الأحد، 6 ديسمبر 2015

ملك المغرب و التاريخ ... وجها لوجه-تدبير القصور الملكية بالمغرب

تدبير القصور الملكية بالمغرب لم ينج من الفساد

برزت مؤخرا بالمغرب قضية السطو على أحد القصور الملكية بمدينة مراكش، و قد كشفت كل الصحف المغربية عن هذا الحدث و اهتمت به. و قبل هذا كان محافظ القصر الملكي بآكادير الكولونيل ماجور مصطفى الهيلالي قد أتهم بالاختلاس و تحويل أموال تقدر بالميالين لحسابه الخاص. كما عاين المغاربة انكشاف خيوط فضيحة أخرى مرتبطة هذه المرة بالقصر الملكي لدرب السلطان بالعاصمة الاقتصادية للمملكة: الدار البيضاء، لاسيما و أن المحافظ السابق ، الحسين زربان خضع للتحقيق في أمور تدبيره لميزانية تسيير القصر.
و كل هذه القضايا لم يكن يتصور المرء التطرق إليها في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إذ في عهده كان كل ما له صلة بالقصر بشكل أو بآخر بمثابة المقدس، و بالتالي من المحرم الخوض فيه. و هذا التعتيم آنذاك دفع إلى تناسل الأحاديث بين الفئات الشعبية حول تدبير الأمور الحاصلة بالقصور الملكية و كذلك تصورات و حكايات أجواء ألف ليلة و ليلة و عدد الحريم و غير ذلك.
و من المعلوم أن المغرب يضم 15 قصرا ملكيا، و على رأس كل واحد منه محافظ القصر الملكي، و غالبا ما يكون أحد الضباط السامين في الجيش الملكي، و كل قصر من تلك القصور له طاقمه، وموظفون و مهنيون و أطباء و ممرضين و محاسبون و مستخدمون و سائقون و خدم.
و كل هذه القصور لا تحضى بنفس الأهمية، فهناك قصور أشهر من أخرى، و على رأسها قصر العاصمة الرباط المشيد سنة 1864، و هو الذي يضم الكتابة الملكية الخاصة و مكتب الوزير الأول و المجلس الأعلى للقضاء و المدرسة المولوية و الثكنة الملكية. و هناك قصر الصخيرات الذي كان مسرحا للأحداث المرتبطة بانقلاب صيف 1971، و هو قصر شُيد على الشاطئ و يحتضن ملعا للكولف من الدرجة العالية. و هناك قصر بوزنيقة المشهورة بمناخها المتميز، و قصر العاصمة الاقتصادية للمملكة، الدار البيضاء، الذي احتضن القمة الأولى لمنظمة المؤتمر الاسلامي سنة 1969 بعد حرق المسجد الأقصى و كذلك زيارة البابا سنة 1985 الأولى من نوعها على أرض بلد مسلم.
و هناك قصر مدينة مراكش وسط المدينة الشعبية، الذي يمتد على عشرات هكتارات و فيه كان الاعلان على ميلاد اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1982، و به أبرمت اتفاقيات "الكاط" في 15 أبريل 1994. و هناك قصر فاس الذي احتضن القمة العربية 12 و ذلك في شهر سبتمبر 1982 بحضور حافظ الأسد و صدام حسين. و قصر ايفران الذي اشتهر بالمحادثات و اللقاءات مع الاسرائيليين، ففي يوليو 1986 كانت زيارة شمعون بيريس و قبل ذلك بعشر سنوات زاره موشي دايان. و هناك قصر تطوان المشيد في القرن السابع عشر.
لكن الملك محمد السادس يفضل الاستقرار في الاقامات الخاصة عوض القصور الملكية التي يعتبرها الآن مكانا للعمل ماعدا إذا دعت الضرورة لذلك من الناحية الرسمية.
صناعة القرار السياسي بالمغرب
لقد لاحظ الجميع أن أهم القرارات التي عرفها المغرب منذ 4 سنوات على الأقل الى الآن كانت صادرة عن القصر و أن أجدى المشاريع في مختلف القطاعات و الميادين كانت خلال هذه الفترة من صنع القصر و إبداعه. و قد تأكد هذا المسار في وقت كثر فيه الحديث عن المسلسل الديموقراطي و التناوب على السلطة بمفهومها الجديد و عن أهمية دور الطبقة السياسية و تنظيماتها.
و منذ بدأ الحديث عن التناوب اعتقد الجميع أنه ستحدث تغييرات فيما يخص آليات اتخاذ القرارات، لاسيما فيما يتعلق بإقتسام السلطة بين القصر و الفاعلين السياسيين بالمغرب، بل أكثر من هذا، هناك من تحدث على نموذج الملكية البرلمانية على غرار الملكية في بريطانيا. إلا أن المسار على أرض الواقع اتخذ اتجاها آخر مخالفا لما كان منتظرا. لاسيما و أنه تبين أن التناوب التوافقي كان بالأساس لإعادة ترتيب الأوراق و التوازنات، و قد لعب عبد الرحمان اليوسفي دورا حاسما و حيويا في هذا المضمار. و سرعان ما ظهر من جديد أن آليات القرار لا تتخطى دائرة القصر و الدائرة الاستشارية و الهيئات التقنوقراطية غير المسيسة ذات العلاقة الوثيقة بمركز الحكم. و هكذا تبين أن المسلسل الديموقراطي مازال في في بداية بداياته بالمغرب، لاسيما و أن حكومة إدريس جطو، ذات طبيعة تختلف عن حكومة اليوسفي، إذ أنها ذات بنية تقنوقراطية، و قد تقوت هذه البنية بجلاء بفعل قصور الفعاليات السياسية في التأثير على القرارات المتخذة. و هكذا أضحى القصر يقود مشروع الاصلاح و مشروع المجتمع الحداثي لدرجة أنه يظهر كفاعل أول و وحيد على أرض الواقع في هذا المجال، و لا يظهر أثر لا للأحزاب السياسية و لا للبرلمان و لا للنخبة السياسية في هذا الصدد.
و زاد الطين بلة في وقت تجلى فيه ضعف الساسة و عدم كفايتهم و ابتعادهم عن تحمل المسؤولية و ممارستها. و بذلك أضحت الساحة خالية لتدخل التقنوقراطيين الذين أصبحوا يساهمون بشكل كبير في صياغة القرار عوض السياسيين كما هي القاعدة في كل الديموقراطيات. و تنضاف الى ذلك وضعية البرلمان الحالية و واقعه، لاسيما فيما يرتبط بفساد بعض ممثليه و دورهم الصوري و عدم قدرتهم على القيام بدورهم ما عدا الحضور للمصادقة، لاسيما فيما يخص المراقبة و المتابعة و قوة الإقتراح و النقد و الابتكار في بلورة حلول للإشكاللات المطروحة. و لعل هذا الواقع، علاوة على فشل الأحزاب و النخبة السياسية يشكلان السبب الرئيسي في تغيير مجرى السياسة و الحكم بالمغرب حاليا. لقد كان من الضروري أن يسد القصر الفراغ، و قد نتج عن هذا الوضع اضطلاع أشخاص غير منتخبين، و إنما مختارين، بالتحكم في آليات بلورة القرار بالمغرب. و أضحى هؤلاء، في الواقع الفعلي، يقومون مقام الساسة و أحيانا كثيرة مكان حتى المؤسسات الدستورية.
و هذه نتيجة طبيعية و منتظرة بفعل ضعف الحقل السياسي الناتج عن ضعف تعبئة المواطنين من طرف الأحزاب السياسية المغربية و تأطيرها لهم، أي و بكل بساطة، فشلت فشلا دريعا و أفلست إفلاسا واضحا و غير مسبوق على مستوى التأطير و التعبئة، و كذا على مستوى انتاج و إعادة إنتاج النخب المؤهلة. و بذلك تكون الأحزاب المغربية قد فرطت مرة أخرى في موعدها مع التاريخ عندما كان المطلوب منها هو إعادة النظر في نفسها و أوضاعها و مهمتها و دورها و بنيتها و هيكلتها و أسباب وجودها أصلا، و لم تقم بذلك لحد الآن بل ربما قامت بعكس المطلوب، إذ بالرغم من أن عدة أصوات نددت بغياب الديموقراطية داخلها و بسيادة ثقافة الزعامة فإنها لم تعر أي إهتمام للأمر. و قد وصلت هذه الأحزاب الى وضعية أصبحت الملكية – والتي يقال أنها تقليدية- تطالب الأحزاب السياسية بتحديث نفسها لتتمكن من مسايرة متطلبات العصر و هذه وضعية قل نظيرها في العالم.
و الغريب في الأمر أن بعض هذه الأحزاب كانت و لازالت تطالب بالتخلي عن الطبيعة المخزنية للحكم في المغرب في وقت يقود فيه القصر قاطرة الحداثة بالمغرب حاليا بدون منافس على الساحة.
و خلاصة القول أن واقع المغرب الحالي يعرف و يعاين تجميع كل الشروط لاحتكار اتخاذ القرار على كافة المستويات بفعل عدم قدرة المؤسسات الدستورية و الأحزاب السياسية و النخب السياسية على القيام بالدور المنتظر منها باعتبار أن الطبيعة لا يمكنها أن تتحمل فراغا.
المخزن و البادية بالمغرب
ظل المخزن (*) حريصا على إبعاد البادية و الفلاح المغربي عن السياسة و المساهمة في الركح السياسي، و ذلك قصد الاستعمال كورقة ضغط ظلت دائما و أبدا بيد القصر في مواجهته لكل القوى التي طالبت بالتغيير.
لقد شدد النظام السياسي بالمغرب قبضته على العالم القروي المغربي و منع منعا كليا و ممنهجا الحركة الوطنية من التواصل مع هذا العالم الذي ظل يحتضن أغلب ساكنة البلاد و لا يزال، و وقف في وجه أي تجدر لها في البادية و الأرياف المغربية. و هذا ما فعله كذلك الاستعمار الفرنسي و استمر في الحرص عليه المخزن بعد الاستقلال سنة 1956. و تشدد فعله هذا خلال ستينات القرن الماضي. و هذا ما ساهم في تغليب كفة النظام السياسي المغربي المائلة دائما في اتجاه مناهضة أي تغيير و الحرص على بقاء دار لقمان على ما عليها و إعادة إنتاج التقليد و تعميمه.
و هذا واقع جعل البادية – و إلى حد الآن- بعيدة عن المساهمة في سيرورة التحديث السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي، و عن إشكالية الديمقراطية و حرية المرأة و مشاركة الشباب و دمج البادية في الحياة السياسية كإشكاليات مهمة و حيوية بالنسبة لمستقبل البلاد، باعتبار أن طبيعة التعاطي معها هي المحدد للمستقبل القريب البعيد للمغرب و كل المجهودات في هذا المضمار لازالت جد محتشمة.
(*) المخزن مفهوم و مصطلح يختزل في ذات الوقت بينة و طبيعة و آليات وجود الدولة بالمغرب.
استطلاع الرأي حول الهدف الرئيسي من الدستور
في وقت من الأوقات اهتمت جملة من وسائل الإعلام الصادرة بالعربية أو بالفرنسية بإشكالية الدستور و تعديله. إلا أن رأي المواطن تم تغييبه كليا من ذلك الجدال الذي بدا كأنه مفتعل و لا يجد صداه وسط أغلبية الشعب المعربي. و بذلك كانت الفكرة في إجراء استطلاعا للرأي حول الدستور وسط عينة من المواطنين. و كان السؤال الوحيد هو: ما هو الهدف الأساسي من الدستور؟
و كانت العينة المستجوبة مكونة من 250 شخصا من أصل عينة ضمت 300 . و قد قدرت النسبة الكلية للخطأ في هذا الاستطلاع بزائد أو ناقص 3 في المائة.
و بلغت نسبة الذين استجوبوا بالمدينة 60 في المائة من العينة ، و بالبادية 40 في المائة. و كانت نسبة المشاركة حسب الجنس 58 في المائة ذكورا و 42 في المائة إناثا. أما فيما يخص التوزيع العمري ، فقد شكلت الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة 28 في المائة من العينة و الفئة العمرية من 25 إلى 34 سنة 30 في المائة ، و الفئة العمرية من 35 سنة إلى 43 سنة 25 في المائة و الفئة العمرية من 44 إلى54 سنة 14 في المائة و ما فوق 55 سنة 3 في المائة.
و كانت النتيجة كالتالي:
ما هو الهدف الرئيسي من الدستور؟
لا أعرف 14 في المائة
حماية المستضعفين 3 في المائة
حماية أغلب السكان 50 ، 8 في المائة
الحد من سلطات الملك 13 في المائة
تحديد طبيعة الحكم بالبلاد 05 ، 22 في المائة
تحديد الواجبات و حماية الحقوق 39 في المائة
المغرب غدا
يبدو ، و بجلاء ، أن المشهد السياسي و الحزبي المغربي لازال مقيدا بالعديد من المعوقات لاسيما الذاتية والمقومات السياسية والدستورية والتشريعية والادارية، تجعل المجتمع المغربي يكرس ،من حيث لا يدري و من حيث يدري ، جملة من آليات إنتاج و إعادة انتاج نفس الأنساق السياسية القائمة، و ذلك بفضل فاعلين ونخب جديدة ، وبتأسيس لتجارب تتمظهر كأنها ، على الآقل خطابا و مظهرا، قطعت قطعا كليا مع التجارب السياسية السابقة في إدارة و تدبير الشأن العام و التعاطي معه، و بذلك قد يُعتقد أنه هناك تأسيس لتجربة نوعية جديدة مغايرة . لكن على أرض الواقع المعيش يتبين و بجلاء أن هناك استمرارية بل أكثر من ذلك، فالمرء في المغرب يشعر و بالمملموس كأن التاريخ المغربي يعيد نفسه و قد يبدو و أنه مستنسخا في أكثر من قضية حاسمة.
و يرى أغلب المحللين السياسيين أن أسباب الانحصار السياسي و احتناقه ترجع إلى غياب الإرادة السياسية الفعلية لدى السلطة في المغرب، في إعادة التعاطي مع مبدا اقتسام السلطة على قاعدة الديمقراطية بمفهومها الكوني . لاسيما وأنه تأكد بما لايدع أدنى مجالا من الشك أن التطورات السياسية التي عرفها المغرب وعبر كل التجارب الانتخابية والاستشارية لم تؤد إلا إلى ديمقراطية مشوهة وغير متوازنة لأن السلطة في المغرب غير قابلة للتداول وأن الانتخابات تجري بدون رهانات سياسية واضحة، ولا تشكل بثاتا مجالا للتباري أو التنافس الديمقراطي حول البرامج والمشاريع المجتمعية المتباينة و المستندة على رؤية واضحة المعالم ومحددة المقاصد . و بالتالي لا يمكن أن يسفر عن ذلك ، سوى أجهزة متجاوزة قبل شروعها، جهاز تنفيذي ضعيف، ومجردا من الصلاحيات التنفيذية الحقيقية، ولا دور له إلا الحرص على تطبيق القوانين . و مما زاد من تهميش الحكومة في ظل العهد الجديد، تلك السلطات الواسعة التي منحت للولاة والعمال على المستويين الاقتصادي والسياسي .
و يقول المتخصصون في القانون الدستوري و كذلك المحللون السياسيون أن عدم اعتماد الفصل الحقيقي للسلط، وتمركزها في يد المؤسسة الملكية، أعطى لحكم هذه المؤسسة سلطة مطلقة، أصبح معها الملك، وفقا لمنطوق الدستور، له صلاحية تعيين الوزير الأول دون التقيد بما يسفر عنه الاقتراع في الانتخابات ( و هذا ما أوضحه تعيين إدريس جطو على رأس الحكومة بعد انتخابات 27 شتنبر 2002). كما يمنح الدستور الملك صلاحية وضع حد لمهامه، ومهام الوزراء، لأن الحكومة مسؤولة أمامه قبل أن تكون مسؤولة أمام البرلمان و هذا ما ينص عليه الفصل 60 من الدستور المغربي ، وبذلك تصبح الحكومة تحت الإمرة، والسلطة ذات رأسين من الناحية الشكلية و المظهر ، لكنها ذات رأس واحد من الناحية الفعلية و العملية و بذلك ينتفي دور الوزير الأول المعين.
و اعتبارا لهذا الوضع اهتم البعض بمحاولة ترصد المنحى العام لمستقبل المغرب، و قد انفرزت جملة من الرؤى ذات مسارات متباينة. و لعل من الاحتمالات التي قد تؤيدها صيرورة تطورات بعض العوامل البارزة حاليا ، هو احتمال سير المغرب نحو نظام حكم شمولي يجد مرتكزه في المشروع المجتمعي الأصولي، الذي يتغدى ويتطور من فشل المشروع الديمقراطي، و الذي يزيد من تقويته الفشل الذريع و الساطع لتجربة التناوب السياسي والتراجع الكبير للكتلة الديمقراطية بالبلاد و استمرار تخبط مكوناتها في إثبات الوجود الذاتي الفعلي ، وكذلك منحى تردي الأوضاع الاجتماعية و المعاشية العامة لأوسع فئات الشعب المغربي الذي ظل ينتظر واقع الحال منذ حصول البلاد على الاستقلال. إلا أن هذا الاحتمال قد تقلصت إمكانية حدوثه بفعل أحداث 16 مايو الارهابية بالدار البيضاء، و التي أول ما فرضته هو تفكيك البنية السياسية للاتجاهات المتشددة و المتطرفة، و سرعت ، بشكل ملفت للنظر، بالإدماج الكلي للاتجاهات المعتدلة، و على رأسها حزب العدالة والتنمية في نسق النظام السياسي، وتراجع اتجاهات أخرى على صراعها البين على السلطة و على رأسها جماعة العدل والاحسان. و كل هذا ساهم في سيادة نوع من الخوف لدى عموم المواطنين مما يمكن أن يؤدي إليه المشروع الأصولي تداعياته .
و المنحى الثاني يتجه نحو الابقاء على الوضع السائد على ما هو عليه مع إمكانية التراجع إلى الوراء على بعض المكتسبات المحققة و بعض التطورات التي عرفها المغرب . و في أفضل الحالات الرجوع إلى نمط تيكنوقراطي في التدبير و الاعتماد على خطة وضع وزير أول تيكنوقراطي على رأس الحكومة مهما كانت نتائج الاقتراع . و بالموازاة مع ذلك الاستمرار في الاعتماد على المؤسسات غير دستورية ( الصناديق و المؤسسات الخاصة المرتبطة بالقصر) في ملء الفراغ في الميادين الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية، تقوم به ما كان من المفروض أن تقوم به حكومة فعلية لها برنامج و رؤية واضحة. علما أن هذه المؤسسات ، حسب البعض،تشتغل بمال الشعب لكن خارج مسؤولية الحكومة لكونها ترتبط مباشرة رأسا بالمؤسسة الملكية، كما أنها غير خاضعة للمراقبة التنفيذية والتشريعية. و قد تقوى هذا المنحى بفعل اتخاذ العديد من الاجراءات والتدابير، وسن الكثيرمن القوانين المقلصة فعلا و فعليا من مساحة المجال المدني و الحريات لفائدة المجال المقدس و الإقرار بالمزيد من الخطوط الحمراء، كقانون محاربة الارهاب و كقانون الصحافة ومشروع قانون الأحزاب. وقد تمكن تعميق هذا المسلسل بفعل أحداث 16 مايو التي تمخض عنها قانون الارهاب، الذي قوى، و بشكل قوي، من عنصر الهاجس الأمني الذي ظل ثابتا من توابث سياسية القائمين على الأمور بالبلاد ، وما ترتب عن ذلك من تقليص مجال الحريات والتجاوزات الأمنية التي رافقت تلك الأحداث و التي تم الاعتراف بحدوثها بما لا يترك أي مجال من الشك .
و بخصوص المنحى الثالث و هو ما يطمح إليه أغلبية المغاربة فهو نظام حكم ديمقراطي حقيقي. إلا أنه و بشهادة الجميع ، أن هذا المشروع غير قابل للتحقق في المدى المنظور . و مما يقوى هذا الشعور الفشل الكبير لتجربة التناوب التي خرجت منه أحزاب الكتلة الديمقراطية مفككة، و التي مازالت إلى حد الآن لم تقو قطعا على تحقيق و لو الجزء اليسير من ما تسميها الحد الأدنى من مشاريعها وبرامجها، بل هي الآن لا تسعى إلا إلى البحث عي كيفية مواجهة التصدعات السياسية والتنظيمية التي تنخرها. و قد زادت من تكبيل أفقها بإسقاطها لمطالب الاصلاحات الدستورية من حسبانهاو من أجندتها الراهنة إن كانت فعلا تتوفر على ما يمكن أن نسميه أجندة سياسية أصلا. و مما يقوي شعور بأن إحقاق نظام ديمقراطي حقيقي غير قابل للتحقق في المدى المنظور، الضعف الحالي للقوى الحية الحاملة لمشروع التغيير الديمقراطي الحقيقي . كل هذا يدفع إلى الاعتقاد إلى أن إمكانية تحقيق إقامة ديمقراطية حقيقية، غير قابلة للانجاز في المدى المنظور إلى حد الآن .
لذلك يرى الكثيرون أن إشكالية الاصلاحات الدستورية تكتسي أهمية قصوى في سلم ترتيب الأولويات حاليا بالمغرب لأنها هي الوحيدة الآن التي من شانها إعادة أنعاش الشعور بإمكانية الاقرار بنظام ديمقراطي فعلي بالمغرب في المدى المنظور، لاسيما و أن تجربة الاصلاح السياسي التي وضعتها أحزاب الكتلة الديمقراطية في أولوية برامجها و حاولت مباشرتها من موقع المشاركة في السلطة قد آلت إلى الفشل الذريع الذي زاد من إحباط المغاربة .
و بالضبط هذا الفشل الذريع يؤكد هو كذلك ، إن كانت هناك حاجة إلى التأكيد ، ضرورة الاصلاح الدستوري كمدخل مركزي و حيوي و ربما وحيد الآن ، لعملية التغيير الديمقراطي الحق، إنه حجر زاوية أي انتقال ديمقراطي مستقبلي بالمغرب طال الزمن أم قصر.لأنه بكل بساطة يعتبر اصلاح أولوي قصد فصل حقيقي للسلط، ولمنح هوامش كبرى لمؤسسة الحكومة ومؤسسة الوزير الأول، ولإعطاء إمكانيات حقيقية للمؤسسة التشريعية في المراقبة والتشريع الفعليين . و إصلاح من هذا النوع بالمغرب حاليا يتطلب إرادة سياسية قوية، قادرة على القطع مع كل أشكال التدبير و الادارة و التسيير السابقة في كل المجالات و مختلف الميادين، لأنه بكل بساطة لا يمكن تأسيس مجتمع ديمقراطي حقيقي على قاعدة البنى السياسية العتيقة مازال يتحكم فيها أشخاص أدانهم التاريخ سواء بالفساد الأكيد و بإقتراف انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان بالجملة بل هناك منهم من اقترف جرائم في حق الانسانية. و بذلك يكون الاقرار بإصلاح دستوري جذري هو أقصر السبل و أفضلها للعباد و للبلاد لتمكين المغرب ليصبح بلدا ديمقراطيا في المدى المنظور و ما عدا هذا فكل شيء ممكن ما عدا الديمقراطية.
الشباب بالرغم من كل شيء يجب أن تكون الكلمة كلمتهم
إن الشباب المغربي، بالرغم من ظروف التهميش و الاقصاء و آليات التفقير... رغم كل هذا يجب أن تكون الكلمة كلمتهم لأنهم أقرب إلى روح العصر من الأحزاب و التنظيمات القائمة عندنا حاليا و التي فشلت فشلا ذريعا في احتواء الشباب و التواصل بفئات المجتمع المغربي الأكثر قربا لروح العصر من غيرها.
إن الذين لا يعتبرون أن الكلمة حاليا وجب أن تكون للشباب سيئون في نواياهم لأنهم متشبتون بتلك الأساليب و المناهج التي دمرت حياة فئات واسعة من الشباب المغربي و أذاقتهم الذل و أعاقت مساهمتهم الفعلية في تطور بلادهم عبر احتلالهم موقعا تحت شمسه.
و الشباب المغربي لا يطلب المستحيل ، إنه لا يطلب إلا حرية التفكير بناءا على رغبته و امكانية اختيار مستقبله و نوع دراسته و طريقة تفكيره، و السماح إليه من تحقيق النجاح الضروري الذي أضحى ضرورة واجبة في زمن التفوق ، باعتبار أن اقتصاد الريع و استغلال المواقع و التمتع بالامتيازات لا يمكنه تحقيق بلوغ مستوى عيش كريم لأغلب المغاربة و هذا ما أكده التاريخ و لازال لحد الآن.
فإذا كان شباب ستينات و سبعينات القرن الماضي عاشوا في الحرمان و في خوف دائم من السلطة و رجالها الأميين في أغلبيتهم ، لذلك فرض عليهم أن يمارسوا الحرية في السرية و الخفاء مما ضيع على صفوتهم المشاركة في بناء مستقبل البلاد من أجل غد أفضل.
لكن شباب اليوم، الذين هم أقرب إلى روح العصر من غيرهم، يعانون من أمر آخر، و هو عدم الشعور بأنهم يحتلون موقعا تحت شمس وطنهم في زمن كثر فيه الخطاب عن المساواة و الديمقراطية و حقوق الانسان و دولة الحق و القانون.
و تصاعد هذا الشعور لدرجة أنه قضى على حياة فئات واسعة من الشباب المغربي أمضوا أجمل سنوات عمرهم مهمشين كليا، أحسن ما في عمر الانسان، بين 25 سنة و 35 سنة قضوها علة على المجتمع و لم يتمكنوا من المساهمة في بناء غد أفضل على الأقل لبلادهم ما دام أن الشروط لم تسعفهم على الزواج للتفكير في مستقبل أبنائهم.
و مهما يكن من أمر فالكلمة بالمغرب يجب أن تكون كلمتهم قبل غيرهم أراد من أراد و كره من كره.


هناك تعليقان (2):

  1. توصيات العالم لا تكفي لمحو آثار جريمة كانت أقرب إلى التطهير الطبقي

    ما حدث يوم 20 يونيو 1981 بأحياء الدار البيضاء عقب الإضراب الوطني الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الاشتراكي كان فظيعا بكل المقاييس.
    آنذاك أعطى إدريس البصري، وزير الداخلية الأسبق، أوامره للقوات الأمنية والعسكرية لحرق الأرض ودكها فوق قاطنيها وتحويل أحياء مثل سيدي البرنوصي والحي المحمدي وعين السبع وابن امسيك وحي الفرح إلى معتقلات مفتوحة للتعذيب والقتل بأبشع الطرق والتنكيل بالأبرياء والشيوخ والعجزة واقتحام المنازل وجر أحيائها، مثل النعاج، وشحنهم في شاحنات البلدية إلى المجهول، وفي أحسن الأحوال تفريغهم في الغرف الضيقة للمقاطعات التي قضى فيها عشرات الضحايا خنقا.
    كانت الصورة بشعة، غارقة في الدم والإجرام عن سبق إصرار وترصد، موغلة في الفداحة والقذارة وأنواع الانتهاكات الجسيمة وغير الجسيمة وكل ما يرتبط بها من مفردات ومعاجم الخزي والعار التي ستظل تطارد المغرب إلى عشرات العقود المقبلة.
    كان المشهد أقرب إلى عملية تطهير غير معلنة، فقط لأن "الجياع" اختاروا، هذه المرة، توديع محراب الصمت والخروج إلى الشوارع طلبا لكسرة خبز بعد أن شبعوا وعودا وخطابات، وأصاب التقشف الميزانيات الاجتماعية وأصيبت صناديق الموازنة والمقاصة بالتشقق وأعطاب السياسات الاقتصادية والمالية التي كانت تفوح منها روائح كريهة لعمليات التهريب والمخدرات والفساد المالي وتسمين بورجوازية احتكارية وانتهازية ناشئة أتت على الأخضر واليابس ووضعت البلد برمته على حافة الانهيار والفتنة.
    1981، سنة فارقة في تاريخ المغرب، تحولت فيها الدولة إلى ناقة جافلة تخبط خبط عشواء في جميع الاتجاهات، وكان منتظرا أن تقابل أي رد فعل من طرف المجتمع على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الكارثية بوابل من الرصاص الحي والقتل والقمع المفرط المؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وإطلاق العنان إلى الاعتقالات العشوائية وتسخير القضاء لإصدار أحكام بعشرات السنين على شباب في مقتبل العمر، أغلبهم، وجد نفسه في زنازين للاعتقال والاختناق ولم "يعمل لا بيده ولا برجله".
    وحين تأكد إدريس البصري أن الأمن استتب في الشارع والفضاءات العامة بالطريقة الوحشية التي رآها مناسبة، خرج مبتسما على نواب الأمة يزف لهم الخبر، واصفا الضحايا والشهداء بـ"شهداء كوميرا"، في ما يشبه التهكم والتحقير من مطلب مشروع يتعلق بتوفير المواد الغذائية الأساسية، وضمنها الخبز، بأسعار لا تشتم منها رائحة الشواط.
    وبسبب "سحر" وزير الداخلية، آنذاك، على الطبقة السياسية وبعض النخب الإعلامية، تحولت أحداث 20 يونيو، على مدى سنوات، إلى "طابو" جديد في المغرب، إذ كان مجرد التداول فيه يعني التشكيك في رواية الدولة التي حسمت الموضوع وأدخلت من أسمتهم "المشاغبين" و"المتمردين" و"المخربين" و"ذوي السوابق" إلى السجون والمعتقلات.
    وحتى حين اضطر زملاء إدريس بنزكري للتفتيش في الملف، ضمن أشغال هيأة الإنصاف والمصالحة، تعمد البعض أن يقول نصف الحقيقة فقط، وتجنب الاستماع العمومي إلى الشهود والضحايا وذوي الحقوق لسرد المشاهدات الفظيعة ورفع ستار الصمت على الأساليب الفادحة التي اعتمدها نظام الملك الراحل في قمع احتجاجات ومظاهرات شعبية أغلبها كان سلميا مؤطرا من طرف هيآت نقابية وحزبية معروفة.
    إن الضحايا، الذين ما فتئوا يسجلون ملاحظاتهم على تقرير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الخاص بتفعيل توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة في شق ملف أحداث 20 يونيو 1981، هم أنفسهم الذين يطالبون بالكشف عن حقيقة ما جرى في ذلك اليوم الأسود، لمعرفة من أصدر التعليمات باستعمال العنف المفرط في حق مواطنين عزل مارسوا حقهم في التظاهر في الشارع والمسؤول المباشر عن تلك الأحداث من ألفها إلى يائها، والكشف عن مقابر جماعية أخرى، غير مقبرة ثكنة الوقاية المدنية بالحي المحمدي، وأساسا الكشف عن نتائج التحليلات الجينية لتحديد هوية الضحايا، باعتبار ذلك “يشكل أحد المنافذ المؤدية فعليا إلى الطي النهائي لصفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”، حسب تعبير أحد هؤلاء الضحايا.

    يوسف الساكت

    ردحذف
  2. عبدالاله بوسحابة : أخبارنا المغربية

    سيذكر التاريخ المغربي بما لا مجال للنسيان أو التناسي ، ذكريات و لحظات سوداء من تاريخ المغرب ، و تحديدا مدينة البيضاء التي عاشت يوم 20 يونيو 1981 على ايقاع الدم و القتل و السجن ...كيف ذلك ؟

    دفع إصرار الحكومة على التعنت أمام المطالب الشعبية ، المكتب التنفيذي للكونفدرالية المغربية للشغل إلى الدعوة لإضراب عام احتجاجا على الزيادة في أسعار عدد من السلع الغذائية ، لم تتفهم الحكومة الوضع المتوتر واختارت المواجهة بالقمع الشرس عوض سلك الحوار للاستجابة للمطالب العادلة والمعقولة ، ردت بقمع أعنف مما سبق عند إضراب 1979، واعتقلت الكاتب العام للكونفدرالية العمالية محمد نبير الاموي و معه بعض أعضاء المكتب التنفيذي.

    كما شنت حملة من الاعتقالات في صفوف المناضلين النقابيين ، وزجت بهم في مخافر الشرطة ، الأمر الذي زاد البلاد توترا وأدى إلى انفجار شعبي ، فاق التوقعات ولزم إنزال كل القوى القمعية ومختلف الفرق الأمنية والعسكرية ، كان أبرزها فرقة زيان الراسخة في الذاكرة البيضاوية ، لمواجة أنتفاضة 20 يونيو 1981، وقد نتج عن ذلك استخدام الرصاص الحي وسقوط الكثير من الموتى والجرحى في صفوف المتظاهرين.

    طوقت قوات الجيش كل الأحياء بمدينة الدار البيضاء بالدبابات والسيارات العسكرية ، ليبدأ حمام الدم في جل أزقة وشوارع الدار البيضاء. وقد بينت التحريات فيما بعد أن الرصاص كان يستهدف الرأس والصدر والقلب.

    وتؤكد التقارير الحقوقية أنه قد تم رمي جزء من الضحايا في حفر بشكل جماعي، في مقابر جماعية سرية ، من بينها ثكنة عسكرية تابعة لرجال المطافئ المحاذية للحي المحمدي ، وتقول بعض التقارير الحقوقية الأخرى أن بعضهم دُفنوا أحياء وهم يئنون من جراحهم. وهي المقبرة الجماعية التي كشفت عنها التحريات التي أشرفت عليها هيأة الإنصاف والمصالحة ، بالاعتماد على محاضر الشرطة وتقارير المنظمات الحقوقية وسجلات وزارة الصحة.

    كانت المجزرة رهيبة وكان عدد الشهداء كبيرا ، وقد قدرت الجمعيات الحقوقية عدد القتلى بأزيد من 1000 قتيل ، الجزء الأكبر في اليومين المتتاليين لـ 20 يونيو. لا لشيء غير معارضتهم للزيادات التعسفية والمتتالية في السلع الاستهلاكية.

    هذا إضافة إلى مئات الاختطافات والاعتقالات ، حتى وصل عدد المعتقلين إلى حوالي 26 ألف معتقل! اعتقلوا بدون محاكمة وفي شروط لا إنسانية مما أدى إلى موت العديد منهم (قتل العديد من المعتقلين في المقاطعة 46، التي أصبحت فيما بعد مقرا لعمالة سيدي البرنوصي زناتة من جراء الاكتظاظ والتعذيب).

    ووزعت المحاكم تباعا قرونا من السجن على الأبرياء ، حيث أن غرفة جنائية واحدة وزعت ما مجموعه 1400 سنة سجنا...



    المزيد: http://www.akhbarona.com/social/126231.html#ixzz3tY5MRmXt

    ردحذف