ورزازات:«دار أيت الشعير» المعتقل السري السابق بواحة سكورة
المطالبة بتحويلها لمركز لحفظ الذاكرة أو متحف حقوقي
يوما بعد يوم تتجدد الأصوات المطالبة بتحويل المعتقل السري السابق "دار ايت الشعير" الواقع بقلب واحة سكورة إقليم ورزازات إلى مركز لحفظ الذاكرة، وجعله سببا لنقل التنمية لقلب الواحة ومحيطها على السواء، فبعد المذكرات التي رفعها أحد المراكز الحقوقية المحلية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ 2010 بخصوص تحويل هاته الدار إلى مركز متعدد الوظائف للتنمية، هاهي الأصوات اليوم تتعالى من جديد للمطالبة بتحويلها لمركز لحفظ الذاكرة أو متحف حقوقي محلي. " دار ايت الشعير" تاريخ لا ينسى
" دار ايت الشعير" كما يحلو لأهل سكورة أن يسموها، هي قصبة بعلو شاهق مبنية بالطريقة التقليدية وسط الحقول والبساتين، كانت في الأصل في ملكية عائلة أيت الشعير وهي عائلة من أعيان المنطقة، وسميت أيضا بدار الشعب، لأنها كانت تحتضن اجتماعات سكان القبائل المجاورة للتداول في أمورهم، غير أن ملكيتها تحولت للباشا الكلاوي الموالي للاستعمار الفرنسي بفعل استبداده وسطوه عليها فيما بعد، وذلك في إطار سطوه على العديد من الممتلكات الأخرى بالمنطقة منها حقول وآراضي شاسعة، بعد الاستقلال جرى تحويل العديد من قصور الكلاوي بمنطقة الجنوب إلى مدارس للتعليم العتيق فتحولت "دار ايت الشعير" بدورها إلى مدرسة للتعليم الأصيل وذلك لمدة سنتين كاملتين، بعدها توقفت حلقات التعليم بها وأقفلت إلى حدود بداية السبعينيات، وبدءا من السنوات الأولى لسبعينيات القرن الماضي استعملت كمركز سري لسجن المعتقلين السياسيين أسابيع وشهور قبل ترحيلهم نحو وجهات أخرى، أشهرهم المجموعة الأولى والتي كانت تضم معتقلي قلعة مكونة أبريل 1982 (مجموعة بنو هاشم)، ثم توالت عمليات الاحتجاز بها لفترات أطول ابتداء من 1986 إلى متم الثمانينيات.
"دار ايت الشعير" إذن هي مسار لعقدين من الاحتجاز والاعتقال السري للمعارضين السياسيين لكنها - و هذا هو الأهم ألان – مسار لاحتجاز أمال وطموحات ساكنة تقدر بالمئات لعدة عقود .. تركت في ذاكرتهم اثأرا نفسية و اجتماعية واقتصادية لا تقل أهمية عن تلك التي تركتها في نفوس نزلائها (تم جبر ضررهم نفسيا وماديا)، وليس منها فقط ما ارتبـــط بمعــاناة الساكنة آنذاك مع عمليات مصادرة الأراضي المجاورة واحتكار مياه السقي ومنع المرور من الطريق المحاذية لها وغيره من إشاعة التخويف والترهيب لساكنة المنطقة، مما يمكن أن يحدث لهم إن هم تحدثوا عن الأمر من قريب أو بعيد، رغم جهلهم أصلا بما كان يقع بالداخل .
مشروع " دار ايت الشعير" كمركز لحفظ الذاكرة
المشروع الجديد الذي يروج له الفاعلون الجمعويون و الحقوقيون بالمنطقة اليوم يروم تحويل " دار ايت الشعير " لمركز لحفظ الذاكرة، وهو استجابة للإرادة الجماعية لساكنة المنطقة تمت بلورتها في هكذا مشروع، بهدف محو آثار انتهاكات الماضي والحفاظ على الذاكرة الجماعية، كما يأتي كفرصة لبدء التنمية بالمنطقة و فك عزلتها وهو مشروع يهدف لخلق مركز للبحث والدراسة يعنى بجمع وتوثيق وأرشفة الوقائع والأحداث ذات الصلة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، عبر القيام بتدوين الروايات والشهادات الشفوية المرتبطة بهذه الفترة و إنجاز التقارير المكتوبة والأشرطة الوثائقية حول الموضوع، وتكمن أهمية هذا المشروع في كونه سيعرف الأجيال الصاعدة بما جرى خلال سنوات الرصاص من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كما يشكل هذا المشروع رهانا أساسيا بالنسبة لإعادة كتابة التاريخ. وسيتم فيه تنظيم مجموعة من الأنشطة و الموائد الدراسية والندوات العلمية والإصدارات ’سيعمل المركز من خلالها على إطلاق ديناميات للنقاش والحوار المفتوح، مساهمة منه في إعادة بناء و حفظ الذاكرة الجماعية لترسيخ عناصر المصالحة في بعدها الوطني .
المشروع كوسيلة لتحقيق التنمية المحلية
المأمول من مشروع تحويل "دار ايت الشعير" ليس هو التباكي على الماضي ولا سرد الروايات وتكرارها فقط، ولكن جعل هذا وذاك وسيلة ومطية لتدشين الحلقة الأولى من مسلسل تنموي مفقود بالمنطقة، خصوصا وأن المنطقة الواقعة بنفوذها هذا المشروع المفترض تقع جغرافيا بين اثنين من الأودية الموسمية الخطيرة، وهو ما جعل منها جزيرة واحية معزولة لا تملك من التنمية سوى بعض من أعمدة الكهرباء المتهالكة، ويعول الكثير من الفاعلين بالمنطقة على هذا المشروع كثيرا لخلق دينامية تنموية قوية ومتدفقة بها، ولو من زاوية مقاربة الحق الجماعي للمناطق المتضررة في التعويض بشكل عام، فالرهانات التي يتوق لها هؤلاء الفاعلون تكمن في جعل انجاز مشروع كهذا فاتحة و سببا لشق الطريق نحو مركز سكورة وتعبيدها، وإنجاز قنطرة على وادي الحجاج،
ولما لا خلق مركز محلي للتكوين في الأنشطة النسوية والشبابية والمعلوماتية والتفكير الجماعي في توفير آليات جديدة تضمن استدامة برامج التنمية بالمنطقة التي لحقها الضرر لتلتحق بالمستوى التنموي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الوطني على غرار باقي المناطق الأخرى التي تم استهدافها فيما قبل .
جدير بالذكر بأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي رعى برنامج جبر الضرر الجماعي والفردي لضحايا سنوات الرصاص بعد هيئة المصالحة والإنصاف، لعب دورا كبيرا في إخراج عدد مهم من المشاريع المماثلة إلى حيز الوجود، وهو ما أسهم بشكل بارز في تطوير المنظومة الوطنية لحقوق الإنسان و النهوض بها، وغير خاف على أحد أيضا التأثير الايجابي للجمعيات والمراكز الحقوقية المستقلة في عملية إنتاج الآراء و المشاريع والمذكرات الاقتراحية والتي وجب رعايتها لتصبح حقيقة ملموسة و تحقق أهدافها.
يوما بعد يوم تتجدد الأصوات المطالبة بتحويل المعتقل السري السابق "دار ايت الشعير" الواقع بقلب واحة سكورة إقليم ورزازات إلى مركز لحفظ الذاكرة، وجعله سببا لنقل التنمية لقلب الواحة ومحيطها على السواء، فبعد المذكرات التي رفعها أحد المراكز الحقوقية المحلية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ 2010 بخصوص تحويل هاته الدار إلى مركز متعدد الوظائف للتنمية، هاهي الأصوات اليوم تتعالى من جديد للمطالبة بتحويلها لمركز لحفظ الذاكرة أو متحف حقوقي محلي. " دار ايت الشعير" تاريخ لا ينسى
" دار ايت الشعير" كما يحلو لأهل سكورة أن يسموها، هي قصبة بعلو شاهق مبنية بالطريقة التقليدية وسط الحقول والبساتين، كانت في الأصل في ملكية عائلة أيت الشعير وهي عائلة من أعيان المنطقة، وسميت أيضا بدار الشعب، لأنها كانت تحتضن اجتماعات سكان القبائل المجاورة للتداول في أمورهم، غير أن ملكيتها تحولت للباشا الكلاوي الموالي للاستعمار الفرنسي بفعل استبداده وسطوه عليها فيما بعد، وذلك في إطار سطوه على العديد من الممتلكات الأخرى بالمنطقة منها حقول وآراضي شاسعة، بعد الاستقلال جرى تحويل العديد من قصور الكلاوي بمنطقة الجنوب إلى مدارس للتعليم العتيق فتحولت "دار ايت الشعير" بدورها إلى مدرسة للتعليم الأصيل وذلك لمدة سنتين كاملتين، بعدها توقفت حلقات التعليم بها وأقفلت إلى حدود بداية السبعينيات، وبدءا من السنوات الأولى لسبعينيات القرن الماضي استعملت كمركز سري لسجن المعتقلين السياسيين أسابيع وشهور قبل ترحيلهم نحو وجهات أخرى، أشهرهم المجموعة الأولى والتي كانت تضم معتقلي قلعة مكونة أبريل 1982 (مجموعة بنو هاشم)، ثم توالت عمليات الاحتجاز بها لفترات أطول ابتداء من 1986 إلى متم الثمانينيات.
"دار ايت الشعير" إذن هي مسار لعقدين من الاحتجاز والاعتقال السري للمعارضين السياسيين لكنها - و هذا هو الأهم ألان – مسار لاحتجاز أمال وطموحات ساكنة تقدر بالمئات لعدة عقود .. تركت في ذاكرتهم اثأرا نفسية و اجتماعية واقتصادية لا تقل أهمية عن تلك التي تركتها في نفوس نزلائها (تم جبر ضررهم نفسيا وماديا)، وليس منها فقط ما ارتبـــط بمعــاناة الساكنة آنذاك مع عمليات مصادرة الأراضي المجاورة واحتكار مياه السقي ومنع المرور من الطريق المحاذية لها وغيره من إشاعة التخويف والترهيب لساكنة المنطقة، مما يمكن أن يحدث لهم إن هم تحدثوا عن الأمر من قريب أو بعيد، رغم جهلهم أصلا بما كان يقع بالداخل .
مشروع " دار ايت الشعير" كمركز لحفظ الذاكرة
المشروع الجديد الذي يروج له الفاعلون الجمعويون و الحقوقيون بالمنطقة اليوم يروم تحويل " دار ايت الشعير " لمركز لحفظ الذاكرة، وهو استجابة للإرادة الجماعية لساكنة المنطقة تمت بلورتها في هكذا مشروع، بهدف محو آثار انتهاكات الماضي والحفاظ على الذاكرة الجماعية، كما يأتي كفرصة لبدء التنمية بالمنطقة و فك عزلتها وهو مشروع يهدف لخلق مركز للبحث والدراسة يعنى بجمع وتوثيق وأرشفة الوقائع والأحداث ذات الصلة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، عبر القيام بتدوين الروايات والشهادات الشفوية المرتبطة بهذه الفترة و إنجاز التقارير المكتوبة والأشرطة الوثائقية حول الموضوع، وتكمن أهمية هذا المشروع في كونه سيعرف الأجيال الصاعدة بما جرى خلال سنوات الرصاص من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كما يشكل هذا المشروع رهانا أساسيا بالنسبة لإعادة كتابة التاريخ. وسيتم فيه تنظيم مجموعة من الأنشطة و الموائد الدراسية والندوات العلمية والإصدارات ’سيعمل المركز من خلالها على إطلاق ديناميات للنقاش والحوار المفتوح، مساهمة منه في إعادة بناء و حفظ الذاكرة الجماعية لترسيخ عناصر المصالحة في بعدها الوطني .
المشروع كوسيلة لتحقيق التنمية المحلية
المأمول من مشروع تحويل "دار ايت الشعير" ليس هو التباكي على الماضي ولا سرد الروايات وتكرارها فقط، ولكن جعل هذا وذاك وسيلة ومطية لتدشين الحلقة الأولى من مسلسل تنموي مفقود بالمنطقة، خصوصا وأن المنطقة الواقعة بنفوذها هذا المشروع المفترض تقع جغرافيا بين اثنين من الأودية الموسمية الخطيرة، وهو ما جعل منها جزيرة واحية معزولة لا تملك من التنمية سوى بعض من أعمدة الكهرباء المتهالكة، ويعول الكثير من الفاعلين بالمنطقة على هذا المشروع كثيرا لخلق دينامية تنموية قوية ومتدفقة بها، ولو من زاوية مقاربة الحق الجماعي للمناطق المتضررة في التعويض بشكل عام، فالرهانات التي يتوق لها هؤلاء الفاعلون تكمن في جعل انجاز مشروع كهذا فاتحة و سببا لشق الطريق نحو مركز سكورة وتعبيدها، وإنجاز قنطرة على وادي الحجاج،
ولما لا خلق مركز محلي للتكوين في الأنشطة النسوية والشبابية والمعلوماتية والتفكير الجماعي في توفير آليات جديدة تضمن استدامة برامج التنمية بالمنطقة التي لحقها الضرر لتلتحق بالمستوى التنموي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الوطني على غرار باقي المناطق الأخرى التي تم استهدافها فيما قبل .
جدير بالذكر بأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي رعى برنامج جبر الضرر الجماعي والفردي لضحايا سنوات الرصاص بعد هيئة المصالحة والإنصاف، لعب دورا كبيرا في إخراج عدد مهم من المشاريع المماثلة إلى حيز الوجود، وهو ما أسهم بشكل بارز في تطوير المنظومة الوطنية لحقوق الإنسان و النهوض بها، وغير خاف على أحد أيضا التأثير الايجابي للجمعيات والمراكز الحقوقية المستقلة في عملية إنتاج الآراء و المشاريع والمذكرات الاقتراحية والتي وجب رعايتها لتصبح حقيقة ملموسة و تحقق أهدافها.
.....................
ذاكرة المعتقلات السرية 4 سكورة... سجن العبور وسط الواحة
خصص كتاب "الاعتقال والتقاسم: الفضاءات والذاكرة" حيزا مهما للحديث عن معتقل سكورة. وهي منطقة تبعد عن ورزازات بحوالي 38 كيلومترا ، استضاف عددا من المعتقلين الذين أجبروا على قضاء ردح من الزمن اقتطع من عمرهم ليعيشوه في دهاليز مكان خصص للاحتجاز.
لم يكن مركز الاحتجاز بسكورة، حسب ما جاء في الكتاب، غير واحدة من القصبات الموجودة في واحة جميلة، لابد للعبور إليها من المرور عبر طريق صغير يخترق المنازل والحقول داخل الواحة، غير أنها تميزت عن مثيلاتها من قصبات البلدة بنوعية نزلائها.
تحدث الكتاب عن قصبة سكورة التي كانت في الأصل في ملكية أيت شعير، وهي عائلة من أعيان المنطقة، لذلك كانت تعرف محليا بدار الشعير أو بدار الشعب، لأنها كانت تحتضن اجتماعات سكان القبيلة للتداول في أمورهم. غير أن رغبة الكلاوي في وضع اليد عليها جعلته يعين صاحبها شيخا على أهالي المنطقة في مرحلة أولى، قبل أن يعود إلى التنكيل به ومصادرة ممتلكاته في مرحلة ثانية.
وبعد الاستقلال تحولت إلى معهد للتعليم الأصيل لمدة سنتين. جاء في الكتاب ذاته، قول محمد العمري، أحد أبناء المنطقة، إن تحويل قصور الكلاوي إلى معاهد التدريس إجراء تاريخي دال أو سخرية من سخريات القدر.
استعمل المركز معتقلا لاستضافة مجموعات مختلفة، الأولى كانت تتكون من معتقلي قلعة مكونة بين 5و15 أبريل 1982. وتربط بعض الروايات بين عملية الترحيل هاته وزيارة الملك الراحل الحسن الثاني للمنطقة. ويحكي عبد الناصر بنو هاشم، وهو محتجز سابق كان ضمن هذه المجموعة المرحلة إلى سكورة، أن تلك العشرة أيام كانت قاسية جدا بالنسبة إليهم، إذ اجبروا على قضائها بأياد مربوطة خلف ظهورهم، ثم توالت عمليات احتجاز بها لفترات أطول ابتداء من 1986 إلى 1990.
كشف الكتاب أن القصبة الجديدة/القصر التي شيدها الكلاوي، حفرت ندوبا غائرة في ذاكرة سكان المنطقة الذين ما يزالون يتذكرون عزيزا فقدوه إبان عملية البناء، أو إهانة تعرضوا لها ا أثناء محاولاتهم إرضاء كبرياء الكلاوي وإشباع جنون العظمة لديه.
وهو ما انعكـس على نفسيتهم المتوجسة، فشمع الخوف المتــراكم على مســام الذاكرة لديهم جعلهــا لا تجــود على معــدي الكتاب، إلا بالنــزر القليــل مــن المعلومات حــول الموضــوع، ولا تبوح بما ارتبـــط بجــزء من معــاناتهــم مع تحول القصبة إلى مركز للاحتجاز والمتمثلة أساسا في قطــع الماء عليهــم بين الفينة والأخــرى لتــزويد المعتقل أو قطع الطريق في مرات متعددة لفسح المجال لعبور قافلة معتقلين أو زوار "مهمين". عدا ذلك، فإن دار أيت شعير راسخة في ذاكرتهم الجماعية معتقلا مع تضارب في تحديد نوعية المحتجزين بين من يعتقد أنهم سياسيون معارضون ومن يعتبرهم من انفصاليي الصحراء.
وتضمنت فقرة من الكتاب أن القصبة عبارة عن بناية كبيرة في شكل قصر لكن لم يستغل منها إلا جناح واحد على اليسار وتم الاحتجاز في جناحين متقابلين.
أما الجناح الثاني، وهو رياض القصر ومقر التدريس لاحقا، يفتح على بهو كان في الأصل مكانا لإصدار أحكام خليفة الكلاوي. قصبة سكورة هي في الأصل بنايتان، الأولى تلك التي شيدها أيت شعير، والأخرى الأبهى والأجمل التي أضافها الكلاوي، المتميزة بحدائقها الغناء ومسبحها ومعمارها الجميل وصهريجها الحديدي لتخزين المياه.
الجناح الثاني كان مبنيا من تراب وطين إلا أنه منمق بالجبص والجير.
إعداد: إيمان رضيف
.......................
في المغرب.. من مـراكـز اعتقال سرية إلى فضاءات لحـفـظ الذاكـرة الجماعية
بقلم محمود معروف, الرباط
يحرص المغرب على صورة إيجابية لِـما قطَـعه في ميدان حقوق الإنسان، ويبرز انفراده إقليميا بتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، التي كُـلّـفت بقراءة صفحة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان وطيِّـها، والمصالحة مع هذا الماضي.
لكن المغرب، كغيره، دولة تُـواجِـهها تحدِيّـات وإكراهات تنتج في كثير من الأحيان، ما يُـضبِّـب هذه الصورة الإيجابية ويقلِّـص من بَـريقها، وإن كان المسؤولون يؤكِّـدون أن "ما وقع لا يعبّـر عن منهج متّـبع أو سلوك ممَـارس بأية شرعية، بل عمل فردي يتحمّـل ممارِسُـه مسؤوليته تحت طائلة العقوبات، التي نصّـت عليها القوانين المغربية".جبر الضرر الفردي والجماعي والمجتمعي
قامت هيئة الإنصاف والمصالحة خلال مدّة ولايتها (2003-2006) بقراءةٍ لصفحات الانتهاكات الجسيمة، التي عاشها المغرب ما بين 1956 (سنة الاستقلال) و1999، التي تُـعرف بسنوات الرّصاص (سنوات المواجهة الدموية بين السلطة والمعارضة الديمقراطية) وقدّمت الهيئة على شاشة التلفزيون الرسمية، بمختلف قنواتها، بثا مباشرا لضحايا هذه الانتهاكات وعائلاتهم وأقرت تعويضا ماديا ومعنويا، لجبر الضرر والكشف عن مصير عشرات المخطوفين والمختفين، ونقلت نشاطها من جبر الضرر الفردي إلى جبر الضرر الجماعي (مناطق وأقاليم) والضرر المجتمعي (التعليم والقضاء والصحة والثقافة).وإذا كانت ولاية الهيئة محدودة زمنيا، فإن مهامّـا لم تُـنجَـز وتوصيات خرجت بها، نُـقلت إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وهي هيئة استشارية ملكية. وفي إطار جبر الضّـرر الجماعي والمجتمعي الذي انطلق سنة 2007، وقّـع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ووزارة الثقافة، اتفاقية شراكة وتعاوُن تهُـمّ مجالات حِـفظ الذاكرة والأرشيف والتأهيل الثقافي للمناطق المشمولة بجبر الضرر الجماعي، تعمل بموجبها وزارة الثقافة، في حدود اختصاصاتها، على حِـفظ الذاكرة والتأهيل الثقافي للمناطق المشمولة بجبر الضرر الجماعي، خاصة من خلال المساهمة في صيانة وحِـفظ الأرشيف الوطني، من خلال عمليات الجرد و"الرقمنة" والترميم ودعم الأنشطة الثقافية الإشعاعية المتعلّـقة بالتنوع الثقافي وحِـوار الحضارات وتشجيع الإبداع والنهوض بثقافة حقوق الإنسان.
وبالنسبة للحفظ الإيجابي لذاكرة المراكز السابقة للاعتقال السرّي، ستعمل وزارة الثقافة على المساهمة في ترميم هذه المراكز وتحويلها إلى فضاءات لحِـفظ الذاكرة ومركّـبات ثقافية، وترتيب المباني، ذات الحمولة الرمزية، وتصنيفها كتُـراث وطني (مراكز الاعتقال أكدز وسكورة وقلعة مكونة ودرب مولاي الشريف ومنزل عبد الكريم الخطابي..)، مع المساهمة في عملية توثيق الذاكرة المحلية.
ويلتزم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في حدود اختصاصاته، بالمساهمة في تطوير شراكات إضافية لدعم برامج التأهيل الثقافي للمناطق المشمولة بجبر الضرر الجماعي وترميم المراكز السابقة للاختفاء القسري، العمل بتنسيقٍ مع الوزارة، على تنظيم ندوات وتظاهرات لنشر قِـيم ومبادئ حقوق الإنسان، وبالخصوص الحقوق الثقافية، وتنظيم دورات تكوينية في مجال المقاربة الحقوقية والحقوق الثقافية.
"الحقوق الثقافية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان"
ويقترح أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أن الشراكات والاتفاقيات التي يوقِّـعها المجلس ليسَـت شكلية، بل تكتَـسي أهمية خاصة، تليها مرحلة التنفيذ بصِـفة آلية، لأنها مُـمارسة لفعل مواطن يسعى إلى إزالة الشكليات وإعطاء الأولوية للفعل، وأن تاريخ ترميم بعض المعتقلات وترجمة بعض بنود هذه الاتفاقية إلى واقع ميداني خلال سنتين، مؤكِّـدا أن الحقوق الثقافية جزء لا يتجزّأ من حقوق الإنسان، التي يسهر المجلس على حمايتها وترسيخ ثقافتها والنهوض بها.وتساءل حرزني "أي مستقبل للمرء أو الجماعات، دون إلمام أو معرفة بالماضي؟"، مُـبديا أسفه على عدم إيلاء الأهمية الكافية لموضوع الذاكرة وسلبيات عدم الحفاظ عليها، موضِّـحا أن الأرشيف، وإن كان ظاهريا، يبدو مسألة تِـقنية، يبقى ثغرة كبيرة في الشخصية الجماعية، يجب العمل على تجاوزها في أقرب الآجال.
ومنذ تولّـي العاهل المغربي الملك محمد السادس مقاليد السلطة في بلاده، يتصدّر الخطاب الرسمي في كل الميادين، إضافة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، المفهوم الجديد للسلطة والحكامة الأمنية.
"طي صفحة الماضي دون محاسبة الجلادين"
وإذا كان طيّ صفحة الماضي والمصالحة قد تمّـت وفق المقاربة المغربية، دون محاسبة الجلاّدين، رغم مطالبة عدد من الهيئات والمنظمات الحقوقية بذلك، ومطالبتها أيضا بعدم اقتصار القراءة على سنوات 1956 و1999، فإن هذه المنظمات والهيئات تقول، بحنين أجهزة وجهات بالسلطة إلى الماضي، مستدلة على موقفها بسلسلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي شهدتها البلاد منذ الهجمات الانتحارية التي استهدفت مدينة الدار البيضاء يوم 16 مايو 2003 والتي أقرت السلطة أحيانا ببعض منها.وتتمثل هذه الانتهاكات، التي تؤكِّـد الأوساط الحقوقية وجودها ولا تنفيها السلطات، عمليات الاختطاف والاعتقال غير القانوني، فترة تستمر أحيانا أسابيع قبل أن تعلن السلطة عن اعتقالٍ رسمي لهؤلاء، وعمليات التعذيب التي تحدّث عنها تفصيليا عدد من المعتقلين في إطار قانون مكافحة الإرهاب، وتستكمل هذه السلسلة بالقضاء وحِـرمان العشرات من المعتقلين من محاكمات عادلة.
وإذا كان ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الذين قُـرئت صفحتهم، ينتمون فِـكريا وسياسيا وحزبيا لليسار المغربي بمختلف تياراته، المعتدلة والمتشددة، فإن الضحايا الجُـدد ينتمون إلى التيارات الأصولية بمختلف توجُّـهاتها، وأبرز هؤلاء، معتقلو ما أسمتها السلطات بـ "خلية بلعيرج" والتي ضمّـت ستة ناشطين سياسيين، تشكِّـك الأوساط السياسية والحقوقية بما قالته السلطات بشأنهم، واعتبرت الأحكام بحقِّـهم قاسية وغير عادِلة.
"خلل كبير في الممارسة المهنية"
إلا أن آخر الملفات، التي أثارت قلقا في الأوساط السياسية والحقوقية المغربية، ما تعرض له سبعة نشطاء من جماعة العدل والإحسان الأصولية شِـبه المحظورة في نهاية شهر يونيو 2010، من اختطاف واعتقال وتعذيب، على خلفِـية ما تقوله السلطات، خطف هؤلاء لناشط سابق بالجماعة، التي تنفي ذلك وتقول "إنها فصلته لأنه كان عميلا للمخابرات مكلّـفا بالتجسّـس عليها".وقالت جماعة العدل والإحسان "إن هذا السلوك الأمني ينم عن خلل كبير في الممارسة المهنية لهذه الأجهزة، ويؤكد أنها ما تزال بعيدة عن المفهوم الجديد للسلطة وعن الحكامة الأمنية"، متسائلة عن مصير توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، "التي جاءت بعد مسلسل من الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان تسببت فيها هذه الأجهزة، نتيجة إصرارها على العمل خارج نِـطاق القانون وبعيدا عن أية مراقبة"، لأن تلك الممارسات والسلوك المنهجية، أزهقت أرواحا وشرّدت عائلات وأقصت مناطق وشوّهت سُـمعة البلاد وحرمتها من كفاءات عالية وكلفتها ملايير من الخزينة العامة، لتبييض هذه الصفحة السوداء. وبالمقابل، بقيت الأسماء المتورِّطة حرّة طليقة، بدون مساءلة أو عقاب، بل إن منها مَـن لا يزال يمارس مسؤولياته في مناصِـب حساسة إلى اليوم".
العودة إلى ماضي الانتهاكات؟
وأصدرت العديد من الهيئات الحقوقية المغربية بلاغات تندِّد بسلوك رجال السلطة، من اختطاف واعتقال تعسُّـفي وتعذيب بحقّ المعتقلين، وتحذِّر من مغبّـة العودة إلى ماضي الانتهاكات لحقوق الإنسان. وتقدّم الفريق النيابي للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المشارك بالإئتلاف الحكومي، باستنطاق للحكومة.ويُـدرك نشطاء حقوق الإنسان بالمغرب أن القضاء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ليست مسألة قرار وإرادة سياسية فقط، رغم أهميتها، بل هي بالضرورة ثقافة ومُـحاسبة وإصلاحات سياسية وتطوّر مجتمعي، وأن المغرب، رغم ما يعرفه من انتهاكات، تُـسيء إلى الصورة التي يحاول أن يقدمها لنفسه، فإن تطورا حقيقيا وملموسا عرفته البلاد خلال العقْـد الماضي، بأمَـسّ الحاجة إلى ترسيخه، ثقافيا وتربويا.
حقوقيون: تراجع مكاسب المغرب في مجال حقوق الانسان
الرباط (رويترز) - قال مدافعون مغاربة عن حقوق الانسان يوم الثلاثاء 27 يوليو 2010 إن المكاسب "الجزئية" التي حققها المغرب في مجال حقوق الانسان في العقدين الاخيرين تراجعت واعتبروا أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان مستمرة.
ورصدت خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الانسان المستقلة في التقرير السنوي للجمعية لعام 2009 "توجه الدولة نحو التراجع عن المكاسب الحقوقية الجزئية للعقدين الاخيرين واستمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان."
وأضافت ان العديد من القضايا التي تضمنها تقرير 2008 "يتضمنها من جديد تقرير 2009 من اختطاف وتعذيب واعتقال تعسفي ومحاكمات سياسية وقمع الحريات ومحاكمة الصحافة والتضييق على الصحافيين."
وقالت ان هناك العديد من الحواجز التي "تعيق مسار المغرب نحو دولة الحق والقانون وغياب ارادة سياسية حقيقية لتنفيذ التزامات الدولة في مجال حقوق الانسان."
واعتبرت أن ذلك تجلى بشكل اساسي في عدم تنفيذ الدولة لتوصيات " هيئة الانصاف والمصالحة" وهي هيئة أنشأها العاهل المغربي في مطلع عام 2004 لطي ملف انتهاكات حقوق الانسان في المغرب.
ولم يتسن الاتصال بمسؤولين للرد على ما جاء في التقرير.
ويقول حقوقيون ان المغرب شهد انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في الفترة من 1956 عند حصول المغرب على استقلاله الى 1999 تاريخ وفاة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني وتولي ابنه العاهل الحالي محمد السادس الحكم.
ومن بين ما جاءت به توصيات هيئة الانصاف والمصالحة عدم تكرار ما جرى في الماضي.
وقالت الجمعية في تقريرها الذي وزعته يوم الثلاثاء 27 يوليو 2010 في الندوة الصحفية انها تسجل "أن سنة 2009 عرفت على غرار 2008 اعتقال نشطاء حقوقيين ومتابعتهم قضائيا واستمرار تهم المس بالمقدسات وتدهور أوضاع السجون وتردي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعثر الحوار الاجتماعي."
ولخص التقرير الوضع في "اتساع الهوة بين الخطاب الرسمي حول حقوق الانسان والممارسة الفعلية لاجهزة الدولة."
ويفاخر المغرب بأنه يتمتع بصحافة حرة ومستقلة وبأنه منح حقوقا للمرأة والطفل كما وسّع من دائرة الحريات.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 يوليو 2010)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق