ذاكرة المعتقلات السرية 6 دار المقري... قصر تحول إلى معتقل
تحدث الكتاب عن مركز للاعتقال يسمى "دار المقري"، إذ أن المكان لم يكن مجرد منزل بالرباط بالحي المعروف اليوم بحي اليوسفية، بل يتعلق الأمر بقصر بديع البناء يمتد على مساحة شاسعة تقدر بـ8722 مترا مربعا، بقاعات الاستقبال والضيافة، وبجناح الحريم والحدائق. شيد القصر بين 1947 و1951 لصاحبه التهامي المقري نجل الصدر الأعظم محمد المقري الذي كان في الوقت نفسه مندوبه المالي، وليس قصر الصدر الأعظم نفسه كما هو متداول.
وجاء في الكتاب، أن الدولة المغربية، صادرت، بعد الاستقلال القصر، وصار تابعا لوزارة الداخلية التي جعلت منه مقرا للشرطة، لكن بعد نقل المقر المركزي للهلال الأحمر المغربي من البيضاء إلى الرباط، احتضن القصر هذه المؤسسة بمقتضى قرار 20 أبريل 1971.
لم يخف أصحاب الكتاب سبب اختيار مندوب المالية في عهد الحماية الفرنسية، التهامي المقري، بناء قصره بضواحي العاصمة، إذ أن السبب الرئيسي كان الابتعاد عن صخب المدينة وضجيجها، لكن البناية الرابضة في هدوء تحولت إلى مكان للاحتجاز والتعذيب منذ بداية الستينات من القرن العشرين على الأقل. قضى فيها محمد الصديق بلوك بناني المتهم على خلفية مؤامرة 16 يوليوز 1963 زهاء أربعة أشهر . وتتحدث بعض الروايات، حسب ما جاء في الكتاب، عن احتجاز الجنرال أوفقير بالمكان نفسه والسنة نفسها، ضابط الطائرة المصرية أسرى حرب الرمال، وكان بينهم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
وحسب مومن الديوري، كان أوفقير ينتقي بعناية رجال ثقته المشرفين على عملية الاحتجاز والتعذيب بالقصر، وكان يشرف شخصيا على آخر مراحل التعذيب، حسب درجات سبع، بالنسبة إلى من كان يصنفهم في خانة "الخصوم الكبار"، والتي قد تبدأ ببتر بعض الأعضاء وتنتهي بالتصفية الجسدية.
وكشف الكتاب أن قصر المقري استمر في استقبال "ضيوفه"، من مختلف المشارب والأعمال وبتهم مختلفة، خارج رقابة القضاء، أو أي جهة ينيط بها القانون هذه المهمة. وذكر الكتاب بعض الأسماء، من بينهم الصغير المسكيني، ومحمد أحمد باهي، المعتقلان على خلفية توزيع منشور "المثقف الثوري" خلال 1968، واللذان قضيا به شهرا كاملا، واللبناني أبو فادي الذي مر منه في رحلة طويلة عبر مراكز احتجاز أخرى، وأحمد منصور المعتقل في 13 مارس 1970، والذي قضى به أربعين يوما ، وقدم شهادة عن تجربته لهيأة الإنصاف والمصالحة. وجاء في الشهادة "كل واحد مر من دار المقري إلا وله حكايات وحكايات طويلة في موضوع التعذيب. بدأ التعذيب أولا بصفعتين على اليمين والأخرى على اليسار، حتى كدت يغمى علي. ثم بعد ذلك بدأ التعذيب وأنواع كثيرة جدا، منها التعليق من اليدين ولا ينزل الشخص إلا ويداه مشلولتان، ثم غطس الرأس في المياه العكرة المتعفنة المليئة بالصابون وباقي أدوات النظافة، ثم بعد ذلك أنواع أخرى مثل ما يطلقون عليه عندهم "الفلقة".
في الفقرة المخصصة لدار المقري، تحدث الكتاب عن بعض تفاصيل المكان، مؤكدا أنه قد لا يستغرب من يدخل القصر، واليوم، وعلى بعد أمتار قليلة فقط من اللوح المنقوش الذي يؤرخ لبنائه، إن وجد يافطة في البهو المجاور على اليسار للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال المغربي، كتب عليها وإلى جانب علامتي الصليب والهلال، "حكاية كرامة الإنسان". وجاء في الكتاب أنه يمكن لمتأمل آخر أن يرى فيها شكلا من مكر التاريخ، إذ يحضر هذا الانطباع أيضا عند التأمل في دلالة الأشياء خاصة مع جناح الحريم بقصر المقري.
إعداد: إيمان رضيف
..................
السيد أحمد بنمنصور
شهادة السيد أحمد بنمنصور
باسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. سيداتي سادتي، أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة.
أخواتي إخواني الأعزاء أيها الحضور الكريم تحية اعتزاز وتقدير واحترام.
يسعدني ويشرفني قبل تناول الحديث عن الاعتقال التعسفي الذي
مورس علي وعلى كثير من المناضلين الأوفياء أن أشير ولو بعجالة إلى الأحداث
المؤلمة التي عشنا ويلاتها خلال عقد الستينات من القرن الماضي والتراكمات
والوقائع والترسبات التي خلفتها تلك الأحداث في طوايا ووعي ووجدان كل مواطن
شريف وكل حر أبي. أقول إن تلك الأحداث لا يمكن أقول إن تلك الأحداث لا
يمكن إغفال أثرها ولا تجاهل مفعولها العميق عند تحليل أي حدث أو تقييم أي
واقعة كالتي يراد منا اليوم أن نتحدث عنها في هذه الجلسات الاستماعية التي
تنظمها وتشرف عليها الهيئة المحترمة هيئة الإنصاف والمصالحة.
هكذا يمكن أن نقوم بعرض مبسط وسريع لتلك الأحداث المأساوية
التي عشناها والتي عاشتها بلادنا واكتوى بنارها جمع غفير من المواطنين
الأحرار.
ففي أواخر الخمسينات من القرن الماضي تعرض بعض رموز
الحركة التحريرية في بلادنا إلى حملات رهيبة من طرف قوى البطش والغدر حملات
تسببت في كثير من النوازل والأزمات والكوارث والمحن وكشفت بجلاء عن نوايا
وأبعاد مخططات القوى الظلامية حيث امتدت يد الغدر إلى قيادة المقاومة وجيش
التحرير فأودع السجن بعض رجالاتها الأفداد الذين دوخوا الاستعمار، بكفاحهم،
بكفاحاتهم الرائعة وبطولاتهم النادرة وأضافت إلى كل هذا منع الصحافة
التقدمية من الصدور، وصدرت الأوامر بمتابعة كثير من المقاومين في مختلف
المدن والقرى وفي تلك الظروف تم إبعاد كثير من المقاومين من وظائفهم وهكذا
تصاعدت الأحداث واتسع نطاقها، واتسع نطاق الاعتقالات الجماعية في صفوف
الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والتنظيمات الموازية من طلابية وعمالية
وغيرها.
وبدأت القوى الظلامية تتململ وتعد العدة وتنصب الفخاخ
والمصايد لاصطياد كل العناصر التي ترفض الانصياع لمخططاتها وتعمل جاهدة
لإجهاضها وهكذا تمكنت القوى الغاشمة في بداية الستينات من نصب كمين لمجموعة
مولاي الشافعي بالموقع المعروف بأولاد السبع بشيشاوة، فقتل عدد كبير من
المقاومين من بينهم قائد المجموعة مولاي الشافعي والقائد البشير والحسن
الروداني والسيد محمد بركاتوا وأصيب القائد الحسين البزيوي نعمان بجروح
رحمه الله، وكل هؤلاء من خيرة المقاومة، المقاومين الأبرار الذين أبلو
البلاء الحسن من أجل تحرير بلادهم من رقبة الاستعمار، تم بعد تلك ثم إلقاء
القبض على المجموعة المعروفة بمجموعة الغول وحوكمت أمام المحكمة العسكرية
بالرباط والتي أصدرت أحكامها بالإعدام ضد كل من الحسن السيكليس وعبد الرحيم
وأعدموا فعلا وصدرت أحكام أخرى بالنسبو لباقي المتهمين أغلبها بمدد طويلة،
وتلى ذلك إلقاء القبض على السيد محمد بنحمو والسيد البشير من مجموعة بني
ملال حيث صدر حكم بالإعدام ضد بنحمو وأحكم، أحكام أخرى بمدد طويلة على
الباقي أما في مدينة الدار البيضاء فقد ألقي القبض، فقد ألقي القبض على
مجموعة بنحمو الفاخري التي حوكمت، التي حكم بعض أعضائها بالإعدام والباقي
بمدد طويلة وفي نفس المدة هوجمت مجموعة شيخ العرب الذي قتل في أثناء
الهجوم. وألقي القبض على بعض أفراد مجموعته وحوكمو بمدد طويلة. وهكذا
وعندما اندلعت الاضطرابات وعمت المظاهرات في الدار البيضاء في سنة 1965
ووجهت بعنف وشدة سقط جراءها عدد كبير من الضحايا. وفي تلك السنة نفسها
اختطف المناضل الكبير الشهيد المهدي بنبركة في شوارع باريس وفي وضح النهار
وتمت تصفيته جسديا ونقل إلى المغرب حيث أذيبت جثته كما نشر أخيرا، هذا
العرض المقصود منه إطلاع الإخوان على كل الأسباب والمسببات التي كانت سببا
في اندلاع الأحداث التي كانت في ختام الستينات وبالضبط في يوم 17 دجنبر من
سنة.
1969 هبت هجمة عاصفة على مدينة مراكش وألقي القبض على كثير
من المناضلين فألقي القبض على الحبيب الفرقاني وعلى عبد الرحمان شوجار
وعلى مجموعة أمزميز وولاد مطاهر وعلى مجموعة كبيرة من دمنات وعلى مجموعة
مراكش وللإشارة أشير إلى أن أولائك الذين ألقي عليهم القبض في دمنات بعضهم
لم يستقل السيارة طيلة 50 أو 60 سنة وجيء بهم كالخرفان في فركونيطات من
دمنات إلى الرباط إلى المعتقل السري إلى دار المقري أما فيما يرجع لإلقاء
القبض على الحبيب الفرقاني ومجموعته فقد ألقي عليهم القبض وألقي القبض على
كثير من المناضلين في مراكش واندلعت الاعتقالات في كل أجزاء المدينة
ونواحيها. وبعد هذه الحادثة بشهرين تقريبا ألقي القبض على المناضل الكبير
محمد أزغار المدعو بسعيد بونعيلات وذلك ليس في المغرب ولكن في مدريد وألقي
القبض معه على أحمد بنجلون، بعد ذلك بشهر فقط ألقي القبض علي، وذلك بالضبط
يوم 13 مارس من سنة 1970 والطريقة التي القبض العلي فيها كانت طريقة لا
إنسانية هوجم بيتي وحطم كل ما فيه ومزقت الأفرشة ومزقت الكتب وبعثرت
الدوالب وفتش كل البيت كل غرفة،ولم ينج حتى المرحاض ولم ينج حتى المطبخ
والعجب العجاب أن هؤلاء الغرباء الذين دخلوا البيت، ذهبوا إلى المطبخ
وأخذوا ما في الثلاجة من طعام وأكلوه ثم بحثوا عن أم الخبائث ما خبث ونجس
بحثوا على الخمر فلم يجدوه فجاء أحدهم إلي وقال هل تخمر فقلت لا فتعجب
المهم بعد هاته الحادثة نتاع الدخول إلى البيت والعبث بكل الوسائل بوحشية،
اصطحبوني معهم إلى مخفر الشرطة بالمعاريف المعروف الآن بالمفوضية قضيت ما
بقي من ليلتي هناك ولكن في زنزانة صغيرة جدا وبها 15 معتقلا لم أجد مكانا
أجلس فيه فجلست بالقرب من ثقب المرحاض قضيت ما تبقى من ليلتي هناك وفي
الثامنة صباحا جاؤوا وأخذوني إلى سيارة، تم ذهبوا بي إلى مقر الأمن العام
بالرباط إلى الإدارة العامة للأمن الوطني بالرباط وبعد أسئلة معروفة ما اسم
أبيك؟ ما اسم أمك؟ هل تعرف لماذا ألقيعليكالقبض؟ هل تعرف فلان هل تعرف كذا
إلى آخره؟ بعد ذلك، قال لهم خذوه فأخذوني مرة أخرى إلى السيارة وذهبوا بي
إلى دار المقري، في هذه الدار اللعينة في هذه الدار المشؤومة التي مورس على
كثير من المواطنين فيها أنواع وأنواع من العذاب ولا يمكن لأي من المواطنين
أن يصفها أو أن يصف تلك الأنواع من العذاب. كل واحد مر من دار المقري الا
وله حكايات أو حكايات طويلة في موضوع التعذيب وأنواع التعذيب والممارسات
التي عانيت منها ما يقرب من 40 يوما تقريبا، في هاته الأثناء حينما أوصلوني
إلى دار المقري وضعوني بالقرب من حائط ثم جاءني أحدهم وقال لي أنا
Français أنا فرنسي أنا معتقل مثلكم هل تغذيت؟ قلت لا قال لقد انتهى وقت
الغذاء هل تريد أن أتيك ببعض ما تبق من الأرز فقلت له شكرا إذا كان ممكنا
فذهب وأتاني بصحن من الأرز، يعني لست أدري كيف هو ولكني إلتهمته إلتهاما
لأن الجوع قد قطع أمعائي،مكث هنيهة ثم جاءني وقال ما اسمك فقلت ابن منصور
ذهب قليلا ثم أتى وقال لي الحبيب الفرقاني يريد أن يقابلك ولكن بسرعة حتى
لا يكتشف الأمر، ماهي إلى برهة قليلة حتى أحسست بمن يزحف نحوي وتنبعث منه
رائحة نثنة كريهة جاء الحبيب وقال أخي أحمد اسمح لي لقد اضطررت لذكر اسمك
وأنا متأسف جدا وحالتي تغنيك عن سؤالي ولقد عانيت أكثر مما أحتمل فقلت لا
عليك يا أخي هذا وقت ليس بوقت الاعتذار. نحن سواء أنا سعيد بجواري إلى
جانبك اطمئن وعد إلى مكانك لأن صاحبك قال حاول أن تتحدث معه قبل أن يكتشف
أمرك ذهب الحبيب إلى مكانه وبقيت أنا أفكر في ماذا سيقع لي ما هي الأحداث
التي ستواجهني، وكيف سأواجهها وإلى آخره، أتوا بعد الظهر وطلبوا أن يؤتى بي
إليهم، فحملني إليهم وقدموني إلى أحد المسؤولين عن التحقيق فبدأ أسئلة
جوفاء لا يمكنك أن تدرك مغزاها ولا هو يدرك ما تقول وما تقصد لم نتفاهم،
فبدأ التعذيب أولا بصفعتين إلى اليمين والأخرى على اليسار حتى كدت يغمى علي
فأغمي علي تقريبا. ثم بعد ذلك بدأ التعذيب وأنواع التعذيب كثيرة جدا منها
التعليق باليدين ولا ينزل الشخص إلا ويديه مشلولتين، ثم غطس الرأس في
المياه العكرة المتعفنة المليئة بالصابون وباقي أدوات النظافة. هذه العملية
عواقبها جد خطيرة سواء على العينين أو الأنف أو الأذنين أو الأمعاء الجهاز
العظمي. ثم بعد ذلك أنواع أخرى مثل ما يطلقون عليه عندهم الفلقة تيشبحوا
الإنسان هاته أشياء يعني وصفها والتحدث عنها يطول ويطول ولا يمكن لأي أحد
أن يقنع صاحبه بتلك الأحداث وبتلك الأنواع من العذاب التي عانى منها
الإنسان، فالذي يمكن أن يقتنع بها هو الذي عاشها هو الذي مورست عليه، لأن
ذلك شيء غريب وخيالي والعمليات التي يقومون بها لا يمكن أن تختلف عن
العمليات التي يقوم بها غيرهم في نفس المعتقل أو آخرون كأنهم خرجوا من
مدرسة واحدة.
كل هذه صورة مبسطة عن الحالة في دار المقري، بقينا فيها
حوالي أربعين يوما ثم بعد ذلك نقلنا إلى السجن العسكري بالقنيطرة، السجن
العسكري هو عبارة يعني المحل الذي وضعونا به أي الزنزانة هو عبارة عن مرحاض
بدون مبالغة وبها دكة مسطحة من الاسمنت وعليها خنشة خيش وعليها ملاية يعني
من بقايا مخلفات الجيش قديما ولكنها متسخة بشكل مريع وضع بها إناء يحمل
حوالي 5 لترات في 24 ساعة لا يمكن أن يزد ولو قطرة واحدة هذه إخواني حالة
كل واحد مر بدار المقري وهذه إشارة إلى كل واحد من المواطنين ليطلعوا على
تلك الأحداث وعلى تلك المصائب ونأمل من الله تبارك وتعالى أن لا تعود أن
ينجي الله أبنائنا وأحفادنا مما وقع لنا ونحن سعداء بتلك الأنواع من العذاب
وبتلك المصائب التي واجهتنا.
سعداء لأننا نرى اليوم ظاهرة لا يمكن لأي أحد أن يسعد السعادة المثلى الا بهذه الرؤيا الصادقة .
والسلام عليكم ورحمة الله تبارك وتعالى.
.....................
الجنرال أوفقير يشرف على إيداع الضباط المصريين الأسرى بدار المقري
هي نفس الدار التي كانت تؤوي معارضي الحسن الثاني
كان الحسن الثاني يثق ثقة كبيرة في مجموعة من جنرالاته، الذين كانوا على رأس العديد من الأجهزة العسكرية والأمنية، بل كان يسمح لقلة منهم بزيارته في مخدع نومه دليلا على الثقة الكبيرة
التي كان يضعها فيهم، وجمعته بأغلبهم علاقات أسرية حيث كان أبناؤهم وزوجاتهم يدخلون القصر الملكي بشكل اعتيادي، لكن ما لم يكن يدور بخلد الحسن الثاني هو أن يتحول بعض هؤلاء الجنرالات إلى أشد أعدائه، بل يتجاوزون ذلك إلى محاولة تصفيته جسديا. في هذه السلسلة نحاول أن نرصد مسار أهم هؤلاء الجنرالات وعلاقتهم بالأحداث التي غيرت وجه المغرب السياسي في العقود القليلة الماضية.
دار المقري، تلك البناية الموغلة وسط أشجار البرتقال، أرادها الصدر الأعظم إقامة فاخرة في حياته وجلب إليها الرخام من الديار الإيطالية. اختار موقعها بعيدا عن صخب وضجيج العاصمة الرباط، لكنها أصبحت علامة شؤم على المدينة، جراء ما كان يجري داخلها من أشكال التعذيب وقساوة الاعتقال.
الدار نفسها التي كانت تؤوي معارضي نظام الملك الحسن الثاني من سياسيين ومقاومين ومثقفين، ستجمع خليطا من الأجناس والتهم والتعفسات، ولسبب ما سيلح وزير الداخلية، الجنرال محمد أوفقير، على وضع الضباط المصريين، أسرى حرب الرمال لعام 1963 في المكان ذاته، إمعانا في إلحاق أكبر الأذى بنفسياتهم.
كان يبرر ذلك بكون أولئك الأسرى هم بمثابة رهائن، وأن السلطات المصرية التي بعثت بهم على متن طائرة عسكرية لتقديم الدعم والخبرة للجيش الجزائري المندحر أمام تقدم القوات العسكرية المغربية على كافة جبهات القتال، بإمكانها في أية لحظة أن تلجأ إلى عملية مضادة لإطلاق سراحهم، فقد كان يصر على القول إن الحرب التي قادت إلى إبرام اتفاقية وقف إطلاق النار في باماكو، عاصمة مالي، لا يزال مفعولها مستمرا، من منطلق أن تلك الاتفاقية همت جبهات القتال على الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر، لكنها لم تنسحب على الخلافات السياسية القائمة بين جمهورية مصر العربية والمملكة المغربية.
لم يكن كثيرون يجادلونه الرأي حول هذه القضية وغيرها، فقد حول دار المقري المستوية عند المخرج الجنوبي للرباط من ناحية الشرق إلى منفى للاقتصاص من الخصوم السياسيين. ولأنه لم يكن يثق في غير أبناء بلدته عين الشعير، فقد استقدم بعضهم للعمل هناك، حيث لا يخضعون لأية سلطة غير قرار أوفقير، كما كان المعتقل خارج رقابة القضاء أو أية جهة ينيط بها القانون هذه المهمة، وكان المعتقلون يقضون هناك أسابيع وشهورا قبل تقديمهم إلى المحاكمة، إن كانت حظوظهم حسنة، فيما لا يعرف مصير آخرين دخلوا تلك الدار أحياء ولم يغادروها.
بعد الانتهاء من التحقيقات مع الضباط المصريين، التي أشرف عليها عسكريون وأمنيون بهدف التوصل إلى أكبر قدر من المعلومات حول الوضع العسكري في جبهات القتال وأنواع الأسلحة ومواقع العدو، وكذا مجالات التعاون القائم بين الجيشين المصري والجزائري، اقتيد أولئك الضباط إلى دار المقري التي مكثوا بها شهورا عديدة.
سكتت المدافع على الجبهة، ولم تسكت مخاوف الضباط المصريين إزاء ما كانوا يتوقعون حدوثه في أية لحظة، منهم من اعتقد أنه سيموت ويدفن هناك، ومنهم من ألف التعايش مع حراس دار المقري الذين كانوا يمدونهم بقليل من الطعام والشراب، ومنهم من كان يتوقع حدوث معجزة تكفل عودته إلى البلاد التي يقولون عنها إنها أم الدنيا.
كانت الأوامر صريحة وصارمة، تحظر أي لقاء بين الضباط المصريين ونظرائهم المغاربة المعتقلين على خلفية أحداث صيف العام 1963، وظل أولئك الضباط يعيشون في عزلة تامة، دون أي اتصال خارجي، ما عدا زيارات كان يقوم بها الجنرال أوفقير ومساعدوه لتقصي الحقائق في قضية لها علاقة بالحرب المغربية الجزائرية، أو بمعطيات حول الجيش المصري.
كان المغرب وقتها دخل في أزمة سياسية في ضوء انسحاب وزراء حزب الاستقلال من الحكومة، فقد بدأ مطلع العام على إيقاع الوضع الذي خلفته استقالة كل من زعيم حزب الاستقلال الراحل علال الفاسي من وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الإسلامية، ومحمد بوستة من وزارة العدل، ومحمد الدويري من وزارة الاقتصاد الوطني والمالية، وانضموا إلى المعارضة. وكان الملك الحسن الثاني يتولى في تلك الفترة رئاسة الحكومة، تماما كما سبق لوالده الراحل محمد الخامس أن ترأس حكومة سابقة في عام 1960، أسند خلالها مهمة نائب رئيس الحكومة إلى ولي العهد الأمير مولاي الحسن، غير أن شخصية استقلالية ستتولى، في غضون ذلك، مهمة الممثل الشخصي للملك ضمن حكومة جديدة يقودها أحمد بلافريج، الذي سيكون أول وآخر شخصية استقلالية يسند إليها هذا المنصب. ومن غريب الصدف أن الزعيم التاريخي عبد الكريم الخطابي سيغيبه الموت في القاهرة في نفس السنة، كي لا يشهد تصدع العلاقات بين بلاده ومصر التي كان نفي إليها في عشرينيات القرن الماضي.
وفيما كانت القاهرة ملاذا لزعامات مغاربية أسست أول تنظيم مغاربي لتوحيد بلدان الشمال الإفريقي إبان فترات الكفاح من أجل الاستقلال، تحولت في ضوء تداعيات الخلافات الإيديولوجية والسياسية، المرتبطة بالنظر إلى آفاق الصراع العربي الإسرائيلي، إلى شيء آخر، ليس أقله أن ضباطا مصريين انضموا إلى الجبهة الجزائرية في حرب الحدود.
في المغرب سيعرف أول تكتل سياسي بين الأحزاب اليمينية المحسوبة على الإدارة طريقه إلى الوجود، ضمن ما عرف ب«جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية» التي شكلها أحمد رضا كديرة بعد مغادرته وزارة الداخلية، وسيكون المحجوبي أحرضان والوزير مولاي أحمد العلوي من أبرز المنتسبين إليها لخوض أولى الانتخابات التشريعية في البلاد. وسيمر صيف العام ذاته ثقيلا وساخنا بفعل توالي الأحداث السياسية التي همت بالدرجة الأولى تصعيد المواجهة بين المعارضة والسلطة، بعد نهاية مرحلة الوئام الذي لم يعمر غير سنوات قليلة بعد الاستقلال.
الراجح أن الحرب الجزائرية المغربية التي فرضت نفسها على إثر تغلغل قوات جزائرية داخل الحدود المغربية، كانت بدافع احتواء الوضع المتوتر في الجزائر، حيث لم تكن السلطة المركزية فرضت سيطرتها على كل أنحاء البلاد، إضافة إلى صراعات الأجنحة داخل جبهة التحرير الجزائرية. والحال أن الوضع في المغرب كان بدوره يميل إلى ما يشبه الخوف من استمرار الأمر الواقع في ملف الحدود التي كان اقتطعها الاستعمار الفرنسي عنوة من المغرب وضمها إلى الجزائر، حين لم يكن يتصور أنه سيأتي يوم يرحل فيها عن الجزائر.
وبالرغم من أن الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة فرحات عباس كانت أقرت الدخول في مفاوضات مع المغرب مباشرة بعد استقلال الجزائر لتسوية المشكل، فإن الرئيس الجزائري أحمد بن بلة كان أكثر عنادا. وقد هاجم المغرب بعنف إثر اندلاع حرب الرمال، وكان أول من تحدث عن تورط محتمل للمغاربة في قضية اختطاف الطائرة التي كانت تقل زعماء الثورة الجزائرية المتوجهين من المغرب إلى تونس، لولا أن الزعيم حسين آيت أحمد، الذي كان واحدا منهم إلى جانب الراحل محمد بوضياف فندا تلك الاتهامات بشكل قاطع، ولا سيما أن المغرب كان أول من بعث بمحامين للدفاع عن أولئك الزعماء. وفيما ظلت والدة الرئيس أحمد بن بلة تقيم في المغرب في ضيافة القصر الملكي فترة طويلة، تابعت الرباط بقلق أطوار القضية إلى حين إطلاق سراح زعماء الثورة الجزائرية.
نحن الآن في نهاية عام 1965، عامان تقريبا قضاهما الضباط المصريون الأسرى في دار المقري، جرت خلالهما مياه متدفقة تحت الجسور، أبرزها إبداء القاهرة الرغبة في معاودة تطبيع العلاقات مع المغرب. لا سيما في ضوء الإعداد لقمة عربية استضافتها لبحث الأوضاع في الساحة العربية.
لم يكن الحسن الثاني يرغب في الإبقاء على فجوة الخلافات المحتدمة مع النظام المصري، وكان يعتبر تورط الجيش المصري في الحرب إلى جانب الجيش الجزائري، من باب الولاء للمعسكر الإيديولوجي الذي يجمع بين النظامين، لذلك سيسارع في الاستجابة إلى وساطات عربية وإفريقية للإفراج عن الأسرى المصريين. وتشاء ظروف غير متوقعة على الإطلاق أن يكون المصريون، وتحديدا الرئيس حسني مبارك أول من يتوسط لدى المغرب بعد مرور أزيد من عشر سنوات على حادث أسر الضباط المصريين، للإفراج عن ضباط وجنود جزائريين أسرتهم القوات المغربية في حرب أمغالا في عام 1976.
.....................
الجنرال أوفقير يشرف على إيداع الضباط المصريين الأسرى بدار المقري
هي نفس الدار التي كانت تؤوي معارضي الحسن الثاني
كان الحسن الثاني يثق ثقة كبيرة في مجموعة من جنرالاته، الذين كانوا على رأس العديد من الأجهزة العسكرية والأمنية، بل كان يسمح لقلة منهم بزيارته في مخدع نومه دليلا على الثقة الكبيرة
التي كان يضعها فيهم، وجمعته بأغلبهم علاقات أسرية حيث كان أبناؤهم وزوجاتهم يدخلون القصر الملكي بشكل اعتيادي، لكن ما لم يكن يدور بخلد الحسن الثاني هو أن يتحول بعض هؤلاء الجنرالات إلى أشد أعدائه، بل يتجاوزون ذلك إلى محاولة تصفيته جسديا. في هذه السلسلة نحاول أن نرصد مسار أهم هؤلاء الجنرالات وعلاقتهم بالأحداث التي غيرت وجه المغرب السياسي في العقود القليلة الماضية.
دار المقري، تلك البناية الموغلة وسط أشجار البرتقال، أرادها الصدر الأعظم إقامة فاخرة في حياته وجلب إليها الرخام من الديار الإيطالية. اختار موقعها بعيدا عن صخب وضجيج العاصمة الرباط، لكنها أصبحت علامة شؤم على المدينة، جراء ما كان يجري داخلها من أشكال التعذيب وقساوة الاعتقال.
الدار نفسها التي كانت تؤوي معارضي نظام الملك الحسن الثاني من سياسيين ومقاومين ومثقفين، ستجمع خليطا من الأجناس والتهم والتعفسات، ولسبب ما سيلح وزير الداخلية، الجنرال محمد أوفقير، على وضع الضباط المصريين، أسرى حرب الرمال لعام 1963 في المكان ذاته، إمعانا في إلحاق أكبر الأذى بنفسياتهم.
كان يبرر ذلك بكون أولئك الأسرى هم بمثابة رهائن، وأن السلطات المصرية التي بعثت بهم على متن طائرة عسكرية لتقديم الدعم والخبرة للجيش الجزائري المندحر أمام تقدم القوات العسكرية المغربية على كافة جبهات القتال، بإمكانها في أية لحظة أن تلجأ إلى عملية مضادة لإطلاق سراحهم، فقد كان يصر على القول إن الحرب التي قادت إلى إبرام اتفاقية وقف إطلاق النار في باماكو، عاصمة مالي، لا يزال مفعولها مستمرا، من منطلق أن تلك الاتفاقية همت جبهات القتال على الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر، لكنها لم تنسحب على الخلافات السياسية القائمة بين جمهورية مصر العربية والمملكة المغربية.
لم يكن كثيرون يجادلونه الرأي حول هذه القضية وغيرها، فقد حول دار المقري المستوية عند المخرج الجنوبي للرباط من ناحية الشرق إلى منفى للاقتصاص من الخصوم السياسيين. ولأنه لم يكن يثق في غير أبناء بلدته عين الشعير، فقد استقدم بعضهم للعمل هناك، حيث لا يخضعون لأية سلطة غير قرار أوفقير، كما كان المعتقل خارج رقابة القضاء أو أية جهة ينيط بها القانون هذه المهمة، وكان المعتقلون يقضون هناك أسابيع وشهورا قبل تقديمهم إلى المحاكمة، إن كانت حظوظهم حسنة، فيما لا يعرف مصير آخرين دخلوا تلك الدار أحياء ولم يغادروها.
بعد الانتهاء من التحقيقات مع الضباط المصريين، التي أشرف عليها عسكريون وأمنيون بهدف التوصل إلى أكبر قدر من المعلومات حول الوضع العسكري في جبهات القتال وأنواع الأسلحة ومواقع العدو، وكذا مجالات التعاون القائم بين الجيشين المصري والجزائري، اقتيد أولئك الضباط إلى دار المقري التي مكثوا بها شهورا عديدة.
سكتت المدافع على الجبهة، ولم تسكت مخاوف الضباط المصريين إزاء ما كانوا يتوقعون حدوثه في أية لحظة، منهم من اعتقد أنه سيموت ويدفن هناك، ومنهم من ألف التعايش مع حراس دار المقري الذين كانوا يمدونهم بقليل من الطعام والشراب، ومنهم من كان يتوقع حدوث معجزة تكفل عودته إلى البلاد التي يقولون عنها إنها أم الدنيا.
كانت الأوامر صريحة وصارمة، تحظر أي لقاء بين الضباط المصريين ونظرائهم المغاربة المعتقلين على خلفية أحداث صيف العام 1963، وظل أولئك الضباط يعيشون في عزلة تامة، دون أي اتصال خارجي، ما عدا زيارات كان يقوم بها الجنرال أوفقير ومساعدوه لتقصي الحقائق في قضية لها علاقة بالحرب المغربية الجزائرية، أو بمعطيات حول الجيش المصري.
كان المغرب وقتها دخل في أزمة سياسية في ضوء انسحاب وزراء حزب الاستقلال من الحكومة، فقد بدأ مطلع العام على إيقاع الوضع الذي خلفته استقالة كل من زعيم حزب الاستقلال الراحل علال الفاسي من وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الإسلامية، ومحمد بوستة من وزارة العدل، ومحمد الدويري من وزارة الاقتصاد الوطني والمالية، وانضموا إلى المعارضة. وكان الملك الحسن الثاني يتولى في تلك الفترة رئاسة الحكومة، تماما كما سبق لوالده الراحل محمد الخامس أن ترأس حكومة سابقة في عام 1960، أسند خلالها مهمة نائب رئيس الحكومة إلى ولي العهد الأمير مولاي الحسن، غير أن شخصية استقلالية ستتولى، في غضون ذلك، مهمة الممثل الشخصي للملك ضمن حكومة جديدة يقودها أحمد بلافريج، الذي سيكون أول وآخر شخصية استقلالية يسند إليها هذا المنصب. ومن غريب الصدف أن الزعيم التاريخي عبد الكريم الخطابي سيغيبه الموت في القاهرة في نفس السنة، كي لا يشهد تصدع العلاقات بين بلاده ومصر التي كان نفي إليها في عشرينيات القرن الماضي.
وفيما كانت القاهرة ملاذا لزعامات مغاربية أسست أول تنظيم مغاربي لتوحيد بلدان الشمال الإفريقي إبان فترات الكفاح من أجل الاستقلال، تحولت في ضوء تداعيات الخلافات الإيديولوجية والسياسية، المرتبطة بالنظر إلى آفاق الصراع العربي الإسرائيلي، إلى شيء آخر، ليس أقله أن ضباطا مصريين انضموا إلى الجبهة الجزائرية في حرب الحدود.
في المغرب سيعرف أول تكتل سياسي بين الأحزاب اليمينية المحسوبة على الإدارة طريقه إلى الوجود، ضمن ما عرف ب«جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية» التي شكلها أحمد رضا كديرة بعد مغادرته وزارة الداخلية، وسيكون المحجوبي أحرضان والوزير مولاي أحمد العلوي من أبرز المنتسبين إليها لخوض أولى الانتخابات التشريعية في البلاد. وسيمر صيف العام ذاته ثقيلا وساخنا بفعل توالي الأحداث السياسية التي همت بالدرجة الأولى تصعيد المواجهة بين المعارضة والسلطة، بعد نهاية مرحلة الوئام الذي لم يعمر غير سنوات قليلة بعد الاستقلال.
الراجح أن الحرب الجزائرية المغربية التي فرضت نفسها على إثر تغلغل قوات جزائرية داخل الحدود المغربية، كانت بدافع احتواء الوضع المتوتر في الجزائر، حيث لم تكن السلطة المركزية فرضت سيطرتها على كل أنحاء البلاد، إضافة إلى صراعات الأجنحة داخل جبهة التحرير الجزائرية. والحال أن الوضع في المغرب كان بدوره يميل إلى ما يشبه الخوف من استمرار الأمر الواقع في ملف الحدود التي كان اقتطعها الاستعمار الفرنسي عنوة من المغرب وضمها إلى الجزائر، حين لم يكن يتصور أنه سيأتي يوم يرحل فيها عن الجزائر.
وبالرغم من أن الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة فرحات عباس كانت أقرت الدخول في مفاوضات مع المغرب مباشرة بعد استقلال الجزائر لتسوية المشكل، فإن الرئيس الجزائري أحمد بن بلة كان أكثر عنادا. وقد هاجم المغرب بعنف إثر اندلاع حرب الرمال، وكان أول من تحدث عن تورط محتمل للمغاربة في قضية اختطاف الطائرة التي كانت تقل زعماء الثورة الجزائرية المتوجهين من المغرب إلى تونس، لولا أن الزعيم حسين آيت أحمد، الذي كان واحدا منهم إلى جانب الراحل محمد بوضياف فندا تلك الاتهامات بشكل قاطع، ولا سيما أن المغرب كان أول من بعث بمحامين للدفاع عن أولئك الزعماء. وفيما ظلت والدة الرئيس أحمد بن بلة تقيم في المغرب في ضيافة القصر الملكي فترة طويلة، تابعت الرباط بقلق أطوار القضية إلى حين إطلاق سراح زعماء الثورة الجزائرية.
نحن الآن في نهاية عام 1965، عامان تقريبا قضاهما الضباط المصريون الأسرى في دار المقري، جرت خلالهما مياه متدفقة تحت الجسور، أبرزها إبداء القاهرة الرغبة في معاودة تطبيع العلاقات مع المغرب. لا سيما في ضوء الإعداد لقمة عربية استضافتها لبحث الأوضاع في الساحة العربية.
لم يكن الحسن الثاني يرغب في الإبقاء على فجوة الخلافات المحتدمة مع النظام المصري، وكان يعتبر تورط الجيش المصري في الحرب إلى جانب الجيش الجزائري، من باب الولاء للمعسكر الإيديولوجي الذي يجمع بين النظامين، لذلك سيسارع في الاستجابة إلى وساطات عربية وإفريقية للإفراج عن الأسرى المصريين. وتشاء ظروف غير متوقعة على الإطلاق أن يكون المصريون، وتحديدا الرئيس حسني مبارك أول من يتوسط لدى المغرب بعد مرور أزيد من عشر سنوات على حادث أسر الضباط المصريين، للإفراج عن ضباط وجنود جزائريين أسرتهم القوات المغربية في حرب أمغالا في عام 1976.
...................................
أسيدون: أغرقوني في الماء بمقر الدرك وعلقوني في "دار المقري" =2=
فؤاد مدني
نشر في أخبار اليوم يوم 10 - 12 - 2009
رغم كل أشكال التعذيب تمكنا من أن نخفي عنهم أسماء رفاقنا
- ماذا حدث بعد أن أخذوك من بيتك ومن زوجتك ومن ابنتك الصغيرة؟
قبل أن يصلوا بي إلى مقر الدرك الموجود بعين الدياب، طافوا بي على عدد من المخافر.. وفي النهاية وجدت نفسي في الطابق الأرضي لمقر عين الدياب، فتم استنطاقي تحت التعذيب، بخنقي في الماء (يصمت للحظات) وكانوا يرددون نفس السؤال "من يطبع هذه الجريدة؟ من يطبع هذه الجريدة؟"، وفي النهاية قلت لهم: "أنا من يطبع هذه الجريدة وأنتم حمير لأنكم لم تروا في منزلي آلة الطبع"، وبطبيعة الحال لم يعجبهم هذا الكلام، وكان أحدهم يريد أن ينتقم مني بسبب ما قلته، ولكن كان هناك ضابط سام للدرك حاضر آنذاك فمنعه من القيام بأكثر مما قاموا به، فأرجعوني من جديد إلى المنزل وسلمت لهم آلة الطبع، فبالنسبة إليهم لم يكونوا يتصورون أن آلة طبع صغيرة يمكن أن تصدر جريدة (يضحك).
- وأين أمضيت أول ليلة اعتقال؟
أول ليلة اعتقال كانت بمقر آخر للدرك يوجد أمام مكتب الكهرباء بالدار البيضاء كانت فيه حراسة نظرية دقيقة (يصمت من جديد للحظات).. أحكي هذه التفاصيل لأنني أريد أن أقول (يصمت مجددا) إن أماكن التعذيب والاعتقال هي أماكن ظاهرة للعيان، وعندما نتجول في الدار البيضاء يمكن أن نمر بجانبها كل يوم دون أن نعلم أنها أماكن للتعذيب والاعتقال، وهذا المقر الذي عشت فيه الليلة الأولى لاعتقالي فأنا أمر بقربه كل يوم عندما أكون متجها صوب عملي، كما أنني عندما أزور عين الدياب من وقت لآخر فأنا أمر أمام أول مكان تم فيه تعذيبي.. وهذا يدفعني لأقول اليوم إنني لا يمكن أن أسلم بإفلات الجلادين من العقاب، بمعنى أنه ما دام هؤلاء الجلادون لم يتم الكشف عن أسمائهم وإدانتهم علانية فأنا أعتبر أن راحتي في مدينتي هي دائما مشوبة بعار وجود أماكن للتعذيب، ولا يمكن أن أقبل ذلك أبدا ما لم تتم إدانة الجلادين.. تنبغي إدانتهم (يردد العبارة مرتين ويصمت لحظة طويلة)..
- وماذا جرى في "دار المقري"؟
تم نقلي من الدار البيضاء إلى الرباط ومباشرة إلى دار المقري آنذاك "غبروني"، أو كما يقال في أدبيات حقوق الإنسان العالمية "إنكومينيكادو"، وبدأ التعذيب من جديد، وكان يبدأ دائما في الليل، يأتون ويوقظونك إن كنت غافيا أو نائما ويقودونك إلى غرفة التعذيب، ويبدؤون في الأسئلة تحت التعذيب محاولين إثبات علاقاتك بأشخاص آخرين، واتهمونا بحمل السلاح ولم يجدوا لدينا أي سلاح، وكنا نحن أولى المجموعات الماركسية التي قدمت إلى العدالة..
- قبل الحديث عن المحاكمة، احك لي تفاصيل التعذيب ب"دار المقري" وكم قضيت من الوقت في هذا المكان المشؤوم؟
قضيت في "دار المقري" ما يقارب ثلاثة أسابيع قبل أن يجبروا على عرضنا على المحكمة بسبب ارتفاع حدة احتجاجات الطلبة في الجامعات، وخلال الأسابيع الثلاثة كان "التعلاق"، بمعنى أنك تظل معلقا في السماء حتى تحس بأن ذراعيك ستنفصلان عن جسدك، وكانوا يضربوننا على باطن القدمين، وكانوا يغرقوننا في الماء ليشعروننا بأننا سنموت.. وهنا أريد أن أقول إنه من أهم الأمور التي استطعنا تحقيقها، رغم كل أشكال التعذيب هاته، هو أننا تمكنا من أن نخفي عنهم أسماء عدد من رفاقنا، واستطعنا أن نحمي بعض الأصدقاء من تجربة الاعتقال.
..........................
معتقل سابق في "دار المقري" يتهمه بالتعذيب وينفي "التذويب" بالاسيد . البخاري يواجه العشعاشي الاربعاء أمام القضاء المغربي
> قال ضابط الاستخبارات المغربي احمد البخاري لـ"الحياة" امس ان
المحققين المغاربة سينظمون الاربعاء المقبل مواجهة بينه وبين ضباط
الاستخبارات الثلاثة الذين أتى على ذكرهم في اعترافاته واتهمهم بالمشاركة
في خطة خطف المهدي بن بركة وقتله ليل 29 تشرين الأول اكتوبر 1965. والضباط
الثلاثة هم محمد العشعاشي رئيس قسم مكافحة التخريب سابقاً في الاستخبارات
المغربية ومساعداه عبدالقادر صاكا ومحمد المسناوي.
وأشار البخاري الى ان هذه المواجهة مع الضباط الثلاثة السابقين هي الثانية من نوعها بعد غياب العشعاشي عن مواجهة أولى كانت مقررة في بداية الشهر الجاري. وتعتبر مواجهة البخاري - العشعاشي حاسمة لجهة توضيح الموقف من اتهامات البخاري ونفي العشعاشي القاطع لصحتها. وهي تعني في حال حصولها رغبة في طي الملف بعدما تداخلت فيه أطراف عدة كان آخرها دخول معتقلين سابقين على الخط ودعمهم أقوال الضابط البخاري على حساب افادة العشعاشي.
وسئل البخاري عن التحقيق معه أمام فرقة مكافحة الجريمة في الدار البيضاء، فأجاب بأن تلك الجلسات مستمرة منذ 25 تموز يوليو الماضي وتوالت يوم 27 من الشهر نفسه و31 منه والأول من آب اغسطس الجاري. وأضاف ان التحقيق يستمر في كل مرة أكثر من ست ساعات ويطاول أدلته التي تُثبت اتهاماته ضد الضباط الثلاثة.
وأوضح البخاري ان التحقيق تناول في الجلسة الأخيرة قضية تذويب جثة المهدي بن بركة في وعاء من حامض الأسيد في معتقل "دار المقري" في الرباط، اضافة الى كيفية تأكده من وجود طائرة عسكرية رابضة في مطار سلا القريب من العاصمة الرباط والتي قال انها أقلت الجنرال محمد أوفقير الى باريس بعد قتل بن بركة في 1965.
كذلك تناول التحقيق الى التحضير لعملية الاختطاف وكيف تأكد البخاري من أن محمد العشعاشي كان في 27 تشرين الأول اكتوبر في باريس أي قبل 28 ساعة من اغتيال بن بركة. وقال الضابط المغربي السابق ان كل الأسئلة المطروحة عليه مرتبطة بتطورات الأحداث في العاصمة الفرنسية وانها "تغيّب ما حدث في دار المقري في الرباط".
لكنه أضاف ان التحقيق "يمر في اجواء ودية وطيبة. وأفراد الشرطة لبقون معي".
وتابع انه تلقى استدعاء ثانياً من القاضي الفرنسي جان باتيست بابلوس يطلب منه المثول أمامه في السابع من الشهر المقبل لتقديم افادته حول اختفاء بن بركة. لكنه أضاف انه يواصل مساعيه لدى السلطات المختصة لتجديد جواز سفره الذي نفدت مدته، وكان عدم حصوله على جواز سفر حال دون مثوله في 19 الشهر الماضي أمام قاضي التحقيق الفرنسي.
وأشار البخاري الى ان محاميه النقيب عبدالرحيم الجامعي كاتب القاضي الفرنسي مطالباً اياه بـ"التدخل لدى الجهات العليا للسماح لموكله بالسفر الى باريس". وقال انه لم يتلق، في المقابل، أي استدعاء من قاضي التحقيق في الرباط على خلفية الطلب الذي كان تقدم به حزب الاتحاد الاشتراكي الحاكم لجهة الاستماع اليه. وأشار الى احتمال ان تكون عائلة المهدي بن بركة طلبت الغاء تلك الشكوى على اعتبار ان الراحل بن بركة كان ينتسب الى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وليس الاتحاد الاشتراكي.
في غضون ذلك، اتهم معتقل سابق عميل الاستخبارات البخاري بأنه متورط في تعذيب معتقلين سابقين في دار المقري. وقال الصحافي مصطفى الودراسي الذي اعتقل في بداية الستينات وقضى ثلاثين شهراً في "دار المقري" ان أحمد البخاري كان متخصصاً في التعذيب بالكهرباء. وقدم شهادة جاء فيها ان "جثة بن بركة لم تذوب وأن صهريج الاسيد لا وجود له في دار المقري". وتعتبر هذه أول شهادة لجهة تورط البخاري في ممارسة التعذيب، وتشكك في صحة افاداته حول نقل جثة المهدي بن بركة من باريس الى الرباط.
وقال الودراسي ان اجهزة استخبارات دولية في مقدمها "الموساد" الاسرائيلية كانت على استعداد للقيام بأي شيء من أجل الحصول على الأسرار التي قال ان عقل المهدي بن بركة كان يكتنزها.
..........................
"صديقنا الملك" لصاحبه الصحفي الفرنسي جيل بيرو، كتاب قهر الحسن الثاني، لدرجة دفعته إلى إدانته مباشرة على التلفزة المغربية، وهو الذي لم يقهره لا جبروت عسكر ولا مناورات اشتراكيين ولا تقية إسلاميين، حتى قضى فوق كرسي العرش زهاء أربعين سنة من الحكم، لم تخل سنة واحدة منها من العواصف الاجتماعية والسياسية والعسكرية.
وإذ يعيد "بديل" نشر الكتاب على شكل حلقات مساء كل يوم فليس معنى هذا أنه يتبنى ما ورد فيه، وإنما غايته إطلاع زوراه، ممن فاتهم قراءة الكتاب، على الحديقة السرية لواحد من أكثر الملوك العلويين إثارة للجدل على طول تاريخ حكم هذه العائلة للمغرب.
كانت حملة من الدرك تتألف من مائة عنصر بقيادة الدليمي معاون مدير الأمن العام قد اعتقلت مومن الديروي (الصورة) في 13 حزيران1963، اقتيد إلى داخل قاعة عسكرية أمريكية في القنيطرة حيث أخضعه أربعة من المختصين الأمريكيين الوافدين من الولايات المتحدة لفحص على جهاز كاشف للكذب بخصوص سرقة أسلحة حدثت في القاعدة، عُصبت عيناه بعد ذلك وقيّدت يداه ورجلاه واقتيد إلى دار المقري، وألقي في القاعة الكبرى.
كتب بعد ذلك:"خيل إلى أنني في قاع بئر. طرقت مسامعي تنهدات مستمرة، وصرخات متأوهة وسعال، وأصوات نساء ورجال وأطفال. كنت مستعد أن أدفع أي ثمن لقاء أن أعرف ما يحدث حولي".
أخيرا رفع حارس العصابة عن عينيه. كانت القاعة مضاءة بثريات كبيرة من كريستال بوهيميا.
"غلالة سوداء تموجت بعض لحظات أمام عيني، بدا لي أنني أرى كائنات بشرية معلقة من أرجلها في السقف ورأسها إلى الأسفل. فكرت أن عيني قد غشيتها لانتقالهما من الظلمة إلى النور.
خلال دقيقة ستعود رؤيتي واضحة وسأجد هؤلاء الأشخاص جلوسا أو وقوفا، للأسف، لم يكن ما رأيت خطأ أو خديعة، فالصورة حقيقية فعلا، جد حقيقية.
"رجال ونساء مقيدون ومعلقون في السقف بكلاب حديدي رُبطوا إلى الحبل، وعلى الأرض أطفال يرفعون رؤوسهم نحو أمهاتهم وآبائهم، وهم ينتحبون وقد أضناهم التعب والبكاء، وجوههم الصغيرة متسخة بالدموع، والمخاط يسيل من أنوفهم، لا عمر لهذه الكائنات الصغيرة التي بدت قريبة من الاحتضار، لهؤلاء الأطفال الراكعين أو الجالسين القرفصاء في برك من الدم والقيء.
"رائحة رهيبة من نتن صعدت إلى حلقي، شعرت بالغثيان والرغبة بالإقياء بدوري، منذ كم من الأيام والليالي يتخبطون في هذا المكان؟".
ظهر أفقير فجأة، وأمر بتحضير ديوري للدرجة الأولى من التعذيب، الذي يتألف في دار المقري من سبعة طقوس متدرجة في الشدة.
الدرجة الأولى منها تشمل على ربط رجلي المعذّب ويديه، وتعليقه مدة ساعات وبطنه نحو الأرض على قضيب أفقي يستند إلى عمودين. يمارس ثقل جسمه انجذاباً على عضلات العنق والكتفين يصعب تحمله، بعد أن يُفك الشخص عن القضيب، يزداد الألم، ولا يتمكن من الحركة مدة ساعات لتكزز العضلات.
لا تبتكر الدرجة الثانية شيئاً إلا أن المعذِّب يجلس على ظهر المعذَّب، وهو في وضعه على القضيب مما يعرض العمود الفقري لتجربة شاقة جداً.
عُرض مؤمن ديوري لهاتين الدرجتين قبل أن يوجه إليه أي سؤال.
الدرجة الثالثة نوع متطور من تعذيب المغطس الأوروبي، ويقوم على تغطيس وجه الشخص في حوض مملوء ببول المعذِّبين، بعد تغطيستين يُصب ماء جافيل في منخري المعذّب.
كان رجل في نحو الخمسين من العمر، طويل القامة ذو شعر طويل يصل حتى منتصف ظهره ولحية طويلة أيضا، يسير على غير هدى في القاعة وهو يرتل أدعية غير مفهومة، إنه هنا منذ ثلاث سنوات، قتل افقير أمامه زوجته الحامل، فغدا مجنونا.
كان الحسن الثاني يتردد على دار المقري، ويجب أن يُعرض عليه المجنون الكاهل وهو عار يقوم بحركات مخجلة ويردد الشتائم، يُعاد بعدها الرجل إلى القاعة ليقضي ساعات في البكاء.
ثم بدأ بمعالجة أسنان ديوري بكماشة.
رأى أفقير يقتل رجل مطافئ من الدار البيضاء، هو لحسن المقاوم السابق الذي يعرفه جيداً، كان لحسن معلقا في السقف من قدميه. تقدم أفقير والخنجر في يده، وشق بطنه فاندلقت أحشاؤه، وبضربة خنجر قطع الحبل، سقط لحسن على الأرض، وتحطمت فقراته الرقبية، حمل الحراس الجثة. كانوا يدفنون الموتى عند جذوع أشجار البرتقال في الحديقة.
تقوم الدرجة الرابعة من التعذيب على وصل مسريين كهربائيين في الأعضاء التناسلية."الجيجين" الكلاسيكية التي أكسبها الفرنسيون شهرة عالمية في الجزائر، ولأول مرة طرح أفقير السؤال:" أين شيخ العرب؟" أجاب ديوري بأنه التقى بشيخ العرب، لكنه يجهل عنوانه.
كانت الدرجة الخامسة ذات بساطة مذهلة، اقترب أفقير والخنجر في يده، من مؤمن ديوري، وهو مربوط إلى عمود وشق الجانب الأيسر من ظهره، ثم أخرج من جيبه قطعة ملح وغرزها في الجرح و غطىاه بلصقة مشمعة، ثم جلس وانتظر النتيجة، بعد فترة طلب من أحد الحراس أن يتعري وأ بسكين يشق بطن مواطن (لخذ يرشه ماء بارداً بواسطة خرطوم متصل بصنبور.
تصبب جسم ديوري عرقاً، وجف ريقه، خيل إليه قرب احتضاره"كنت مستعد أن أقدم عيني مقابل شرب الماء".
وأشار البخاري الى ان هذه المواجهة مع الضباط الثلاثة السابقين هي الثانية من نوعها بعد غياب العشعاشي عن مواجهة أولى كانت مقررة في بداية الشهر الجاري. وتعتبر مواجهة البخاري - العشعاشي حاسمة لجهة توضيح الموقف من اتهامات البخاري ونفي العشعاشي القاطع لصحتها. وهي تعني في حال حصولها رغبة في طي الملف بعدما تداخلت فيه أطراف عدة كان آخرها دخول معتقلين سابقين على الخط ودعمهم أقوال الضابط البخاري على حساب افادة العشعاشي.
وسئل البخاري عن التحقيق معه أمام فرقة مكافحة الجريمة في الدار البيضاء، فأجاب بأن تلك الجلسات مستمرة منذ 25 تموز يوليو الماضي وتوالت يوم 27 من الشهر نفسه و31 منه والأول من آب اغسطس الجاري. وأضاف ان التحقيق يستمر في كل مرة أكثر من ست ساعات ويطاول أدلته التي تُثبت اتهاماته ضد الضباط الثلاثة.
وأوضح البخاري ان التحقيق تناول في الجلسة الأخيرة قضية تذويب جثة المهدي بن بركة في وعاء من حامض الأسيد في معتقل "دار المقري" في الرباط، اضافة الى كيفية تأكده من وجود طائرة عسكرية رابضة في مطار سلا القريب من العاصمة الرباط والتي قال انها أقلت الجنرال محمد أوفقير الى باريس بعد قتل بن بركة في 1965.
كذلك تناول التحقيق الى التحضير لعملية الاختطاف وكيف تأكد البخاري من أن محمد العشعاشي كان في 27 تشرين الأول اكتوبر في باريس أي قبل 28 ساعة من اغتيال بن بركة. وقال الضابط المغربي السابق ان كل الأسئلة المطروحة عليه مرتبطة بتطورات الأحداث في العاصمة الفرنسية وانها "تغيّب ما حدث في دار المقري في الرباط".
لكنه أضاف ان التحقيق "يمر في اجواء ودية وطيبة. وأفراد الشرطة لبقون معي".
وتابع انه تلقى استدعاء ثانياً من القاضي الفرنسي جان باتيست بابلوس يطلب منه المثول أمامه في السابع من الشهر المقبل لتقديم افادته حول اختفاء بن بركة. لكنه أضاف انه يواصل مساعيه لدى السلطات المختصة لتجديد جواز سفره الذي نفدت مدته، وكان عدم حصوله على جواز سفر حال دون مثوله في 19 الشهر الماضي أمام قاضي التحقيق الفرنسي.
وأشار البخاري الى ان محاميه النقيب عبدالرحيم الجامعي كاتب القاضي الفرنسي مطالباً اياه بـ"التدخل لدى الجهات العليا للسماح لموكله بالسفر الى باريس". وقال انه لم يتلق، في المقابل، أي استدعاء من قاضي التحقيق في الرباط على خلفية الطلب الذي كان تقدم به حزب الاتحاد الاشتراكي الحاكم لجهة الاستماع اليه. وأشار الى احتمال ان تكون عائلة المهدي بن بركة طلبت الغاء تلك الشكوى على اعتبار ان الراحل بن بركة كان ينتسب الى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وليس الاتحاد الاشتراكي.
في غضون ذلك، اتهم معتقل سابق عميل الاستخبارات البخاري بأنه متورط في تعذيب معتقلين سابقين في دار المقري. وقال الصحافي مصطفى الودراسي الذي اعتقل في بداية الستينات وقضى ثلاثين شهراً في "دار المقري" ان أحمد البخاري كان متخصصاً في التعذيب بالكهرباء. وقدم شهادة جاء فيها ان "جثة بن بركة لم تذوب وأن صهريج الاسيد لا وجود له في دار المقري". وتعتبر هذه أول شهادة لجهة تورط البخاري في ممارسة التعذيب، وتشكك في صحة افاداته حول نقل جثة المهدي بن بركة من باريس الى الرباط.
وقال الودراسي ان اجهزة استخبارات دولية في مقدمها "الموساد" الاسرائيلية كانت على استعداد للقيام بأي شيء من أجل الحصول على الأسرار التي قال ان عقل المهدي بن بركة كان يكتنزها.
..........................
قصة اعتقال العقيد حسني مبارك بالمغرب 1963 !!!!
..............................................قصة اعتقال العقيد حسني مبارك بالمغرب في العام 1963 !!!
*لرفع كل لبس، فإننا نتحدث عن أكتوبر 1963، أثناء حرب الرمال، حين ساند جمال
عبد الناصر الرئيس الجزائري بن بلة في الحرب ضد المغرب.. وكيف تاهت مروحية في
مجاهل الصحراء الشرقية للمغرب، كانت تقل ستة مصريين كان بينهم الرئيس الحالي
لمصر حسني مبارك، باعتباره مسؤولا عسكريا.. كيف اعتقل؟ من استنطقه، وكيف حمل
إلى سجن دار المقري حيث قضى حوالي الشهر؟ والحكاية الطريفة لحملهم إلى القصر
الملكي قبل تسليمهم إلى جمال عبد الناصر كهدية من الراحل الحسن الثاني.. ذاك ما
نحاول الإجابة عنه.*
*
*
*
جمال عبد الناصر الجمهوري ضد الحسن الثاني الملكي
*
منذ ثورة يوليوز 1952، لم يكن الحكم المصري يكن للملكيات أي عاطفة حب، إن عبث
الملك فاروق المطاح به أعطى نموذجا سيئا للملكيات، لذلك كان القومي البكباشي
جمال عبد الناصر يمجد الجمهوريات ويفضلها على الملكيات. وكانت الجزائر بلد
المليون شهيد، بحسب عبد الناصر، ثورية وتقدمية واشتراكية وتحريرية، فيما لم يكن
يرى في المغرب غير ملكية رجعية متخلفة خادمة للاستعمار ودكتاتورية فاسدة. من
هذا المنطلق ساند جمال عبد الناصر النظام الجزائري ضد المغرب في حرب الرمال عام
1963، حيث أرسل حوالي ألف جندي مصري لدعم الجيش الجزائري ضد القوات المسلحة
الملكية المغربية بالإضافة إلى عتاد حربي، وكان حسني مبارك ضمن هؤلاء، لقد جاء
على متن طائرة لقتل جنود الحسن الثاني، الذي سيتحول لديه، فيما بعد، إلى مرسول
محبوب بين الملك الراحل والرئيس المصري المغتال أنور السادات.
*حين ألقي القبض على حسني مبارك بالمغرب *
في أكتوبر 1963 "ألقي القبض على "العقيد" حسني مبارك في صحراء المغرب الشرقية،
وفي أكتوبر 1981، توج مبارك رئيسا للجمهورية المصرية فينا يشبه حادثة تاريخية
استثنائية بعد حادث اغتيال أنور السادات. إنه تاريخ طويل وماكر، يجهل الكثير من
المصريين بعض تفاصيله، فالسيد حسني مبارك الحاكم اليوم الذي يطالب شعب مصر
المحروسة برحيله، لم يكن سوى ذلك العقيد الذي أرسل ضمن ألف جندي لمساندة الجيش
الجزائري في مواجهة القوات المسلحة الملكية في حرب الرمال عام 1963، تقول وثائق
سرية إن جمال عبد الناصر كان يريد من خلال الإطاحة بالنظام المغربي، عبر هزم
جيوشه النظامية، استقطاب نظام تونس الذي كانت له وشائج قربى وطيدة مع ملكية
الحسن الثاني، وأيضا تقديم رسالة تحذير إلى النظام الملكي السنوسي بليبيا لقد
أرسل جمال عبد الناصر حوالي ألف جندي إلى منطقة حاسي بيضة عام 1963، حيث نشبت
حرب بين الجزائر والمغرب ستعرف بحرب الرمال، كان ضمنهم الضابط الميداني أركان
حرب حسني مبارك الذي كلف باعتباره قائد سرب للطيارات، ويقول اخرون إنه كان
جنديا برتبة عقيد (كولونيل) واخرون يتكلمون عن رتبة رائد (كوموندو)، لمعرفة
الخصاص الذي كان يعانيه الجيش الجزائري في قاعدة العبادلة بالجزائر، كانت
الطائرة التي تقل المصريين الستة تقوم بجولة استطلاعية على الحدود المغربية-
الجزائرية في مكان اشتباكات الجيشين، غير أنها غابت عن الأنظار. البعض يقول
بسبب عاصفة رملية، والبعض الآخر يقول بسبب عاصفة رملية، والبعض الآخر يقول بسبب
عاصفة رملية، والبعض الآخر يقول بسبب تيه ربان طائرة الهيلكوبتر، التي نزلت في
الشرق المغربي بشكل اضطراري، حيث تمت محاصرتها من طرف سكان محاميد الغزلان
وقائد المنطقة الذي أخبر القيادة العسكرية بمراكش حول وجود مصريين ثلاثة منهم
برتبة عقيد (كولونيل) اعتبروا صيدا ثمينا بالنسبة للحسن الثاني الذي قدم
المعتقلين المصريين خلال ندوة صحافية في نهاية أكتوبر 1963، وكان بينهم حسني
مبارك.. إنهم وليمة مصرية تورط جمال عبد الناصر في حرب الجزائر مع المغرب.
حين ربط المواطنون حسني مبارك وطائرة هيلكوبتر خوفا من طيرانها
تجمع سكان محاميد الغزلان حول هذا الطائر الغريب الذي حط بالخطأ على حقولهم،
وروع كلابهم ودواجنهم، فتجمعوا حول طائرة الهيلوبتر وانقضوا على الربان والضباط
المصريين وعضو مجلس قيادة الثورة الجزائرية شريف بلقاسم حيث أوثقوهم بالحبال،
واستنادا إلى رواية حكاها له أحد ضباط المخابرات المغربية المتقاعدين من
(الكاب1)، يقول محمد لومة غن هذا الضابط حين توجه إلى منطقة محاميد الغزلان وجد
الضباط المصريين ومن بينهم بالطبع حسني مبارك، مكبلين بالحبال إلى جذوع النخيل،
كما أن طائرة الهيلكوبتر لم تسلم بدورها من التكبيل وربطها بالحبال مع أشجار
النخيل، ولما استفسر ضابط المخابرات المتقاعد بعض الأهالي عن سبب ربطهم
للمروحية، أجابوه بأنهم يخشونها ان تطير.
حسني مبارك في دار المقري
بعد إعلام قائد المنطقة العسكرية عن وقوع القادة العسكريين المصريين في فخ
الأهالي، أعطى الجنرال أوفقير أوامره بإحضارهم على وجه السرعة إلى مدينة مراكش،
ليخضعوا للاستنطاق، قبل حملهم إلى الرباط، إلى دار المقري أسبوعا بعد 20
أكتوبر1963، حيث يحكي الفقيه البصري والحبيب الفرقاني المعتقلين على خلفية
أحداث مؤامرة 15 يوليوز 1963، خبر التقاء المعتقلين الاتحاديين بالضبط
المصريين، الذين سيصبح أحدهما، حاكما لمصر أكثر من 30 سنة، إنه حسني مبارك،
الذي لم تحتفظ الجزائر له ود وقوفه إلى جانبها في حرب الرمال، لذلك سيقول مسؤول
مصري حديثا: " بس أنا نفسي أعرف ليه الجزائريين دلوقتي بيكرهوا المصرين، رغم
أننا ساعدناهم على دولة إحنا مكنش فيه بينا وبينهما عدواة، واعتقل ريسنا
علشانهم وبرده هم بيكرهونا للأسف هما ميعرفوش جمايل مصر عليهم لحد دلوقتي".
وبسبب ما اعتبره الراحل الحسن الثاني تدخلا مصريا في صراعه مع نظام بن بلة، قام
باستدعاء سفير المملكة بمصر، وقام بطرد حوالي 350 معلما مصريا ومنع كل ما يمت
بصلة لمصر من التداول في المغرب بما في ذلك أغاني رواد الطر العربي.
هدية بشرية مقابل باقة ورد
حقق المغرب انتصارا كبيرا في حرب الرمال، وطاردت القوات المسلحة الملكية القوات
الجزائرية وتوغلت في عمق التراب الجزائري، إلا أن الراحل الحسن الثاني أمر
بعودة الجيوش المغربية إلى قواعدها بالحدود المغربية الشرقية، وحكاية البزة
العسكرية لإدريس بن عمر الغاضب من القرار أشهر من أن تعاد روايتها في هذا
الباب.. وتدخلت الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ودولة صديقة للصلح بين
الجزائر و المغرب، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار بباماكو بمالي يوم 29
أكتوبر 1963، وعادت المياه إلى مجاريها بين المغرب ومصر، حيث قبل الراحل الحسن
الثاني الدعوة الرسمية التي وجهت له زيارة الجمهورية العربية المتحدة آنذاك.
وحول ظروف وطريقة تسليم الملك الراحل الحسن الثاني للضابط المصريين لجمال عبد
الناصر، أكد لومة أن موضوع كيفية الصلح مع جمال عبد الناصر، طرح لشكل قوي على
الحسن الثاني، بعد أن عرفت العلاقات المصرية- المغربية توترا كبيرا شمل كافة
القطاعات، حتى الغنية منها، مع وعي الحسن الثاني يكون أن مصر تشكل وزنا
إستراتيجيا في المنطقة العربية، لهذا استشار مجموعة من أصدقائه، إذ اقترحوا
عليه أن ينظم رحلة إلى مصر، تسبقه خلالها طائرة الأسري، وأن يظلوا في المطار
إلى حين وصوله، وأن يسلمهم بيديه للرئيس المصري وهذا ما حصل، حيث أقلعت طائرة
عسكرية متوسطة الحجم تجاه مصر، وتبعتها الطائرة الملكية .
ولدى وصول الحسم الثاني إلى المطار، استقبله جمال عبد الناصر شخصيا رفقة وفد من
الحكومة المصرية، بعدها اقتربت طفلة صغيرة من الحسن الثاني وقدمت للملك الراحل
باقة من الورد، ترحيبا به، غير أن هذا الأخير المعروف بذكائه اللماح، قبل
الطفلة الصغيرة والتفت إلى عبد الناصر وقال له: "يا فخامة الرئيس شكرا على باقة
الورد"، وأنه بدوره سيهديه باقة من اللحوم الحية، بعدها اتسعت حدقة عين جمال
عبد الناصر ولم يفهم شيئا، وبإشارة من الحسن الثاني ظهر الضباط المصريون الأسرى
الستة بزيهم العسكري، ففهم عبد الناصر معنى باقة اللحوم الحية، وضحك وعانق
الملك الحسن الثاني.
*مبارك يستسلم أمام المحققين المغاربة ويعترف بكل شيء *
أشرقت شمس حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية من المغرب، كل مجرد ضابط عادي
في صفوف قوات أرسلها الرئيس الأسبق الراحل جمال عبد الناصر لمساعدة القوات
الجزائرية في حربها ضد المغرب خلال حرب الرمال سنة 1963، ليجد نفسه أسيرا دون
ان يدري كيف؟ ربما هو القدر الذي حرك تلك الزوبعة الرملية التي عبدت لهم طريق
الأسر داخل التراب المغربي؟ وهي تلك الغفوة التي تملكت ربان الهيلكوبتر، وجعلت
حدسه لا يميز بين التراب المغربي عن الجزائري، المهم ان واقعة أسر مبارك كانت
بداية ميلاد مشروع رئيس الجمهورية لدولة مثل مصر، خصوصا وان بعد فترة من الأسر
أحسن الحسن الثاني ضيافته، لتتكرر اللقاءات بين الطرفين، سواء كنائب للرئيس
الراحل أنور السادات أو عندما تولى زمام الأمور في مصر، قبل أن يجد نفسه قاب
قوسين من أن يغادرها.
كشف الأستاذ الباحث محمد لومة، عن بعض خيوط اعتقال الرئيس حسني مبارك بالمغرب
عندما كان ضابطا في الجيش المصري، إذ أكد على أنه خلال اندلاع المواجهات
المسلحة بين الجيش المغربي والجزائري في أكتوبر 1963، في منطقة حاسي بيضة، في
إطار ما يعرف بحرب الرمال، كان الجيش الجزائري يفتقر إلى الأسلحة الثقيلة منها
سلاح المدفعية وسلاح الجو، هذا المعطى العسكري دفع بالقيادة الجزائرية في تلك
الفترة إلى طلب الاستعانة بالخبرة المصرية في المجال العسكري، وهو الطلب الذي
لم يتردد في الاستجابة له الرئيس الأسبق الراحل جمال عبد الناصر، خصوصا وأن
ميزان المواجهة كان يميل لصالح المغرب بحكم توفره على جيش نظامي مكون من حوالي
20 ألف جندي، أغلبهم خبر الحروف في صفوف الجيوش الاستعمارية الفرنسية
والإسبانية، ولإعادة ميزان القوى إلى الطرف الجزائري، عمل الرئيس جمال عبد
الناصر على إرسال مجموعة من طائرات "هيلكوبتر" مصرية إلى الجزائر، كان على متن
إحداها رائد "كومندو" حسني مبارك، إلى جانب خمسة ضباط مصريين كبار، وقيادي في
مجلس الثورة الجزائري، وكلفت هذه المروحية خلال الحرب بمهمة استطلاع خلف خطوط
الاشتباكات بين الجيشين المغربي والجزائري، وبالضبط في منطقة تيندوف، لكن خلال
مهمتهم العسكرية، تعرضت طائرتهم لعاصفة رملية تسببت في إضاعة ربان المروحية لخط
الرحلة، لتنزل الطائرة اضطراريا في منطقة محاميد الغزلان، إذ قام المواطنون
أنذاك بمحاصرتها وأحضروا مجموعة من الحبال، وقاموا بتقييد جميع طاقم الطائرة
المروحي والضباط المصريين، وعضو مجلس قيادة الثورة الجزائري شريف بلقاسم الذي
ينحدر من منطقة سيدي قاسم بلقاسم الذي تم تسليمه فيما بعد بحكم أنه قيادي في
الدولة الجزائرية، في حين جرى الاحتفاظ بالضباط المصريين الستة رهن الاعتقال.
وأشار لومة إلى أنه بحكم أن حدث الاعتقال وقع في عهد الجنرال أوفقير، فإن
الضباط المصريين الستة، أحضروا إلى دار المقري الشهيرة. ومن غرائب الصدف، أن
هذا المعتقل كان يعج في تلك الفترة بمجموعة من مناضلي الاتحاد الوطني للقوات
الشعبية، الذين اعتقلوا على خلفية مؤامرة 15 يوليوز 1963، كان من بين الأسماء
المعتقلة وقتها، الحبيب الفرقاني، محمد المكناسي، الفقيه البصري واللائحة
طويلة، مضيفا أن الضيوف المصريين وضعوا في إحدى القاعات التي توجد في إحدى
القاعات التي توجد في إحدى زوايا الدار بالداخل، وأنه في الزاوية المقابلة،
كانت زوجة شيخ العرب "مينة" معتقلة أيضا، مع إبنيها صغيري السن وأبيها.
وحسب الضابط المغاربة الذين اشرفوا على التحقيق مع هؤلاء الضباط-يقول لومة- فقد
أكدوا أن أحد الضباط المصريين وكان برتبة كولونيل "مقدم"، وهو أعلى رتبة بين
راكبي الهيلكوبتر، رفض بشكل مطلق إعطاء أي معلومات، وأنه دعا المحققين، بالعودة
إلى اتفاقية "جنيف" لسنة 1948 المتعلقة بأسرى الحرب، في حين زود حسني مبارك
خلال التحقيق معه المحققين بكل المعلومات، بل اعترف بكل شيء رعبا وخوفا وتكلم
بدون حدود، وبعد أن قضى الضباط الستة أسابيع في دار المقري، تم نقلها بعد ذلك
إلى مقر الضيافة الملكية الخاصة، بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني، واستفادوا
من الكرم الملكي على جميع المستويات، حيث كانت تطبخ لهم وجبات في المطبخ
الملكي، تضم أنواعا مختلفة من أشهى الوجبات، لكن وعندما قرر الملك الحسن الثاني
إعادتهم إلى مصر، أصيبوا بانهيار عصبي وأجهش بعضهم بالبكاء، بعد أن اعتاد
الحياة الرغيدة في الضيافة الملكية الخاصة، وأن هذا القرار الملكي سيعيدهم إلى
عهد الوجبات المصرية الشعبية الشهيرة.
ويكشف لومة أن اعتقال حسني مبارك ورفاقه الضباط المصريين، الذين أكد بالملموس
تورط القيادة المصرية في حرب الرمال، دفع بالملك الحسن الثاني إلى منع كل
الأفلام والمسلسلات والأغاني المصرية على الشعب المغربي، ولو تعلق الأمر بكبار
نجوم الطرب المصري، مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش... بالكامل،
وأن أحد الإذاعيين المغاربة "الحاج كوتة"، كان يسخر من الرئيس الراحل جمال عبد
الناصر، ويردد باللهجة المصرية "إوا البكباشي والبكباشي" بطريقة ساخرة يتهكم
فيها على جمال عبد الناصر، و "البكباشي" هي الرتبة العسكرية التي كان يحملها
جمال عبد الناصر خلال قيامه بالثورة على نظام حكم الملك فاروق في 23 يونيو
1952، وتعادل رتبة عقيد.
بعد واقعة الاعتقال، أشار لومة إلى أن حسني مبارك احتفظ بعلاقة وطيدة مع الملك
الراحل الحسن الثاني، إذ كان رسول الرئيس السابق الراحل أنور السادات للعاهل
المغربي، من أجل تدارس القضايا الكبرى التي كانت تعرفها المنطقة في ذلك الوقت.
*صالح حشاد لـ"المشعل" *
أوفقير أعطى أمرا صارما بإحضار حسني مبارك
* حدثنا عن السياق العام الذي تم فيه اعتقال الرئيس المصري حسني مبارك في
المغرب؟
- كان ذلك في حرب الرمال سنة 1963، والتي شهدت صراعا مسلحا بين المغرب
والجزائر، تزامنت تلك الحرب مع توتر العلاقات المغربية- المصرية، وهو ما دفع
بالرئيس المصري وقتها جمال عبد الناصر إلى إرسال ضباط مصريين إلى الجزائر
لمساعدة الجيش الجزائري وتأطير بشكل جيد، لكن الذي وقع هو أن مبارك ورفاقه بعد
ركوبهم لمروحية عسكرية، أخطئوا موقع النزول، ووجدوا أنفسهم في نواحي منطقة
أرفود داخل التراب المغربي، وبعد نزول المروحية، أجبرهم قائد المنطقة على
الاستسلام وعدم محاولة الهرب، ليعلم القيادة العليا للجيش التي كانت موجودة في
مراكش خلال تلك الفترة، والتي كان على رأسها الجنرال محمد أوفقير، الذي أعطى
أمرا صارما لطيار صديق لي، بأن يذهب إلى أرفود ويحضر هؤلاء الضباط المصريين،
وهو ما جرى بالفعل، إذ استقل طائرة إلى أرفود وأحضر الأسرى المصريين إلى
مراكش.
* كم كان عدد أولئك الضباط المعتقلين؟
- لم أتعرف على العدد الحقيقي لأولئك الضباط واعتقدوا أن عددهم ربما كان أربعة
أو خمسة ضباط، لكن يبقى الأهم هو أنه كان هناك ضابط في رتبة ملازم من بين
الضباط الذين ساندوا الجزائر في حربها ضد المغرب، كان إسمه حسني مبارك، وظلوا
معتقلين في مراكش إلى أن قرر الملك الراحل الحسن الثاني، بعد أن انتهت الأزمة
وانفرج التوتر بين مصر والمغرب، أخذهم معه في طائرة ليسلمهم للرئيس الأسبق
الراحل جمال عبد الناصر، بعد أن قام بإطلاق سراح كل الجنود الأسرى بسبب الحرب
في مدينة مراكش.
* ما كان موقعك خلال الفترة التي جرى اعتقالهم فيها؟
- كنت مشاركا في حرب الرمال، إذ كلفت من طرف القيادة العامة للجيش وقتها، بأن
أقود سريا من الطائرات التي قدمها الاتحاد السوفياتي للمغرب كهدية على نيله
الاستقلال، حيث كنت رفقة زملائي الطيارين نشارك في الدفاع عن حوزة الوطن.
* هل كنت شاهد عيان عند إلقاء القبض عليهم؟
- فعلا، لقد كنت لحظتها في القاعدة الجوية بمراكش لحظة وصول الطائرة وعلى متنها
الضباط المصريون .
* حسب بعض المتتبعين، صرحوا بأنك أنت من أمرك الجنرال أوفقير بإحضار الضباط
المصريين؟
- لا، هذه المعلومة غير صحيحة، أوفقير كلف صديقا لي فارق الحياة حاليا، بهذه
المهمة، وهو من تكلف بإحضارهم على متن طائرة.
* يقال إن الجنرال الدليمي هو من سلم الضباط المصريين لأوفقير؟
- هذه المعلومة لم أسمع بها من قبل، فكل ما أعرفه هو أن الجنرال أوفقير أعطى
أمرا لصديقي الطيار يقضي بإحضار الضابط المصريين.
* كم كانت المدة التي عاشها أولئك الضباط رهن الاعتقال؟
لم يقضوا مدة طويلة، ربما لم تتجاوز المدة شهرا أو شهرين حسب علمي، لأن الصراع
والمواجهات المسلحة لم تدم مدة طويلة أيضا.
*يهود مغاربة يسخرون من حسني مبارك *
في خضم الشعارات الكبرى التي رفعها الرئيس المنصري الراحل جمال عبد الناصر،
والتي منها محاربة إسرائيل وتحرير فلسطين، قابل اليهود المغاربة من مناطق
الجنوب، الضباط المصريين ومنهم حسني مبارك بشعارات استفزازية عقب وقوعهم في
الأسر، حسب رواية الكرزازي العماري الذي كان له شرف أسرهم في جنوب المغرب، بعد
أن حطت طائرتهم داخل التراب المغربي، وحسب شهادته، فإن المنطقة التي وقع فيهل
الأسر كانت تضم مئات من اليهود المغاربة فتجمعوا من مظاهرات عند علمهم بالخبر،
واستقبلوا مبارك وضباطه بهتافات معادية وبشعارات تسخر من شعاراتهم "القومية
الكبيرة" إذ خاطبوهم قائلين: في إسرائيل ما قديتوشي عليهم وجايين تحاربو الحسن
الثاني؟".
المصوريون لا يعلمون حقيقة أسر حسني مبارك بالمغرب
بعد أن قرر حسني مبارك فرض حصار على تنظيم حماس لمنع حزب الله من تزويده
بالأسلحة، استند إبراهيم عيسى رئيس التحرير السابق لصحيفة "الأسبوع" المصرية في
مقاله على رواية العسكري المغربي السابق "كرزازي العماري"، الذي أسر حسنتي
مبارك وباقي الضباط المصريين خلال حرب الرمال سنة 1963، ليثبت أن مبارك تورط
أيضا في تهريب الأسلحة لصالح الجزائر إبان حربها ضد المغرب، وقام بسرد تفاصيل
الاعتقال-حسب ما جحاء على لسان العماري- منها أن الرئيس المصري جمال عبد
الناصر، وبعد أن أرسل ضباطه إلى قاعدة العبادلة في الجزائر لمعرفة احتياجات
العسكريين الجزائريين والخدمة التي يمكن أن تقدمها مصر للجزائر في حربها ضد
المغرب، كلف أيضا وقتها الضابط الميداني أركان حرب حسني مبارك بتسجيل حاجيات
الجزائر من السلاح باعتباره قائد سرب ، تزويد العسكريين المقاتلين بخطط جديدة .
لكن ما يلاحظ من مقال الصحافي المصري هو أنه يبدو وكأنه يعلم بهذه الواقعة لأول
مرة، الأمر الذي جعله يتابع في مقاله "إن هذه القصة تعلمنا ضمن ما تعلمنا أننا
مازلنا لا نعرف الكثير عن حياة الرئيس مبارك وسيرة مشواره، وهل هذه الواقعة
المخيفة لها شقيقات أخرى لم يفصح عنها (عنهن) أحد؟ وربما ننتظر..".
من جانب أخر، عمل إبراهيم عيسى من أجل تأكيد حقيقة الأسر، على الإشارة في مقاله
إلى رسالة الصحفي المغربي خالد الجامعي إلى الرئيس حسني مبارك التي ذكرته
بلحظات اعتقاله من طرف القوات المغربية، حيث اعتبرها الصحفي المصري رواية أخرى
تؤكد الواقعة.
مبارك ورفاقه يذرفون الدمع في ضيافة الحسن الثاني
بعد أن تم أسر وإحالة الضباط المصريين، ومن بينهم الرئيس المصري حسني مبارك،
على معتقل دار المقري الرمز السيء الذكر للتعذيب في زمن سنوات الرصاص، بعد
أجواء حرب الرمال مع الجزائر عام 1963، أمر الملك المراحل الحسن الثاني بنقل
المصريين إلى ضيافته الخاصة والاهتمام بهم وتلبية جميع طلباتهم، وهو ما تحقق
الضباط الذين عاشوا حياة رغيدة على كافة المستويات، لكن عندما علموا أنهم
سيغادرون الإقامة- تقول بعض المصادر- تناوبوا على البكاء. وإن كان البعض فسر
الأمر على أنه كان حزنا على فراق حياة الملوك، فإن البعض الآخر اعتبر أن هؤلاء
الضباط كانوا يتوهمون بأن تلكم الضيافة الخاصة ما هي إلا الأماني الأخيرة التي
تحقق لهم قبل أن يجري إعدامهم، إلا أنهم حين هموا بركوب الطائرة التي كانت
ستقلهم إلى بلدهم، أدركوا ساعتها بأن المغرب بلد مضياف فعلا
صديقنا الملك: أفقير بسكين يشق بطن مواطن (الحلقة 25)
بديل ـ الرباط
أعاد كتاب "الأمير المنبوذ" لصاحبه الأمير هشام، ذاكرة بعض المغاربة إلى كتاب آخر، هز عرش الحسن الثاني، بالقدر الذي لم تهزه كل الانقلابات التي شهدها عهده، حتى إن بعض المتتبعين اليوم يتساءلون: كيف سيتعامل محمد السادس مع كتاب "الأمير المنبوذ"؟"صديقنا الملك" لصاحبه الصحفي الفرنسي جيل بيرو، كتاب قهر الحسن الثاني، لدرجة دفعته إلى إدانته مباشرة على التلفزة المغربية، وهو الذي لم يقهره لا جبروت عسكر ولا مناورات اشتراكيين ولا تقية إسلاميين، حتى قضى فوق كرسي العرش زهاء أربعين سنة من الحكم، لم تخل سنة واحدة منها من العواصف الاجتماعية والسياسية والعسكرية.
وإذ يعيد "بديل" نشر الكتاب على شكل حلقات مساء كل يوم فليس معنى هذا أنه يتبنى ما ورد فيه، وإنما غايته إطلاع زوراه، ممن فاتهم قراءة الكتاب، على الحديقة السرية لواحد من أكثر الملوك العلويين إثارة للجدل على طول تاريخ حكم هذه العائلة للمغرب.
كانت حملة من الدرك تتألف من مائة عنصر بقيادة الدليمي معاون مدير الأمن العام قد اعتقلت مومن الديروي (الصورة) في 13 حزيران1963، اقتيد إلى داخل قاعة عسكرية أمريكية في القنيطرة حيث أخضعه أربعة من المختصين الأمريكيين الوافدين من الولايات المتحدة لفحص على جهاز كاشف للكذب بخصوص سرقة أسلحة حدثت في القاعدة، عُصبت عيناه بعد ذلك وقيّدت يداه ورجلاه واقتيد إلى دار المقري، وألقي في القاعة الكبرى.
كتب بعد ذلك:"خيل إلى أنني في قاع بئر. طرقت مسامعي تنهدات مستمرة، وصرخات متأوهة وسعال، وأصوات نساء ورجال وأطفال. كنت مستعد أن أدفع أي ثمن لقاء أن أعرف ما يحدث حولي".
أخيرا رفع حارس العصابة عن عينيه. كانت القاعة مضاءة بثريات كبيرة من كريستال بوهيميا.
"غلالة سوداء تموجت بعض لحظات أمام عيني، بدا لي أنني أرى كائنات بشرية معلقة من أرجلها في السقف ورأسها إلى الأسفل. فكرت أن عيني قد غشيتها لانتقالهما من الظلمة إلى النور.
خلال دقيقة ستعود رؤيتي واضحة وسأجد هؤلاء الأشخاص جلوسا أو وقوفا، للأسف، لم يكن ما رأيت خطأ أو خديعة، فالصورة حقيقية فعلا، جد حقيقية.
"رجال ونساء مقيدون ومعلقون في السقف بكلاب حديدي رُبطوا إلى الحبل، وعلى الأرض أطفال يرفعون رؤوسهم نحو أمهاتهم وآبائهم، وهم ينتحبون وقد أضناهم التعب والبكاء، وجوههم الصغيرة متسخة بالدموع، والمخاط يسيل من أنوفهم، لا عمر لهذه الكائنات الصغيرة التي بدت قريبة من الاحتضار، لهؤلاء الأطفال الراكعين أو الجالسين القرفصاء في برك من الدم والقيء.
"رائحة رهيبة من نتن صعدت إلى حلقي، شعرت بالغثيان والرغبة بالإقياء بدوري، منذ كم من الأيام والليالي يتخبطون في هذا المكان؟".
ظهر أفقير فجأة، وأمر بتحضير ديوري للدرجة الأولى من التعذيب، الذي يتألف في دار المقري من سبعة طقوس متدرجة في الشدة.
الدرجة الأولى منها تشمل على ربط رجلي المعذّب ويديه، وتعليقه مدة ساعات وبطنه نحو الأرض على قضيب أفقي يستند إلى عمودين. يمارس ثقل جسمه انجذاباً على عضلات العنق والكتفين يصعب تحمله، بعد أن يُفك الشخص عن القضيب، يزداد الألم، ولا يتمكن من الحركة مدة ساعات لتكزز العضلات.
لا تبتكر الدرجة الثانية شيئاً إلا أن المعذِّب يجلس على ظهر المعذَّب، وهو في وضعه على القضيب مما يعرض العمود الفقري لتجربة شاقة جداً.
عُرض مؤمن ديوري لهاتين الدرجتين قبل أن يوجه إليه أي سؤال.
الدرجة الثالثة نوع متطور من تعذيب المغطس الأوروبي، ويقوم على تغطيس وجه الشخص في حوض مملوء ببول المعذِّبين، بعد تغطيستين يُصب ماء جافيل في منخري المعذّب.
كان رجل في نحو الخمسين من العمر، طويل القامة ذو شعر طويل يصل حتى منتصف ظهره ولحية طويلة أيضا، يسير على غير هدى في القاعة وهو يرتل أدعية غير مفهومة، إنه هنا منذ ثلاث سنوات، قتل افقير أمامه زوجته الحامل، فغدا مجنونا.
كان الحسن الثاني يتردد على دار المقري، ويجب أن يُعرض عليه المجنون الكاهل وهو عار يقوم بحركات مخجلة ويردد الشتائم، يُعاد بعدها الرجل إلى القاعة ليقضي ساعات في البكاء.
ثم بدأ بمعالجة أسنان ديوري بكماشة.
رأى أفقير يقتل رجل مطافئ من الدار البيضاء، هو لحسن المقاوم السابق الذي يعرفه جيداً، كان لحسن معلقا في السقف من قدميه. تقدم أفقير والخنجر في يده، وشق بطنه فاندلقت أحشاؤه، وبضربة خنجر قطع الحبل، سقط لحسن على الأرض، وتحطمت فقراته الرقبية، حمل الحراس الجثة. كانوا يدفنون الموتى عند جذوع أشجار البرتقال في الحديقة.
تقوم الدرجة الرابعة من التعذيب على وصل مسريين كهربائيين في الأعضاء التناسلية."الجيجين" الكلاسيكية التي أكسبها الفرنسيون شهرة عالمية في الجزائر، ولأول مرة طرح أفقير السؤال:" أين شيخ العرب؟" أجاب ديوري بأنه التقى بشيخ العرب، لكنه يجهل عنوانه.
كانت الدرجة الخامسة ذات بساطة مذهلة، اقترب أفقير والخنجر في يده، من مؤمن ديوري، وهو مربوط إلى عمود وشق الجانب الأيسر من ظهره، ثم أخرج من جيبه قطعة ملح وغرزها في الجرح و غطىاه بلصقة مشمعة، ثم جلس وانتظر النتيجة، بعد فترة طلب من أحد الحراس أن يتعري وأ بسكين يشق بطن مواطن (لخذ يرشه ماء بارداً بواسطة خرطوم متصل بصنبور.
تصبب جسم ديوري عرقاً، وجف ريقه، خيل إليه قرب احتضاره"كنت مستعد أن أقدم عيني مقابل شرب الماء".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق