تعليق: ليس المقصود من هذا الشريط اتهام نظام أو حاكم أو دولة وإنما هو محاولة لقراءة صفحة من تاريخنا نأمل في طيها.
"ربما لو لم يكن هذا الجدار ما عرفنا قيمة الضوء الطليق" أمل دنقل – شاعر مصري.
غير خدوني – المغرب 2003
عبد الناصر: إن كنا ندمنا على شيء وندمنا أننا لم نقم بأي شيء يستحق ذلك العذاب.
محمد النظراني: اقتادوني إلى السيارة معصوب العينين مقيد اليدين واتجهت السيارة إلى مكان مجهول، أصبحت آمل في أن يكون بوسعي أن أذهب إلى المرحاض متى شئت دون حسيب أو رقيب.
عبد الرحمن: الحمد لله كنا نطعم.
مولاي إدريس الحريزي: كل شيء أغلى من العائلة اللي هي الوطن، المغرب بلد جميل.
أسعد طه: إن شئت أن تعرف المدن انبش فيما تنتجه من كتابة، أفكار يرحل من أنجبها ومن حملها ومن حبسها لكنها تعود طليقة لتحط هنا وهناك، تشاغب وتستفز وتحرض وربما تعاقب من أجرم في حقها، أثارني كتاب يقول صاحبه إنه بطاقة سفر إلى الجحيم أستعيذ بالله من الجحيم ومن الشيطان الرجيم ومن المخبرين، ألجأ إلى مقهى أغرق في ذكريات المؤلف عن سنوات الاعتقال في سجن تازمامارت، الحقيقة كنت أختبر سطورا من ذاكرتي عن رواية بن جالون "تلك العتمة الباهرة" حين جاء الحارس لاصطحابي سلط ضوء المصباح على ظهر صفوان وعندها رأيت ذراعه المكسورة عظمة المرفق بارزة من اللحم المصاب بالغرغرينة سألني الحارس كم تبقى له برأيك لا أدري إلا إذا التهمته الصراصير قبل أن تنتشر الغرغرينة في جسمه كله وهذا ما حصل لقد التهمته آلاف الصراصير والحشرات الأخرى التي هجرت زنزاناتنا، ثم تستفزني الفكرة ماذا لو سمعت بأذناي تفاصيل التجربة على لسان أصحابها أفتش في دفاتري أهاتف أصدقائي أدس نفسي في الزحام لا أتوه غير أنني أفقد الطريق إلى تازمامارت هذا السجن الرهيب الذي خلده الأدب المغربي لا عليك أواسي نفسي، ليس أكثر من المعتقلات في بلداننا يسوقني القدر إلى عبد الناصر عند أعتاب صومعة حسان الشهيرة أسترجع معه زمانا تعرضت فيه قيادات الحركة الوطنية المغربية إلى قمع واضطهاد حينها كان عبد الناصر ورفاق أربعة له طلاب ناشطون ضمن حركة يسارية سرية تدعى إلى الأمام قبل أن يحدث ما حدث.

لم تشهد البلاد عام 1976 أي أوضاع سياسية أو انتفاضة شعبية تدعو إلى ممارسة أعمال الخطف والاعتقال بحقنا

عبد الناصر
عبد الناصر: في يوم من الأيام في ربيع سنة 1976 وأنا في مدينة الرباط بشارع في حي شعبي يسمى يعقوب المنصور وقف علي ثلاثة أشخاص وحملوني بسرعة ورموني داخل سيارة وانطلقت هذه السيارة بسرعة جنونية لأجد نفسي بعد حوالي ثلث ساعة داخل معتقل سري مكبل الأيدي معصوب العينين، لم يكن هناك وضع سياسي في البلاد يدعو إلى مثل هذه الممارسة لم تكن هناك انتفاضة شعبية لم يكن هناك وضع استثنائي في البلاد يبرر ما مورس علينا إذا فنحن لحد الآن نتساءل سؤالا كبيرا لماذا بالضبط تم اختطافنا؟ ولماذا لم نقدم للمحاكمة حتى يستمع القاضي إلينا يستمع إلى شهادتنا يعرف ماذا قمنا به وما لم نقم به؟
أسعد طه: ثمة محطة هامة في حياة الناس وأخرى يلتقون عندها أو يفترقون في محطة القطار أراد عبد الناصر أن نلتقي ليحكي لي قصته ورفاقه الذين اعتقلوا منتصف الشهر الرابع من عام 1976 ليفرج عنهم في الشهر الأخير من عام 1984 حوالي تسعة أعوام تنقلوا خلالها بين معتقلات الكومبليكس في الرباط وأجدز وقلعة مكونة في الجنوب، لم توجه للرفاق أية تهمة ولم تعقد لهم أي محاكمة ولم يعرفوا لماذا اعتقلوا ولماذا أفرج عنهم وإنما ظلوا رهينة الاختطاف على حد تعبير المغاربة، عبد الناصر يقدم لي رفاقه الأربعة.
عبد الناصر: فترة التسع سنوات التي قضيناها في المعتقل بقدر ما كانت رهيبة بالتعذيب النفسي والجسدي التي عشناه كانت فيها فترات كثيرة جميلة جدا وهذا بفضل زملائي ورفاقي الذين عاشوا معي بأخص بالذكر منهم قيس عبد الرحمن وكان شخصية عجيبة وكان مقرب إلي جدا كان أقرب الأصدقاء إلي فهو بقدر ما كان بطبعه قلق كان طيلة الوقت يعبر عن قلقه ونرفزته بقدر ما كان طيبا جدا وكانت بيننا تقارب في الآراء في الرؤى في حتى في مسائل شخصية كنا قريبا جدا، شخصية أخرى طبعت طبعتني خلال هالتجربة هي شخصية صديقي رحوي محمد هو كرس ما يقوله الفلاسفة عفوا عن كون أن الإنسان ممكن أن يسجن جسده دون أن يسجن فكره فهو غالبا كان يعيش بعيدا عنا خارج المعتقل دائما يفكر بعيدا عنا وفي بعض اللحظات كنا نسأله عن مسألة تخصنا مسألة تخص داخلي تخص علاقتنا داخل السجن أو مسألة وهو يجيبك بجواب بعيد كل البعد عن عما تسأله هو يجيبك بما كان يفكر فيه سواء مع والدته أو والده أو صديقته أو مسألة تخصه في الخارج. شخصية أخرى هي شخصية النظراني فشخصية النظراني كانت متميزة عن باقي الأصدقاء فهو كان له كان متشبث بأفكاره بل أقول بأنه كان متعصبا لكل أفكاره وبالتالي كان ممن كان يفتح مجالات للصدام في بعض الأحيان حول الأفكار أو الآراء ولكن هذا كان مفيد لأنه كان يطور من النقاش بيننا، الصديق الرابع من المجموعة هو مولاي الحريزي إدريس كان له تواجد بشكل، بشكل مخالف لأنه كان لنقل طفل مشاغب دائما يختلق قصص ومشاكل وإذا كانت هناك سكوت صمت فإذا بإدريس وكأنه ينط داخل.
أسعد طه: لم أشأ قطع حديثه الذي أثارني، في رحلته اليومية بين الرباط حيث يسكن والدار البيضاء حيث يعمل صحفيا تلفزيونيا المسافة قصيرة والأحلام جدا بعيدة، أسرع إلى حيث الملتقى مقهى يضمني مع عبد الناصر ورفاقه بشاشاتهم قادرة على الترحيب بي عاجزة عن محو ما خلفته سنوات الاعتقال ربما ما حدث لهم هو واقعة اختطاف عادية كالتي وقعت لآلاف الآخرين، بربك ما هذه العبارة واقعة اختطاف عادية رغبوا في الحديث ورغبت في الاستماع باغتتني فكرة مذهلة أيها الأصدقاء ماذا لو سمعت منكم التفاصيل هناك في ذاك المعتقل حيث جرت أحداثها وهل تسمح لنا السلطات بسؤال منطقي كانت إجابتهم، لاحقا كانت المفاجئة منحنا الترخيص لنكون أول من يدخل المعتقل المكونة بعد الإفراج عن معتقليه ننطلق من الرباط ويعتذر عبد الناصر عن صحبتنا لارتباطه بعمل تضنينا عشرون ساعة سفر عبر طريق جبلي واعر سعيا إلى قلعة مكونة الواقعة على مرتفع بين سلسة جبال أطلس بالجنوب المغربي حيث الشمس يهزمها الصقيع، نقترب من البلدة التي تزرع الأزهار وتبيعها حتى باتت تلك مهنتها وحرفتها يسودني شعور بأنني قد تورطت فطراز البنايات يوحي بأن البلدة كما اسمها قلعة حصينة لحظات قبل أن يبدد هذا الإيحاء سكان طيبون بسطاء لا تكلف فيهم ولا مراوغة يعمل أغلبهم في صناعة وبيع ماء الورد تأخذهم تفاصيل حياتهم اليومية أرتاح ويغمرني شعور بالطمأنينة، المشهد لا يطول طويلا التفت لأتأمل الوجوه صمت يحتوينا وثمة خاطر يدعو للسخرية ماذا لو أغلقوا علينا أبواب المعتقل وصرنا حكاية جديدة ولماذا الدهشة ألا يستقيم ذلك على المنطق الغائب عن بلادنا.
حارس بوابة معتقل مكونة: افتح يا يوسف.
أسعد طه: ما أن تجاوزنا البوابة حتى أسرع النظراني إلى زنزانة أمضى فيها عقوبة الحبس الانفرادي.

أمضيت في الزنزانة مدة عام ونصف، ورغم أن السجان كان يضربني فإنه كان وسيلة الاتصال الوحيدة بيني وبين العالم

محمد النظراني
محمد النظراني: هذه هي، الزنزانة التي أمضيت بها عاما ونصف عزلة، عزلة قاسية سنة ونصف سنة ونصف تماما ثمانية عشر شهر وأصدقائي كانوا في تلك الزنزانة هذه كانت تسمى عقوبة وأنا عوقبت عقوبة دامت سنة ونصف عزلة تامة لم أكن أتكلم مع أحد لم أكن أرى أحد لم يكن يدخل علي غير السجان وكنت أسميه الغوريلا كان يدخل علي ليعطيني الأكل وليضربني في ذلك الوقت كان هو الاتصال الوحيد بيني وبين العالم، بطبيعة الحال كنت أتمشى هكذا بشكل قطري خطوات مستمرة كي لا تتجمد قدماي، الصيف والشتاء والخريف وسنة ونصف والبرد آه البرد الذي لا يمكن تصوره هنا كنت أضع وعاء قضاء الحاجة كانت لي فرصة واحدة كل صباح لأخرج لأقل من دقيقتين لأفرغ الوعاء خارج الزنزانة ولم يكن الوقت يكفي وكنت أخرج لغسل ملابسي مرة في الشهر مرة خلعت كل ملابسي قبل الخروج قلت هذا أفضل لكسب بعض الوقت لأضعها مباشرة في السطل عند الخروج لغسلها وهكذا أوفر وقت خلع الملابس وعندما دخل السجان سألني كيف عرفت أن اليوم موعد الغسيل أجبته أنني كنت أحسب وهذه الكلمة أثارته فهو لا يريدني أن أعرف موعد الغسيل لا يريدني أن أعد الأيام وقال كيف تعد الأيام ممنوع أن تعد الأيام وانهال علي بالضرب وأنا جالس في مكاني وهو يضربني بالعصا كانوا يعطوننا في كل شهر نصف شفرة للحلاقة وكنت أحلق رأسي بي بيدي والدماء تسيل على وجهي وكنت أكره هذا فقد أوصلونا إلى مستوى يعني مثل الحيوانات لم تعد للآلام قيمة في ذلك الوضع يعني الدماء كانت تسيل هكذا وأنا لابد أن أكمل لأحلق رأسي تلك لحظة لن أنساها يعني، يعني على الأقل إن لم يكن مسموحا بخروجي يأتي واحد آخر ويحلق لي رأسي يمكن أن يمنعونني من الكلام معه يمنعونني من أن أراه يعصبوا عيني يفعلوا أي شيء ولا يتركوني أحلق لنفسي.
عبد الناصر: كان هناك تعذيب بدون هدف كان هناك تعذيب بدون هدف كان التعذيب من طرف حراس ساديون يمارسون ساديتهم علينا فقط لأننا كنا في موقع الضعف وكانوا هما الحراس.
عبد الرحمن: حينما أحضرونا في اليوم الأول ذهبت لأخد إناء فكان حارس واقف فوق فتعطلت شيء ما فقال لهم إنه ربما يفعل شيئا أو يتكلم مع أحد فأخذوني إلى المرحاض وبدأو في فضربني رئيسهم بلكمة حتى شعرت بسخونة لا تتصور وأحسست أن رأسي سيحترق ثم جروني إلى المرحاض هنا وبدأو في رفسي هكذا بأحذيتهم العسكرية يضربون الجهات الحساسة.
عبد الناصر: هناك قدموني إلى الحراس وقالوا للحراس أننا نحن نكرههم واغتنموا فرصة أننا من منطقة معينة من المغرب وأن الحراس في أغلبهم من منطقة الجنوب من المغرب حاولوا استغلال العصبية إذا سامحنا نستعمل هذا نوع من العصبية القبلية لخلق عداء شخصي بيننا وبين الحراس وبالتالي أخذوا يمارسون عنا ساديتهم ويبدعوا في وحشية الإنسان.
عبد الرحمن: كان الوضع في معتقل قلعة مكونة أسوأ بكثير من معتقل أجدز الذي كان الوضع فيه لا يطاق.
عبد الناصر: الذهاب إلى المرحاض بقدر ما كان حاجة ضرورية ومتنفس ننتظره طيلة اليوم كان لحظة عذاب حيث أنه عندما نخرج إلى المرحاض كانوا يضربوننا طيلة المسافة ما بين الزنزانة والمرحاض.
عبد الرحمن: حينما كنا هنا لم يكون هناك باب ولم يكن كان يقف الحارس أمام الباب وينظروا للشخص وهو في المرحاض ولم يكن هناك ماء يقول اقضي حاجتك وطلع سروالك وأدخل للغرفة.
محمد الرحوي: كان يعطى لنا من الوقت ما يكفي فقط لكي نفرغ جردل نملؤه ببعض بالبول وأحيانا كذلك كنا عندما نصاب بالإسهال نقضي فيه حاجتنا.
عبد الرحمن: أنا وعبد الناصر يوم مرضنا نحن الاثنين في آن واحد والحارسان يقفان أمامنا.
محمد النظراني: كنا نضطر لتلبية حاجتنا داخل الزنازين شيء التي أصابنا بالحساسية وبأمراض أمراض الجهاز التنفسي.
عبد الرحمن: كنا دائما نقول إذا كان لنا منزل يجب أن يكون فيه مرحاض ومرحاض واسع بالماء وبالباب وبالإنارة تصوروا.
عبد الناصر: كنا نخاف من مسألة واحدة هو أن نجرح أو نصب بعطب في جسمنا وليس هناك دواء حيث أننا كنا نتمنى أن نموت على أن نجرح أو نعطب لأنه ليس هناك دواء.
عبد الرحمن: العقارب كانت موجودة بكثرة وكنا في الليل قبل أن ننام كنا نقول أنه علينا أن نركز على شيء واحد في رؤوسنا هي أنه علينا أن لا نتحرك أثناء النوم إذا ما عبر فوق أجسامنا أي شيء لأن العقرب هكذا لن يلسعنا وكنا في أحلامنا كنا نحلم بأن العقارب تلدغنا.
عبد الناصر: ضرب أحد الحراس أحد المختطفين بالمجرفة التي نحمل بها التراب ضربه بجزئها الحديدي ضربه على هذا الجزء من رأسه فجرح جبهته والعضمة التي تحمي العينين وجزء من وجهه ومن طبيعة الحال ليس هناك دواء ليس هناك طبيب وبالتالي تعفنت هذه المنطقة من وجهه إلى أن توفي.
محمد النظراني: في الواقع الحالات التي مرت بي هي أنني أرى معتقلين يحتضرون هكذا طريحي الفراش في وضع منهك وقد بلغت بهم النحافة لدرجة لا تتصور إذ أن عظامهم البادية للعيان وكأنها عارية من أي لحم وقد قضوا نحبهم ومنهم على وجه الخصوص محمد الشيخ محمد الشيخ والذي لم يكن يتجاوز على أكثر تقدير سن 14 من العمر فقد أطلق صرخة مدوية يوم لفظ أنفاسه.

اتفقنا على تحدي الموت كي يشهد أحدنا على الأقل بما عانيناه في المعتقل

عبد الناصر
عبد الناصر: أو من المسائل التي أخذنا نتفق عليها هي أنه يجب أن يعيش منا على الأقل واحد يجب أن نتحدى الموت ويعيش واحد حتى يخرج منا على الأقل واحد لكي يشهد مما عشناه وكانت إذن هذه هي من أصعب الفترات بحيث أنه كان هناك صراع ليس بيننا وبين الحراس كما كان من قبل ولكن صراع بيننا وبين الموت يجب أن نحيى لكي نشهد بما عشناه لكي نقول للمغاربة نقول للملأ أن هناك أماكن حيث يدفنوا المغاربة لا لشيء ولا لسبب يذكر.
مولاي إدريس الحريزي: كان باستمرار كان كفن يوجد في أحد الغرف يوجد على مرأى من المختطفين، هذا هو مصيركم هذا هو الثوب الذي ستخرجون به من هذا المدفن.
مذيعة: طرح السؤال سنة تسعين حول موقع معتقل تازمامارت وقلعة مكونة مركزان للاعتقال السري؟
الحسن الثاني – ملك المغرب : قلعة مكونة مركز سياحي سيدتي إنها عاصمة الورود تازمامارت كانت موجودة فعلا والأمر انتهى الآن.
مذيعة: حسب تقرير للأمم المتحدة كان في قلعة مكونة مركز للاعتقال السري.
الحسن الثاني: يا الهي قلعة مكونة ما هي إلا عاصمة الورود إنهم لا يعرفون جيدا جغرافية المغرب..
مذيعة: بالإمكان أن توجد مراكز للاعتقال في أماكن أقيمت لأغراض أخرى؟
الحسن الثاني: لا...لا ...لا هذا مستحيل.
[فاصل إعلاني]
مولاي إدريس الحريزي: يوم خميس من صيف عام 1977 صنع حميد أورقا للتقويم فنجحنا أخيرا في أن نمسك بالتاريخ على زنزانتنا كوة صغيرة تمنح بعض الرمال وشيئا من الضوء كنت أتذكر ساحة قريتي عندما ضاق السجان بالأمر.
تعليق: وجاءت الانتخابات التشريعية في يونيو من سنة 1977 تتويجا للديمقراطية الحسنية.
أسعد طه: في الشهر السادس من نفس العام شهدت المغرب أول انتخابات تشريعية في تاريخها.
تعليق: مغرب الديمقراطية مغرب الحرية ومغرب الحسن الثاني.
أسعد طه: أشم رائحة الموت أتسلل إلى النافذة أظننا في خريف عام 1984 أختلس النظر إلى راية السجن كفنا علقه الجلادون، كلما رحل أحدنا تحت وطأة التعذيب قصوا منه طرفا سنوات الاعتقال تمر بطيئة والكفن ينقص كل يوم أسأل نفسي هل سيفقد الكفن طرف أخر أم سأكون أنا المفقود، في خريف ذات العام احتفل القصر الملكي بزفاف الأميرة لالا مريم كريمة العاهل المغربي.
أسعد طه: ثلاثاء أنتظره غامر رفيق لا أعرفه وأرسل إشارة ضوئية من قطعة زجاج بعثت شيئا من الحياة في زنزانة انفرادية فابتسمت اليوم سوق البلدة الأسبوعي أمعنت في الصمت لعلي أسمع شيئا من الضجيج يخيب ظني فأعود إلى حديث يومي مع وجوه صنعها الزمن على جدار زنزانتي اشتاق لصوت الحياة، يوم حار من صيف عام 1984 يبدو أن الملل أصاب الحراس فقرر كبيرهم استعادة مشهد التعذيب الأول كان الأمر مسليا للحراس فأعادوه كثيرا، في ذات الصيف فاز البطل المغربي سعيد عويضة بذهبية الألعاب الأولمبية ليرتفع علم المغرب للمرة الأولى في تاريخ الدورات الأوليمبية، كنت أشعر بما خلفته تسع سنوات من الاعتقال على مولاي إدريس لكنني لم أفهم لماذا قرر بعد الإفراج عنه أن يعمل في مهنة لم يكن يحترفها من قبل ولا تتناسب مع مكانته الاجتماعية سائق شاحنة يجوب البلاد من أقصاها إلى أقصاها.
مولاي إدريس الحريزي: كنت أكره الحيطان كان السفر هو وسيلة لإعادة اكتشاف الحياة من جديد العودة للحياة من جديد لاكتشاف أشياء كثيرة غابت عنا في تلك الفترة الاختطاف أشياء بسيطة لكن كبيرة في حياة الإنسان.
أسعد طه: كان لا يفارق صمته أثار ذلك فضولي سألته مرة عن ما ضاع منه في سنوات السجن.
مولاي إدريس الحريزي: كانت لدي علاقة بفتاه كانت علاقة طيبة كنا نحلم بالزواج كنا نحلم بتأسيس أسرة كنا نحلم بأشياء كثيرة بطبيعة الحال ظنت أنني مت وتزوجت.
أسعد طه: يعود مولاي إدريس إلى الزنزانة رقم خمسة.
مولاي إدريس الحريزي: كنت مرشحا للموت في هذه غرفة خمسة يوم 19 إبريل 1982 قد شللت ولم أعد قادرا لا على الأكل ولا على التفكير ولا على أي شيء كنت أنتظر الموت، بصراحة لم أكن أخشى الموت لكن كانت عندي أخر أمنية أن لا أدفن في هذا السجن، كنا نسعى للتغيير ولو بعد موت على الأقل على الأقل أن يدفن الإنسان من طرف العائلة، أن يدفن كانسان.
أسعد طه: ليالي الحبس الانفرادي كشفت في محمد النظراني موهبة جديدة لم يمارسها من قبل كانت الوحدة عذابه الذي لا يطاق فلجأ إلى رسم أشخاص على أرض زنزانته الضيقة ليتكلم معهم النظراني الذي أوقفته سنوات الاعتقال عن دراسة الفلسفة صنع فرشته من متاع الزنازين البوص وخيوط البطانية أما الألوان فهي من نصف فنجان قهوته الذي يكتفي يوميا باحتساء نصفه الأخر.
محمد النظراني: الرسم وسيلة لكي أتكلم مع الأشخاص الذي كنت أرسمها على البسيط لآن لا يوجد معي في هذه الزنزانة أي إنسان أخر يمكن أن أتكلم معه حيث أن حتى النطق حتى الكلام قد سرق مني لأنني لم يكن هناك أي شخص أتكلم معه وكنت أرسم الشخصية.
أسعد طه: وبعد الإفراج عنه ظل محتفظا بفرشاة السجن كان همه أن يستحضر من ذاكراته مشاهد التعذيب في المعتقلات التي مر بها فكر وتذكر ورسم ما جرى وبدأ بمعتقل الكومبلكس.

التعذيب في قلعة مكونة كان يعتمد أساليب بدائية بشعة تختلف عن الأساليب العصرية المستخدمة في أميركا اللاتينية

عبد الرحمن
عبد الرحمن: لا يمكن مقارنة التعذيب في قلعة مكونة أو في أجدز بالتعذيب في الكومبلكس التعذيب في الكومبلكس مثلا كان يتم بشكل عصري بالطائرة بالجفاف بالكهرباء أي كانوا يعتمدون طرق كالطرق المستعملة في أميركا اللاتينية في الاورجواي البرازيل أو غيرها أما التعذيب في قلعة مكونة وأجدز فقد كان تعذيبا مغربيا صرفا كان يعتمد أساليب بشعة أساليب بدائية مثلا كالضرب بالأعمدة على الرأس والضرب بالمعاول هناك من ضرب بالحديد على الوجه.
أسعد طه: أدهشني وجه محمد الرحوي كأن أيام الاختطاف محفورة عليه كلما أمعنت النظر في عينيه أدرك أنه ليس معي جسده هنا وهو مسافر هناك.

كنت أسرح بمخيلتي خارج أسوار السجن لأنها السبيل الوحيد للخروج منه دونما حراسة لمخيلتي ومشاعري

محمد الرحوي
محمد الرحوي: كنت دائما شارد الذهن أفكر خارج هذه الأسوار أي أنني هكذا أفكر في علاقاتي صداقاتي أسرتي والمناظر الطبيعية التي حرمت منها والتي استحضرها أمامي واستمتع بها وكأنني بها، كنت أجدني استحم في شواطئ وأجري في غابات بل وألاحق أيضا فتيات من صنع خيالي أو أن هن مركبات من عدة فتيات أخريات عيون هذه وأنف تلك وما إلى ذلك كنت هكذا أجد أنها الفرصة التي تتيح لي الخروج من هذه الزنزانة ضد على إرادة الحراس الذين يعتقدون إمكانية حراسة مشاعري وحراسة مخيلتي، كان الشخص الذي يستبد بتفكيري أكثر من غيره هو والدتي وفي هذه المسألة يمكن أن أقل بأن هذه نتقاسمها كلنا وكانت الوالدة حاضرة أمامي لدرجة أنني كنت أتوق إلى مجرد السماح لي بإلقاء نظرة عليها وإعادتي إلى الزنزانة إلى أخر لحظة من عمري.
والدة محمد الرحوي: بقيت أبكي لمدن عامين لم تجف خلالهما عيناي في الليل وفي النهار وعيناي تبكي... تبكي ... في الليل وفي النهار لم أكن أنام لم أكن أكل لم أكن أخرج أو أفعل أي شيء كنت أشعر بالمرارة نهار العيد الناس من أولادهم وأسرهم وأنا... أنا وحدي محرومة من ابني وليس عندي ابنه أو أخ.. فقط أختي الوحيدة أعيش معها وكما يقولون الشوق للماء العطش للماء لا يرويه الابن والشوق للابن لا يرويه الماء.
عبد الناصر: أفرج عني ولم أخبر أن كان والدي لازالوا أحياء أو ماتوا أن كانوا لازالوا قاطنين في نفس المنزل أو غيروه وصلت إلى المدينة وكانت الساعة حوالي الثالثة أو الرابعة فجرا لا أستطيع ضبط الوقت وأتيت إلى المنزل وقفت في باب المنزل وأخذت أتردد هل أطرق هذا الباب أم لا هل لازالت أسرتي تسكن بهذا المنزل أم لا وقررت أن أطرق الباب وأرى ما يمكن أن أراه وكان هناك ثقب في الباب وفكرت أن أطل من الثقب وكان الوقت ليلا كان الظلام وكانت ليلة باردة جدا من كانت يوم الثلاثين من ديسمبر سنة 1984 وفعلا عندما فتح عندما أشعل الضوء من داخل المنزل رأيت فعلا امرأة قادمة من خلال الثقب أردت أن أنسحب كما فكرت ولكنني لم أستطع حيث أنني كنت أقدر أن أحرك كتفي وظهري ولكن رجلي شدت إلى الأرض كأنهما دكتا في الأرض لا أستطيع تحريكهما وفتحت امرأة فتحت الباب وسألتني من أنت ولي أمر غريب جدا هو أن هذه المرأة كانت هي والدتي ولكنني لم أتعرف عليها خلال تلك اللحظة رغم أن صورتها لم تفارقني طيلة التسع سنوات سواء في يقظتي أو في منامي وسألتني من أنت وبشكل غريب لا أفهمه لحد الآن أجبتها أنني أبنك عبد الناصر وكان جوابها أن ليس لها أبن بهذا الاسم وأخذت ألح عليها أنني ابنها وأن عليها أن تتركني أن أدخل وكما قلت كانت الفترة ليلا وهذه المرأة التي يدق على بابها يطرق على بابها شخص لا تعرفه دخلت إلى المنزل وتركت الباب مفتوحا وذهبت توقظ أخوتي لتقول لهم استيقظوا فهناك في الباب شخص يقول أنه أخوكم كانت لحظة رهيبة صارت فيها لا أعرف أنا أتحدث مع امرأة على أنها والدتي وأنا لا أعرفها وهي تتحدث معي وهي تنكر أن كان لها ابن بهذا الاسم بطبيعة الحال لم استطع الوقوف في باب المنزل ودخلت وجدت أخوتي قد استيقظوا لم يفهموا ما يقع في تلك اللحظة خامرني شك في أن كل هذا مجرد تمثيلية حتى لا يقولوا لي نحن نرفضك لا نريدك وشعرت كأن سكينا انغرزت في داخلي وفكرت في أن أنسحب باعتبار أنهم لا يريدونني في تلك اللحظة الأخ الأكبر كأنه استفاق وارتمي على وأخذ يقبلني وابتدأ البكاء..
أسعد طه: بانتهاء مهمتنا ورحيلنا بات المعتقل وحكاياته خلف ظهورنا أو هكذا يأمل الرفاق وظلت البوابة مفتوحة وراءنا لكنني شعرت أن القصة لم تنتهي بعد.
عبد الناصر: أنا لا يمكن أن أرتاح ما دام لم أجد جواب للسبب الذي كان وراء اختطافي لماذا تم اختطافي ما هو السبب أريد أن أعرف هؤلاء الذين أشرفوا على اختطافي ما الذي كتبوه في التقارير التي قدموها للمسؤولين أريد أن أعرف ما كتبوه ولن أرتاح مادمت لم أعرف ما كتب في حقي، ظاهرة الاختطاف لازالت مستمرة وحجتي على ذلك هو أنه لحد الآن لم يفرج أو لم يكشف عن مصير العديد من المختطفين السابقين الحسين المانوزي الذي اختطف سنة 1972 منذ 1972 مازال مصيره مجهول لحد الآن..
أسعد طه: يصحو العجوز يرعى في زرعه الحياة ثم يجلس فيطالع صحيفته ينصت إلى ابنه الصوت الثوري القادم من الجهاز الحديدي البارد هو أخر خطبة للحسين المانوزي مناضل يساري تم اختطافه عام 1972 ومنذ ذلك الحين وهو مجهول المصير يأخذني حديث الأخت عن الغائب منذ أكثر من ثلاثين عاما.
أخت الحسين المانوزي: مادمنا لم نتوصل لجثمانه فأننا نعتقد بأنه مازال حيا ومازال عندنا الأمل إنني أقول له بأنني مشتاقة أليه كثيرا وحبذا لو تمكنت من معانقته الآن أنني أود معانقاته بحرارة.
أسعد طه: تطل شرفة المنزل على المقابر حيث وجدت الأم تجلس وتراقب.
والدة الحسين المانوزي: أنظر إلى المقابر عندما أستيقظ أيام الجمعة أرى الناس يأتون لزيارة مقابر أهلهم وأحبائهم وأبكي... أبكي... أبكي حتى الإعياء أقول ليت لولدي حتى قبر.. لأزوره فيه.
أسعد طه: أرحل وتبقى الأم تنتظر، تركت أم المانوزي تنتظر مع العشرات من أمهات المختطفين ومجهولي المصير وتوجهت إلى قلب الرباط فقد اخترنا أن يكون الوداع حيث قرر أن يلتقي الناس، مظاهرة تضم الآلاف المناصرين للعراق ولفلسطين أفتش بصعوبة عن الأصدقاء أحيانا لا تهم الأسماء ولا التفاصيل فشعوب بأكملها تختطف، يجدني عبد الناصر ثم لا نلبث أن نكتمل يتركني الأصدقاء يذوبون في الزحام يمر شريط الذكريات أمامي تتدافع الصور انتهت الحكاية إذن ليس أصعب من أن تغادر المغرب اجتهد لأبقى في نظري أروع ما يمكن أن أراه زحمة وحياة وحماس وهتافات كنت ألقي عليهم النظرة الأخيرة قبل أن أعود من حيث أتيت وكانوا يهتفون بالمجد للجماهير وبسقوط الأنظمة.
المجد للجماهير ..
ولأم الحسين المانوزي..
ولكل الذين لم يعودوا.
عبد الحق الرويسي أختطف في أكتوبر 1964.
مولاي على فخيم أختطف في مارس 1975.
المهدي بن بركة أغتيل في أكتوبر 1965.
محمد بوفوس أختطف في يوليو 1967.
الرياضي محمد أختطف في 1973.
محمد بنونة أغتيل في مارس 1973.
العربي أزيان قتل في تازمامارت في يناير 1980.
أحمد الحمزاوي أختطف في يوليو 1988.
عبد اللطيف سالم أختطف في مايو 1988.
محمد إسلامي أختطف في نوفمبر 1997.
أحمد السماحي قتل في 1965.
وآخرون..
في منتصف السبعينات غنى فريق "ناس الغبران" أغنية "غير خدوني" على لسان أحد المختطفين ومنذ ذلك الحين ظلت الأغنية نشيدا للمختطفين في المغرب.
...............................
 قلعة مكونة «المعتقل السري» للورود
مدينة أنقذها المهاجرون من الموت
نشر في المساء يوم 25 - 05 - 2010

خلف الصورة التي يتم تسويقها لقلعة مكونة، هناك حيث تنبت آلاف الورود التي تحاول أن تصالح السكان مع ماضي القلعة التي احتضنت أهم المعتقلات السرية بالمغرب في زمن الجمر
والرصاص. تختفي مجموعة من الأسرار التي تكشف الوجه الحقيقي لمنطقة نائية لازال أهلها يعانون في صمت من ظلم مزمن. هناك أيضا تكتشف مغاربة يعيشون بالبركة فقط ، رغم أنهم يقطفون بأيديهم وردا يتحول إلى عطور تصنع السعادة لملايين النساء عبر العالم.
للوصول إلى قلعة مكونة البعيدة عن ورزازات بحوالي 110 كيلومترات يتعين سلك المنعرجات الخطيرة ب«تيشكا»، قبل أن تستقبلك قصبات تاريخية تحولت إلى أطلال بفعل الإهمال، فيما تخلى السكان عن البناء بالتراب وحل الإسمنت مكانه. آلاف الزوار حلوا بقلعة مكونة التي تحمل اسمها من واد مكون وهي كلمة أمازيغية تعني «الراكد» أو الجنين الذي بقي في بطن أمه، لمتابعة مهرجان الورود في نسخته 48 لكن خيبة الأمل كانت كبيرة بفعل الصورة الباهتة التي ظهر عليها هذا الأخير، والارتباك الذي ساد التنظيم، والغريب أن فتيات المنطقة لم يتقدمن إلى مسابقة ملكة جمال الورود، ووجد منظمو المهرجان صعوبة في إقناع الفتاة التي تم اختيارها لتكون ملكة هذه السنة، بعد أن تم وعدها بمبلغ مالي.
حين يتوقف الزمن داخل القلعة
تعامل السلطة مع سكان القلعة توقف في سنوات الثمانينيات والسبعينيات، ويبدو أن بعض المسؤولين هناك لا زالوا يحنون إلى زمن المخزن ويستمدون قناعاتهم من المعتقل الذي يطل على القلعة مثل الحارس.
يقول أحد الفاعلين الحقوقيين بالقلعة: «هنا إذا حل ضيف لدى إحدى العائلات يتوجب إخبار السلطة بالأمر لأنها تحرص دائما على حقن السكان بجرعات من الخوف، كما أن نشاط الجمعيات يخضع لمراقبة لصيقة، وتعامل الدرك يتسم بنوع من القسوة من أجل أن يبقى الجميع تحت «السباط»، لذا فإن التوجس من المخزن لازال جاثما على القلوب مثل ما كان في الماضي، وإغلاق المعتقل الذي كان ولازال الحديث عنه من المحظورات هنا، لم يغير شيئا من واقع سكان القلعة الذين لازالوا يعيشون في معتقل مفتوح بسبب الفقر، ويترددون كثيرا قبل البوح بمعاناتهم للغرباء تجنبا للمشاكل».
حضور عامل إقليم تنغير المعين حديثا لمتابعة المهرجان في يومه الثاني، خلق نوعا من الاستنفار بالقلعة بفعل الإجراءات الأمنية المشددة، والمظاهر البرتوكولية المبالغ فيها والتي تهدف بالأساس إلى ترهيب السكان المقهورين، بعد أن تم وضع الحواجز على مداخل «الشانطي» الوحيد بالقلعة الذي يربطها بورزازات وبومالن، وإجبار الحافلات والسيارات وقوافل السياح والزوار المغاربة على سلك ممرات ترابية، في الوقت الذي اصطف فيه العشرات تحت شمس حارقة للسلام على العامل الذي حضر لمتابعة استعراض باهت دام 15 دقيقة أمام المنصة، في حين بقي آلاف على امتداد الطريق ينتظرون أن تمر الفرق الفلكلورية أمامهم دون أن يتحقق هذا الحلم الذي قطع البعض من أجله مئات الكيلومترات، قبل أن يغادر العامل المنصة في موكب مكون من أزيد من ثلاثين سيارة معظمها رباعية الدفع، ترافقها سيارات الدرك والقوات المساعدة والمطافئ، التي أطلقت صفارات الإنذار في استعراض من نوع آخر باتجاه أحد مصانع الورود.
ورود تحتضر
جني الورود، التي تستعمل كسياج يفصل بين الأراضي، يتم في ساعات الصباح الأولى قبل أن تشرق الشمس، مجموعات من الأطفال والنساء والرجال يغادرون منازلهم باتجاه الحقول وفي عيونهم حسرة على كنز ثمين يتم بيعه بثمن بخس دون القدرة على المساومة والاحتجاج.
نسبة مهمة من سكان القلعة بدأت تتخلى عن زراعة الورد كنوع من الاحتجاج على الاستغلال الذي يتعرضون له، يقول أحد شباب المنطقة الذي نال شهادة الإجازة بالرباط قبل أن يعود للعمل في الحقول صباحا، ليتحول في المساء إلى دليل سياحي غير مرخص له، «قبل أربع سنوات قام بعض السكان بإتلاف محصول الورد بعد أن حدد سعره في درهمين فقط، واتجهوا إلى زراعة اللوز أو الزيتون»، قبل أن يضيف أن سعر الورد يتم تحديده من طرف المجلس البلدي وأصحاب المصانع في تغييب تام للفلاحين الذين يستيقظون في ساعات الصباح الأولى من أجل جنيه، والاستسلام لأشواكه التي ترسم على الأيادي خطوطا كثيرة تحولها إلى لوحة تفضح معاناة مواطنين حكم عليهم القدر أن يولدوا في جزء من المغرب غير النافع، رغم أن البعض عرف كيف ينتفع منه ليراكم ثروة مهمة على حساب السكان، الذين أجمعوا على وجود تواطؤ في تحديد السعر البخس للورود بطريقة تحتكر هذه السلعة، وتضرب عرض الحائط قانون العرض والطلب.
هذه السنة حدد سعر الكيلوغرام من الورد في تسعة دراهم، وهو مبلغ يبقى غير كاف حسب شهادات عدد من قاطني القلعة بالنظر للمجهود الذي يتم بذله، والّذي يحول الفلاحين إلى مجرد يد عاملة يسيل عرق جبينها، ليتحول إلى أرباح يجنيها التجار الكبار، وأصحاب المصانع الذين يحولون الورد إلى منتجات أولية يتم تصدير جزء كبير منها إلى الخارج، لاستعمالها من قبل الشركات العالمية المتخصصة في إنتاج العطور، في حين يحصل الفلاحون على دراهم قليلة يستعينون بها على أداء الديون التي تراكمت عليهم طيلة السنة.
أحد شباب المنطقة أكد ل»المساء» أن ضغوطات مورست على السكان لإجبارهم على عدم بيع الورود لبعض التجار المغاربة والأجانب، الذين يحاولون شراء المنتوج بطريقة مباشرة منهم، بعد زيادة درهمين على السعر الذي يتم فرضه على السكان، في احتكار واضح يهدف إلى ضمان أن يبقى المزارعون مجرد حطب يحترق من أجل مد المصانع الموجودة بالقلعة، بما تحتاجه من ورود تخفي تحت رائحتها، ومنظرها الجميل، مرض الحساسية الذي يحصد سنويا ضحايا جددا من سكان المنطقة.
قلعة مكونة نموذج لعدة مناطق جبلية نائية بالمغرب يتم ستر الفقر والتهميش الذي تعانيه من خلال المهرجانات التي تهدر فيها أموال طائلة دون أن تحقق أي منفعة للسكان، باستثناء الاستمتاع بأهازيج الفرق الفلكلورية، التي هدد بعضها أيضا بمقاطعة المهرجان احتجاجا على الاستغلال الذي يمارس في حقها، بسبب هزالة التعويضات الممنوحة، والتي لا تتجاوز خمسين درهما للفرد، كما كشف عن ذلك أحد أعضاء فرقة عملت بالمهرجان.
ورد مخلوط ب«الماحيا»
شباب المنطقة، الذين رحل معظمهم باتجاه أوروبا، يبقي القلعة حية، ويمدها بالقدرة على مقاومة العزلة والتهميش من خلال التحويلات المالية، فهنا معظم الأسر لديها على الأقل فرد بالخارج، يضمن للأسرة عائدا ماليا يقيها شر الفقر الذي يسيطر على أكثر من نصف السكان، فعائدات الزيتون واللوز والتين وحتى محاصيل الورود، تبقى دائما تحت رحمة الطبيعة التي تمنح في بعض الأحيان الصقيع بسخاء كبير، مما يتلف المحاصيل التي تبقى أيضا مهددة حين يرحل موسم الشتاء، بفعل موجات الحر التي تهب على المنطقة بين الفينة والأخرى.
إضافة إلى المهاجرين بالخارج، هناك نسبة مهمة من الشبان والرجال غادروا القلعة باتجاه مدن مغربية أخرى خاصة الدار البيضاء، للعمل في مجال البناء، أما من بقي بالقلعة فهو يصارع الزمن إما بالاشتغال بشكل موسمي في الحقول، أو العمل كدليل سياحي في انتظار زواج أبيض ينقذه من معتقل الضياع والفقر، في حين استسلم آخرون للإدمان على «الماحيا» علها تنسيهم بعض المعاناة، حيث توجد بالقلعة عدة معامل سرية لتقطير الماحيا داخل المنازل، أمام توفر المادة الأولية المتمثلة في «الشريحة»، وهو الأمر الذي يتم بعلم عناصر الدرك، حيث توجد بعض المنازل المعروفة بصنع هذا المشروب الكحولي الذي يهدد شباب المنطقة، كما يوجد حي آخر مخصص للبغاء يستوطنه عدد من الفتيات اللائي قدمن من خارج القلعة، لتقديم خدماتهن الجنسية مما أساء كثيرا إلى صورة هذه المنطقة وسكانها المحافظين.
القناع الذي يخفي الوجه الحقيقي للقلعة
خلف «الشانطي» الذي يخترق القلعة تقبع بالجبال دواوير معزولة لا يصلها الزوار، ولا تنبت فيها ورود بل حجارة فقط، دواوير بدون طرق ولا قناطر، مما يفرض على سكانها خوض معارك يومية مع طبيعة قاسية، والصراع من أجل ضمان لقمة العيش، أما أطفالها فمحكوم عليهم بتوديع مقاعد المدرسة وتقمص دور الرجولة في سن مبكرة.
نسبة الهدر المدرسي بالقلعة تصل إلى مستويات قياسية، حيث يتعين على التلاميذ قطع حوالي 14 كيلومترا للوصول إلى مؤسساتهم التعليمية، كما هو الحال في جماعة سدرات الغربية، نظرا لبعد الثانويات التأهيلية، في حين تصل نسب الهدر المدرسي في المدارس القريبة من التجمعات السكانية إلى ما بين 25 و30 في المائة بالنسبة للمرحلة الابتدائية، كما أن مستوى الخدمات الصحية بالقلعة، التي يوجد بها مركز صحي يتيم، يبقى جد متواضع، ويطرح مشاكل بالنسبة للسكان خاصة النساء الحوامل، لذا يضطر البعض إلى الذهاب إلى ورزازات رغم بعد المسافة، على أمل الحصول على خدمات طبية في المستوى.
ضعف البنية التحتية بالقلعة لم يشجع المستثمرين المغاربة، والأجانب على خلق مشاريع بالمنطقة بل بالعكس، أغلقت بعض الفنادق السياحية أبوابها، في حين تصارع أخرى من أجل البقاء، كما يؤكد صاحب مطعم بالقلعة، حين أشار إلى أن المسؤولين والمنتخبين همهم الوحيد هو تسويق صورة وهمية عن القلعة كمدينة رومانسية تنتشر فيها الورود، ويوزع سكانها الابتسامات من فرط السعادة، كما يظهر من خلال ملصق المهرجان، لكن الواقع غير ذلك، فالرياح التي تهب بين الفينة والأخرى تدفع الزوار إلى إغلاق أعينهم لتفادي الغبار الموجود بكثرة على حافة الطريق التي تزاحمت فيها جحافل المتسولين القادمين من مدن أخرى قريبة، أملا في جمع صدقات بالعملة الصعبة من السياح، كما أن تواضع مستوى الخدمات يحول دون استفادة القلعة من عائدات السياح الأجانب لتبقى مجرد نقطة عبور، يسلكها عدد من عشاق السياحة الجبلية والمغامرات، في اتجاه مناطق أخرى مثل تنغير.
الفقر المدقع الذي يعاني منه بعض السكان يجعل من اللحم مادة استهلاكية نادرة الحضور في الموائد، فهنا على امتداد الطريق المؤدية من وإلى القلعة مرورا ببومالن أو ورزازات تشاهد نفس المناظر المؤلمة التي تصادفك في جبال الأطلس، لنساء مسنات بوجوه تكاد تلامس الأرض بفعل ثقل الحطب والعشب، الذي يتم جمعه قبل وضعه على الظهور، وقطع مسافات طويلة، هنا أيضا تكتشف مغاربة يعيشون بالبركة فقط، رغم أنهم يقطفون بأياديهم قبل شروق الشمس، ورودا تتحول إلى عطور تصنع السعادة لملايين النساء عبر
العالم.
تقول سيدة مسنة صادفناها تقطف الورود بأحد الحقول بعربية تغالبها الأمازيغية «هاد الورد عزيز علينا، لكن شي ناس قتلوه». قبل أن تضيف بتعبير صادم «هادي أرضنا، ولكن ولينا فيها غي خماسة عند الأجانب صحاب المصانع»، لتقطف وردة وتمنحنا إياها قائلة: «واش هاد الورد بصح الثمن ديالو تسعة دراهم للكيلو».
رغم كل شيء تبقى القلعة مكانا يستحق الزيارة بعيدا عن بهرجة المهرجان الباهت الذي قاطعه عدد من السكان، فيما غادره بعض السياح الأجانب وفي عيونهم علامات استغراب تقارن بين الصور الموجودة للقلعة في الانترنت، والوجه المشوه والصادم الذي اكتشفوه بعيدا عن المساحيق التي يحلو للمسؤولين وضعها، لتغطية عجزهم عن التدبير، باستثناء اجتهادهم في صرف ميزانية مهمة لبناء مقر مجلس البلدي ووضع واجهة رخامية له.

«الجوهر» الذي يختفي في أوراق الورود
حسب البحث الذي قام به الأستاذ محمد شبالي فإن الورود الموجودة بحوض دادس هي نوع من الورود الدمشقية ذات الأصل الهندي، وجدت طريقها إلى المغرب عبر إيران وسوريا من خلال المسالك التي كانت تخترقها تجارة القوافل التي كانت تعبر السودان والمشرق العربي.
كما تشير الدراسات التي أنجزت حول المنطقة إلى أن هذه الورود التي تنتشر أيضا في مناطق أخرى من العالم مثل تركيا وسوريا وبلغاريا وفرنسا، وجدت بدادس قبل الفتح الإسلامي، ومنه انتقلت إلى بعض البلدان الأوربية، وهي الدراسات التي ترجح أن يكون اليهود هم من عملوا على جلب الورود إلى دادس بحكم أنهم استقروا بالحوض منذ زمن بعيد، واهتموا بشكل خاص بالمزروعات القابلة للتسويق وإعادة التحويل وخاصة التين الذي يجفف لاستخلاص ماء الحياة منه.
زراعة الورود بالمنطقة ستعرف انتشار كبيرا في الحقبة الاستعمارية بعد أن شجع المقيم العام الفرنسي هذه الزراعة تزامنا مع إحداث أول معمل لتقطير الورود في سنة 1938، قبل أن يتم إحداث معمل آخر في سنة 1949.
الورود الموجودة بحوض دادس يتم تحويلها بعد المعالجة إلى مواد تستعمل في صناعة العطور، وكذا مستحضرات التجميل وبعض الأدوية، غير أن الأرباح المهمة تأتي من المواد العطرية التي يتم استخلاصها وتصديرها، كالجوهر الذي يتطلب تقطير ثلاثة أطنان من الورود، للحصول على لتر واحد، يباع بثمن جد مرتفع قد يعادل ثمن كيلو غرام من الذهب الخالص، ويختلف هذا الثمن حسب تقلبات السوق العالمية، علما أن الأثمنة التي تباع بها هذه المواد تحاط بنوع من السرية التامة.
إضافة إلى الجوهر يتم استخلاص الزيت المكثف، حيث ينتج كل طن من الورود ما قدره 2.4 كيلو غرام من الزيت المكثف وفي المرحلة الأخيرة يتم استخلاص ماء الورد في عينات تختلف جودتها.
وتشير الدراسات إلى أن المغرب يحتل المرتبة الثانية في إنتاج الجوهر المستخرج من النباتات العطرية بعد بلغاريا، وهو ما يحقق للمعامل المتخصصة في إنتاجه أرباحا مهمة بالنظر إلى السعر المتدني للمادة الأولية وتدني تكلفة الإنتاج
 
............................
 تسع سنوات من الاعتقال بين أحضان الشوك
نشر في هسبريس يوم 26 - 05 - 2009

بالرغم من أن رسام الكاريكاتير والكاتب المغربي محمد النضراني قضى تسع سنوات معتقلا دون محاكمة بين أحضان الورود وأشواكها في قلعة مكونة الشهيرة بموسم الورود السنوي في جنوب المغرب فلم يكره يوما الورود بل يتمنى أن يتلقى دعوة للرقص في مهرجان الورود السنوي الشهير. ""
وصرّح محمد النضراني على هامش اصدار كتابه الجديد "عاصمة الورود" الذي ألفه بالاشتراك مع عبد الرحمان القنوسي زميله في الدراسة والاعتقال "أحب الورود جدا جدا ولم أحملها يوما مسؤولية ما عانيته من سنوات الظلم".
وأضاف "نحن كمجموعة بنو هاشم نتساءل لماذا لا ينادون علينا عند الاحتفال بموسم الورود في قلعة مكونة.. سنحتفل ونرقص مع المجموعات الفولكلورية. شخصيا ليس لدي أي حقد على الظلم الذي تعرضت له".
ومحمد النضراني هو واحد من خمسة أشخاص "اختطفوا" في العام 1976 وسجنوا وعذبوا بسجن اكدز السري في قلعة مكونة وبقي مصيرهم مجهولا حتى العام 1984 حين أفرج عنهم.
واتهم أعضاء المجموعة التي أطلق عليها "مجموعة بنو هاشم" نسبة الى صديقهم التلميذ انذاك عبد الناصر بنو هاشم بالانتماء إلى جماعة "إلى الأمام" الماركسية اللينينية وكان باقي أعضاء المجموعة طلبة.
ووقع النضراني كتابه المشترك مع صديقه ورفيق دربه القونسي في العاصمة الرباط في 11 مايو/ أيار وينتظر أن يوقعه في الدار البيضاء في 28 من هذا الشهر.
وصاغ النضراني الكتاب -417 صفحة من الحجم المتوسط- بلغة فرنسية وهو يحكي معاناة المجموعة في معتقل اكدز السري.
وكتب عدد من المعتقلين السابقين وممن تعرضوا لانتهاكات في الماضي كتبا تحكي معاناتهم لكن النضراني قال إنها "تبقى غير كافية ومحدودة".
وأضاف "فيما يخص أدب السجون وأقصد الكتب التي كتبها معتقلون سياسيون سابقون وسجناء رأي لا تتعدى العشرة والكل أصبح يتحدث عن سيلان فيما يخص هذا اللون من الأدب."
وأضاف "بالعكس نفتقر إلى التعمق في هذه التجربة لا نستطيع أن نحكي تجربة سنوات طويلة في عشرة كتب".
وقال "لا يزال الشيء الكثير لنحكيه عن هذه التجربة بأية لغة كانت فأنا مثلا لا أتقن العربية لذلك ارتأيت أن أكتب بالفرنسية وممكن الكتابة حتى بالعامية المغربية ما اللغة إلا وسيلة."
ويقول النضراني إنه استوحى عنوان الكتاب من سؤال صحافية فرنسية للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني عما إذا كان يوجد معتقل سري بقلعة مكونة فأجابها "قلعة مكونة هي عاصمة الورود".
وكان النضراني قام مع مجموعة من الحقوقيين في العام 2002 بزيارة قلعة مكونة رافعين شعار "من أجل أن تستعيد قلعة مكونة ورودها" وقال في المقابلة "هدفنا أن تسترجع قلعة مكونة بيئتها ووسطها الحقيقي وهو الورود والجمال.. الذين أقحموا فيها سجنا سريا حاولوا اغتيال براءتها."
وأضاف عن المدينة التي تحتفي سنويا بمهرجان عالمي للورود "لكن الجمال والتراث لا يمكن أن يكون على حساب الذاكرة. يجب أن تبقى هذه الأخيرة حاضرة حتى لا يتكرر ما جرى في الماضي."
والنضراني هو أيضا رسام كاريكاتير اكتشف موهبته فجأة عندما كان معتقلا حيث صنع ريشة من قماش سرواله ورسم بالقهوة على الجدران وعلى أرضية المعتقل.
وسبق أن أصدر كتابين برسوم الكاريكاتير الأول يحكي معاناته منذ "اختطافه" وفترة سجنه والثاني يحكي قصة المقاوم المغربي عبد الكريم الخطابي. كما له عدة لوحات تشكيلية وكتابات.
(رويترز)
................
 كتاب عن التعذيب في عاصمة الورود
نشر في هسبريس يوم 14 - 05 - 2009


في الصورة المعتقل السياسي السابق محمد النضراني
أصدر سجين سياسي سابق، اتهم السلطات المغربية بانتهاك حقوق الإنسان وبالتعذيب خلال اعتقاله، كتابا في العاصمة الرباط أثار الجدل مجددا بخصوص أوضاع حقوق الإنسان في المملكة. ""
ويحكي الكتاب الذي يحمل عنوان: "عاصمة الورود" للسجينين السياسيين السابقين محمد النضراني وعبد الرحمن القونسي قصة تسع سنوات أمضياها في سجن بجنوب المغرب بدون محاكمة.
ويزعم النضراني والقونسي أنهما خطفا مع ثلاثة طلاب آخرين وعذبوا، واحتجزوا في سجن أكدز من 12 أبريل عام 1976 إلى 31 ديسمبر عام 1984، واتهم الخمسة بالانتماء إلى جماعة ماركسية لينينية سرية اسمها "إلى الأمام"، وبالتآمر للإطاحة بالملكية.
ويشير عنوان الكتاب "عاصمة الورود" إلى إجابة العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني على صحفي فرنسي سأله عن وجود سجن سري في قلعة أمكونة؛ حيث قال: إن البلدة لا تعرف إلا بمهرجانها السنوي للورود.
وخفف المغرب في السنوات القليلة الماضية -بعكس معظم الدول العربية الأخرى المتهمة بانتهاكات مماثلة- إلى حد بعيد الرقابة على القضايا المثيرة للجدل، وسمح بصدور كتب ألفها معتقلون سابقون، رغم نفي السلطات وجود سجون يسمح فيها رسميا بالإساءة للمعتقلين.
ورود أم أشواك؟
ودعا النضراني إلى وضع حد لكل انتهاكات حقوق الإنسان، وقال: "لا يمكن أبدا لأي إنسان أو أي فنان أن يكون هذا الورد، لكن في نفس الوقت هناك الأشواك.. أشواك الورد وهذا الوطن؛ ولهذا أظن أننا يجب أن نضع حدا لكل التجاوزات وكل الانتهاكات التي يمكن أن تقع فيها حقوق الإنسان".
ومنذ ارتقى العاهل المغربي الملك محمد السادس العرش في مطلع القرن تسعى المملكة إلى التخلص من أي انتهاكات كانت ترتكب في الماضي.
وأنشئت هيئة للإنصاف والمصالحة برئاسة الناشط الحقوقي الراحل إدريس بن زكري الذي كان أيضا سجينا سياسيا؛ لدراسة ملفات كل المعتقلين السياسيين السابقين الذين تعرضوا للتعذيب والسجن والنفي بين عام 1958 الذي نال فيه المغرب استقلاله وعام 1999 عندما تولى الملك محمد السادس العرش.
وفحصت هيئة الإنصاف والمصالحة ملفات أكثر من 20 ألف حالة، وحصل الضحايا أو ذووهم على تعويضات مالية، بينما أعيد من لا يزال يستطيع العمل منهم إلى عمله السابق.
غير كاف
لكن بعض منظمات حقوق الإنسان ما زالت غير راضية عن مستوى التغيير الذي أجراه المغرب خلال العقد المنقضي، وتطالب بتعديلات جذرية للدستور.
وما زالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تطالب باعتذار من الملك شخصيا لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وبدستور جديد للبلاد.
وذكر عبد الحميد، أمين النائب الأول لرئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن الدستور الحالي الذي صدر عام 1996 ليس ديمقراطيا، ولا يهيئ الظروف الملائمة لدولة تحترم القانون والعدالة.
وأضاف أمين قائلا خلال الاحتفال بتوقيع المؤلفين على كتاب (عاصمة الورود): "من الطبيعي أن نجد أن هناك إفلاتا من العقاب معمما، سواء بالنسبة للجرائم في المجال السياسي، أو في المجال الاقتصادي، أو حتى الجرائم في المجال الاجتماعي".
ويمكن ملاحظة التغير في أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب من العدد القياسي للاحتجاجات والاعتصامات التي تشهدها أنحاء المملكة يوميا، وكان تنظيم احتجاج أو الاشتراك فيه في الماضي جريمة يعاقب عليها، لكن كل من يعتقد أن حقوقه انتهكت يستطيع حاليا في معظم الأحيان تنظيم احتجاج دون أن يجلب على نفسه غضب وتنكيل قوات الأمن.
ومن أمثلة ذلك اعتصام شارك فيه مجموعة من السجناء السياسيين السابقين أمام مقر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في الرباط منذ 28 أبريل، وبدأ المعتصمون إضرابا عن الطعام أمس الأربعاء.
وكان المعتصمون احتجزوا خلال إضراب عن العمل في قطاع التعليم بالقنيطرة، وذكر أحد المشاركين في الاعتصام يدعى مصطفي بوزاري، الذي قضى عامين في السجن وفقد عمله في التدريس، أن بعض توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة لم ينفذ، وأن بعض المعتقلين السابقين لم يعودوا إلى وظائفهم السابقة.
وقال بوزاري: "صدرت عن هيئة الإنصاف والمصالحة قرارات تم تنفيذ شق منها يتعلق بجبر الضرر الجماعي وجبر الضرر الفردي.. بالنسبة لهذا الأخير تم تطبيق شقي التغطية الصحية والتعويض المالي.
ونأسف على عدم تطبيق توصية الإدماج والوضعية الصحية، ونحن غير مسئولين عن مسألة التسويف".
وأكد أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والسجين السياسي السابق، أن خطوات كبيرة تحققت نحو إصلاح أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، لكن ثمة خطوات أخرى كثيرة على الطريق.
وقال: "لا يمكن أن ننكر أن ما تم إنجازه معتبر ومعتبر جدا، لكن مع ذلك فالطريق طويلة خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.. نحن واعون لهذا ونستعد له، ومن يهمه تقدم حقوق الإنسان في المغرب يجب عليه أن يساهم في هذه الورش المفتوحة".
وفي الشارع الرئيسي بالرباط يشارك آلاف من الخريجين في احتجاجات يومية للمطالبة بحقهم في الحصول على عمل بعد نيل درجاتهم الجامعية، وتتدخل قوات الأمن بقسوة أحيانا في تلك الاحتجاجات، لكن الخريجين يسمح لهم في معظم الأحيان بالتنفيث عن غضبهم بطريقة سلمية.
 
.....................
 إصدار : «مدافن» كتاب جديد يغني أدب السجون المغربي



صدر للمختطف السابق ضمن مجموعة «بنوهاشـم»، محمد الرحوي، كتاب يحكي عن تجربة تسع سنوات من الاختطاف في مدافن «الكومبليكس» بالرباط وأكدز وسكورة وقلعة مكونة، خلال السبعينيات والثمانينيات.
دون محاكمة، عرف المناضل محمد الرحوي، صحبة رفاقه، مختلف أشكال التعذيب النفسي والجسدي، وكافة أنواع الحرمان من أبسط حقوق الإنسان. حرمان من أية زيارة عائلية، حرمان من القراءة ومن الدراسة... عزلة مطلقة عن العالم الخارجي.
شهادة جديدة جاءت لتغني ما اصطلح عليه بأدب السجون، ولتلقي الضوء على جزء مظلم من التاريخ الحديث لبلادنا، في زمن يصارع فيه المغرب لطي هذه الصفحة المؤلمة من تاريخه ولوضع لبنات مصالحة للمغاربة مع تاريخهم.
غلاف «مدافن، وقائع اختفاء قسري» من إنجاز محمد نضراني، والتقديم من عبد الناصر بنو هاشم، رفيقي محنة محمد الرحوي.