السبت، 5 ديسمبر 2015

الجلاد الدليمي...القاتل المقتول

اليوم الاخير في حياة قاتل الشهيد المهدي بنبركة
.......................

ابن أخ الجنرال الدليمي يتهم مسؤولين بتصفية عمه

ابن أخ الجنرال الدليمي يتهم مسؤولين بتصفية عمه
لأول مرة يخرج فرد من عائلة الجنرال أحمد الدليمي ليحكي قصة هذا الموت السياسي الغامض الذي كانت آخر مشاهده جثمان الجنرال تحت عجلة شاحنة بالقرب من حي النخيل في مراكش. هشام الدليمي، ابن أخ الجنرال أحمد الدليمي، خص أسبوعية "أكتييل" بحوار مطول اتهم فيه مباشرة العديد من الأسماء الوازنة، منها من رحل ومنها من ما زال على قيد الحياة، بتدبير المؤامرة ونصب الكمين لاغتيال عمه، كما يحكي تفاصيل آخر لقاء جمع الدليمي بالملك الحسن الثاني، وكيف كان الجنرال يتصرف مع ملك البلاد قبل أن يموت في نفس الليلة.. إنها آخر قصص الموت الغامض لهذا الجنرال القوي في تاريخ المغرب المعاصر، وأول شهادة لفرد من العائلة في هذا الموت.
- إذا لم تكن الشاحنة قد دهست الدليمي، فلماذا يفترض أن الجنرال قد تمت تصفيته؟
إنها مؤامرة. الجنرال الدليمي صار مستهدفا لأنه كان يملك السلطة الحقيقية. الملك والدليمي كانا ملتحمين كخيوط الكهرباء، فالجنرال كان الوحيد الذي يستطيع الاحتفاظ بسلاحه عندما كان يلتقي بالملك، وقد كان يناهضه كل الذين كان يقضم سلطتهم، لأن الدليمي كان يتحكم في كل شيء، في التعيينات كما في أصغر التراخيص. فللحصول على جواب بنعم أو لا كان لا بد من المرور عبره.
- من قتله؟
المؤامرة صنعها الثلاثي إدريس البصري ومولاي حفيظ العلوي، المسؤول البروتوكول، وأحمد رضا اكديرة، المستشار السياسي وعراب القرارات السياسية للملك الحسن، ولكن محمد المديوري، المسؤول عن أمن الحسن الثاني، هو من كان وراء كل شيء.
مثل البصري، كان المديوري أحد رجالات الجنرال الدليمي الذي تسلق السلم بسرعة كبيرة، وحصل على ثقة الملك، وكان الجنرال معجبا بحسه الفكاهي، لكن في أواخر سنة 1982 سلم الكولونيل محمد بوعطار، الذي كان آنذاك المشرف على الاتصالات الهاتفية للقصر، ملفا حساسا عن المديوري إلى الدليمي، فاستدعاه إلى إقامته بحي النخيل بمراكش. استقبله ببرودة وقال له بكل بساطة: "اجلس وافتح هذا الملف"، وعندما فتحه المديوري بقي فاغرا فاه، ولم يترك له الدليمي الوقت ليدافع عن نفسه واكتفى بأن قال له: "أمنحك بعض الأيام لتفسر ذلك بين يدي جلالة الملك" وأعفاه.
- ماذا حدث فيما بعد؟
فيما يشبه الصدفة، وجه فرانسوا غروسوفر، نظير الجنرال الدليمي آنذاك لدى فرانسوا ميتران، دعوة لرحلة صيد إلى الدليمي في قطاعات "شامبور"، (أحد أكبر الفضاءات الغابوية في فرنسا). فالصيد كان هواية الدليمي، كما كانت فرصة للتحضير لزيارة ميتران إلى المغرب.
- هل اهتم بقضية المديوري بعد عودته؟
لا، فعندما عاد في حدود 20 يناير، ذهب مباشرة إلى ضيعته في سيدي قاسم ليرتاح.
- هل كان يشك في وجود مؤامرة؟
عندما كان يتجول في سيارته مع أحد أفراد العائلة، على ألحان أغنية لفريد الأطرش، أخرج سلاحه ووضعه على لوحة قيادة السيارة، وقال: "عندما يجرون رجلا بريئا في اتجاه المشنقة يجب أن يذهب إليها بفخر وبرأس مرفوعة"، لقد كان بالتأكيد يتوفر على معلومات.. في اليوم الموالي وهو في الرباط يتناول وجبة الإفطار مع صديق عزيز عليه، كان بالكاد قد وصل من مراكش تلك الليلة، حيث أخبره بأنه التقى بالمديوري والجنرال بن سليمان في صالونات المامونية، وأنه سمعهما يقولان بكل وضوح: "إن هناك كارثة تدبر في الصحراء"، واكتفى الدليمي بالتعليق: "إنها حيلة من حيل حسني بن سليمان". فيما بعد حذره صديقه من البصري أيضا قائلا: "لا تثق في البصري، إنه يحرض المقربين منك عليك"، ولكن الدليمي أجابه: "من هو هذا البصري؟ إنه مجرد بوليسي".
- هل كان الدليمي يقلل من قدر البصري؟
كان العديد من الناس ينصحون الدليمي بعدم الثقة في البصري، ومن بينهم والدي، لأنه خلال الأحداث التي عرفتها الدار البيضاء سنة 1981، جاء البصري عند والدي وترجاه لكي يتدخل له عند الجنرال الدليمي، وكان البصري يلبس في ذلك اليوم بذلة خضراء وكان وجهه يشبه لون تلك البذلة وقال لوالدي: "أنقذني وإلا سأفقد منصبي". وعندما دافع الدليمي عن البصري أمام الملك، تغيرت تصرفاته كثيرا، وبدأ يبتعد عن الجنرال. لاحظ والدي ذلك وقال لأخيه: "يجب قص جناحه".

- ولكن الدليمي لم يفعل ذلك؟
ربما كان الوقت قد فات.. لأن البصري كان قد حصل على الثقة الكاملة للحسن الثاني.
- تتهم أحمد اكديرة أيضا بالمشاركة في المؤامرة، بماذا تدعم هذا الاتهام؟
أعرف أنه كان معاديا للدليمي. وحسب ما علمته من عائلتي، فخلال لقاء مع وفد جزائري بأوطيل ريشموند بجنيف صفع الدليمي أحمد رضا اكديرة. لقد اغتيل عمي لأنه صار صاحب شعبية كبيرة في صفوف الجيش وأيضا في ربوع المملكة. وحسب برقية للمديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، فإن الحسن الثاني احتاج إلى سنة لتهدئة الجيش.
- كيف مر آخر يوم في حياة الجنرال الدليمي؟
عندما هم بمغادرة الرباط ،قال لأحد أبناء عمومتنا: "إلى الغد إن شاء الله"، وهو لم يعتد أبدا على قول تلك العبارة.. عندما وصل إلى مراكش توجه إلى إقامته بحي النخيل مرفوقا بالكولونيل برنيشي، المسؤول عن المكتب الثالث (المخابرات العسكرية)، الذي أسر له بالكلام التالي: "يجب أن أتوجه إلى القصر، سيتطلب الأمر ساعتي زمن، يجب أن نتحدث حول الصحراء".
- لكنه تحدث مع الملك في مواضيع أخرى، ونعلم أن هذا اللقاء كان عاصفا. هل أنت على علم بما دار من حديث؟
لقد بدأ الملك باستفزازه منتقدا تصرفاته: "أنت تصل متأخرا، وتتحدث عني، ولا ترد على مكالماتي"، ورد عليه الدليمي بالقول: "هذا ليس إلا مكر البصري والعلوي. جد لي تعليلات أخرى حول تدبير البلاد ولا تحدثني عن تصرفاتي".
- ومن كان حاضرا في هذا اللقاء؟
مولاي حفيظ العلوي، الدليمي والملك.
- لم تكن وراء الباب، فكيف علمت بما دار من حديث في ذلك اليوم؟
إن مستخدما من الأمن هو من حكى لي كل شيء. الدليمي كان يتحدث بصوت مرتفع. واللقاء توقف لأن الملك كانت لديه مقابلة تلفزيونية مع التلفزة الفرنسية في حدائق القصر. نرى الدليمي في مشاهد تلك المقابلة مرتديا بذلة بنية، وفي إحدى اللحظات عندما كان الملك يرد على أسئلة الصحافي، كان يهم بحمل علبة سجائره وأسقطها، لقد ارتعشت يده، وهو أمر لم يكن يحدث له أبدا. الدليمي لمحه. وكان يعرف الحسن الثاني أكثر من أي شخص آخر. الأكيد أن الدليمي كان يقول لنفسه في تلك الأثناء: "سوف يقدمون على تصفيتي"، لقد كان يغلي في دواخله، أنا أعرفه لأن ملامحه تشبه ملامح أبي عندما يكون غاضبا.
- هل قال للحسن الثاني إنه فهم أن هناك من يريد قتله؟
نعم، عندما كان في غرفة خاصة مع الحسن الثاني ومولاي حفيظ العلوي، وصرخ: "أعددتم لي الكمين، لا جدوى من الكذب علي.. أنا أعرفكم أكثر من أنفسكم"، لقد فقد السيطرة على أعصابه وكان يصرخ بقوة، حتى إن الحرس الخارجي للقصر سمعوه عندما كان يقول: "هل تتهمونني رغم أنني مزقت أحشائي من أجلكم وخدمة للعرش. إذا ما صفيتموني فسوف تفقدون الصحراء".
- وماذا كانت ردة فعل الملك؟
حاول تهدئته. مولاي حفيظ العلوي قال أيضا: "شيئا من الهدوء مون جنرال، فأنتم على كل الأحوال تخاطبون جلالة الملك"، فرد الدليمي: "أنت أغلق فمك"، فيما بعد غادر الغرفة وصفق الباب خلف ظهره.
- في هذه الأثناء، كان بإمكان الدليمي أن يعلم مخلصيه
وذلك ما فعله. حيث شوهد عند بوابة القصر وهو يتحدث إلى الكولونيل بوعطار، وفي الغالب سيكون طلب منه أن يجمع رجاله.
- والرجال لم يأتوا أبدا...
على العكس من ذلك تماما، لقد أكد لي أحد أصدقاء بوعطار أنه بمجرد أن غادر الدليمي القصر، جاء رجل أمن ونادى على بوعطار ليخبره: "مون كومندان جلالته يطلبك". وبمجرد أن دخل الكومندان إلى الغرفة حاصره المديوري بمساعدة رجال من أمن القصور. اختبأ المديوري ليوم كامل. لقد كان يعلم أنه إذا رآه الدليمي سوف يقتله، ولقد أكدوا لي ذلك. الجنرال الدليمي أعطى أمرا واضحا للكومندان بوعطار: "إذا رأيت المديوري فاقتله".
- ولكن لماذا عاد إلى بيته عوض اللجوء إلى أقرب ثكنة عسكرية ليحتمي بها؟
بالفعل، كان بإمكانه الذهاب إلى القاعدة العسكرية بن جرير، ومن هناك في اتجاه الصحراء. لكنه كان يعتمد على تعزيزات بوعطار وكان يعتقد أن إقامته محروسة جيدا. لقد غادر القصر في حدود الساعة السادسة مساء. وكان من المفترض أن تتحرك فرقة عسكرية مؤلفة من 15 جنديا بعد زوال ذلك اليوم للإشراف على حراسته الليلية، لكن هذه الفرقة تلقت أوامر بعدم التحرك...
في النهاية، الدليمي كانت لديه الثقة في نفسه: لقد كانت لديه سيارة مرسيدس مصفحة، وكان مسلحا، ولديه قنابل حارقة، كما أن سائقه، المسمى "نجا"، كان أحسن قناص في البوليس المغربي، وهو ما يجهله العديد من الناس.
- كيف نسجت خيوط الكمين؟
في تلك الفترة، كانت البنايات في حي النخيل بمراكش لا تزال قليلة، والطريق التي اختارها كانت غير معبدة (بيست) تملؤها تلك العربات المراكشية المخصصة للسياح، ولم يكن بالإمكان السير بأكثر من 50 كلم في الساعة.
- إذن الشاحنة الشهيرة لم يكن بإمكانها قطع ذلك الطريق؟
في كل الأحوال لم يكن بإمكانها أن تتسبب في قتل شخص بتلك السرعة وفي سيارة مرسيدس مصفحة. لكن هذه الشاحنة كانت متواجدة بالفعل، رغم أنها لم تكن شاحنة كبيرة. عمي وجد نفسه وجها لوجه أمام هذه الشاحنة التي تعترض طريقه، وكل أضوائها مطفأة. وعندما حاول الرجوع بسيارته إلى الوراء، تم اعتراض طريقه بسيارة من نوع "أودي". ووجهوا قذيفة نحو سيارته، لكن السيارة المصفحة تحملت القذيفة ورد الدليمي برمي القنابل الحارقة، فيما كان سائقه يطلق الرصاص. بعد ذلك أخرج الدليمي رشاشه "الأوزي" وبدأ يقتنصهم.
لقد حكوا لي أن الدليمي وسائقه "نجا" تمكنا من تصفية المجموعة الأولى من المهاجمين، فتدخلت مجموعة ثانية، ومات الدليمي وسلاحه في يده ربما بسبب انتهاء الذخيرة. لقد كان جسده مثخنا بالرصاص، ثم قاموا بدهس جسده تحت عجلة الشاحنة لإخفاء معالم الجريمة. أما بالنسبة إلى السائق، فالمهاجمون كانوا مليئين بالكراهية، وأحرقوه حيا على كرسي السيارة.
- هذه المذبحة لم يكن بالإمكان أن تمر بصمت...
بمجرد أن فاحت الرائحة، قام رجال من الدرك الملكي بمحاصرة المنطقة لمنع أي تعزيزات محتملة من الوصول إلى المكان. القنابل الحارقة التي رمى بها الدليمي أحرقت بعض النخيل، مما اضطر رجال الإطفاء إلى التدخل بسرعة لكي لا تنتشر النيران. كان الكولونيل برنيشي أول الواصلين إلى مكان الحادث. وعندما لمح جثمان الدليمي تحت عجلة الشاحنة بدأ في البكاء، وقال: "في أي حال وضعتم مون جنرال".
- هل الكولونيل برنيشي إذن هو من تعرف على الجثمان؟
لقد نودي أيضا على "ماجوردوم" من فيلا الجنرال الدليمي، كشفوا له عن يده وسألوه إن كانت هي يد الدليمي. فرد: "نعم أعرف ساعة المعلم.. إنها يد سيدي". فيما بعد جاء فقيهان ليغسلا الجسد، وعلى ما يبدو فقد تمت تصفيتهما فيما بعد.
- إذن لا أحد شاهد حقيقة جثمان الدليمي، مما قد يرجح أطروحة أن الدليمي عاش بعد الهجوم؟
لقد خبؤوا الجثمان لأنهم لم يكونوا يريدون أن تنكشف آثار الرصاص على جسده. القصص التي تقول إن الدليمي انتهى في "الكاشو" مجرد كلام. أنا لا أصدقها. إنها مثل قصة السيد الحريزي الذي يقولون إنه نجا من الحادث، قبل أن يتبخر، بضربة حظ، في مكة. لا أصدق هذا الكلام ولو لثانية.
- ولكن ما الذي سيجعل قصتك أكثر مصداقية من كل القصص الأخرى؟
لقد خصصت 15 سنة من حياتي من أجل البحث عن الحقيقة. التقيت بالعديد من الشهود واستمعت إلى متغيرات كثيرة، لكن ما حكيته لك هو خلاصة مقابلة مع 4 أشخاص، ثلاثة منهم كانوا حاضرين يوم موت الدليمي، وشهاداتهم متطابقة.
- من المستفيد من الجريمة؟
كل من حصلوا على مناصب مهمة بعد موته: حسني بن سليمان، الذي استعاد الجيش. البصري، الذي صار الرقم 2 في النظام وسيد وزارة الداخلية دون منازع. المديوري الذي فلت بجلده...

- والملك الحسن الثاني في كل هذا؟ هل كان ضحية تلاعب؟
لقد أعطى موافقته لأن الأمر انتهى به إلى الخوف من الدليمي. البصري وكديرة وبقية المجموعة زرعوا الشك فيه، ربما بالتعاون مع أجهزة مخابرات غربية. في فرنسا لم يغفروا للدليمي أنه أهان مخابراتهم في قضية المهدي بنبركة. في أحد الأيام طلبت عائلتي المساعدة من شخصية فرنسية عالية المستوى، فقالت طلنا: "الدليمي سبب لنا الكثير من الآلام. لن نرفع حتى أصبعنا الصغير من أجل أخيه"، ومن المحتمل أن تكون الفرقة التي هاجمت الدليمي جاءت من الخارج.
- لماذا أنت أول شخص من أفراد عائلة الدليمي يقرر الحديث عن الموضوع للصحافة؟
هذه القضية أثرت في كثيرا، فأبي أقيل من كل مهامه، وعائلتي انقسمت. لقد أصابتنا طلقات هذه القضية ظلما، ووجدنا أنفسنا في باريس في وضع اللاجئين السياسيين. وفي حين أن زوجة الدليمي وأولاده بقوا في حماية القصر، البصري تكالب علينا. جدي كان يقول لي دائما إننا لسنا خونة. لكن قتلة الدليمي وسخونا ورموا بذاكرة الجنرال إلى المجهول، في الوقت الذي يحسب له أنه قام بتحديث الجيش المغربي والأجهزة وحارب البوليساريو. لم يتآمر أبدا على الملك. ينبغي إعادة إحياء ذكراه، ويجب أن نعرف أسماء قتلته.
*يومية"أخبار اليوم" بتصرف عن أسبوعية "أكتُويٍيل"
............................

من قتل الجنرال الدليمي؟





        
خلف الرواية الرسمية، التي أكدت أن الجنرال أحمد الدليمي توفي إثر زيغ شاحنة صدمت سيارته، توجد حقائق أخرى ظلت غامضة عن الطريقة التي قتل بها الجنرال، تماما كغموض شخصيته. 
         
"أوال" تكشف، في هذا الملف، عن جوانب أخرى ل"حادث" مقتل الجنرال، الذي دفنت معه أسراره، تماما، كبنبركة وبعده أوفقير. 
            
تقول الرواية إن قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، الجنرال أحمد الدليمي، لقي حتفه في حادثة سير في حدائق النخيل في طريقه إلى إقامته بمراكش كان قد تلقى في اليوم السابق مكالمة من الجنرال مولاي حفيظ العلوي، وزير القصور والتشريفات، تدعوه إلى الحضور فورا إلى عاصمة النخيل، إذ كانت تجري تحضيرات لاستقبال الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران في أول زيارة رسمية له إلى المغرب في مطلع 1983، بعد أن أصبح سيد قصر الإيليزي. 
          
كان الدليمي موجودا في ضيعته الشاسعة في مشرع بلقصيري غرب البلاد، التي دأب على التوجه إليها لأخذ قسط من الراحة والابتعاد عن أجواء العمل. فقد كان يجمع بين جهاز الاستخبارات الخارجية وقيادة المنطقة الجنوبية، إضافة إلى كونه من كبار الضباط المرافقين للملك. وشاءت ظروف أن يكون ذهابه هذه المرة إلى تلك الضيعة، التي كان يحرص شخصيا أشجارها والاهتمام بأغراسها واستقبال كبار ضيوفه بين جنباتها، مثل الوداع الأخير، فقد كان في سنواته الأخيرة يهرب إلى بادية الصحراء، ويتمدد داخل خيمة تضاء بنور القمر، وإن لم يفعل ذلك، لا بد أن يرتمي بين أحضان أشجار ضيعته التي افتتن بها. 
          
حكاية الضيعة 
  
تعود به الذكريات إلى مشرع بلقصيري، حين قرر يوما اقتناء ضيعة فلاحية، لولا أن تداعيات قضية اختطاف واغتيال الزعيم التاريخي للاتحاد الوطني المهدي بنبركة ألقت بظلالها على مسار حياته الشخصية والمهنية والسياسية. وحكى أحد زواره حين كان يقيم بسجن فرنسي قبل حلول موعد محاكمته في يونيو 1967، أنه لم يأسف لشيء أكثر من أسفه لعدم تنفيذ حلمه بإكمال إجراءات اقتناء الضيعة من معمر فرنسي. 
  
رجل في مثل غلظة الدليمي لم يكن واردا لديه أن يأسف لرحيل معارض في حجم المهدي بنبركة، ولكنه، وهو في طريقه لمواجهة المحكمة، تذكر ضيعته، ولم يتذكر ما علق برحلته لإلى باريس التي قدم إليها في الثلاثين من أكتوبر 1965، على متن رحلة من الجزائر، ثلاث ساعات قبل وصول الجنرال محمد أوفقير، وزير الداخلية، وقتذاك، إلى عاصمة النور، بهدف إطفاء شعلتها. 
  
حكى مقربون إليه أنه كان يقيس الأشياء والمواقف بمعيار الحسم. لم يكن يتردد في الإقدام على أي مغامرة، إذ يعتبر أنها الطريق الأول والأخير، لكن أحدا لم يكن يعرف ماذا كان يخالجه وهو في الطريق من مشرع بلقصيري إلى مراكش. لقد تعود أن يقطع هذه المسافة مع نهاية أسبوع أو بداية آخر، فقد تعود أن ينطلق من هناك في اتجاه أي مدينة يقيم بها الملك الحسن الثاني، لكنه هذه المرة ستكون رحلته مختلفة.
    
من قتل الجنرال الدليمي؟

الفرق الخاصة 
  
قبل بضعة أيام، كان يتابع شخصيا ملفات مفاوضات سرية دارت في باريس بين مسؤولين مغاربة وجزائريين، كان محورها لا يحيد عن تطورات قضية الصحراء، وفي غضون ذلك، كان قد أفلح في معارك قارية شبيهة بحرب العصابات توخت اقتلاع محاربي جبهة البوليساريو من مخابئ في تضاريس وعرة كانوا يلوذون إليها. فقد أحدث الرجل فرقا خاصة توزعت أسماؤها بين المعارك التاريخية، ذات إيحاءات بالنصر: الزلاقة وأحد وبدر وحطين. وشهد له خصومه بأنه اختار الطريق الأنجع في الحد من الهجمات اعدوانية التي كانت تتعرض لها البلاد، بما في ذلك الأقاليم الخارجة عن مربع النزاع شمال الصحراء. وبالقدر الذي كان الجنرال الدليمي مزهوا بانتصاراته، بالقدر الذي قد يكون جلب على نفسه المتاعب. فقد كان مندفعا ولم يكن رجل سياسة، وكان يستطيع أن يتصور أن بإمكانه أن تلحق يداه الطويلتان كل ما يتصور أنه في متناوله أو بعيد عنه. وقد كان يعتبر أن نجاته من موت محقق مرتين على الأقل، في العاشر من يوليوز 1971 داخل فناء القصر الملكي في الصخيرات، وفي السادس عشر من غشت 1972، وهو على متن الطائرة الملكية، التي تعرضت لغارات انقلابية، نوعا من الميلاد الجديد. 
 
ساعده في تكوين فكرة عن قدراته اللامتناهية أنه تخلص من غريمه وشريكه الجنرال محمد أوفقير، الذي كان بمثابة ظله في مطلع ستينات القرن الماضي، وتحديدا حين عمل إلى حانبه مديرا عاما للأمن الوطني بالنيابة إلى حدود أكتوبر 1966، يوم سلم نفسه طوعا لإلى القضاء الفرنسي إثر متابعته في قضية بن بركة. 
 
في غياب دلائل قوية حو الطريقة التي أزيح بها الجنرال أوفقير عن مسرح الحياة، ليلة الموعد الذي دبر فيه محاولته الفاشلة، تبقى هناك حقيقة قائمة تفيد بأنه حين دلف إلى قصر الصخيرات بهدف مقابلة الملك الحسن الثاني وعرض وقائع ما حدث أمامه، لم يكون يوجد بالقصر إلا العقيد أحمد الدليمي، كما أن الملك الحسن الثاني لدى نزوله من الطائرة ردد سؤالا وحيدا: أين الجنرال أوفقير؟ من جهة، لأنه كان وزير دفاع، ومن جهة ثانية لأنه لم يكن مستساغا أن تتحرك الطائرات المغيرة من القاعدة العسكرية في القنيطرة دون علمه أو صدور أوامر منه. 
 
زيغ شاحنة 
  
ولأن العقيد كويرة، المتورط في قيادة إحدى الطائرات المهاجمة، كان قد سبق الجنرال أوفقير في الاستفادة من المعطيات التي يتوفر عليها بعد اعتقاله، على إثر سقوط طائرته في منطقة مولاي بوسلهام، لم يكن هناك من حيز أمام أوفقير غير الاعتراف بحقيقة ما حديث، وليس يهم إن كانت الرواية الرسمية تحدثت عن انتحاره، فالأهم أنه لم يغادر المكان إلا جثة هامدة. 
  
نقل في اليوم الموالي إلى بلدته عين الشعير، على متن طائرة عسكرية، ليتم بعد ذلك ببضعة أيام نقل كل أفراد عائلته إلى مجاهل إقامة إجبارية، تحت شعار الأبناء الذين يدفعون ثمن أخطاء الآباء. 
 
سيختلف الأمر بعد مرور أكثر من عشر سنوات على تغييب أوفقير. فقد تحدثت الرواية الرسمية الوحيدة عن زيغ شاحنة حمراء اللون أردت رفيقه الجنرال أحمد الدليمي عند مداخل إقامات النخيل في مراكش.وقتها قيل إن سائق الشاحنة لاذ بالفرار وأن شخصية هامة كانت ترافق الجنرال على متن سيارته أصيبت بجراح، وسجل محضر لشرطة المرور كيف أن رجال الشرطة والمطافئ، حين جاؤوا إلى موقع الحادثة، كان الدخان لايزال يتصاعد من جانب السيارة التي اصطدمت بشجرة نحيل، بينما كانت الشاحنة الحمراء لاتزال متوقفة. 
 
لم يكشف في الآتي من الزمن شيء أدق عن وقائع الحادثة التي يعتقد أنها سجلت ضد مجهول، بيد أن الملك الحسن الثاني سيحضر شخصيا جانبا من جنازة الدليمي في الرباط، وتحديدا في مقر جهاز الاستخبارات. وحين ووري جثمان الجنرال مقبرة الشهداء في الرباط لم ينته كل شيء. فقد روى أحد رجال الأمن أن حراسة شددت على مداخل المقبرة، وروى آخرون أن همهمات صدرت عن والده لحسن الدليمي وهو يمشي في جنازة ابنه الجنرال، وانبرت روايات متعددة تبحث عن حقيقة ما جرى في صمت غلفه المزيد من الغموض. 
  
لم يطلق اسم الجنرال الدليمي على أي شارع أو معركة أو حدث رمزي، بل إن الألبوم الكبير لصوره سيتعرض للإتلاف، لكن دون أن تكون قد صدرت أوامر بهذا المعنى، فقد سادت أجواء أقرب إلى التشكيك في مسار الرجل الذي يعتقد كثيرون أنه فقد توازنه، أو انساق وراء حسابات خاطئة في أقل تقدير بيد أنه لا توجد رواية مطابقة واحدة حول حقيقة ما جرى، وربما أن تعرض الرجال، الذين كانوا محسوبين عليه، إلى نوع من التهميش يفسر مناطق الظل في قضية أشد غموضا.
     
         
 من قتل الجنرال الدليمي؟

الموت الغامض 
     
منذ عام 1965 سيرتبط ثلاثة رجال بقضية واحدة المهدي بنبركة ومحمد أوفقير وأحمد الدليمي كانوا هم أنفسهم، إلى جانب شركاء آخرين، تدرج أسماؤهم في خانة واحدة، مع فارق في المواقع بين الضحايا والمتورطين. ومع أن مسارهم يختلف كليا. فإنه يكاد يلتقي في طابع النهاية الغامضة لشريط أحداث يعرف متى وكيف بدأ، ولا يعرف كيف انتهى، مع الإقرار بأنه كانت له نهاية فعلا. 
    
في مثل الغموض الذي لف ظروف اختطاف واغتيال المهدي بن بركة في باريس يوم التاسع والعشرين من أكتوبر 1965، سينسج الواقع مصيرا آخر لا يقل غموضا كان من نصيب الجنرال أوفقير في السادس عشر من غشت 1972، وبعد حوالي عشر سنوات في يناير 1983، ستتناسل أسئلة حرجة حول مصير الجنرال أحمد الدليمي. فثمة عقل يميل إلى طرح هذا النوع من الأسئلة، قد لا يكون بالضرورة يصادف مكامن الحقيقة، لكن مجرد طرح الأسئلة يعني أن شيئا ما لم يكن على ما يرام. 
       
فر الضابط الطويجي من بين أنياب الاستنطاق، وتردد أنه اضطر إلى عبور مضيق جبل طارق سباحة. 
      
كان ذلك لا يعني أن آلة ما تحركت في ملف تحريات صامتة حول علاقات الجنرال الدليمي باسما، وجهات وعوالم. فقد كان ينظر إلى الطويجي أنه بمثابة علبة أسرار الحنرال، بل إنه كلفه بالكثير من المهمات التي ارتدت طابعا سريا، في إطار صراعات الجنرال مع جهات متعددة، داخل الجيش وخارجه.
   
ويوم أبعد رجال كانوا محسوبين عليه في الجهاز الاستخباراتي والجيش، كانت دلالات ذلك تفيد بأن نهاية الجنرال فتحت أبواب جهنم أمام أقرب الناس إليه. ممن كانوا بدينون له بالولاء دون غيره. لكن المفارقة أن أفراد عائلته الأقربين لم يتعرضوا لشيء من قبيل ما عانت منه أسرة رفيقه الجنرال أوفقير في مقابل هذه الصورة، جرت تطورات لافتة، ليس أبعدها أن الرئيس فرانسوا ميتران زار المغرب رسميا، ولم يضطر، لدوافع بروتوكولية، أن يصافح الجنرال الدليمي، لأن الموت كان قد غيبه، غير أ الفرنسيين على صعيد الأجهزة والدولة لم تعد لهم أي حساسيات مع الجنرال الدليمي، منذ أر برأته محكمة الجنايات الفرنسية من دم المهدي بن بركة، وإن كان لافتا أنه بعد رحيل الدليمي ببضعة أشهر لقي الغالي الماحي، الذي حوكم إلى جانبه في نفس القضية، مصرعه، على إثر حادثة سير على الطريق بين الرباط والمهدية، أي نفس طريق الموت التي أقبر فيه رجل الاستخبارات القوي العلوي المدغري إبان حياة الدليمي. 
    
مسافات الخلاف 
        
في العام نفسه، ستعرف العلاقات المغربية. الليبية انفراجا كبيرا تجلى في إبرام معاهدة وجدة التي أطلق عليها اسم الاتحاد العربي الإفريقي بين المغرب والجماهيرية الليبية. 
      
في وقت لم يكن فيه أحد يتصور إمكان حدوث ذلك التقارب، الذي ألغى كل مسافات الخلاف بين البلدين الذين اختلفا طويلا، إلى درجة أن محاولات إسقاط نظام أي منها شكل محور مخططات هذا الطرف أو ذاك. 
     
أبعد من ذلك، فالعلاقات بين المغرب والجزائر عرفت بدورها انفراجا ملحوظان وفيما كانت على عهد الجنرال الدليمي تدور أشواط الكثير من المفاوضات السرية التي شارك فيها إلى جانب شخصيات متنفذة، أضحت بعد رحيله المفاوضات تدور علنا، وإن كانت محاورها لم تغادر أسرار الأمانات. 
       
قد لا يكون لهذه التطورات علاقة برحيل الجنرال، وقد تكون جزءا من أحداث ملأت فراغا كان يرغب في الإبقاء عليه، بالنظر إلى أنه لم يكن عسكريا نافذا فقط ولكن كان رجل استخبارات، أي أن دوره على الصعيد الخارجي كان يطال البحث عن المعلومات التي تقود إلى اتخاذ القرارات السياسية، مع أن الراجح أن دور الاستخبارات لا يقتصر على هذه الجوانب الاستعلاماتية، وإنما يتجاوزها نحو التوغل في عالم صانعي القرار، وبهذا المعنى، فإن غياب الدليمي أفسح المجال واسعا أمام زخم جديد في علاقات إقليمية انطبعت بالحذر والتردد. 
       
لا يعرف تحديدا المدى الذي وصلته علاقات الجنرال مع دول وجهات كانت أكثر اهتماما برصد ما يحدث داخل البلاد، وعلى افتراض أن ذلك الرصد كان قائما مع أن وجوه العسكري كان باديا، فقد كان منفذا لسياسة يتم إقرارها على مستويات أعلى، إلا أن المنفذين في كل درجات المسؤولية من أدناها إلى أقصاها، يتركون بصماتهم على طرائق إخراج القرارات وتنفيذها. 
         
لم يكن الدليمي من الرجال الذين يخفون رؤوسهم في الرمال. كان عنيدا إلى حد الجهر بآرائه، وحين كان يركب رأسه يصبح غير مبال بمن حوله، يكفيه أن يكون مقتنعا بما قدم عليه، ولو كان من قبيل أعلى درجات المغامرة. لذلك فقد غاب وهو يحمل معه أسراره. باستثناء ما كان ينفلت منه من انفعالات في لحظات الغضب. والظاهر أنه حين استتبت لديه سلطة أكبر مما كان يحلم به، دخل في حروب ومواجهات على مستويات عدة، وظل على قناعة بأنه سينتصر لتلك القناعات، كما فعل سابقا. 
         
بين ثنايا وقائع دالة، سيكون لافتا أن نجم الدليمي صعد، على خلفية غياب الجنرال أوفقير، وأن الوزير المتنفذ على عهد الملك الحسن الثاني، الذي استطاع أن يملأ الفراغ الذي خلفه رحيل الدليمي، لم يكن سوى إدريس البصري، الذي سبق له أن عمل مدير ديوان الدليمي في الإدارة العامة للأمن الوطني، وبين هؤلاء الرجال حافظ جنرال آخر على مواقعه إلى النهاية، كان اسمه مولاي حفيظ العلوي، الذي لم يكن بعيدا عن كل الأحداث التي عرفتها البلاد خلال هذه المرحلة ثلاثة عسكريين ومدني كيفوا تاريخ البلاد منذ ستينات القرن الماضي، مع تفاوت في الأدوار، بعضهم حضر نهاية البعض، وبعضهم عاش تناقضات المرحلة وصراعاتها بكل التفاصيل. غير أن الموت الذي كان يحصد هذه الأرواح ظل مأساويا في صورة تراجيديات أقرب إلى شخوص وليام شكسبير. ويبدو أن هذه التراجيديات تصح للاعتقاد بأن جانبا كبيرا من التاريخ كتب على جثامين القبور. من عرف منها ووضع على ترابه شاهد، ومن أتلف بفعل عوامل تعرية الطبيعة، ومن لم يعثر على قبره إطلاقا إذا تركنا الرواية الرسمية لمقتل الجنرال الدليمي، سنعثر على سيناريوهات متعددة، قد يكون بعضها من نسج الخيال، وقد يكون أقرب إلى المتخيل الذي لا يصدق أن رجلا في حجم الدليمي يمكن أن تدوسه شاحنة زائغة. غبر أن الرجل الذي دخل تاريخ حروب الصحراء من بابها الواسع، لم يكن له أن تكون له عيوب ومؤاخذات للآخرين عليه. 
    
في أقل من أربع وعشرين ساعة، كان جنرال آخر يخطو في اتجاه مقر الاستخبارات الخارجية، لم يكن سوى مدير الأمن الوطني، وقتذاك الجنرال عبد الحق القادري، الذي بدا مختلفا عن سلفه في كل شيء، هادئا إلى الحد الذي يخاله المرء يقف دائما في محراب التأمل، وصامتا إلى درجة أنه يعرف أشياء كثيرة فثمة رجال يتركون مواقعهم من دون ضحية، وثمة آخرون تحوم حولهم الشبهات، والأقوى من "يخرج من دار العيب بلا عيب"، كما يقول المثل المغربي.
      
ازدواجية المواقف 
       
كان الجنرال الدليمي قليل الكلام، كثير الأفعال، غير أنه أدلى في عام 1966 بتصريح إلى جريدة "الحياة" اللبنانية حول قضية اختطاف المهدي بن بركة، مما جاء فيه أنه توجه إلى باريس بهدف "تخليص بن بركة من قبضة أشرار اختطفوه وطالبوا بفدية مالية مقابل الإفراج عنه". 
      
لم يحدد أسماء أولائك الأشرار، فيما فهم كلامه أنه موجه ضد أشخاص فرنسيين من ذوي السوابق، تورطوا في عملية اختطاف المعارض المغربي. وربما كان بصدد تبرير حيازة الغالي الماحي حقيبة مليئة بالأموال بالعملة الفرنسية. لكنه بعد ذلك بسنوات، سيتحدث إلى إذاعة فرنسا الدولية، وسيكون تصريحه لافتا، إذ وصف المهدي بن بركة بأنه شخصية وطنية تحظى بالاحترام والتقدير، وأثنى في غضون ذلك على دوره البارز في الدفاع عن القضايا الوطنية. 
         
في مقابل هذا الكلام، الذي كان يختاره الدليمي بعناية، سينقل عنه القول أمام أجانب أن المهدي بن بركة كان متابعا قضائيا بالحكم بالإعدام، وسيقول إن بعض الأشخاص الذين تورطوا في الملف نالوا ما كانوا يستحقونه، لكن دون أن يفصح أكثر عن أسمائهم وعن ظروف غيابهم والملابسات التي أحيطت به، سواء في فرنسا أو في المغرب. ازدواجية المواقف هذه ستجد امتداداتها في تحركات الجنرال، فقد اهتم، منذ انتزاع براءته من محكمة الجنايات الفرنسية، بأن ينظم لقاءات مع كبار المسؤولين الفرنسيين في مقر أجهزة الاستخبارات. وكان يسعى من وراء ذلك إلى تبديد الشكوك حول دوره المحتمل. لكنه ظل يفاخر بأن بإمكانه أن يجول في عواصم العالم، على عكس غريمه الجنرال محمد أوفقير، الذي حظر عليه زيارة فرنسا منذ نونبر 1965، يوم شارك في حفل تخرج أعوان سلطة مغاربة تلقوا تداريب هناك، مباشرة بعد أقل من أسبوع على اندلاع قضية بن بركة. 
   
الجنرال الصحراوي عاشق السهر 
        
اكتسب الجنرال أحمد الدليمي كثيرا من طباع "أولاد دليم". تلك القبيلة الصحراوية الدم العربية الأصل، والمتربعة على عرش القبائل الصحراوية المسماة "المحاربة". 
 
من الصحراء أخذ هدوءه وتكتمه الشديد، إذ يجمع مقربوه على أنه كان أكثر الجنرالات كياسة وصمتا. كما أنه ورث من أهل الصحراء التزامه وولاءهم. بينما تكلفت الدماء العربية التي جرت في عروقه برسم بقية معالم صورة هذا الجنرال الذي كان يهوى السمر. كل من عرف الدليمي يؤكد أنه كان أكثر جنرالات الحسن لثاني تعلقا بالليل، إذ كان يسهر بشكل يومي تقريبا. 
      
هذه هي اللحظات الوحيدة التي كان ينسى خلالها الدليمي أنه جنرال مهاب، ينظر إليه على أنه الذي تكلف بإعدام سلفه الجنرال محمد أوفقير. لم يكن شيء من هذه الذكريات الدموية يتبادر إلى ذهنه في لحظات انتشائه، حتى ولو اتصل به مسؤولون كبار، فإنه كان الوحيد الذي يرفض الإجابة وقطع حبل متعته الذي يستمر، طويلا، حتى مطلع الفجر. 
    
زهو عربي وكرم صحراوي، خاصيتان لازمتا هذا الجنرال طيلة اللحظات القليلة التي قضاها مع أسرته في فيلا فخمة بالعاصمة الرباط، وعائلته الكبرى بقبيلة "أولاد دليم"، إذ يحكي مقربوه أنه ظل يغدق ماله على أفراد أسرته وعائلته، وهو ما دفع الحسن الثاني إلى إيلاء عناية خاصة بأرملته وأفراد أسرته، كما أنه لم يحجز على أملاكه رغم الاشتباه في تورطه في مخطط للانقلاب عليه. 
       

من قتل الجنرال الدليمي؟
جولة "غولف" بين الحسن الثاني و"ميتران" تختم قصة حياة الدليمي 
     
الزيارات المتبادلة بين المغرب وفرنسا كانت حاضرة في حياة الجنرال الدليمي حيا وميتا. في الوقت الذي كان هذا الجنرال الدليمي حيا وميتا. في الوقت الذي كان هذا الجنرال الحديدي ظلا للملك الراحل الحسن الثاني في جميع زياراته إلى باريس. 
    
آخر زيارة فرنسية رسمية إلى المغرب حضرها الدليمي طبعا، لكن في اليوم الأخير له من حياته المثيرة. كان ذلك في يناير 1983، عندما حل الرئيس الفرنسي "فرانسوا ميتران" ضيفا على الحسن الثاني. وعقبها جاء خبر مقتل الجنرال القوي إثر حادثة سير عند مشارف مراكش. 
زيارة "ميتران" هذه، كانت غريبة للغاية. 
       
لم تكن علاقة الرئيس الفرنسي الذي دخل "الإيليزيه" سنة 1981، بالجيدة حتى تصل إلى الصداقة الحميمية. مع ذلك طلب "ميتران" من الراحل الحسن الثاني أن يلعبا "الغولف". هذا الأمر أثار استغراب الحاصرين، ليس فقط لأنه لم تكن تجمع الحسن الثاني صداقة كبيرة ب"ميتران" الذي كان يبلغ من العمر عندها 67 سنة، لم يعهد عليه ممارسته رياضة قط. 
          
في ما بعد، سيتبين أن اقتراح "ميتران" كان لرغبته في الاختلاء به في ملعب "غولف" فسيح، بعيدا عن وسائل التصنت وأعين وآذان المتجسسين. 
   
الهدف وراء كل هذه الإجراءات كان خبرا نزل كالصاعقة على الحسن الثاني، عندما أخبره "ميتران" بأنه توصل بمعلومات حصلت عليها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وأنه يجب أن يستعد لأمر جلل يمكن أن يسفر عن قلب النظام والإطاحة به. 
   
بينما كانت كرات "الغولف" التي يتقاذفها الحسن الثاني و"فرانسوا ميتران" تتجه صوب الحفر الصغيرة، كان الجنرال الدليمي يتجه بسيارته إلى حتفه، بعدما دهسته شاحنة عند أعتاب مراكش، كما تشير إلى ذلك الرواية الرسمية. 
   
بعد جولة "الغولف، سيمتطي الحسن الثاني سيارته ويتوجه نحو فيلا الجنرال المقتول، ليلا، ليقدم العزاء إلى عائلته. ولم تمض أيام حتى تم اعتقال 15 ضابطا، أعدم ثلاثة منهم.
       ..............................
 الجنرال أحمد الدليمي
أحمد الدليميأحمد الدليمي
جنرال مغربي في عهد الملك الحسن الثاني. بعد فشل محاولة انقلاب الصخيرات التي قادها الجنرال محمد أوفقير، أصبح الدليمي أقوى رجل بالمغرب مع إدريس البصري وزير الداخلية آنداك.
 اشتهر اسمه خلال فترة حرب الصحراء الغربية الأولى كقائد ميداني للقوات المسلحة المغربية المتمركزة في الصحراء. نبشت الصحافة المغربية في ملابسات وفاته، وشككت منابر إعلامية في الرواية الرسمية التي تقول إنه توفي في حادثة سيارة، إثر مغادرته القصر الملكي في مراكش عام 1981.
............................


الهل تورط أحمد الدليمي في تعذيب وقتل المهدي بنبركة؟
هل تورط أحمد الدليمي في تعذيب وقتل المهدي بنبركة؟

هل تورط أحمد الدليمي في تعذيب وقتل المهدي بنبركة؟





جيل نيوز - وديع عواودة ــ في ليلة ماطرة مظلمة داخل غابة مجاورة لباريس حفر عدة رجال حفرة عميقة وألقوا فيها جثة شخص مات للتو خنقا … ووقتها لم يتخيل أحد منهم أن تلاحق روح القتيل كل المتورطين بالجريمة سنوات طوال.

الباحث الإسرائيلي في شؤون الاستخبارات رونين بيرغمان فتح واحدا من الملفات السرية… ملف عملية خطف تم التخطيط لها داخل «المخزن» المغربي في عهد الملك الحسن الثاني وما لبثت أن تعقدت وتحولت لجريمة تعذيب قتل في فرنسا هددت بإسقاط رئيس الموساد ورئيس وزراء إسرائيل وتوترات العلاقات الفرنسية – المغربية.
وقد سبق ان كشف مصادر في إسرائيل بالماضي عن دورها في جريمة خطف وقتل المعارض المغربي المهدي بن بركة وهي تعرف بفضيحة « بابا بترا « لكن الباحث الصحافي الإسرائيلي رونين بيرغمان يكشف عن بعض خباياها المثيرة.

يستند بيرغمان، المقرب من المؤسسة الأمنية، في بحثه الجديد لأرشيف الموساد ومقابلات شخصية وفي السياق يكشف عن أسرار أخرى تتعلق بنشاط الموساد.يعود بيرغمان للستينيات من القرن الماضي ويتوقف عند العلاقات الحميمة بين إسرائيل وفرنسا ومساعدة الأولى للثانية في حربها ضد الثورة الجزائرية بمعلومات استخباراتية والسلاح واغتيالات قادتها في القاهرة وغيرها. وعندما صارت هذه المساعدات مكثفة نبعت الحاجة لبناء خط دائم إلى مصر، العدو الأول لإسرائيل وقتذاك.

بعد عقد على تأسيسها انتهى دور الشركة وتم بيعها لحكومة الكويت وصارت شركة الطيران الكويتية الوطنية. وحفظت فرنسا لإسرائيل دورها في محاربة «جبهة تحرير الجزائر» ففتحت الباب أمامها لنشاط واسع للموساد على أراضيها استغل لبناء تحالفات بينه وبين أجهزة مخابرات في دول آسيوية وأفريقية أهمها المغرب وتركيا وإيران وإثيوبيا. وركز الموساد وقتها على بناء علاقات وثيقة مع المغرب بدءا من 1960 حين كان الملك الحسن الثاني وليا للعهد.

هجرة اليهود بربع مليار دولار

فور تسلمه التاج، استجاب الحسن الثاني لطلب إسرائيل بالسماح بهجرة اليهود من المغرب وتم عقد صفقة بين الموساد وبين الجنرال محمد أوفقير اتفق فيها على دفع 250 دولار مقابل هجرة كل واحد من 80 ألف يهودي مغربي. فتم نقل ربع مليار دولار بأكياس ضخمة.

ويشير بيرغمان في دراسة نشرها ملحق خاص في صحيفة « يديعوت أحرونوت « إلى أن المغرب طلب لاحقا مساعدات تدريب أمني من إسرائيل التي أرسلت له الجنرال دافيد شومرون وبوسكا شاينر الضابط في وحدة حراسة رئيس حكومتها دافيد بن غوريون.

فأقاما وحدة خاصة لحماية الملك. وحسب البحث قامت إسرائيل بإعادة تنظيم جهاز المخابرات المغربية وزودته بزوارق حربية وأجهزة الكترونية في ظل نشاط مصري وجزائري معاد للمغرب ومساند للمعارضة فيها. وبالمقابل أقامت إسرائيل مكتبا دائما للموساد في الرباط.

وعندما نشب نزاع على الحدود مع الجزائر طار رئيس الموساد مئير عميت بنفسه بجواز سفر مزيف والتقى الملك الحسن الثاني عند منتصف الليل داخل خيمة قريبا من «المخزن». وقال: « نحن مستعدون لتقديم مساعدة وراغبون بها «.

قمة الدار البيضاء

بالفعل قدمت إسرائيل معلومات استخباراتية وقامت بتدريب طيارين مغاربة وقعوا بالأسر خلال مشاركتهم بالحرب لجانب الجزائر. وبالمقابل سمح لضباطها بمقابلة أسرى مصريين والتحقيق معهم علاوة على تدريبات قتالية ضد دبابات وطائرات سوفيتية.
لكن التعاون بين إسرائيل والمغرب بلغ أوجه عام 1965 حينما التأمت القمة العربية في الدار البيضاء لتأسيس قيادة عسكرية مشتركة تمهيدا لحرب مستقبلية مع إسرائيل.

ويكشف بيرغمان أن الملك الراحل الحسن الثاني أتاح وقتها للموساد متابعة القمة العربية عن كثب من خلال طاقم بقيادة تسفي مالحين ورافي إيتان تم حجز طابق كامل في فندق قريب له وسط حراسة مشددة.

ويتابع: «ما لبث أن خشي الملك من لقاء عفوي بين ضيوف عرب وبين رسل الموساد فأمرهم بالرحيل. لكنه زود الموساد بمحاضر جلسات القمة العربية».

ويقول رافي إيتان الذي عين وزيرا في حكومة إيهود أولمرت قبل سنوات قليلة إن هذه المعلومات انطوت على فائدة استراتيجية لا سيما أنها شملت تأكيدات قادة الجيوش العربية أنها غير جاهزة لحرب مع إسرائيل.

المهدي بن بركة

يشير بيرغمان إلى أن هذه المعلومات الحساسة قادت إسرائيل لفتح النار والبدء بهجمة مباغتة في يونيو 1967.

بالمقابل طالب المغرب برأس المعارض المهدي بن بركة المقيم في أوروبا والذي منح تسمية مشفرة بالمخابرات الإسرائيلية : «ب .ب» ومن هنا جاءت تسمية الفضيحة المذكورة بـ «بابا بترا» وهي عنوان جزيئية في الشرع اليهودي خاصة بأحكام الأضرار.
والمهدي ثوري معارض للنظام الملكي في المغرب حكم عليه بالإعدام فتنقل متخفيا في أوروبا. وقام وكلاء الموساد باستدراجه بواسطة صحافي غربي في باريس. ويدعي بيرغمان أن الموساد حاول التهرب من المشاركة الفعلية باغتياله مكتفيا بتقديم مساعدات بناء على تعليمات رئيس الحكومة ليفي أشكول.

لكن الجنرال أحمد الديلمي نائب وزير الداخلية أوفقير طلب من عميت خلال لقاء جمعهما في الرباط كمية من السّم، وأبلغه أن العملية قد انطلقت. وينقل بيرغمان عن المؤرخ الإسرائيلي يجئال بن نون قوله إن المخابرات المغربية رغبت بخطف بن بركة ومساومته بين قبول منصب وزير التعليم لمنح الشرعية لحكم الملك أو محاكمة علنية بتهمة الخيانة. لكن بيرغمان يشير إلى شهادات أخرى تفيد أن الهدف كان قتل بن بركة.

يشار إلى أن ميخائيل بار زوهر والصحافي المعروف نسيم مشعال قالا في كتابهما الصادر عام 2010 «الموساد.. العمليات الكبرى» ان أوفقير زار إسرائيل عدة مرات قبل 67 طالبا المساعدة بالكشف عن بن بركة.

بن بركة والفخ

وبعد يومين توجه الديلمي إلى باريس للإشراف على عملية خطف بن بركة وهناك استقبله مندوب عن الموساد واتفقا أن يمكث وكلاء للموساد في شقة باريسية بحالة استعداد للمساعدة بحال وقوع مشاكل خلال عملية الخطف.

وهكذا، بمساعدة رجال أمن فرنسيين مرتزقة، تم في 29 تشرين الاول (اكتوبر) 1965 خطف بن بركة فور وصوله من جنيف لباريس بجواز جزائري قبيل لقائه مع صحافي فرنسي عمل لصالح الموساد. ويروي بيرغمان كيف تم التحقيق مع بن بركة فيقول إن رجال شرطة فرنسيين اعتقلوه واقتادوه لشقة سرية وقام الديلمي بنفسه بتعذيبه بعد أن طلب من الموساد السمّ وجوازات مزورة وأدوات حفر.

تعذيب وحشي

وحينما وصل السمّ المطلوب لباريس من تل أبيب كان بن بركة قد مات تحت التعذيب إذ تبارى الديلمي ومعاونوه على من هو أكثر قسوة بالتعذيب بكيْ جسده بأعقاب السجائر والصدمات الكهربائية وبشبه إغراقه بالماء.

ويقول بيرغمان إن النية لم تكن قتله بل محاولة انتزاع معلومات عن الثوار المغاربة وتوقيع باعترافه بالعمل ضد الملك. وينقل بيرغمان عن رجل الموساد إلعازر شارون ما سمعه من مسؤولين مغاربة فقال إن الديلمي أمسك برأس بن بركة وغمسه مرة تلو الأخرى في حوض مليء بالمياه لكن بركة لم يتعاون ولم يخضع وكلما أخرجوا رأسه من الماء والتقط نفسه كان يشتم الملك ويبصق في وجه الديلمي.

كما ينقل بيرغمان عن دافيد شومرون رئيس مكتب الموساد بالرباط وقتها قوله إن الديلمي بنفسه أخبره أن بن بركة مات حينما تأخروا ذات مرة في انتشال رأسه من حوض الماء وعندها ذهل المغاربة وكادوا « يفعلوها في سراويلهم خوفا «، واحتاروا كيف يتصرفون بجثة قائد عربي قتل في باريس. وشارك الموساد بنقل الجثة لغابة سانت جرمان القريبة وتم دفنه بعد مسحها بمواد كيميائية تسرّع بتحللها، وزود الموساد الديلمي وزمرته بجوازات مزورة وغادروا فرنسا.

شارل ديغول

لكن بعض المتورطين من رجال الأمن الفرنسيين بالجريمة سربوا ما حصل للرئيس ديغول الذي استشاط غضبا وطالب المغرب بتسليم أوفقير والديلمي ولما رفض المغرب بادر بقطع العلاقات الدبلوماسية معها.

ويوضح بيرغمان أن إيسار هارئيل مستشار رئيس الحكومة أشكول كان على خلاف مع خليفته في رئاسة الموساد مئير عميت فقام بإقناع أشكول بأن الموساد ارتكب خطأ شنيعا بمشاركته بالجريمة وبإخفاء معلومات عن حجم هذه المشاركة.

وفعلا تسببت الفضيحة في خلافات ونقاشات حادة داخل المؤسسة الحاكمة في إسرائيل حظرت الرقابة العسكرية نشرها، لكن أشكول رفض طلب هارئيل بإقالة عميت.

خلافات في إسرائيل

حينما واصل هارئيل ضغوطه هدده أشكول بفضح تورطه بجريمة قتل ضابط إسرائيلي وإلقاء جثته في البحر عام 1954 بعد خطفه من باريس ونقله للمحاكمة في إسرائيل بتهمة تسريب مستندات عسكرية.

ويتابع بيرغمان « بعد هذا التهديد قدم هارئيل استقالته من منصب المستشار وتم دفن فضيحة مشاركة إسرائيل بقتل بن بركة «. ويوضح بيرغمان أن فرنسا عرفت بتورط إسرائيل بالجريمة لكنها غضت الطرف بسبب حميمية العلاقات معها لكن ديغول أغلق مكتب الموساد في باريس بعد حرب 1967.

من جهتها قررت السلطات الفرنسية شق شارع وسط غابة سان جرمان بعد ثلاث سنوات من قتل بن بركة المدفون هناك، وفي 1973 قتل أوفقير نفسه بعد اتهامه بالتآمر على الملك، بينما قتل الديلمي في حادث سير في 1982. - See more at: http://www.jelnews.com/news.php?extend.3285.21#sthash.D7tPuXs6.dpuf

هل تورط أحمد الدليمي في تعذيب وقتل المهدي بنبركة؟





جيل نيوز - وديع عواودة ــ في ليلة ماطرة مظلمة داخل غابة مجاورة لباريس حفر عدة رجال حفرة عميقة وألقوا فيها جثة شخص مات للتو خنقا … ووقتها لم يتخيل أحد منهم أن تلاحق روح القتيل كل المتورطين بالجريمة سنوات طوال.

الباحث الإسرائيلي في شؤون الاستخبارات رونين بيرغمان فتح واحدا من الملفات السرية… ملف عملية خطف تم التخطيط لها داخل «المخزن» المغربي في عهد الملك الحسن الثاني وما لبثت أن تعقدت وتحولت لجريمة تعذيب قتل في فرنسا هددت بإسقاط رئيس الموساد ورئيس وزراء إسرائيل وتوترات العلاقات الفرنسية – المغربية.
وقد سبق ان كشف مصادر في إسرائيل بالماضي عن دورها في جريمة خطف وقتل المعارض المغربي المهدي بن بركة وهي تعرف بفضيحة « بابا بترا « لكن الباحث الصحافي الإسرائيلي رونين بيرغمان يكشف عن بعض خباياها المثيرة.

يستند بيرغمان، المقرب من المؤسسة الأمنية، في بحثه الجديد لأرشيف الموساد ومقابلات شخصية وفي السياق يكشف عن أسرار أخرى تتعلق بنشاط الموساد.يعود بيرغمان للستينيات من القرن الماضي ويتوقف عند العلاقات الحميمة بين إسرائيل وفرنسا ومساعدة الأولى للثانية في حربها ضد الثورة الجزائرية بمعلومات استخباراتية والسلاح واغتيالات قادتها في القاهرة وغيرها. وعندما صارت هذه المساعدات مكثفة نبعت الحاجة لبناء خط دائم إلى مصر، العدو الأول لإسرائيل وقتذاك.

بعد عقد على تأسيسها انتهى دور الشركة وتم بيعها لحكومة الكويت وصارت شركة الطيران الكويتية الوطنية. وحفظت فرنسا لإسرائيل دورها في محاربة «جبهة تحرير الجزائر» ففتحت الباب أمامها لنشاط واسع للموساد على أراضيها استغل لبناء تحالفات بينه وبين أجهزة مخابرات في دول آسيوية وأفريقية أهمها المغرب وتركيا وإيران وإثيوبيا. وركز الموساد وقتها على بناء علاقات وثيقة مع المغرب بدءا من 1960 حين كان الملك الحسن الثاني وليا للعهد.

هجرة اليهود بربع مليار دولار

فور تسلمه التاج، استجاب الحسن الثاني لطلب إسرائيل بالسماح بهجرة اليهود من المغرب وتم عقد صفقة بين الموساد وبين الجنرال محمد أوفقير اتفق فيها على دفع 250 دولار مقابل هجرة كل واحد من 80 ألف يهودي مغربي. فتم نقل ربع مليار دولار بأكياس ضخمة.

ويشير بيرغمان في دراسة نشرها ملحق خاص في صحيفة « يديعوت أحرونوت « إلى أن المغرب طلب لاحقا مساعدات تدريب أمني من إسرائيل التي أرسلت له الجنرال دافيد شومرون وبوسكا شاينر الضابط في وحدة حراسة رئيس حكومتها دافيد بن غوريون.

فأقاما وحدة خاصة لحماية الملك. وحسب البحث قامت إسرائيل بإعادة تنظيم جهاز المخابرات المغربية وزودته بزوارق حربية وأجهزة الكترونية في ظل نشاط مصري وجزائري معاد للمغرب ومساند للمعارضة فيها. وبالمقابل أقامت إسرائيل مكتبا دائما للموساد في الرباط.

وعندما نشب نزاع على الحدود مع الجزائر طار رئيس الموساد مئير عميت بنفسه بجواز سفر مزيف والتقى الملك الحسن الثاني عند منتصف الليل داخل خيمة قريبا من «المخزن». وقال: « نحن مستعدون لتقديم مساعدة وراغبون بها «.

قمة الدار البيضاء

بالفعل قدمت إسرائيل معلومات استخباراتية وقامت بتدريب طيارين مغاربة وقعوا بالأسر خلال مشاركتهم بالحرب لجانب الجزائر. وبالمقابل سمح لضباطها بمقابلة أسرى مصريين والتحقيق معهم علاوة على تدريبات قتالية ضد دبابات وطائرات سوفيتية.
لكن التعاون بين إسرائيل والمغرب بلغ أوجه عام 1965 حينما التأمت القمة العربية في الدار البيضاء لتأسيس قيادة عسكرية مشتركة تمهيدا لحرب مستقبلية مع إسرائيل.

ويكشف بيرغمان أن الملك الراحل الحسن الثاني أتاح وقتها للموساد متابعة القمة العربية عن كثب من خلال طاقم بقيادة تسفي مالحين ورافي إيتان تم حجز طابق كامل في فندق قريب له وسط حراسة مشددة.

ويتابع: «ما لبث أن خشي الملك من لقاء عفوي بين ضيوف عرب وبين رسل الموساد فأمرهم بالرحيل. لكنه زود الموساد بمحاضر جلسات القمة العربية».

ويقول رافي إيتان الذي عين وزيرا في حكومة إيهود أولمرت قبل سنوات قليلة إن هذه المعلومات انطوت على فائدة استراتيجية لا سيما أنها شملت تأكيدات قادة الجيوش العربية أنها غير جاهزة لحرب مع إسرائيل.

المهدي بن بركة

يشير بيرغمان إلى أن هذه المعلومات الحساسة قادت إسرائيل لفتح النار والبدء بهجمة مباغتة في يونيو 1967.

بالمقابل طالب المغرب برأس المعارض المهدي بن بركة المقيم في أوروبا والذي منح تسمية مشفرة بالمخابرات الإسرائيلية : «ب .ب» ومن هنا جاءت تسمية الفضيحة المذكورة بـ «بابا بترا» وهي عنوان جزيئية في الشرع اليهودي خاصة بأحكام الأضرار.
والمهدي ثوري معارض للنظام الملكي في المغرب حكم عليه بالإعدام فتنقل متخفيا في أوروبا. وقام وكلاء الموساد باستدراجه بواسطة صحافي غربي في باريس. ويدعي بيرغمان أن الموساد حاول التهرب من المشاركة الفعلية باغتياله مكتفيا بتقديم مساعدات بناء على تعليمات رئيس الحكومة ليفي أشكول.

لكن الجنرال أحمد الديلمي نائب وزير الداخلية أوفقير طلب من عميت خلال لقاء جمعهما في الرباط كمية من السّم، وأبلغه أن العملية قد انطلقت. وينقل بيرغمان عن المؤرخ الإسرائيلي يجئال بن نون قوله إن المخابرات المغربية رغبت بخطف بن بركة ومساومته بين قبول منصب وزير التعليم لمنح الشرعية لحكم الملك أو محاكمة علنية بتهمة الخيانة. لكن بيرغمان يشير إلى شهادات أخرى تفيد أن الهدف كان قتل بن بركة.

يشار إلى أن ميخائيل بار زوهر والصحافي المعروف نسيم مشعال قالا في كتابهما الصادر عام 2010 «الموساد.. العمليات الكبرى» ان أوفقير زار إسرائيل عدة مرات قبل 67 طالبا المساعدة بالكشف عن بن بركة.

بن بركة والفخ

وبعد يومين توجه الديلمي إلى باريس للإشراف على عملية خطف بن بركة وهناك استقبله مندوب عن الموساد واتفقا أن يمكث وكلاء للموساد في شقة باريسية بحالة استعداد للمساعدة بحال وقوع مشاكل خلال عملية الخطف.

وهكذا، بمساعدة رجال أمن فرنسيين مرتزقة، تم في 29 تشرين الاول (اكتوبر) 1965 خطف بن بركة فور وصوله من جنيف لباريس بجواز جزائري قبيل لقائه مع صحافي فرنسي عمل لصالح الموساد. ويروي بيرغمان كيف تم التحقيق مع بن بركة فيقول إن رجال شرطة فرنسيين اعتقلوه واقتادوه لشقة سرية وقام الديلمي بنفسه بتعذيبه بعد أن طلب من الموساد السمّ وجوازات مزورة وأدوات حفر.

تعذيب وحشي

وحينما وصل السمّ المطلوب لباريس من تل أبيب كان بن بركة قد مات تحت التعذيب إذ تبارى الديلمي ومعاونوه على من هو أكثر قسوة بالتعذيب بكيْ جسده بأعقاب السجائر والصدمات الكهربائية وبشبه إغراقه بالماء.

ويقول بيرغمان إن النية لم تكن قتله بل محاولة انتزاع معلومات عن الثوار المغاربة وتوقيع باعترافه بالعمل ضد الملك. وينقل بيرغمان عن رجل الموساد إلعازر شارون ما سمعه من مسؤولين مغاربة فقال إن الديلمي أمسك برأس بن بركة وغمسه مرة تلو الأخرى في حوض مليء بالمياه لكن بركة لم يتعاون ولم يخضع وكلما أخرجوا رأسه من الماء والتقط نفسه كان يشتم الملك ويبصق في وجه الديلمي.

كما ينقل بيرغمان عن دافيد شومرون رئيس مكتب الموساد بالرباط وقتها قوله إن الديلمي بنفسه أخبره أن بن بركة مات حينما تأخروا ذات مرة في انتشال رأسه من حوض الماء وعندها ذهل المغاربة وكادوا « يفعلوها في سراويلهم خوفا «، واحتاروا كيف يتصرفون بجثة قائد عربي قتل في باريس. وشارك الموساد بنقل الجثة لغابة سانت جرمان القريبة وتم دفنه بعد مسحها بمواد كيميائية تسرّع بتحللها، وزود الموساد الديلمي وزمرته بجوازات مزورة وغادروا فرنسا.

شارل ديغول

لكن بعض المتورطين من رجال الأمن الفرنسيين بالجريمة سربوا ما حصل للرئيس ديغول الذي استشاط غضبا وطالب المغرب بتسليم أوفقير والديلمي ولما رفض المغرب بادر بقطع العلاقات الدبلوماسية معها.

ويوضح بيرغمان أن إيسار هارئيل مستشار رئيس الحكومة أشكول كان على خلاف مع خليفته في رئاسة الموساد مئير عميت فقام بإقناع أشكول بأن الموساد ارتكب خطأ شنيعا بمشاركته بالجريمة وبإخفاء معلومات عن حجم هذه المشاركة.

وفعلا تسببت الفضيحة في خلافات ونقاشات حادة داخل المؤسسة الحاكمة في إسرائيل حظرت الرقابة العسكرية نشرها، لكن أشكول رفض طلب هارئيل بإقالة عميت.

خلافات في إسرائيل

حينما واصل هارئيل ضغوطه هدده أشكول بفضح تورطه بجريمة قتل ضابط إسرائيلي وإلقاء جثته في البحر عام 1954 بعد خطفه من باريس ونقله للمحاكمة في إسرائيل بتهمة تسريب مستندات عسكرية.

ويتابع بيرغمان « بعد هذا التهديد قدم هارئيل استقالته من منصب المستشار وتم دفن فضيحة مشاركة إسرائيل بقتل بن بركة «. ويوضح بيرغمان أن فرنسا عرفت بتورط إسرائيل بالجريمة لكنها غضت الطرف بسبب حميمية العلاقات معها لكن ديغول أغلق مكتب الموساد في باريس بعد حرب 1967.

من جهتها قررت السلطات الفرنسية شق شارع وسط غابة سان جرمان بعد ثلاث سنوات من قتل بن بركة المدفون هناك، وفي 1973 قتل أوفقير نفسه بعد اتهامه بالتآمر على الملك، بينما قتل الديلمي في حادث سير في 1982. - See more at: http://www.jelnews.com/news.php?extend.3285.21#sthash.D7tPuXs6.dpuf

هناك تعليق واحد:

  1. عميل مغربي سابق: المهدي بن بركة تعرض لتعذيب وحشي مدته ساعة قبل أن يقتل
    باريس-اف ب: تعرض المعارض المغربي المهدي بن بركة للتعذيب بشكل وحشي قبل ان يقتله الجنرال محمد اوفقير ومساعده احمد الدليمي، بحسب شهادة جديدة ادلى بها عميل سري مغربي سابق وتنشرها اليوم صحيفة «لوموند» الفرنسية .

    وتستند الصحيفة الى شهادة العميل السري السابق احمد بخاري، الذي يقول ان المهدي بن بركة تعرض للتعذيب بشكل وحشي طوال ساعات قبل ان يقتله الجنرال محمد اوفقير، الذي كان في حينها وزيرا للداخلية في المغرب، ومساعده الكومندان احمد الدليمي.

    وبحسب هذه الشهادة الحافلة بالتفاصيل فان المعارض المغربي لقي حتفه في الساعة الثالثة فجر يوم السبت 30 اكتوبر(تشرين الاول) 1965 في احدى الفيلات في فونتناي ـ لو فيكونت بالقرب من باريس. وقد نقلت جثته الى الرباط، حيث اذيبت في خزان من الحمض (الاسيد).

    ويقول احمد بخاري انه «قرر ان يتكلم حتى يعرف المغاربة، بدءا بعائلة بن بركة، بما حدث فعلا، لاظهار الحقيقة».

    وفي موضوعين متسلسلين يحملان عنوان «الحقيقة حول مقتل المهدي بن بركة في فرنسا»، بدأ نشرهما، تمت الاشارة الى ان بخاري كان في تلك الفترة، مساعدا مقربا جدا من محمد العشعاشي، الذي كان في تلك الفترة رئيسا لجهاز مكافحة التخريب في المغرب.

    ونظرا لكون بخاري على اتصال دائم مع رئيسه، الذي كان في الفيلا الفرنسية، فقد كان في موقع جيد للحصول على المعلومات من مصدرها مباشرة حول جريمة دولة ما زال الغموض يكتنف ظروف الاعداد لها وتنفيذها.

    وبحسب شهادة بخاري فان «العملاء المغاربة وشركاءهم الفرنسيين ـ من الشرطة والمرتزقة ـ تم تكليفهم باختطاف بن بركة ونقله حيا الى المغرب». ولكن «خرج الوضع عن السيطرة في جنوب باريس».

    ففي فيلا فونتناي ـ لو فيكونت، حيث اقتيد بن بركة بعد ان اوقفه شرطيان فرنسيان امام حانة في وسط باريس، وصل احمد الدليمي في بداية السهرة «مما ادى الى تغيير المعطيات». فالرجلان كانا يعرفان بعضهما شخصيا ويكرهان بعضهما. ما ان دخل الدليمي الى الصالة، وهو كان قد حاول قتل بن بركة في 18نوفمبر (تشرين الثاني) 1962، «شتم رئيس المعارضة المغربية وكاد ان يخنقه عندما بدأ بالصراخ، وقعت في الفخ».

    وتؤكد «لوموند» انه تم تقييد بن بركة بناء على طلب الدليمي ثم قام ممرض بحقنه لكن الجرعة كانت قوية جدا: «غاب بن بركة عن الوعي».

    عندئذ انقسم العملاء المغاربة الى فئتين، واحدة تزعمها محمد العشعاشي تعارض تعذيب بن بركة وتريد نقله حيا الى المغرب، بينما الفئة الاخرى بزعامة الدليمي ارادت تصفية حسابها مع المعارض.

    لكن وصول الجنرال اوفقيرعند منتصف الليل «لم يضع حدا لتمادي مساعده، الذي اغضبه الصمت المطبق لبن بركة». فقام الدليمي بتعليق بن بركة بحبل، واوثق يديه خلف ظهره، بينما قام اوفقير بضرب بن بركة على صدره وظهره بخنجر مضلع.

    واستمرت عملية التعذيب ساعة كاملة. وعندما قرر العشعاشي التدخل ودفع الدليمي لتحرير المهدي بن بركة، كان قد فارق الحياة، بحسب شهادة بخاري.

    وفي الجزء الثاني من الموضوع المقرر نشره اليوم فان «لوموند» ستكشف الظروف، التي تم خلالها نقل جثمان بن بركة الى الرباط «واذابته في خزان مليء بالحمض» (الاسيد).

    وتعتبر قضية بن بركة واحدة من اكثر المراحل القاتمة في تاريخ فرنسا الحديث. وقد تركت اثرها على العلاقات الفرنسية -المغربية ولم يتم توضيح تفاصيلها الكاملة بتاتا. كما ان بشير بن بركة، احد ابناء المهدي بن بركة، قال لفرانس برس انه يعتبر ما نشر «مثيرا للاهتمام» لكنه «يطلب ان يتم تأكيده امام القضاء».

    وقال بشير بن بركة، الذي يرأس معهد «المهدي بن بركة، الذاكرة الحية» ان «شهادة بخاري مثيرة للاهتمام لكونها المرة الاولى التي تأتي فيها المعلومات من داخل اجهزة الاستخبارات المغربية». واعترف انه وجد هذه الشهادة «مؤلمة جدا في بعض الاحيان»ب«.

    واضاف بشير بن بركة ان «مجمل هذه الشهادة تحتاج الى تأكيدها امام القضاء ولنا ملء الثقة في القاضي جان باتيست بارلوس للحصول على تأكيدات حول كل ما نشر» مشيرا الى انه «يجب الاستماع الى افادات شخصيات اخرى ايضا».

    ومن جهة اخرى ذكرت مصادر قضائية ان القاضي المكلف بملف قضية اختفاء بن بركة سيطلع على هذين الموضوعين، ويمكن ان يستمع الى بعض الافادات لاستيضاح بعض الامور الواردة في الموضوعين.

    وكان القاضي بارلوس اطلق في يناير (كانون الثاني) 2000 انابة قضائية دولية في اطار توليه ملف اختفاء بن بركة على الاراضي الفرنسية، وقام بزيارة المغرب في يونيو( حزيران) 2001، وهي المرة الاولى التي تسمح فيها السلطات المغربية لقاض فرنسي باجراء تحقيقات حول هذه القضية على الاراضي المغربية.

    ردحذف