الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

المعتقلات السرية بالمغرب -6-تاكونيت معتقل أفلام الرعب

تاكونيت معتقل أفلام الرعب


تاكونيت
تفاصيل عن الألم والجوع ومواجهة الجلادين

إعداد : عادل تشيكيطو
تاكونيت ليست منطقة سكنية، ولا مجموعة بنايات متهالكة مثلت شاهدا على أزمنة، ولا أشخاصا خرجوا إلى الوجود منها وغادروا الدنيا منها، ليست أجزاء طبيعة جميلة تؤثت فضاء جميلا، ليست تاريخا ولا حاضرا، تاكونيت تنفلت عن كل هذه الحقائق، ثمة معطى آخر يضعها جانبا لتنظر إليها من زاوية مختلفة. تاكونيت هي قصة بناية واحدة كانت أشهر من المنطقة برمتها، فالرأي العام لا يعرفها إلا من خلال هذه )المعلمة السيئة الذكر. إنها تمثل حفرة كبيرة في ذاكرة المنطقة وجرحا غائرا في جسد الوطن، لا أحد يريد أن ينظر إليها اليوم، لأنها تضع الماضي فوق أكثافها وتلقي به إلى هذا الماضي الذي نحرص نحن على أن يكون جميلا أو أقل سوءا من الماضي على الأقل. تاكوينت القلعة الصامدة في وجه كل أشكال انتهاك حقوق الإنسان... تاكونيت الإسم الذي ارتبط بشموخ الإنسان وجَلده أمام طغيان الجلادين... تاكونيت المنطقة التي عاش سكانها أرق الليالي وعذاباتها وهم يسمعون بين لحظة وأخرى أنينا وتأوها إنسيا ينبعث من المجهول... دعنا نرحل في هذا الحديث بقليل من التفاصيل الأليمة التي تعكر خاطرها؟... تقع تاكونيت قرب مدينة زاكورة بإقليم ورزازات جهة سوس ماسة درعة وهي من المناطق الشاسعة بالمغرب حيث يبلغ عدد سكانها 7954. وتوجد على ضفة واد درعة وتضم من القصور والقبائل قصر ولاد عمر والغلاض وبني سمكين وبني سكوكن... وتاكونيت باعتبارها المركز الرئيسي للسكان. ارتبط إسم هذه المنطقة بالمعتقل المشهور الذي ضم العديد من المعتقلين ضحايا الإختطاف القسري سنة 1972 وما تلتها من أحداث أخرى تؤرخ لعملية الإختطاف إلى المجهول. وقد ظل إسم هذا المعتقل ملتصقا باسم القائد الكلاوي المعروف ببطشه وبسطه ليد الظلم في المنطقة. حيث بنى هذه القصبة في الوهلة الأولى لتكون إحدى محطاته التي يقصدها من أجل الصيد وقضاء أيام الراحة، كما استعمل سراديبها للإحتفاظ بالعبيد والجواري أو سجن وتنحية كل من سولت له نفسه التجرأ عليه. وقد روى أحد سكان تاكونيت أن زبانية القائد الكلاوي كانوا يقبضون على كل من حام بنواحي القلعة. ولا يمكن أن تسمع عنه أخبارا سوى أنه لن يعود إلى النور بعد اختطافه. بعد ذلك وإبان فترة الإستعمار قام المستعمر باستعمال هذه القلعة كمنطقة مراقبة وكذلك كمعتقل يزج فيه المغاربة المتشبتين بأرضهم وملكم حيث يحكي شيخ عجوز 91 سنة من رجالات تاكونيت القدامى أن المستعمر كان قد ألقى بهم في إحدى أقبية القلعة لمدة 3 أيام بعد قيام سكان قبيلتهم، بثورة المطالبة بإرجاع الملك والإطاحة بابن عرفة، ليتم نقلهم فيما بعد إلى إحدى المرائب التي بناها المستعمر واستعملها كسجون مؤقتة. سكان تاكونيت عندما تسألهم عن المعتقل الذي اختزن في أعماقه آلام ضحايا أبرياء . مازالو يرتعبون من الجواب الذي شكل لديهم عقدة الرحيل إلى المجهول فأحد المعتقلين يحكي أن امرأة تقطن إلى جوار المعتقل وقفت يوما أمام بابه وانهالت على الجلادين بالشتم مستنكرتا ما تسمعه من صراخ المعذَّبين داخل الجحيم، وقد خرج إليها أحد الجلادين وجرها من رجلها إلى أن أدخلها دائرة المجهول ولم يطلق سراحها إلا بعد أن أخرس شرفها وصوتها كما أخرست أصوات النخيلات المحيطة بالقلعة وأسقطت عنها إلى الأبد الثمار. كانت المرأة الوحيدة التي استنكرت عبرةً.. وحديث كل الأهالي. مما ولد لديهم الرعب والخوف إلى درجة صار الحديث فيها عن القلعة وما تحتويه من قهر وظلم محرما حتى بين الزوج وزوجته. وهو الشيء الذي ورتثه الأجيال عن الآباء والأجداد. المعاناة والبؤس يخيمان على المواطن التاكوني طيلة عمره. فهو يفتقر إلى أبسط إمكانيات العيش ويقاسي مرارة الحياة في صمت. والسبب هو وجود معتقل الرعب في مدينته. حيث يقول الحسين بومسعود وهو طالب مجاز في القانون من أبناء تاكونيت أن المنطقة تنعكس عليها سلبيات المعتقل وتعاني الإقصاء والتهميش الممنهج لدرجة أن الماء الصالح للشرب لم تجده الساكنة كما أن أبناء هذه المدينة تاكونيت لا يمنعهم من التسول غير الأنفة والأعراف. ويضيف بوسعود عن مسألة التطبيب قائلا هنا أغلب النساء يلدن في منازلهن وإذا قدر وحصل لإحداهن نزيف فإن الموت لا محالة هو النتيجة الحتمية لها، وإذا حضرت سيارة الإسعاف فإن النساء يلدن في طريقهن إلى زاكورة . ويعتبر الحسين المعتقل وصمة عار على جبين المنطقة وإهانة لها وللمغاربة بصفة عامة ويطالب إلى جانب جميع الشباب التاكوني بجبر الضرر الجماعي من طرف المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان لما لاقوه من عذابات نفسية وتهميش ومضايقات.
شهادة من عمق الجحيم
عبد الله أكريم فرناتشي
عين عبد الله أكريم مازالت مرتعبة وصوته الذي يختزن الحزن ويكتنف في قراراته الإرتياب من لعبة سؤال وجواب. تردد كثيرا في حكاية ما جرى له إثر اعتقاله سنة 1972... ثم قرر أن يحِكي قصته وفي أعماقه تتردد صراخات التعذيب الذي كابده إلى جوار 20 معتقلا لايكاد يتذكر تفاصيل وجوههم. فقد حكى حتى بكى. وفي سرده يتيه السامع بين أقبية العار الغارقة بدماء ودموع الأبرياء. يقول عبد الله أكريم .. في إحدى مساءات سنة 1972 والتي لا أكاد أذكرها من فرط التعذيب وبينما أنا في طريقي نحو المنزل وقد غادرت الفران الذي أعمل به وإذا بسيارة شرطة تقف أمامي لتمنع عني الطريق خرج منها مجموعة من رجال الشرطة بعضهم مرتد لزي الشرطة والبعض الآخر بزي مدني. طلبوا مني بطاقتي الوطنية فأجبتهم أني لا أتوفر عليها. سحبوني نحو السيارة، ومن تم بدأت المعاناة. فقد مكث في زنزانة مركز الشرطة أيام دون أن يسائلني أو ينظر في قضيتي أحدهم. وبعدها بدأت الاستنطاقات تتقاطر علي أشكالا وألوانا، وفي كل مرة كنت أجيب أني رجل بسيط لا حول ولا قوة لي ولا علاقة لي بما ينسب إلي. وكانت إجاباتي ترد علي بالاستهزاء والإهانة وفي أحيان أخرى بالضرب دون رحمة. بعد مرور أيام نقلت إلى كوميسارية أخرى مكبل اليد مغمض العين لأكتشف عند وصولي أن هناك مجموعة أخرى مشابهة لحالتي تضم حوالي 20 فرداً. أمضينا الليلة في ذلك المخفر، ليتم نقلنا في الليلة الأخرى من الدار البيضاء إلى تاكونيت في رحلة خمسة أيام تقريبا وقد كبلت أيدينا جماعتا بحبل واحد حتى لا يتمكن أحدنا من الحركة. طيلة مدة الرحلة لم ندق طعاما ولا شرابا وكنا في كل مرة نحس فيها بوقوف الشاحنة التي تقلنا نعتقد أن الرحمة ستأخذ بقلوب الجلادين ليطعمونا. لكن تخميناتنا كانت خاطئة. ولا أحد يكثرت بما نحن فيه، بل إنهم كانوا يتلذذون برؤية المعاناة تتدحرج فوق وجوهنا ممزوجة بدموع القهر... فور وصولنا إلى مكان الاعتقال أول ما أمرنا به الجلادون هو أن لا نكلم بعضنا البعض وأن لا نزيح العصابة عن أعيننا.. قدموا لنا طعاما عافته الكلاب وعاملونا كأننا بهائم. لم توجه إلينا الأوامر إلا والعصا فوق ظهورنا. كنا نتوق الى النوم دون أن يقض مضاجعنا أحد الجلادين، لينهال علينا بالركل والرفس.. أمضينا سنوات عديدة على هذا الحال ومات العديد منا، وكنا نحن الأحياء ننتظر الموت في أي لحظة. فنحن لا نعرف في أي أرض نعيش ولماذا نحن في هذا الوضع.. واستمر الحال على ما هو عليه إلى أن بشرنا أحد الجلادين بأننا سنغادر المكان حيث تم إرجاعنا إلى مدينة الدار البيضاء. آنذاك تم التعامل معنا بطريقة أقل فضاضة وقدموا لنا الطعام لأيام حتى تأكدوا أن أغلبنا استعاد قوته.. بعدما تم الإفراج عنا واعتذر لنا أحد رجال الشرطة وهو يقول سمحوا لينا . أريد أن أضيف أني وبقية معتقلي تاكونيت وأكدز لم يتم الاعتراف بنا كمعتقلين رغم ما عانيناه حيث اعتبرتنا هيئة الإنصاف والمصالحة غير معنيين بعملية جبر الضرر لأننا لم نكن من معتقلي الرأي أو السياسة وهو ما يعتبر غير منصف لنا... . أنهى عبد الله حديثه معنا وهو يتوق إلى أن يتم إنصافه هو وباقي المعتقلين الذين مروا بسراديب قلعة الكلاوي اللعينة ـ حسب تعبيره ـ فطي صفحة الماضي حتما هو إجراء يستوجب قراءة ملفاته دون تمييز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق