحظ على عجلات القاطرة. بحثنا في العرائش واتصلنا بالجمارك وشركة الملاحة والسكك الحديدية الفرنسية وشركة “كروزو” دون جدوى ودون أن نتوصل بالعجلات. وفي انتظار ذلك قرر السلطان أن نجر القطار بواسطة البغال والخيول. لم يكن يحب الانتظار أكثر. كما انه تم وضع كيلومترين من السكة الحديدية وكان يرغب في التمتع بالتنزه على طولها وبعدما اشبع رغبته نسي تماما السكة الحديدية وأصبحت هذه الخيرة صدئة ولم تعد تظهر للعيان ولم تعد تثير اهتمام أي احد. بلغت الفاتورة التي أعدتها شركة “كروزو” إن لم تخنني الذاكرة 100 ألف فرنك وان كنت عاجزا عن تحديد ما كانت تساويه هذه الرغبة في نفس عبد العزيز. كان وضع السكة الحديدية أكثر المشاريع مثل السيارة التي أثارت تشكي الناس لأنها كانت تخترق عند مدخل القصر طريقا تستعمل بكثرة. وبطبيعة الحال لم يكن هناك أي تردد في إلغاء هذه الطريق تلبية لرغبة “سيدنا” وبناء سور عال يحجب الرؤية عما يجري على طول السكة الحديدية.

مدينة بكاملها كانت تصاحب السلطان في تنقلاته
مدينة حقيقية مدينة 45 ألف رأس كانت تسافر برفقة جميع أفراد المخزن القصر بكامله المكاتب العبيد النقالون الجنود وأي أمتعة؟ الخيمة الوحيدة للسلطان تشكل بأقمشتها البيضاء وأعمدتها وحبالها وأثاثها وأسرتها حمولة ستون جملا على الأقل لا نعرف بالضبط أبدا في الصباح أين سيحل الليل؟ كان مولاي عبد العزيز يسير في المقدمة والعبيد يقومون بأشغالهم ويجمعون قصر القماش ويقومون بتحميله على ظهر الجمال والبغال ثم يسرعون من أجل تجاوز السيد والبحث عن مكان ملائم من أجل قضاء الليلة المقبلة. كانت القافلة تسير على هذا المنوال. وعند الوصول لا يمكن لأي أحد أن يفتح خيمته قبل خيمة السلطان وهي العملية التي تستغرق سوىبعض الدقائق حيث يقوم بسرعة مئات العبيد. الخيمة الشريفة التي تطفو عاليا تحتل وسط المعسكر وتهيمن عليه ويمكن التعرف عليها من بعيد من خلال الكرة الحديدية التي تعتليها وهي محاطة بسور حقيقي من القماش. ألأما باقي الخيام فتحيط بها مشكلة حزاما أمنيا قد يمتد أحيانا ليصل إلى مسافة كيلومتر.

مهرج السلطان و حريم القصر


كان مولاي عبد العزيز يتوفر على”مهرج” يدعى السي علي بلوط. كان السلطان يمنحه ملابس متنافرة: حذاء أوروبي وأزياء عسكرية، بعث بها بعض موردي العتاد العسكري على شكل عينات أملا في الحصول على طلبات. وكان بلوط وسيما وذا بنية قوية ويشتغل رئيسا لفرقة موسيقية تقيم حفلا كل يوم خميس بحضور السلطان ونسائه داخل القصر. أثار هذا الرجل انتباه السلطان بحركاته وإيماءاته وهو يقود جوقه الصغير. تجاذب أطراف الحديث مع السلطان فأضحكه ببعض الكلمات المسلية. وكان ذلك كافيا لكي ينفصل السي بلوط عن جوقه ويلازم القصر. في البداية غير السلطان اسمه ولقبه بـ “فوقاش” أي متى؟ وأصبح اسمه يناديه به الجميع.  ”فوقاش” كان يتمتع بحرية الكلام بما في ذلك أمام السلطان رغم الاحترام الواجب على كل مؤمن للشريف السليل المقدس للرسول والذي يمنع على كل شخص تجاوز الحدود. ولذلك لم يكن بلوط يسمح لنفسه بما كان السلطان نفسه يجيزه له. من جانبه كان السلطان يدبر بعض المقالب الصعبة لـ “مهرجه” حدث أن ضبط السلطان بلوط وهو يمتطي الدراجة النارية رغم جهله بكيفية تشغيلها. مشغل الآلة وتركها تصطدم بالجدار وبلوط فوقها. شعر الرجل بالرهبة والخوف من أن يكون قد خيب ظن السلطان فيه. واقتنع بأن هذا الأخير إنما ألراد عقابه بهذا الشكل فصار يطلق صراخا يثير الشفقة ويتوسل للسلطان كي لا يقتله قبل أن تطمئنه قهقهات السلطان ويطمئن في الأخير إلى أن الأمر كان مجرد مقلب. “فوقاش” أو المحتال “فوقاش” كان يجد دائما الفرصة والوسيلة للانتقام لنفسه من أصدقاء السلطان خوفا من موجهة السلطان شخصيا. فقد بدا يتذمر من الوحدة ويشكو حاجته على امرأة أو جارية. وقال للسلطان “على الأقل لو كان لك وزير حرب كريم لأشفق لحالي ويمنحني امرأة”.

انفجر عبد العزيز ضاحكا بعدما أعجبته الفكرة وكان من واجب السي المهدي”المنبهي” أن يشارك السلطان في رأيه ويستجيب للطلب. “ولماذا لم تتحدث عن الأمر من قبل؟” رد المنبهي قائلا: غدا ستأتي إلى منزلي لتختار”. هكذا حصل “فوقاش” على أول جارية إذ لم يكن عليه التوقف في منتصف الطريق. وفي اليوم الموالي سأله السلطان كيف قضى ليلة الزفاف. غير ملامح وجهه بكيفية مضحكة ثم نظر على سيدنا ثم إلى المنبهي وشرح يحكي قصته. عبّر سي بلوط أو فوقاش عن تدمره من الرجل الذي منحه الزوجة. كان قد عودها على عادات مخالفة لطبيعة الأشياء يصعب عليه بسببها إذ لم يتمكن من مداواتها منها الحصول منها على وريث.. لم يكن على السلطان عبد العزيز سوى أن يواسيه ثم يدعوه ليختار زوجة ثانية من حريمه الخاص. وهكذا صار لـ “فوقاش” زوجتان من حريم القصر.



تجارة العبيد


يقدم الكاتب تفاصيل مثيرة حول أسواق بيع العبيد بمراكش وفاس كما شاهدها. ويقول إن سوق تجارة العبيد كانت تقام ثلاث مرات في الأسبوع بإحدى الساحات الصغيرة. كان المشترون يقتعدون الأرض فيما يعرض “الدلال” أفواج العبيد تباعا. يطرح السعر الذي يقترح ثم تنطق “المزايدة”. المشترون من جانبهم يسألون عن السن والسوابق والأمراض التي سبق أن أصيب بها “العبد” و “العبدة” المرشح أو المرشحة للبيع. ليقوموا بعد ذلك بفحص “البضاعة” مثلما يتم فحص الدواب من الأرجل إلى الصدر والنهود. وبعد الاتفاق على السعر يذهب الدلال والعبد والمشتري إلى أحد العدول الذي يوثق عملية البيع. وكل عبد يتوفر على سجل خاص يضم أسماء “الأسياد” السابقين والأصل والأسعار التي سبق أن بيع بها. وهناك تجارة أخرى للعبيد تقام بالمنازل حيث يتم استدعاء المشترين ويسهر العبيد على خدمتهم وتقديم الشاي والماء حسب “تخصص” كل عبد. وبعد اقتناع المشتري بـ “البضاعة” تتم مناقشة الثمن الذي يتراوح بين 2500 و 3000 فرنك وقد يصل ثمن بعض النساء إلى 20 ألف فرنك لكنهن نادرات ويتمتعن بجمال فائق وأكثر تعلما ليتم في الأخير ضمنهن على حريم ” السيد”. وإذا حظيت إحدى “العبدات” بولوج فراش السيد واستطاعت إنجاب طفل فإنها تنقطع لتربية طفلها وسط النساء الحرات وتتخلى عن أشغال البيت كما تستفيد هي الأخرى من الهدايا والحلي. وكل عبد تم تمتيعه بحريته من قبل سيده فان أول ما يقدم عليه هو البحث عن الدلال حتى لا يظل أو تظل في الشارع بدون معيشة.

للا رقية مستشارة السلطان





يجب التأكيد على أن لا احد مطلقا قام بتهييء عبد العزيز للدور الكبير الذي نؤدي عليه خطا من اجل لعبه. كنا نعرف ان عليه فقط ان يسود؟… أي مصير كان مخبأ للسلطان الشاب تحت وصاية باحماد؟ نتذكر أن الشجاع السي المهدي “المنبهي” عندما قادته الظروف على السلطة لم يعدم أي وسيلة للحفاظ عليها فلعب دور عمدة القصر ودفع سيده بكل قوة على التسلية. عبد العزيز يتسلى إذن كما رأيناه وبكلتا يديه يضيع الكنز. هكذا يصف غابرييل فيير صاحب الكتاب جانبا من شخصية مولاي عبد العزيز. ويشير أيضا إلى التأثير الذي كانت تمارسه عليه والدته للا رقية. ويحكي الكاتب كيف أصبحت والدة السلطان مستشارته الخاصة خلال أزمة مقتل الفرنسي jukes pouset حيث كان السلطان كلما بعثت السلطات الفرنسية برسالة يذهب لأخذ الأوامر من والدته. ويحكي صاحب الكتاب في جانب أخر كيف رد عليه السلطان حين كان يخبره بخسائر إحدى حروب فرنسا قائلا: “أه .. لو كنت املك المال فلن أنفقه في خوض الحروب”.



ثورة مولاي عبد العزيز
أفاد الكاتب بأنه خاطب السلطان قائلا: إن الشعب يشعر بالغضب وهو يرى كيف يعمل الوزراء على تشييد القصور من أموال السلطان. فرد عليه السلطان مبتسما: إذا طردت وزرائي الأغنياء واتيت بآخرين فقراء فيجب على هؤلاء أن يسرقوا هم كذلك من اجل أن يصبحوا أغنياء.
.....................

هذه حقيقة سلطان علوي يُصور حريمه ويتسلى بصعق عبيده

هذه حقيقة سلطان علوي يُصور حريمه ويتسلى بصعق عبيده
نسجت العديد من الكتابات التاريخية الكثير من الأخبار الطريفة والغرائبية عن أحد أشهر سلاطين الدولة العلوية، وهو عبد العزيز بن الحسن، الملقب بمولاي عبد العزيز، وهو السلطان الثامن عشر في سلسلة سلاطين العلويين، حيث حكم البلاد في الفترة الزمنية الممتدة بين 1894 و 1908، أي زهاء 14 عاما فقط.
ونُسبت لهذا السلطان العلوي، الذي ولد عام 1878 في مدينة فاس، وتوفي سنة 1943، سلوكات غريبة تخرج عن المألوف في حياة الحكام، من قبيل تسليته بصعق عبيده بالكهرباء التي كان مهووسا بها، كما كان مفتتنا باقتناء الدراجات والألعاب والآلات الأوربية، لكن كل هذه الأخبار لا تزال في حاجة إلى إلقاء شعاع من الضوء بشأنها.
تصوير وكهرباء
هسبريس اتصلت بالأكاديمي والمؤرخ، الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش، والذي أورد أن أبرز السلوكات الغريبة المنسوبة لهذا السلطان تتمثل في شغفه الزائد عن الحدّ بالمخترعات التكنولوجية التي أبدعها الغرب في بداية القرن العشرين، خاصة ولعه الشديد بالدراجات الهوائية والنارية، والسيارات الثلاثية العجلات، فضلا عن الكهرباء الذي وصلت أسلاكه إلى القصر السلطاني، والهاتف، وآلات التصوير..
وأفاد الأستاذ بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس أن الكتابات التاريخية التي وصلتنا حول ولع السلطان عبد العزيز بهذه المخترعات، تعبّر عن إعجابه بها واستخدامها للتسلية واللهو، واقتطاع فواتير اقتنائها من خزينة الدولة، بدل توظيفها في تحقيق المشاريع الإصلاحية بالمغرب".
وأكمل المتحدث بأن "السلطان لم يكن يستثمر الطاقة الكهربائية كتقنية جديدة تفيد في إنارة أزقة ودروب المدن المغربية، بل كان يستعملها كأداة للتسلية في صعق عبيده، ولم يكن يستثمر السكة الحديدية التي طلبها من الشركة الفرنسية لتحديث وتطوير بنية وسائل النقل والمواصلات بين الحواضر المغربية، بل للمتعة والتنزّه في حدائق أكدال.
واستطرد ذان الأكاديمي بأن هذا السلطان كُتب عنه أنه استعمل آلات التصوير لتصوير نسائه وحريمه، بدل استعمالها لتأسيس مشروع إنتاج سينمائي، بل الأدهى من ذلك أنها صوّرت ولعه بهذه المخترعات ما يظهره كسلطان متصابي، غارق في اللهو واللعب في ظرف عصيب كان ينذر بكارثة سياسية خطيرة".
في حميمية السلطان
ونبه بوتشيش إلى أن المصدر الرئيسي الذي نسب إليه هذه السلوكات يتمثل في المذكرات التي كتبها كابرييل فييرGabriel Veyre، وجمعها في كتاب تحت عنوان "في حميمية السلطان " Dansl´intimité du Sultan الصادر سنة 1905 والمترجم للعربية بعناية عبد الرحيم حزل، تحت عنوان "في صحبة السلطان".
وتساءل بوتشيش عن حدود مصداقية ما نسب إلى السلطان المذكور، وقال إن كابرييل فيير لم يكن مؤرخا بالمعنى الاحترافي، بل كان خبيرا متمرسا في التصوير والسينما التي كان يتم الترويج لها بحكم نشأتها آنذاك من قبل إحدى الشركات الباحثة لها عن أسواق، فكلّفت كابرييل بالسفر إلى عدد من البلدان ليجد فيها المبتغى.
وكانت الجالية الفرنسية بالمغرب قد بعثت إلى "فيير" تحثه على القدوم والاتصال بالسلطان مولاي عبد العزيز، وأبلغته بشغفه بالمخترعات التقنية، فحلّ ضيفا على المغرب سنة 1901، واتصل بالسلطان الذي جعله صديقا حميما ومهندسا تقنيا يسدّ حاجاته من الوسائل التقنية إلى حدود سنة 1904.
وتأسيسا على هذا المعطى، يضيف بوتشيش، يمكن القول بأن كابرييل فييرلم يكن مؤرخا محترفا، بل تقنيا بارعا، لذلك لم يخلف لنا نصّا تاريخيا بمعنى الكلمة. إلا أنه ترك مذكرات لها قيمتها المعرفية باعتبارها ذاكرة أجنبية تلقي الضوء حول زمن تاريخي معقّد، وحول مكان محاط بالأسرار والألغاز، وهو "القصر السلطاني".
وتابع الأكاديمي أن "القصر السلطاني" غالبا ما حجبته الكتابات التاريخية المغربية من التداول، وسيّجت أحداثه وكواليسه بأسوار منيعة يصعب تجاوز النظر إلى ما ورائها"، مضيفا أن مذكرات فيير تخترق الخطوط الحمراء لتصل إلى الحياة الحميمية للسلطان، وكواليس صنع القرار، وتمدنا بمادة خبرية نادرة، ولحظات تزخر بالإيحاءات والدلالات".
ولفت بوتشيش إلى أن الكتابات الأجنبية في تلك المرحلة التي كان يحضّر فيها لاستعمار المغرب تجعل الباحث يأخذ روايات فيير بنوع من الحذر والتحرّز، باعتبار أن الذات التي كانت تهيء للاحتلال كانت تسعى بكل السبل إلى استصغار الذات المحتلة بما في ذلك إهانة سلطانها الذي هو بمثابة الرأس من الجسد ، وذلك تمهيدا لقبول فكرة الحماية أو الاحتلال.
البوح بأسرار البلاط
واعتبر المؤرخ المغربي أن وضع نصوص كابرييل فيير تحت مبضع النقد والمساءلة والاستنطاق، تنحو بنا نحو الإقرار بصدقية أقواله بناء على عشر مؤشرات وقرائن، الأول أنه كانت لـ"فيير" صداقة حميمية مع السلطان، وعاش في بلاطه مدة 4 سنوات كانت كافية لرصد سلوكاته وتسجيلها بدقة.
والمؤشر الثاني، وفق بوتشيش، أن المتن الأجنبي عموما، بخلاف المصدر المغربي، يتسم بالجرأة، وعدم القبول بالمساومة أو التستّر عن ذكر الحقائق والبوح بأسرار البلاط، كما أنه لا يخشى خدش رمزية السلطان وهيبته، ويتعامل معه كغيره من البشر الذين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويذكر أخطاءه وزلاته التي يمكن أن يرتكبها أي شخص عاد.
والمؤشر الثالث، تبعا للأكاديمي ذاته، الذي يرجح مصداقية أحكام كابرييل حول انغماس السلطان مولاي عبد العزيز في اللهو والتسلية بالمخترعات الأوروبية، أن السلطان تولى مقاليد الحكم صبيا دون الرابعة عشر من عمره، وعاش السنوات الست الأولى من حكمه تحت وصاية الرجل النافذ أحمد بن موسى الملقّب "بباحماد" وأمه "للارقية".
وبعد وفاة "باحماد" في سنة 1900، سيخضع لحجر سياسي آخر من قبل رجل الدولة القوي آنذاك السيد المنبهي الذي استغل فتوة سنه ليجعل بينه وبين عالم السياسة حجابا سميكا، وتعتيما جعله لا يقدّر الأمور بما ذلك القضايا الداخلية الحساسة، حيث كان يجهل خطر ثورات بوحمارة والريسوني وغيرهما من الثوار والمتمردين.
والمؤشر الرابع أنه عرف عن السلطان مولاي عبد العزيز بإيثاره الإقامة في قصر مراكش الذي كان فضاء يوفّر له كل أدوات اللهو والاستمتاع، بعيدا عن قصر فاس الذي كان مقرّ الحكم الإداري، وسرّة الحكم التي منها توجه القرارات وتعالج القضايا المصيرية، مما جعله غير مطّلع على موازين القوى السياسية والعسكرية.
وأما المؤشر الخامس، يقول بوتشيش، أن الأوروبيين عرفوا كيف يوظفون الطفرة التكنولوجية التي شهدها الغرب في تمرير مشاريعهم الاستعمارية، ونجحت فرنسا وأنجلترا في إغراق المولى عبد العزيز بمنتجات الغرب التكنولوجية الترفيهية لإلهائه تمهيدا للاحتلال.
سلطان متصابي ودولة هشة
والسادس أن فتاوى من قبل علماء المغرب صدرت تحرّم التعامل مع الأجانب والتشبّه بعاداتهم، ورغم أن هذه الفتاوى تعبّر عن انغلاق في العقلية التقليدية، فإنها تعبّر أيضا عن تبرّمها من سلوكات السلطان التي كانت مقلدة للطراز الغربي، من خلال شغفه باختراعاتهم واقتنائها بأموال باهظة، مما يقوم دليلا على أن روايات فيير تتساوق مع فتاوى العلماء.
والمؤشر السابع، يردف بوتشيش، أن خلع السلطان مولاي عبد العزيز ومبايعة أخيه مولاي عبد الحفيظ، هي عملية تحمل دلالات حول عدم رضى خالعي البيعة عن السلوكات التي كان ينهجها السلطان، إذ أنه من الشروط التي تضمنتها البيعة الحفيظية عدم التعامل مع الكفار، وهو شرط يشي بتذمر الرعية من سلوكات مولاي عبد العزيز، المتمثلة في الإقبال على اقتناء منتوجات الغرب ،وترك فريضة الجهاد.
والقرينة الثامنة، يتابع بوتشيش، أن وضع السلطان مولاي عبد العزيز في هذه الصورة السلبية هو انعكاس أمين لصورة الدولة المغربية نفسها في تلك الفترة، باعتبار أنها دولة هشّة ومهترئة، أنهكتها الأزمات المتعددة، واتساع رقعة بلاد "السيبة"، واستفحال ظاهرة المغاربة المحميين من طرف السلطات الأجنبية، واندلاع الثورات في طول المغرب وعرضها..
والمؤشر التاسع، وفق المصدر، أن فشل الإصلاح الذي حاول أن يقوم به السلطان مولاي عبد العزيز، ساهم في اهتزاز صورة السلطان الحازم التي انحدرت إلى مستوى السلطان المراهق في نص مذكرات كابرييل، باعتبار أن ضريبة الترتيب لم تجلب سوى سخط الأعيان والمحميين والمتنفذين في المجتمع، مما جعل كل عملية إنقاذ شبه مستحيلة.
وذهب بوتشيش إلى أن المؤشر العاشر، يتمثل في "صمت معظم المصادر التاريخية المغربية عن سلوكات مولاي عبد العزيز المراهقة، وهو ما يمكن أن يؤول بمنهج الإعراض والنسيان، ففي الوقت الذي كتب عن أبيه الحسن الأول عدد من المؤلفات، فإن المؤرخين ألجموا قلمهم عن التعرض لتاريخ ابنه"، معتبرا أن هذا الصمت يحمل دلالات عميقة ويؤكد صحة نصوص كابرييل فيير.
....................
 في مثل هذا اليوم، أي 30 مارس من سنة 1912، وقع السلطان عبد الحفيظ على مابات يعرف بـ" معاهدة الحماية الفرنسية" على المغرب، والتي  حتى حصول المغرب على "استقلاله" سنة 1956.
شملت "الحماية الفرنسية" المنطقة الوسطى بالمغرب والذي سيطرت عليه فرنسا بموجب معاهدة فاس التي قسـم المغرب بموجبها إلى ثلاث محميات:
المنطقة الشمالية والمنطقة الصحراوية في الجنوب تحت الحماية الأسبانية والمنطقة الوسطى تحت الحماية الفرنسية ومدينة طنجة خضعت لحماية دولية بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإسبانيا.

نصت "معاهدة الحماية" (30 مارس 1912) على مايلي: تأسيس نظام جديد بالمغرب يشمل الإصلاحات الإدارية والعدلية والتعليمية والاقتصادية والمالية والعسكرية واحترام هذا النظام لحرمة السلطان وشرفه ثم احترام الشعائر الإسلامية وتأسيسات الأحباس وتنظيم مخزن شريف ومضبوط ثم تفاوض الفرنسيين والأسبان على مصالح الدولة المغربية في المناطق الشمالية مع وجوب مساعدة السلطان على الاحتلالات العسكرية الفرنسية بالايالة المغربية لضمان الامن.

تولي السلطان يوسف العرش

تولى السلطان  يوسف العرش سنة 1912 بعد تنازل أخيه عبد الحفيظ والبلاد تعج بالفوضى والاضطرابات، واعتبره المقيم العام الفرنسي (الجنرال ليوطي)الملك المناسب للبلاد لأنه وبدون شك سيقبل اصدار جميع القرارات التي تهم الفرنسيين وتخدم مصالحهم بالبلاد.

مراحل الاحتلال العسكري بالمغرب

مرحلة ماقبل 1912: احتل فيها الفرنسيون شمال شرق البلاد (وجدة، فيكيك وما والاها) + الوسط الغربي (فاس + مكناس + الرباط + الدار البيضاء والنواحي).
مرحلة ما بين 1912 و1914: تم احتلال مناطق شاسعة من وسط البلاد (من ممر تازة إلى مراكش ونواحيها + الصويرة وأكادير).
مرحلة ما بين 1914 و1920: تم خلالها ضم باقي مناطق وسط البلاد (حوض ملوية + الراشيدية وورزازات والضواحي).
مرحلة ما بين 1921 و1926: تم خلالها احتلال أقصى الشمال وماتبقى من وسط البلاد.
مرحلة ما بين 1931 و1934: تم خلالها احتلال جنوب شرق المغرب وصحرائه.

المقاومة التي واجهت الاحتلال العسكري
واجه الاحتلال مقاومة في كل أنحاء المغرب لا في الريف ولا في الأطلس المتوسط ولا في الجنوب ففي الشمال ثار المجاهد محمد أمزيان بالريف عام 1909 ضد إرهاصات الحماية الأسبانية فهزم ثلاث فرق أسبانية مات من رجالاتها جنرالان اثنان وعشرة آلاف جندي وقد ثارت منطقة (جبالة) عام 1913 خاصة بين الشاون وتطوان.

كانت انتفاضة عارمة انطلقت من أقصى الجنوب في الصحراء المغربية تجمعت حشودها في الساقية الحمراء بزعامة الشيخ ماء العينين وولده الهبة وانضمام المحاربين من جبال الأطلس والسهول وما كاد نبأ توقيع معاهدة الحماية بفاس يطرق الأسماع حتى هبت القبائل المجاورة للعاصمة الإدريسية فطوقت المدينة وامتلأت الأسوار بآلاف المحاربين بزعامة الحجام وثار الجيش السلطاني على ضباطه الفرنسيين وكانت ملحمة دامية قتل فيها عدد من الفرنسيين فقنبلت فرنسا جانبا من المدينة وأعدمت عشرات السكان وجمعت فرنسا السلطات في يد شخصية عسكرية هي الجنرال ليوطي الذي ورد على فاس يوم 28 مايو 1912 في خضم الاضطرابات الشعبية ما لبثت أن شملت المغرب عن بكرة أبيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق