الخميس، 10 ديسمبر 2015

ادب السجون بالمغرب-عبداللطيف اللعبي-

عبد اللطيف اللعبي

عبد اللطيف اللعبي
صورة معبرة عن عبد اللطيف اللعبي

ولد 1942
فاس، المغرب
المهنة شاعر وروائي ومترجم
الجنسية علم المغرب مغربية
النوع الشعر، الرواية .
الأعمال المهمة مجنون الأمل ، العين والليل .
الجوائز المهمة الجائزة الكبرى للفرانكفونية وجائزة غونكور للشعر
P literature.svg بوابة الأدب
عبد اللطيف اللعبي (ولد سنة 1942، فاس) كاتب وشاعر ومترجم مغربي ومهتم بالآداب الفرنكفونية. وعضو اتحاد كتاب المغرب، درس الأدب الفرنسي بجامعة محمد الخامس بالرباط، وأسس عام 1966 مجلة أنفاس. كما اهتم بالمسرح، حيث شارك سنة 1963 في تأسيس المسرح الجامعي المغربي. أعتقل اللعبي بسبب نشاطه السياسي سنة 1972، ولم يسترجع حريته الا سنة 1980 على إثر حملة دولية واسعة. سنة 2009 حصل على جائزة غونكور الفرنسية للشعر.[1][2] و في سنة 2011 فاز بالجائزة الكبرى للفرانكفونية التي تمنحها أكاديمية اللغة الفرنسية.[3]


مسيرته

في مارس 2013 نشرت مقالة (حرية الاعتقاد في الحياة وفي مواجهة الموت) لعبد اللطيف اللعبي وهي على شكل وصية يطلب فيها أن يكون حفل تأبينه لائكي على الطريقة الفرنسية: «بضع قصائد شعرية وموسيقى عوضا عن صلاة الجنازة، ثم احدى اغاني الحب والثورة كي تكون خلفية لمراسم الدفن والعزاء»، كما أوصى بأن تدفن زوجته إلى جواره: «وأيضا ، ماذا بشان امنية هي الاخرى ، أن أرقد، حين الأوان، إلى جوار رفيقة حياتي، المسيحية المولد، والمتحررة من أي معتقد، والمغربية القلب؟ باسم ماذا سيتم إبعادنا عن بعضنا البعض؟»[4]
الأمر الذي أثار ضجة إعلامية، ووصفه الخمالي بدر الدين بأنه «طلب شاعري ومشروع بقدر ما هو سطحي وتافه وينم عن قصور فكري ومعرفي كبير وعن الأعراض النفسية الخطيرة التي قد تصيب الإنسان في نهاية عمره »،[5] وتم نصحه بأن يكون صريحا وجريئا وليتقدم إلى المحاكم المغربية بطلب يعلن فيه تخليه عن الإسلام وردته عن احكامه وكفره بشريعته مما يتيح له الامكانية القانونية في طلب عدم اقامة طقوس الجنازة الإسلامية على جثته وأن يخصص له طبقا للقانون مربعا ترابيا يدفن فيه بجانب شريكته".

الشعر

   
عبد اللطيف اللعبي
هوذا عنقي أضربي واقطعي
لن يكون هناك دمٌ
ستبقى عيناى مفتوحتين
وديعتين
ستلمع فوق شفتيّ
بسمة المشنوق الغريبة
فوق سريرك
لن يحتل رأسي
مكاناً كبيراً
ولن ترتابي بعد فيّ.
"حرب العشق"[6]
   
عبد اللطيف اللعبي

المسرح

أول صلة له بالمسرح كانت في الستينيات حين كان طالبا بكلية الآداب بالرباط،[7] لكن لم يكتب عن تجربة الاعتقال مسرحيا إلا في سنة 1985، وهي السنة التي ألف فيها مسرحية "التعميد الثعلبي"، ولن تنشر هذه المسرحية بفرنسا إلا سنة 1987 حيث صدرت عن دار "لارماتان".

من بين أعماله

  • العين والليل (رواية)
  • عهد البربرية (شعر)
  • قصة مغربية (شعر)
  • أزهرت شجرة الحديد (شعر)
  • قصائد تحت الكمامة (شعر)
  • مجنون الأمل (رواية)
  • يوميات قلعة المنفى (رسائل سجن)
  • الرهان الثقافي (دراسات نظرية ومقابلات)

ترجمة أعمال

كما قام اللعبي بترجمة عدة اعمال أدبية للغة الفرنسية من بينها:

الإعتداء عليه

تعرض الكاتب في أكتوبر من سنة 2015م لاعتداء من قبل شخص مجهول، اقتحم بيته العائلي، وعمد إلى طعنه بسكين وزوجته الأستاذة جوسلين متسببا لهما في جروح بليغة. وقد عرف هذا الحادث تضامنا واسعا مع الكاتب، وصدور بيان من اتحاد كتاب المغرب، وقد أدّت التحرّيات السريعة للسلطات المغربية من إلقاء القبض على المجرم في وقت وجيز، فيما لازالت تباشر التحقيقات مع المعتدي لكشف خلفيات ودوافع هذا الفعل الإجرامي.[8]

مراجع

  1. ^ تتويج عبد اللطيف اللعبي بجائزة غونكور للشعر عام 2009 وزارة الثقافة، تاريخ الولوج 25 مارس 2013
  2. ^ عبد اللطيف اللعبي يفوز بجائزة " غونكور " للشعر هسبريس، تاريخ الولوج 25 مارس 2013
  3. ^ عبد اللطيف اللعبي ينال جائزة الفرانكفونية وكالة أنباء الشعر، تاريخ الولوج 25 مارس 2013
  4. ^ عبد اللطيف اللعبي: لا تدفنوني على الطريقة الإسلامية راديو هولاندا، تاريخ الولوج 10 مايو 2013
  5. ^ عبد اللطيف اللعبي والطقوس الجنائزية الخبر، تاريخ الولوج 10 مايو 2013
  6. ^ حرب العشق وزارة الثقافة، 10 مايو 2013
  7. ^ Le baptême chacaliste- Appendice- Paris- Harmattan 1987- p.59.
  8. ^ المصدر:نشر في جريدة القاهرة

وصلات خارجية

  • رواية مجنون الأمل كتاب في جريدة.
  • لقاء مع عبد اللطيف اللعبي الحاصل على جائزة "غونكور" للشعر فرانس 24.
  • بعض قصائده من ديوان قصائد تحت الكمامة
  • الموقع الرسمي لعبد اللطيف اللعبي
  • قراءة في مسرحية "التعميد الثعلبي" لعبد اللطيف اللعبي
  • ............................
  • اهم المواضيع: رائد الحواري -
    رواية جنون الأملعبد اللطيف اللعبي http://ow.ly/2JF7hR
    ........................
     

    -رواية جنون الأمل- عبد اللطيف اللعبي



    "مجنون الأمل" عبد اللطيف اللعبي

    نحن في المشرق العربي نعاني من ضعف التواصل الأدبي مع مغربنا العربي، فلا يصلنا من إبداعهم إلا القليل، في الآونة الأخير قرأنا لقاء مع المبدع محمد برادة على موقع دنيا الرأي وتحدث فيه عن عبد اللطيف اللعبي، وبعد جهدا جهيد استطعنا أن نجد رواية من سلسلة "ذاكرة الشعوب" التي أصدرتها المؤسسة الأبحاث العربية، بيروت عام 1983، والنص مترجم بواسطة علي تزلكاد والمؤلف، تعد هذه الرواية مما يطلق عليه أدب السجون أو المعتقلات، فالكاتب يسجل واقعه ويتكلم بهموم الناس التواقين للخلاص من نظام الأسياد، فما بالنا إذا كان الكاتب قد وقع تحت يد الجلاد العربي!، بالتأكيد سيرد له الصاع صاعين، ويبن للعالم بشاعة هذا الجلاد.
    الرواية كما قلنا تتحدث عن السجون والمعتقلين، وتبين لنا طرق تعذيب المواطن في هذا الوطن الكبير شكلا، والضيق مضمونا، فهو لا يتسع للرأي مهما كان بسيطا، ولا يتسع صدر الجلاد ليستمع كلام الناس، من هنا كان وما زال هذا الوطن الكبير مجرد (خم) يعيش فيه الدجاج فقط، وليس فيه ناس، بشر، لهم سلوكهم وفكرهم المختلف عن بعضهم البعض.
    سنحاول إضاءة بعض الجوانب الفنية والفكرية في رواية "مجنون الأمل" لعل وعسى تجد إذنا واعية عند الحاكم العربي، وان لم تجد ـ وهذا الاحتمال الأكبر ـ سيتعرف المواطن العربي أكثر على جلاده، والطرق التي استخدمها في أذية الإنسان، وفي المقابل تقدم له صورة الصمود والاستبسال أمام الجلاد، وصور الأمل والجمال، المرأة وكيف تكون الملاذ لنا، فلا نقسو عليها، كما قسا علينا المجتمع والنظام.

    السجن والتعذيب
    بداية التحقيق تكون على هذه الشاكلة "تذكر ذلك القبو الذي هويت اليه بعد الاستنطاقات الأولية، والتي اقتصرت على التهديدات الشفوية، ... لن تستطيع الخروج حيا إذا لم تقل كل ما يجب قوله" ص 27، إذن من البداية هناك ملف جاهز يجب التوقيع عليه، ولا مجال للتغير فيه، فهو كتاب مقدس، الخروج عنه يعد كفرا، ومن ثم توجب على الجلاد إقامة الحد، على السجين، فهنا الحصار والانكسار متلازمان، ليس الاعتراف هو المطلوب وحسب، بل التأكيد على أفعال أو أقوال لم يقم بها المعتقل، وهنا تكون عملية ـ نزع الاعترافات ـ من المعتقل عملية سادية بالمطلق، حيث أن طرفيها جلاد ومعتقل.
    تبدأ عملية الدهن الناعم للمعتقل، والتي تظهره بأنه ضحية لجهات خارجية، وأنه مظلوم، وقد وقع ضحية لهؤلاء المخربين، الذين يأتمرون بإمرة الخارج، "وبدأ باستعمال التقنيات الجاري العمل بها، وضرب على الأوتار التي تعتبر حساسية، وضعك الاجتماعي، وضعك كمثقف، إنك في الواقع لست إلا محركا من جهات أخرى، وان هذه الجهات هي التي عليها أن تؤدي، أنه لا يراد بك شر، انه ليس شخصك هوا لمستهدف، أن ما يهمنا هي المعلومات المفيدة التي تستطيع أن تقدمها، بعدها ستصبح حرا، بريئا" ص 27، الغزل الناعم، مقدمة لكل الجرائم التي تتخذ بحق الإنسان، فهذه المقدمة كانت كتبرير للجلاد لما سيقدم عليه من أساليب وطرق للانتقام من المعتقل، فكأنها القربان الذي يتخلص به الجلاد من كافة الآثام التي سيقدم عليها، فهو يقلب المفهوم الديني، بمعنى أن التوبة تكون بعد العمل، لكن الجلاد يقدم التوبة على العمل.
    وبعد هذه الكلمات الناعمة، والتي أعطت الجلاد البراءة من دم الضحية، تكون طرق التعذيب على هذه الشاكلة "..الدماغ الذي يتجمع إلى أن يصبح في حجم جوزة عندما تضبب الشحنة الكهربائية الأفكار، تفرغ العظام من نخاعه أن تحيل الهضم إلى كبة مائجة دامية، أتكلم عن هذا بعبارات عامة، أتجنب نزعة المقارنة، ما الأكثر أو الأقل إنسانية بين فقء الأعين، بتر الأصابع أو اليد، وضع الخوذة على الرأس وطرقها إلى حد الجنون، التعليق أو الخنق بالماء، التعاليق من القدمين أو الصلب، اغتصابك أو اغتصاب اعز أحبابك أمام عينيك، الحبس في مستشفيات الأمراض العقلية، أو تدبير الاغتيال ـ الانتحار في زنازن معزولة، هنا أو في البلدان "الشقيقة" في الشيلي أو إسرائيل" ص29 و 30، بهذه الكيفية كانت تتم عمليات التحقيق، عمليات انتزاع كرامة الإنسان المتمرد، ترك الآم نفسية لا تمحى من الذاكرة أبدا، أمراض نفسية، بحاجة إلى مدة علاج طويلة ومستمرة، التعامل مع العدو، والاستعانة به، في جرائم القتل، ترك أجزاء ناقصة من الجسم، كل شيء مباح، فالجلاد قدم قربانا مقدما، فمهما عمل، سيغفر له، كما أن تعامله مع الأعداء يجعل ضرباته أكثر وجعا واشد بطشا.
    المكان
    يتناول الكاتب مجموعة أمكنة في روايته، من فاس والرباط إلى القدس، ويتحدث أيضا عن تفاصيل خاصة به، إن كان السجن الذي وجد فيه، تغيب لكيانه الإنساني، أم الأحياء والدكاكين التي عاش فيها، "ـ سنصل بعد قليل.
    جن نبض قلبك، عيناك مفتوحتان لكنك لا ترى شيئا، تسحب بصرك بصعوبة من ليل العصابة، من الضيق، من القبو حيث كنت تنهش دعاءك اللامعقول.
    تجعل عينيك تعبران قرونا لتفتحهما على أضواء المدينة، الرباط، سلا أو القدس" ص43، المكان العام كان يواكبه الماضي المؤلم والموجع، فهو غير نقي بعد، الوجع ما زال حاضرا، كما إن الزمن ـ الماضي ـ حاضرا، زمن التعذيب، من هنا المكان والزمن بحاجة إلى مجهود استثنائي للوصول إلى الحالة الجديدة، الحرية والحياة العادية للإنسان.
    السواد كان حاضرا وملازما للمكان، وكأن حالة التعذيب التي تعرض لها الراوي جعلته يفقد التميز بين السجن والمدينة، "هذه المدينة كجرح متقيح ممتد لا يمكن لأي جراحة تجميلية أن تصلح من شأنه، هكذا، إذن، أنت تسير لان وسط جرح غاثر، لا تتمالك عن تحريك مدية رفضك فيه، يضنيك أن تجر قدميك في وسط جاذبية هذه المدينة التي تخنق المستقبل، تتغذى من الفوارق وسوء التغذية" ص90، أذن هناك عدم انسجام بين المدينة والكاتب، وهي تتماثل مع المعتقل، فكلاهما يعطي مدلول الاغتراب وعدم الانسجام، وهما يشكلان ثقل نفسي،

    وأزمة للكاتب، وهنا تكمن في ذروة الاغتراب، فلا وجود للتلاقي على هذه الجغرافيا، كل ما فيها يعطي إحساس بالبطش والألم والقمع.
    الترابط بين المعتقل والمدينة جاء في بداية حديث الكاتب عند دخوله إلى المكان ـ المفقود ـ مكان يوجد فيه فقط العذاب والموت، مكان خارج الجغرافيا البشرية، حيث لا حياة إنسانية هناك، "تنزل السيارة من المنحدر، تسير الآن جنب المقبرة، بالدار البيضاء، كما في الرباط، يجاور السجن مقبرة، إلى حد إن سجن الدار البيضاء لا يعرف إلا باسم غبيلة (مقبرة في لغة السجناء). صدفة، خصوصية محلية أو ظاهرة "كونية"؟ لكشف هذا السر، يجب البحث في ما وراء البحار، فالنظام السجني العصري هو إحدى منجزات الحماية" ص26، مواكب الموت تلاحق الإنسان في المنطقة العربية أينما كان، كل العناصر والأشياء المحيطة به تجعله يشعر بالموت، بالألم، بالاغتراب، بعدم الانسجام مع هكذا واقع، فهناك هوة سحيقة تشكلت بين الإنسان والمكان، كلاهما من عالم، الإنسان يبحث على المستقبل والفضاء الرحب، والمكان جامد، قديم، بالي بتفاصيله، بذكرياته، يجعله يصاب بالغثيان، وكأنه ملك الموت، الذي يطارد كل حي.
    "في هذا الميدان نجح "ليوطي" في تلقين مهندسيه أسلوبا أكد نجاعته في ميادين أخرى، "إظهار القوة كي لا تضطر لاستخدامها، ذلك شعاره. كان على البنايات العمومية أن توحي للمواطن بقوة السلطة أو استمراريتها، لا مكان للنزوات التزينية التي من شأنها إن تأول ضعفا في النظام" ص76، بهذا المعنى كانت المدينة والمعتقل متشابهان، فالمكان برمته، يعطي مدلولا للموت، لوجود الهراوة، التي ستطيح برأس من يفكر بالخروج عن أو على النظام، المباني جامدة بشعة كرجال النظام، كلاهما يعطي ذات المدلول، فكل شيء يجعل الكاتب يشعر بالغصة، بوجود شيء غير طبيعي في الحياة، يكدرها، يجعلها جحيم.
    "تساورني كربة عندما أفكر في وطننا العجيب الذي كان من المفترض إن يوفر السعادة للإنسان، هذا الجرح الذي يمتد، المأتم المفروض على الحياة" ص69، اكتملت حلقة الموت، وتجلت بكل ما في الوطن، النظام، المكان، الأبنية، فلم يعد ما هناك جغرافيا يمكن العيش فيها، فكل شيء يوحي بالحصار، يمثل جدران تحيط بالانسان، تمنع عنه الرؤية، فطول الجدار بلغ عنان السماء، بين المواطن والوطن، فهما متناقضان، في كل شيء، وكلاهما يسير باتجاه معاكس، من هنا لا بد من البحث عن (وطن) جغرافيا جديدة يستطيع الإنسان التكيف معها، وإما سيكون الموت هو القدر..




    الأم

    أهم العناصر التي تمنح القوة للإنسان، كما إنها من عوامل الانهيار إذا كانت ضعيفة، وكقوة وضعف الإنسان مرتبط بالأم، كما أنها تمثل نبع الحنان التي يحاول الإنسان إن يتماثل بعطائه معها، فهي كائن استثنائي عند لكل إنسان، لها مكان خاص لا يشغله إلا الأم، وهو للأم فقط، العديد من المعتقلين تكلموا عن الأمهات، وهنا نستذكر رواية عبد الرحمن منيف "شرق المتوسط" حيث كانت الأم هي عامل الصمود الأكبر لبطل الرواية "رجب إسماعيل" وهي من جعله يتقدم مرة آخري للمواجهة بعد إن سقط، وهنا حدثنا عبد اللطيف اللعبي عن أمه فقال "حينئذ تتجلى فكرة بسيطة وسط متاهة رعبك، وعد، أجل، تعاهد نفسك أن أول ما ستقوم به إذا ما تم خروجك من السجن في يوم ما، هو زيارة قبر أمك، بفاس" 122، كأن في هذا الكلام تأنيب لضمير الراوي بوجود تقصير اتجاه الأم، حتى إن عملية النضال التي يقوم بها الإنسان تكون الأم مشاركة بها، وهي تتحمل الألم كما هو حال ابنها، كلاهما يتألم، من هنا أول عمل سيقوم به الراوي هو زيارة قبرها وطلب الغفران منها، فقد حرمت من ابنها قسرا، والابن يتحمل جزءا من تبعية هذا الحرمان، حتى لو كانت دوافعه نبيلة.



    الأب

    الأب أيضا كان حاضرا في هذا العمل الروائي، وبصورة ايجابية، فهو مآزر لابنه، لكنه لا يحمل اتجاهه ذات الحنان والعاطفة التي للأم، فهو يحمل شيء من سطوة النظام، شيء من النظام الأبوي الصارم، الذي يجب إن يطاع، ويقبل يده، من هنا كان هذا المشهد الذي يحمل مفهوم الأبوية ومفهوم التمرد معا، "عندما دخلت إلى البيت والتقت أعينكما، نهض على غير عادته ليسلم عليك، مد يده اليمنى، ثم تدارك، وطواها، خلال بضعة ثوان، انتابك التردد، كان في وسعك، استثنائيا، إن تتغلب على نفورك من هذا النوع من الاحترام، إن تغض الطرف عن الرمز الذي يتضمنه، إن تعيد إنتاج التقليد دون مراعاة مخلفاته القريبة والبعيدة، كان في إمكانك أخذ يده ولثمها بشفتيك، كنت تعرف إن في هذه الحالة بالذات، ليس من شأن فعل كهذا إن يستصغرك أو يمس بكرامتك أو يؤول على انه تراجع عن القانون الأخلاقي الذي اخترته لنفسك، لكن لم تقتنع بهذا كله، كنت لا تستطيع إن تقبل اعتباطية هذه الطقوس، كنت متأكد انه لا يضيف شيئا عدا تشويه طبيعة الاحترام والحنان الخاصين الذي كنت تكنهما لوالدك، أنقذتك ابتسامة من حرجك، كان وجهه يعبر عن فرحة طفولية جعلتك تهم به وتضم إلى صدرك رأس وصدر هذا الشيخ الذي بدا يقول بصوت مرتجف يشبه الشهيق:
    ـ الله يرضى عليك، يا بني، الحمد الله على السلامة، تضمه إلى صدرك، تقبله على الوجنتين وأنت تطبطب على ظهره بكفك، تشعر وكأنك تضم إليك ابنك أنت" ص124، إذن الأب يحمل الحنان والعاطفة اتجاه أبنائه، لكنه في ذات الوقت يحمل صورة السلطة والقوة الآمرة التي يجب إن تطاع وتحترم، من هنا وجدنا المناضل الثوري يتمرد حتى على شكل الاحترام المتعارف عليه، ويقدم شكل جديد لهذا الاحترام، العناق والتقبيل من الوجنتين.
    فكما هو متعارف عليه في المغرب العربي بان الناس مهما كانت مكانتهم، ومهما كانت أعمارهم يقوموا بتقبيل يد الملك، من هنا أرد الراوي بعملية رفض الانصياع لهذا الطقس الاجتماعي إن يؤكد على مبادئه أولا، وان يؤكد استمراره تمرده ثانيا، وقد استطاع إن ينجح في تجاوز تلك العادة، وأن يقدم شكلا جديدا، أكثر رقي واحترام.
    كما نجد الأب قد أخذ صورة المؤازر لابنه، فمن حلال كلماته " الحمد الله على السلامة" نجد فيها نوع من التأيد للابن، وهذا الايجابية للأب كانت تعد من ضمن الانجازات التي حققها بطل الرواية، فليس من السهل تحويل موقف من اتجاه الموافق والمؤيد لما هو حاصل إلى اتجاه تأيد التغير ورفض القبول بالواقع.

    المرأة
    تعد المرأة الملاذ للرجل، هي من تمنحه الراحة، وتمتص غضبه، تأخذ منه الغضب والتعب، وتجعله أكثر استقرارا وهدوءا، هي شيء ملازم وحيوي للرجل، بدونها تكون الحياة جحيم، عبد اللطيف اللعبي قدم لنا صورة المرأة الايجابية، التي تأخذ مكانتها الاجتماعية في التغير، ورفض ما هو كائن،"كم فكرت فيك اليوم، ذهبت بالأطفال إلى الغابة ليستريحوا، وكنت انظر إليهم يمرحون، كنت انظر إلى الأشجار، الزهور، الألوان، من خلال أعينك التي لم تعد تراها منذ زمن طويل، كنت اختزل لك الألوان والأحاسيس،.. عدنا إلى البيت وزينا كل جنباته بالزهور... أتدري ، كنت احلم طول الطريق، كنت أتخيلك تقود السيارة وأنا اسند رأسي إلى جنبك، كان حلوا ومؤلما أن أفكر في هذا، أنا إلى جنبك.
    ... غدا الزيارة، كم اشتهي الحديث إليك، والثرثرة معك طويلا.
    الرغبة في أن أكون معك، إن اسرح، إن أقول كل ما يخطر ببالي" ص62و63، المرأة هنا تمثل الحرية، الفضاء الرحب، الطبيعة الأخاذة، الألوان الزاهية، العائلة والأطفال، العاطفة والحب، الرغبة نحو الآخر، المرأة هي أكثر من أنثى، هي شيء خارق بالنسبة للرجل، شيء يصعب العيش بدونه، تكون الحياة جحيم إذا فقدنا المرأة.
    الكاتب أيضا لا يمجد المرأة وحسب، بل أيضا يتعاطف معها، ويعتبرها ضحية المجتمع، فكما هو سجين النظام، المرأة أيضا سجينة المجتمع، " أن يكون الإنسان امرأة أو سجينا، فالأمر يكاد يكون مماثلا، هذا ما يفسر تقاربنا، إخوتنا الحية، سعادتنا العجيبة" ص69، إذن جزء من التعاطف مع المرأة هو اقتناع الكاتب بأنها تشاركه السجن، فكلاهما معتقل، ويعاني، يعيشان في ظروف غير طبيعية، يعاملان كشيء خارج العرف، غير سوي، بحاجة إلى الترويض، التعليم، القسوة، لكي ينسجموا في المجتمع والواقع.

    الحكم
    يستخدم الكاتب خلاصة تجربته في الحياة لإثراء عمله الروائي، فيقدم لنا كلامات تعد حكم، تصلح لكي يستفيد منها كل إنسان، وأينما كان، "كل إنسان رغم محدودية الاجتماعية والاقتصادية يخفي داخله نواة يصعب اقتحامها، ولا تخضع لتقنيات التحليل المطبقة على المجموعات الكبرى" ص20، بمعنى إن لكل إنسان ذاته الخاصة، التي تختلف عن البقية، ولا تخضع لعادة المتبعة أو المتعارف عليها، وما على الإنسان إلا إن يطور هذا التفرد عنده، ويكون ذاته المستقلة، والخاصة، عن البقية، كما يحمل هذا المعنى الابتعاد عن التقليد، والاعتماد على مكونات الذات الإبداعية، التي تستطيع إن تشق طريقها المتميزة والفريدة.
    "عندما يمشي المرء بشكل دائري، لا يحتاج للالتفات كي يلقي نظره على المسافة المقطوعة" ص91، بمعنى إن الإنسان المقلد لن يكون صاحب بصيرة نحو المستقبل، فهو منساق وراء سراب، يحوم في دائرة مفرغة، فلن ينتج إلا ما أمر به، ولن يعرف إلا هذا الطريق.

    الكتاب
    العديد من الأعمال الأدبية يتم ذكر أسماء أدباء وكتب فيها، فهي تمثل دعوة من الكاتب للنهل من تلك الأعمال والتعرف على هؤلاء الكتاب الذين تأثر بهم، واثروا فيه، "تصبحون أشقاء لبحارة الفولكا أو جوالة براري روسيا الذين حببهم إليكم جوركي وشولوخوف" ص 81، إشارة إلى اتجاه الاشتراكي عند الكاتب، وتأثره بما كتب غوركي وشولوخوف من أعمال أدبية تدعوا إلى العمل من اجل الاشتراكية.
    فيروز
    كأنها أصبحت من أهم العناصر التي تأثر بها الأدباء في منطقتنا العربية، فهي تعد إحدى الأسماء الحيوية في عالم الفن والأدب، فكلماتها ليست إلا شعرا ومغنى، "وبصوت حريري" على رأي الشاعران حسين البرغوثي ومحمد حلمي الريشة، فيقتبس الكاتب من أغانيها " بكتب اسمك يا حبيبي على الحور العتيق
    بتكتب اسمي يا حبيبي على رمل الطريق..
    يبقى اسمك يا حبيبي
    واسمي بينمحى
    فيروز، صوت قارة جديدة تنبلج، آية السلام" ص31، بهذا الحضور كانت فيروز. فهي الماء الذي يشربه الظمآن، ليس ليرتوي وحسب، بل ليتلذذ به أيضا.
    لقد أثرى الكاتب روايته ببعض الحكايات الشعبية العصرية، مثل قصة الببغاء، مما يشير إلى قدرته على استخدام الحكاية في الواقع، وأيضا منح العمل الروائي شيئا من الفكاهة.
    رائد الحواري
    صورة من السجن المركزي 1981. بنزكري، السرفاتي، منفيق، الحريف، فقير، عزيبو، التيتي، مداد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق