الأحد، 6 ديسمبر 2015

ادريس البصري ...الصفحة السوداء في تاريخ المغرب

إدريس البصري


تاريخ ومكان الميلاد: 8 نوفمبر 1938 - سطات
المنصب: وزير الداخلية والإعلام
الوفاة: 27 أغسطس 2007
الدولة: المغرب

وزير الداخلية الأشهر في عهد الملك الحسن الثاني، سطع نجمه في سنوات الرصاص، ولقبت الداخلية في أيامه بـ"أم الوزارات"، لهيمنتها على مفاصل الدولة وتسلط أذرعها الأمنية، ثم انتهى به الأمر مريضا مهينا.
الميلاد والنشأة
ولد إدريس البصري يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1938 بضاحية مدينة سطات (وسط المغرب)، في منطقة الشاوية ذات الطابع البدوي الفلاحي. وقد نشأ في أسرة متواضعة الحال، من ثماني أخوات وثلاثة إخوة، وكان والده حارسا في سجن بمنطقة عين علي مؤمن.
الدراسة والتكوينتلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة المحلية لعين علي مؤمن. ولما أظهر اجتهادا في التحصيل، عمل والده على توفير إقامة متواضعة له في حي شعبي بمدينة سطات، فتابع دراسته في الثانوية الإسلامية (تحمل حاليا اسم المعتمد بن عباد).
ولم يمنعه الالتحاق بالشرطة من مواصلة دراساته العليا حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا (الماجيستير) سنة 1975 وعلى دكتوراه الدولة في القانون العام من جامعة العلوم الاجتماعية بغرونوبل في فرنسا سنة 1987.
الوظائف والمسؤوليات
بدأ البصري حياته المهنية "مفتشا" ثم أصبح "عميدا ممتازا" في الأمن الإقليمي بالرباط، ثم التحق بوزارة الداخلية مديرا للشؤون العامة ورجال السلطة.
عين على رأس الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني (الاستخبارات الداخلية) في 13 يناير/كانون الثاني 1973، ثم عين في 26 أبريل/نيسان 1974 كاتبا للدولة في الداخلية وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى مارس/آذار 1979 حين أصبح وزيرا للداخلية.
وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1985 جمع بين وزارتي الداخلية والإعلام، وقد احتفظ بهذين المنصبين مع صفة وزير دولة في الحكومتين المتعاقبتين لمحمد كريم العمراني (1992-1994)
وفي 27 فبراير/شباط 1995 عُين وزيرا للدولة وزيرا للداخلية في حكومة عبد اللطيف الفيلالي حيث تم الفصل بين وزارة الداخلية ووزارة الاتصال، واستمر كذلك إبان ما عرف بمرحلة التناوب، في حكومة الزعيم الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي التي شكلت في 14 مارس/آذار 1998.
المسار
برز إدريس البصري في مرحلة الاضطرابات التي عرفها المغرب صيف 1963 -خلال ما سمي رسميا بـ"مؤامرة" حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على النظام- فأبان عن شراسة وصرامة في الإشراف على التحقيق والاعتقال.
ولعل هذا الأداء لفت إليه نظر وزير الداخلية القوي آنذاك الجنرال محمد أوفقير الذي أسند إليه في الوزارة مسؤولية قسم الولاة والشؤون السياسية، ذات الطابع الحساس في مجال التدبير الترابي.
بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 1972 ونهاية الجنرال أوفقير، واصل البصري تسلقه للسلم الأمني فعين على رأس الاستخبارات الداخلية، ثم كاتبا للدولة في الداخلية، ثم أصبح وزيرا للداخلية، لتبدأ مرحلة طويلة دامت عقدين من الزمن، أمسك فيها بمفاصل الدولة العميقة.
تعتبر فصائل المعارضة في المغرب -بمختلف تياراتها- البصريَّ رمزا لسنوات الرصاص التي وقعت فيها انتهاكات جسيمة على الحريات العامة وحقوق الإنسان.
ويرى كثيرون أن البصري لم يكتف بسياسة العصا، وإنما كان داهية في تحريك اللعبة السياسية، من خلال إستراتيجية شق صفوف الأحزاب، واستقطاب النخب التكنوقراطية، وتغيير التحالفات -حسب ضرورات الزمن السياسي- وهندسة علاقة وثيقة بين المال والسلطة.
وبلغت ثقة الحسن الثاني بالبصري أن أسند إليه مهمة تدبير ملف الصحراء الغربية، حيث أطلق مشاريع إعمار المنطقة وأشرف على مفاوضات التسوية وكان مخاطبا رئيسيا للأطراف الإقليمية والدولية.
كما جسد البصري في مرحلة ما الصورة القاتمة لأوضاع حرية الإعلام والصحافة بالمغرب، فقد جمع في حكومة 1985 بين منصبي وزير الداخلية والإعلام، فأطبق من خلال رجالاته على المؤسسات الإعلامية العمومية.
وفي مرحلة البصري، اشتدت الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد، واضطر الملك الراحل الحسن الثاني -خصوصا في السنوات الأخيرة من حكمه- إلى إرسال إشارات إلى المعارضة من أجل الدخول في ائتلاف حكومي ومواجهة ما أطلق عليه بلسانه "خطر السكتة القلبية".
وقد كان البصري سببا رئيسيا في فشل المحاولة الأولى لما سمي بتجربة التناوب التوافقي بين الملك والكتلة الديموقراطية (أهم ائتلاف معارضة آنذاك) في بداية تسعينيات القرن الماضي لأن الحسن الثاني تشبث بالبصري في منصبه بينما رفضته أحزاب المعارضة.
لكن المعارضة عادت لتقبل عرض الملك بوجود البصري الذي عين وزيرا في حكومة الوزير الأول الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي عام 1998.
ولم تدم سطوة البصري طويلا بعدئذ، إذ سجل المراقبون تراجعا في نفوذه منذ اعتلاء الملك الجديد محمد السادس العرش في 23 يوليو/تموز 1999، علما أن العلاقة بينهما لم تكن على ما يرام منذ كان الملك وليا للعهد، حسب بعض المصادر.
وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1999 أعفي البصري من مهامه، لتطوى صفحة هامة من تاريخ صناعة القرار في المغرب.
الوفاة
كنت نهاية إدريس البصري عصيبة ومؤلمة، فقد بلغ به الأمر أن حرم من جواز السفر لفترة من الزمن.
وقد انتقل إلى باريس سنة 2002 وأجرى بعض الحوارات الصحفية في محاولة للبقاء في دائرة الأضواء، وظل هناك حتى توفي في باريس يوم 27 أغسطس/آب 2007 مصابا بالسرطان، ثم نقل إلى المغرب وأقيمت له جنازة رسمية، ودفن بمقبرة الشهداء في الرباط يوم 29 من الشهر نفسه.
.........................

البصري يسلم أسراره لابنه لحمايته



تقديم

نال المرض من إدريس البصري وألزمه الفراش مؤخرا، وتسربت أخبار، من هنا وهناك تفيد أن جهة ما تتفاوض معه بخصوص عودته إلى المغرب، كما أشار مصدر مقرب من الوزير المخلوع، إلى أن هذا الأخير يرغب قضاء أيامه الأخيرة ببلده.
خلال الخمس سنوات الأخيرة من حياة الملك الراحل الحسن الثاني، اعتقد الوزير المخلوع، إدريس البصري، أنه تكلف بتدبير أمور البلاد والعباد بالمغرب، متناسيا أنه خلال هذه الفترة كان غيره من المقربين للملك الراحل، مستشارين ورجال سياسة وبعض الشخصيات، تحت تأثير جملة من رجال الأعمال، كانوا هم كذلك يساهمون في الكواليس، وربما بقوة أكثر من البصري، في تدبير الأمور خلال هذه الفترة، لاسيما ابتداءا من 1994 -1995.
وقبل خرجاته وشطحاته الإعلامية، طالبت أكثر من جهة بمحاكمة إدريس البصري ومساءلته عن جملة من الجرائم، والكشف عن ثروته وثروات أبنائه وزوجته المتراكمة بفعل نفوذه وجبروته على امتداد أكثر من 3 عقود، إلا أن شيئا من هذا لم يتم، رغم أن الوزير المخلوع لوّح أحيانا مهددا بالكشف عن جملة من أسرار الدولة، فهل فعلا يشكل إدريس البصري خطرا على المغرب والقائمين على أموره؟ وهل توجد فعلا بحوزته أسرار دولة من شأنها إحراج المغرب، وبالتالي سيسلمها لنجله، هشام البصري، لتكون ذرعا يحميه من المساءلة والمتابعة بعد وفاة والده؟

مرض إدريس البصري

في البداية تضاربت الأخبار حول طبيعة مرض الوزير المخلوع، إدريس البصري، فهناك من قال إنه مصاب بمرض "الأزاهايمر" وإن علاماته بدأت تظهر عليه منذ مدة، إلا أنه تأكد مع مرور الوقت أنه مصاب بمرض التهاب الكبد الفيروسي، ورغم العملية التي خضع لها، كان المرض قد استفحل، مما نتج عنه إصابة بنوع من أنواع السرطان. لكن مهما يكن من أمر، فقد استفحل المرض حاليا حد جعل إدريس البصري يلزم الفراش بحيث لم يعد يقوى على مغادرته.
حسب أحد المقربين من الوزير المخلوع بباريس، منذ أن فرض عليه المرض المكوث بالبيت طريح الفراش، دأب ابنه هشام البصري، خلافا للسابق، على الجلوس بجانبه ساعات طويلة، رأسا لرأس، وذلك يوميا.
وقد يكون إدريس البصري، تحسبا للمستقبل، يمد نجله هشام، بأهم أسرار الدولة لتكون بمثابة حصانة له، تحميه من المتابعة والمساءلة بخصوص ملفات معروضة على أنظار القضاء المغربي.
ويؤكد نفس المصدر، أن إدريس البصري، وهو على فراش المرض، لم يعد يهمه الآن إلا العودة إلى المغرب والاطمئنان على أن ابنه هشام حتى لا يلحقه سوء بخصوص المحاسبة والمساءلة والمتابعة، ولعل أحسن وأجدى طريقة هي مده بما بحوزته من أسرار الدولة والأسرار الخاصة عن الملك الراحل الحسن الثاني، والعمل على إخبار القائمين على الأمور، بطريقة أو بأخرى، أن ابنه أضحى يحوز الآن تلك الأسرار.
في البداية أصيب إدريس البصري بوعكة صحية حادة وهو لا زال مقيما بالمغرب، وقد تحمل الملك محمد السادس كل مصاريف علاجه وسفره إلى الخارج، وقيل آنذاك إن علة البصري تكمن في الكبد وأن الأمر يتطلب زرع كبد للتصدي للمرض العضال.
بعد رحيله إلى فرنسا بدأت معلومات حول مرضه تطفو على السطح في بداية مارس 2005، وكان أول من صرح بإصابته بمرض عضال، محاميه محمد برادة، في إحدى الجلسات الخاصة بنازلة الدعوى التي جمعت بين الوزير المخلوع ومدير أسبوعية "ماروك هيبدو"، بمحكمة باريس.
ومن الجهات التي أكدت مرض إدريس البصري، الجنرال إدريس عرشان، الطبيب الخاص للملك الراحل الحسن الثاني، والذي كان طبيب البصري على امتداد 20 سنة بأمر من الملك نفسه، إذ أكد عرشان أن البصري مصاب بمرض بالكبد، وكان منذ زمن بعيد ينتقل إلى باريس مرتين في السنة للقيام بفحوصات هناك. وفي صيف 2003، نقل إدريس البصري على وجه السرعة من مطار الرباط – سلا إلى المستشفى الجامعي "بول بروس" بـ "فيلجويف" ضواحي العاصمة الفرنسية، وهو المستشفى المتخصص في أمراض السرطان، وقد قضى البصري صيف تلك السنة كاملا بالديار الفرنسية؛ آنذاك كانت خرجته الإعلامية الأولى، إذ صرح قائلا: "إن ما حل به من تدهور صحي كان نتيجة منعه من العلاج لمدة سنتين"، وفي هذا المضمار حمل المسؤولية للجنرال حميدو العنيكري وفؤاد عالي الهمة.
في أكتوبر 2003 عاد إدريس البصري إلى المغرب، لكن سرعان ما رجع إلى فرنسا في يناير 2004 لتلقي العلاج من جديد، والقصر الملكي هو من تحمل مصاريف تلك السفرة العلاجية، هذا ما أثبتته شهادة موقعة من طرف منير الماجدي، أدلى بها الأستاذ محمد برادة، محامي البصري، إلى المحكمة الفرنسية لتبرير غياب موكله عن الجلسة. وفي فبراير 2004 تأزمت وضعية البصري الصحية، وأدخل من جديد المستشفى وتحمل القصر الملكي مصاريف العلاج.
آنذاك استغل إدريس البصري تواجده بالديار الفرنسية لطلب اللجوء، وبدأت خرجاته وشطحاته الإعلامية تتناسل.
إن الذي كان يزدري كل الوزراء، وكل السفراء والولاة والعمال، والذي كان يتبجح بمعرفة كل الحقائق، والعالم بكل شيء من طنجة إلى الكويرة، والذي كان بمجرد مكالمة هاتفية يقلب الأمر رأسا على عقب، هو الآن طريح الفراش، ينخره مرض عضال، في إقامة تقع بحي "لاموييت" La Muette (الصامتة أو البكماء) بالمقاطعة 16 بالعاصمة الفرنسية، باريس، وبالضبط بزنقة "كونسيي – كولونيو"؛ في هذه الإقامة بالحي الفاخر الباريسي، خلال نهاية الستينيات، عاشت شخصية فرنسية وازنة طبعت تاريخ فرنسا والفرنسيين، إنه "بييرمينديس فرانس"، لكن اليوم لم تعد تلك الإقامة تحمل أي ذكرى لهذه الشخصية الفرنسية، إن الديكور الغالب عليها الآن يذكرنا بالمغرب، وبالضبط بسنوات الجمر والرصاص، التي يعتبرها إدريس البصري أزهى سنوات مشواره، لاسيما صور آل البصري بمعية الملك الراحل الحسن الثاني، أو إدريس البصري رفقة جاك شيراك وبعض الشخصيات الفرنسية الأخرى المحسوبة على اليمين.
لا يعيش هشام البصري مع والده بهذه الإقامة الفاخرة، وإنما فضل الاستقرار بشقة صغيرة بشارع "بينا" بالعاصمة الفرنسية ليظل قريبا من والده، حاميه وولي نعمته ومصدر ثروته.
قبل استفحال المرض الذي ألزمه الفراش، كان إدريس البصري يلتقي من حين لآخر ببعض الشخصيات الفرنسية، منها شارل باسكوا، وزير الداخلية في حكومتي شيراك وبلادور، و"بيير جوكس" وزير الدفاع سابقا، وجون لوي ديبري، وزير الداخلية سابقا، وجان بيير شيفينما، وزير التعليم والدفاع سابقا، وبيير مازو القاضي، وروبير باندينتر رئيس المجلس الدستوري سابقا.

العودة إلى المغرب

مرة أخرى، بدا أن إدريس البصري، وهو على فراش المرض، يفاوض من أجل العودة إلى المغرب، حيث يريد أن يقضي آخر أيامه وأن يدفن بتراب بلده وقتما وافته المنية. ورغم أن مقتضيات وفحوى هذه المفاوضات والمساومات لازالت مجهولة، فإن مصدرنا بباريس أكد أنها جارية بواسطة شخصية على علاقة بالدوائر القريبة جدا من المحيطين بالملك محمد السادس، وذلك بعد أن جند واستنفر إدريس البصري جملة من الوساطات، منها المغربية والفرنسية، ولم يستبعد مصدرنا إمكانية تأثير الوساطات الفرنسية في هذا المضمار.
قبل هذا الوقت، تخلى إدريس البصري عن مطالبته بالعودة إلى المغرب، ولم يعد يرغب البتة في الرجوع، خوفا من المساءلة والمحاسبة، خصوصا مع انطلاق محاكمة صهره السليماني بمعية أقرب العمال والولاة إليه، العفورة.
علما أن طلب الرجوع برز بقوة في غضون شهر مارس 2004، وقيل آنذاك إن مفاوضات جرت مع إدريس البصري بهذا الخصوص بباريس بواسطة أحد المقربين من دائرة الملك محمد السادس، وعندما حصل البصري على جواز سفره قيل إنه على وشك العودة إلى المغرب.
في ربيع 2005 أعطت السلطات المغربية الضوء الأخضر لرجوع الوزير المخلوع، إلا أن هذا لم يتم لأسباب ظلت غامضة، علما أن إدريس البصري استغل تواجد الملك محمد السادس بباريس في زيارته الرسمية للديار الفرنسية لطلب العفو عنه وحيازة جواز سفر من السفارة المغربية بباريس، وفعلا تسلم الجواز ومعه شيك بمبلغ أربعمائة مليون سنتيما كمكافأة نهاية الخدمة والتي ظل يطالبها ويستنكر عدم التوصل بها.


أسرار البصري

ماذا تخبئ جعبة إدريس البصري من أسرار؟
إنه تساؤل ظل يشغل الكثير من المغاربة، علما أن الوزير المخلوع بقي يكرر دون كلل، الملك محمد السادس ملكي المقدس وسيدوم كذلك.
لقد سبق لمصادر فرنسية أن أشارت في 2004 و2005 إلى تهديدات تفوه بها البصري همت الكشف عن أسرار الدولة التي بحوزته.
ظل الوزير المخلوع حتى الآن وهو على فراش المرض، يعتبر نفسه رجل دولة، وبالتالي من المفروض أن لا يفشي أسرار الدولة، وهنا تكمن "قوته"، بحكم عقليته السلطوية، في علاقاته مع القائمين على الأمور، باعتبار جهل عموم المغاربة طبيعة الأسرار التي يدعي إدريس البصري امتلاكها، والتي من شأنها إحراج النظام والقائمين على الأمور بالمغرب. لكن لنفرض أن بحوزته أسرار دولة خطيرة، فماذا سيستفيد من إفشائها؟ وهل لا يوجد من يكشف عنها إلا البصري؟
ربما تكون هناك أسرار دولة لا يمتلكها الآن إلا البصري بحكم نهج تدبيره للأمور الأمنية والداخلية، وبحكم اقترابه الخاص من الملك الراحل الحسن الثاني في إطار ما يمكن نعته بالعلبة السوداء أو الغرفة المغلقة، إذ عمل على أن تبقى تلك الأسرار محصورة عليه دون سواه.
إن نظرية إدريس البصري في التدبير والتسيير كانت تقتضي ألا تعرف جهة ما يجري في جهة أخرى، وهذا النهج في تدبير الأمور استوحاه من نظرية استخباراتية عممها، بدءا بالداخلية ثم شملت العمالات والولايات والمؤسسات الحساسة، وكان إدريس البصري يبعد كل من رأى أنه غير مستعد للخضوع لهذا النهج بتكليفه بمهام شكلية أو بتعيينه خارج المغرب.
ظل هناك سؤال يشغل بال عدد كبير من المغاربة، وهو هل إدريس البصري مكن الجزائريين أو الإسبان من بعض أسرار الدولة عندما كان في أوج حربه الضروس مع بعض المقربين من الملك محمد السادس؟ يظل سؤالا من الصعب بمكان الجواب عليه، لكن طرحه يبقى مشروعا استنادا إلى ما قام به إدريس البصري من قبل من تهديدات بهذا الخصوص، فهل تكفي عداوة هذا المسؤول أو ذاك لتبرير خيانته أو لتكون مسوغا يدفع الشخص إلى تسليم أسرار دولة لجهة أجنبية؟
أكد البصري أكثر من مرة، أنه لا يتوفر على أي وثيقة وليس بحوزته أي مستند، وكل ما بحوزته من أسرار هي في دماغه ويمكنه استحضارها بدقة وبتفصيل وقتما أراد، وربما لهذا تركه القائمون على الأمور يقول ما يريد ويكرر خرجاته الإعلامية دون أي اكتراث لما يتفوه به، ولم يسبق لأية جهة رسمية أن قامت بالرد أو التعقيب عليه أو تكذيبه، لقد تركوه حتى يفرغ "المزيودة".
وفي هذا الصدد أكدت إحدى المصادر العالمة والعارفة بملف الوزير المخلوع، "سيأتي يوم ليجد البصري نفسه خاوي الوفاض، وإن هذا اليوم لقريب"، وكان هذا التصريح في غضون سنة 2005.
إن القائمين على الأمور سعوا دائما إلى تقديم إدريس البصري كمنبوذ وطفيلي وانتهازي، رمز لماض يمقته أغلب المغاربة.
بحكم موقعه وقربه من الملك الحسن الثاني، واعتبارا لطبيعة مهامه والملفات التي كانت تحت يده وبعض المهمات الخاصة جدا التي كلفه بها الملك الراحل الحسن الثاني، وانطلاقا من المعلومات التي حصل عليها على امتداد مشواره الطويل، تمكن من مركزة جملة من الأسرار، منها ما تعلق بالمغرب ومنها ما ارتبط بفرنسا.
وتظل الأسرار الأكثر إحراجا، والتي بحوزته هي المتعلقة ببعض فترات حكم الملك الراحل الحسن الثاني وبعض القضايا المرتبطة بدول أجنبية وشخصيات وازنة منها، ويمكن تصنيفها إجمالا كالتالي:
- أسرار متعلقة بشخصيات وازنة لازالت حاضرة في دوائر صناعة القرار حتى الآن.
- ملف الصحراء والتعاطي مع القضية.
- فترات خاصة في عهد الملك الحسن الثاني.
- ملف المخدرات وتهريب الأموال إلى الخارج.
- أسرار متعلقة بالثروة الملكية.
قليلة هي الأسرار التي تم كشفها بخصوص الوزير المخلوع، البوليسي الأول في المملكة على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، لأنه كان حذرا جدا، ولأن حب السلطة استولى على كل عواطفه، كان حريصا أشد الحرص حتى لا يمنح أية فرصة لخصومه، وقد ازداد اطمئنان إدريس البصري بعد خلعه عندما أيقن حق اليقين أنه لا يمكن أن يكون موضوع المساءلة والمحاسبة، ولا يمكن متابعته مهما كانت المعلومات المحصل عليها أو تصريحات من قدموا إلى المحاكمة من رجاله، بل حتى بخصوص ابنه هشام، رغم ضلوعه في جملة من الملفات المعروضة على القضاء الآن، إذ يبدو أنه لن يحاكم، لأن والده سلم له جملة من الأسرار لضمان عدم متابعته ومساءلته، وربما كان هذا ما يفسر عدم استصدار متابعة دولية في حقه لإحضاره للمغرب قصد المساءلة بخصوص ملف السليماني والعفورة ومن معهما، وملفات أخرى لازالت موضوعة على الرفوف.
طبعا هناك أسرار وجب أن تبقى حكرا على القائمين على الأمور، الملك والدائرة القريبة منه والوزير الأول والحكومة والقضاء وبعض أعضاء البرلمان والمؤسسات العسكرية والاستخباراتية والأمنية، وهي أسرار يتوفر إدريس البصري على جزء كبير منها وتخص عهد الملك الراحل الحسن الثاني، علما أن التهويل والمبالغة كانا سائدين بهذا الخصوص.
فمصطلح أسرار الدولة عندنا لا زال فضفاضا، وأية معلومة تهم القصر أو الثروات، حتى الطبيعية منها يمكن اعتبارها سرا من أسرار الدولة، ولعل ما حدث مؤخرا للدركي الذي أعلن عن اكتشافه للبترول بالمغرب غني عن التعريف.
فحتى أخطاء المسؤولين أو توقعات بتغييرات في قضايا وملفات كبرى قد تتخذ صفة أسرار الدولة عندنا، إذ كانت، ولازالت أحيانا، أسرار الدولة مثل الخطوط الحمراء أو المقدسات القابلة للتأويل في جميع الاتجاهات وحسب مزاج القائمين على الأمور.
إن عبارة "أسرار الدولة" أو "أسرار الدولة العليا"، قد تتسع لتشمل كل ما من شأنه التأثير على أمن الدولة ومصالحها، بما في ذلك بعض الأخبار السياسية، حيث يبقى الأمر مرهونا بتقييم القائمين على الأمور وموقع المهتم بكشفها والغاية من وراء ذلك.
إن مما جعل رجلا، مثل إدريس البصري، تظل بحوزته عدة أسرار من شأنها إحراج القائمين على الأمور والدولة، سيادة حجب المعلومات عن الشعب، وهو ما قاد الأنظمة عبر التاريخ، شيئا فشيئا، إلى خانة الدكتاتورية والإنعزال الجماهيري، كما كان عليه الأمر عندنا بالأمس القريب.
وقد بدأ يتبين في عهد الملك محمد السادس أن الانفتاح وتضييق رقعة المنع والحجب واعتماد المكاشفة يخدم المسار نحو الانتقال الديمقراطي، بالرغم من جملة نغمات نشاز كانت تحدث من حين لآخر، هذا باعتبار أن هناك معادلة دقيقة جدا يجب على الديمقراطيين والراغبين في انتصار الديمقراطية بالمغرب أن يحرصوا على الاهتداء بها، وهي أن الانفتاح على الشعب ومكاشفته لا يلغي أن تكون للنظام أسراره، لكن هذه الأسرار وجب أن تكون خاصة جدا وفي أضيق الحدود. علما أن لكل وزارة ومؤسسة عندنا أسرارها الخصوصية، لو اطلع المغاربة عليها لانفجروا غيضا وكمدا، وربما لهذا السبب عمل القائمون على الأمور على العمل بالقاعدة التي يقول بها السياسيون وعلماء النفس، والتي مفادها تجنيب أوسع الجماهير من الاضطلاع على الأسرار، لاسيما تلك المرتبطة باستشراء الفساد، لعدم تعريضهم لصدمات نفسية قد تؤثر على ديمومة الحيوية والنشاط في خدمة الوطن، لذلك ظل المسؤولون الكبار يجتهدون في عهد الملك محمد السادس على حجب جملة من الحقائق واعتبارها أسرارا لا يحق كشفها رغم أنها لا ترقى لتكون أسرار دولة وفق التعريف المتعارف عليه.
خلال فترة من الفترات ظهر أن فرنسا تخشى ما يحمله إدريس البصري بخصوصها من أسرار بمناسبة إثارة وضعيته غير القانونية وافتقاره لوثائق بالديار الفرنسية، إذ أخبرت باريس الرباط، أنها على استعداد لتمكين الوزير المخلوع من الوثائق الضرورية لشرعنة وجوده على التراب الفرنسي حتى لا يفكر في إحراج جملة من الشخصيات الفرنسية.
وهذا ما أكده أكثر من مصدر فرنسي، إضافة إلى أن فرنسا كانت في وضع حرج حينما حل بها إدريس البصري لتلقي العلاج، ولم يكن بمقدروها رفض ذلك حرصا على أسرار العلاقات بين البلدين، وفي ذات الوقت لم تكن ترغب في كهربة جو العلاقات بين باريس والرباط.

الالتفاتة الملكية

إذا كان إدريس البصري مغربي، ويمكنه كأي مغربي أن يحظى بعطف واهتمام الملك محمد السادس والقصر الملكي، مع أن البعض لم يستسغ تحمل القصر الملكي لمصاريف علاج الوزير المخلوع أكثر من مرة، لاسيما وأنه لم يكن معدما، وإنما له ما يكفي وزيادة لتحمل مصاريف الاستشفاء، باعتبار أن مبلغ 10 ملايين اللازمة للعملية الجراحية لم يكن ليقعده على الحصير، وثروته المودعة بالخارج تعد بملايين الدولارات والأورو.
لكن تبين أن تحمل مصاريف علاج إدريس البصري، كان قرارا ملكيا شخصيا.
إلا أن الكثير من المغاربة لم يتفهموا هذا الأمر، باعتبار أن الوزير المخلوع كان آنذاك شرع في خرجاته وشطحاته الإعلامية، لاسيما تلك المرتبطة بملف الوحدة الترابية وملف تازمامارت وجملة من السياسات المتبعة في العهد الجديد ونهج تدبير الملك محمد السادس للحكم، والتقليل من شأن المحيطين به.

السطو على فيلا آل البصري

بدا ضعف الوزير المخلوع مع مرضه، وتقلص تأثير لوبيه بالمغرب بشكل واضح عمليا، هذا رغم أن بعض ملامح العقلية البصروية لازالت قائمة ومؤثرة في جملة من الدوائر والقطاعات.
من مؤشرات هذا الضعف، تعرض فيلا آل البصري، فيلا ابن البوليسي الأول للمملكة، الكائنة بحي كاليفورنيا بالدار البيضاء، للسطو والسرقة في غضون منتصف شهر مايو الماضي، إذ تمت سرقة الأثاث وجميع صور البصري مع الملك الراحل الحسن الثاني. وتمت هذه العملية في وقت استفحل فيه مرض إدريس البصري وتدهورت فيه صحته إلى حد عدم قدرته على مغادرة الفراش. هل هي مجرد صدفة أم أن العملية تمت بأمر من طرف جهة ما؟
علما أن المصادر الأمنية أكدت أن الفاعل هو حارس الفيلا الذي خطط لعملية السطو والاستحواذ على المحتويات، بعد علمه بمرض إدريس البصري وكونه طريح الفراش وبعد أن قيل له إن هشام البصري لا يمكنه أن يدخل المغرب حاليا مهما كان الأمر.
وفي هذا الصدد قال قائل، من حسن حظ الحارس أن إدريس البصري امتلكه الوهن، وإلا لتم تفتيش الدار البيضاء عن آخرها لاستعادة ما تمت سرقته بأي ثمن، لكن من هو هذا الحارس، إذا كان فعلا هو المخطط، إلا الذي سرق سارقا أكبر منه، ويظل الفرق بينهما أن الأول سيعاقب على فعلته وسيلج السجن، في حين إن الثاني وابنه سيظلان بعيدين عن يد العدالة ينعمان في الرفاه بالديار الفرنسية بفضل ما نهباه وسطيا عليه من أموال الشعب وعلى حسابه.
لكن كيف تم اكتشاف عملية السطو؟
في 16 مايو الفارط اكتشف توفيق، نجل الوزير المخلوع أن فيلا شقيقه هشام تعرضت للسرقة. وهي الفيلا الكائنة بزنقة مكة بالقرب من مركب "لاراد"، كان غالبا ما يستعملها والده لعقد لقاءات خاصة وسرية أحيانا برجالاته، ويعقد بها الصفقات المشبوهة. وتحتوي بعض غرفها على أجهزة متقدمة للتسجيل والتصوير.
وحسب أحد المقربين من آل البصري، ظلت فيلا حي كاليفورنيا تحتوي على قبو لا يلجه أحد، يحتفظ فيه إدريس البصري ببعض الأرشيفات والوثائق الخاصة.
عندما لاحظ توفيق البصري عملية السرقة أخبر والدته فتيحة ثم السلطات الأمنية التي أجرت بحثا مكثفا وسريعا، قادها إلى الحارس.
قد تبدو حادثة السطو على فيلا آل البصري حدثا عاديا باعتبار أن مدينة الدار البيضاء تعرف مئات النوازل من هذا القبيل يوميا، لكن القضية تتخذ أبعادا أخرى بفعل تزامنها مع استفحال مرض إدريس البصري واستحالة دخول ابنه هشام للمغرب تحت طائلة المتابعة والمساءلة.

ثروة البصري

من المواضيع التي ظلت غامضة، إشكالية ثروة آل البصري، إذ يعتبر إدريس البصري من المسؤولين الكبار القلائل الذين فكروا في "اتقان الغرزة" كما يقال، ولم يتركوا علامات على كيفية تكوين ثروتهم وطرق تهريب جزء منها إلى الخارج، ويرى الكثيرون أن احتكاره لملف الصحراء مكنه من التصرف في مبالغ مالية كبيرة جدا من المستحيل مراقبة وجه صرفها، لاسيما وأنه كان قائما عليها بلا حسيب ولا رقيب، وفي تلك الفترات عرف المغرب تحويل مبالغ مالية مهمة جدا إلى الخارج، من الصعب الوقوف على وجوه استعمالها.
وهناك مصدر فرنسي يسير في اتجاه تقويم الثروة التي راكمها البصري في حدود مليار دولار (10 ملايير درهم) دون احتساب العقارات والشركات، إضافة إلى ما راكمه باسم نجله هشام بعد تخرجه من المعهد العالي للتجارة وتسيير المقاولات، واسم أفراد عائلته، علما أنه كان يعلم علم اليقين أن كل العيون متجهة نحوه، الشيء الذي جعله حريصا أكثر من غيره بهذا الخصوص.
ومن علامات سيرورة تراكم هذه الثروة، بداية إقامة امبراطورية هشام البصري بإحداث شركة "أفيفون" في غضون سنة 1990، وتناسل بعدها إنشاء الشركات في اسمه كالفطريات من بداية التسعينيات حتى حدود تاريخ خلع والده سنة 1999 بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني.

كيف قرأ المغاربة خرجات البصري؟

على إثر جملة من خرجات إدريس البصري الإعلامية، لاسيما تلك المرتبطة بقضية الوحدة الترابية، وبعد مغازلته لجنرالات الجزائر، نعتته جملة من الجهات الوازنة بالخائن، وخصوصا بعد قيام صحيفة "لاراثون" الإسبانية بنشر لقاء صحفي معه تحول فيه إلى بوق عبد العزيز بوتفليقة والجنرالات الجزائريين.
وهذا ما كرره البصري خلال لقائه المباشر مع راديو الجزائر حيث تنكر لكل أفكاره ومنطلقاته عندما كان يحتكر تدبير ملف الصحراء، وانكشف أمره بجلاء في حديثه مع الجزيرة عندما تلفظ لأول مرة عبارة: "الصحراء الغربية" عوض "الصحراء المغربية"، وهي العبارة التي ظل يحرص على استعمالها كلما تحدث سابقا عن قضية الوحدة الترابية، ويعاقب كل من توانى في عدم استعمالها.

هل ستظهر مذكرات البصري؟

منذ سنة 2004 بدأت بعض الجهات تروج لنية إدريس البصري بنشر مذكراته أو إصدار مؤلف بخصوص فلسفة الحكم بالمغرب، لكن بعد فترة قصيرة، قام البصري بتكذيب هذا الأمر مع التأكيد أنه لا يمكن أن يفكر أبدا في الإساءة للملك مهما كانت الظروف، إلا أنه قال: "سيظل على استعداد لمواجهة كل من أراد الإساءة إليه"، ولطالما ردد في خرجاته الإعلامية: "أنا لست المسيح، لا أمد خدّي اليسرى إن صفعت على خدّي اليمنى".
ومع استفحال مرضه بدأت تروج أخبار مفادها أن إدريس البصري قد أنهى فعلا صياغة مذكراته بمساعدة الصحفي الفرنسي "إيريك لوران"، الذي سبق له أن ألف سيرة ذاتية عن الملك الراحل الحسن الثاني.

"غادي يموت ويخلانا واحلين"

وأنا على متن القطار المتوجه من الرباط إلى الدار البيضاء، سمعت أحد الركاب يتبادل أطراف الحديث مع رفيقه حول مرض البصري واستفحاله، وفي معرض حديث أحدهما الذي كان يبدو من خلال لكنته أنه أمازيغي، قال: "إن إدريس سيموت وغادي خلينا واحلين"، استفسره صديقه عن الأمر، فأجابه: "ألا تعرف أنه هو صاحب اللائحة التي منعت استعمال جملة من الأسماء في المغرب لتسمية المواليد الجدد.."
هذا قرار من جملة القرارات التي ظلت سارية المفعول بعد خلعه، ومنها هذه اللائحة التي ووجهت باستياء من طرف كافة المغاربة، إنها لائحة ضمت الأسماء المرخص استعمالها لتقييد المواليد الجدد بالحالة المدنية، وهي اللائحة التي قام بإبداعها إدريس البصري منذ سنة 1996 ووزعها على جميع الولايات والعمالات، والتي أعدها مؤرخ المملكة عبد الوهاب بنمنصور بهدف سد الأبواب أمام كل الأسماء التي من شأنها "تغريب" أو "أمزغة" الأسماء المستعملة لتسمية ذرية المغرب دون الخروج عليها، وهو أمر أقل ما يمكن وصفه به، إنه نهج يَعُدُّ المغاربة ليس كمواطنين، وإنما كتوابع عليهم الامتثال لما يُفرض أنه خير لهم.
وقد حدثت غرائب في هذا الصدد، إذ بعد 11 شتنبر 2001 تم سحب اسم "أسامة" ثم منع اسم "صدام" بعد احتلال الأمريكيين للعراق. ومنذ 2002 صدر ظهير ينص على ضرورة أن يكون الاسم المختار للمولود الجديد مغربي ولا تنتفي منه الطبيعة المغربية، وفي هذا الصدد يكون ضباط الحالة المدنية هم أصحاب "الحل والعقد" في تحديد هذه الطبيعة المغربية من عدمها، وبعدما وضعت عدة نوازل بهذا الخصوص أضحى ضباط الحالة المدينة يفضلون الاعتماد على لائحة "البصري" رغم صدور الظهير، وذلك تلافيا لأي مشكل.
ويظل أكبر المتضررين في هذا المجال هم الأمازيغ الذين يفضلون تسمية مواليدهم الجدد بأسماء أمازيغية، وهناك حالات أطفال لا يحملون اسما رسميا لأن ضابط الحالة المدنية رفض تقييد الاسم المختار من طرف العائلة بدعوى أنه يفتقد "للطبيعة المغربية".
ذهب البصري ولازالت لائحته سدا مانعا تحرم الكثير من المغاربة من اختيار أسماء لمواليدهم الجدد حسب رغبتهم الخاصة.

لا زال الشغروشني يطالب برأس إدريس البصري

كثيرا هم الذين طالبوا بمحاكمة إدريس البصري، إذ اعتبروه مسؤولا عن الفساد المالي والإداري في المغرب، وسعوا إلى محاسبة ومساءلة أتباعه وأقربائه، إلا أنه بحكم مساهمته في صناعة السياسة المغربية في مرحلة استثنائية، لا يمكن أن نختزله في بعد مالي صرف بل إن آثار سياسته وتدبيره للملفات الكبرى لا تزال ماثلة للعيان.
ويبدو أن حسن الشغروشني من القلائل الذين تشبثوا بمقاضاة إدريس البصري، الذي حاول متابعة مجلة "ماروك إيبدو" لكنه خسر الدعوى.
كما أنه في غضون ربيع 2005، كانت مصادر عليمة قد أفادت آنذاك أن جمعية "ضحايا إدريس البصري" بصدد الاستعداد لرفع 18 دعوى قضائية ضده بالمحاكم الفرنسية، بعد أن منحت السلطات الفرنسية حق الإقامة للوزير المخلوع. كما قيل وقتئذ إن الجمعية وضعت ملفها لدى المحامي الفرنسي "بودوان" للقيام بالإجراءات باسم أعضاء الجمعية الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة بأمر من إدريس البصري، إلا أنه سرعان ما خفتت هذه القضية.
ويظل حسن الشغروشني متشبثا بحقه في مقاضاة إدريس البصري رغم رفض طلبه، الشيء الذي دفعه مؤخرا إلى رفع رسالة إلى وزير العدل يطالب فيها باسقاط الجنسية المغربية عنه، تحت طائلة اختيار إحدى النقط الحدودية بالمغرب للاعتصام بها.
ومن المعلوم أن حسن الشغروشني، أحد أبناء مدينة وجدة، من ضحايا إدريس البصري ذاق على عهده أصناف العذاب المعنوي والجسدي، سبق له وأن قدم دعوى ضد جلاده وخاض أكثر من إضراب عن الطعام لبلوغ مرماه، طلب بتعويض مادي ومعنوي، وقد اكتست هذه الدعوى صفة شخصية محضة استندت إلى ما تعرض إليه من تنكيل عندما كان إدريس البصري المسيطر على الأجهزة الأمنية وكان صاحب القرار السياسي الأول في مغرب الأمس، وبعد التماطل الذي ووجه به طلبه خاض الشغروشني جملة من الإضرابات عن الطعام، لكن بدون نتيجة، ولا زال مصرا على متابعة إدريس البصري.
أما إدريس البصري فقد أقام دعوى على الأسبوعية "ماروك ابدو انترناسيونال" بسبب مقال اعتبره متضمنا لقذف في حقه، إذ اتهمه كاتب المقال بالسرقة واستغلال المال العام من أجل إثرائه الشخصي واستخدام أموال عمومية لتحسين أوضاعه الاجتماعية وأوضاع أقربائه، وبما أن الأسبوعية مسجلة بفرنسا فقد أسندت القضية للقضاء الفرنسي، وفي نهاية المطاف اعتبرت المحكمة أن مقال الأسبوعية لا يتضمن قذفا أو قدحا، بل إنه يندرج في السياق العام للأوضاع المغربية وفي إطارها الحديث، كما أنها رفضت طلب التعويض الذي طلبته الأسبوعية اعتبارا للضرر من جراء التأخير الذي لحقها بسبب دعوى البصري.

كيف يرون إدريس البصري؟

أغلب المغاربة يرون أن إدريس البصري نقش السمعة السيئة لوزارة الداخلية على امتداد ثلاثة عقود من الممارسات، التي أدخلت البلاد في متاهات جعلته يفرط في الكثير من مواعيده مع التاريخ.
وظل اسم إدريس البصري مقرونا بوهم التآمر وبمقولة إن كل مغربي متهم ومشكوك فيه حتى تثبت براءته، أما القائمون على الأمور والمقربون والعملاء والخونة ولاعقي الأحذية فهم أبرياء ولو ثبتت إدانتهم بالحجة والدليل.
ومهما يكن من أمر فقد أجمع مسحوقو المغرب ونخبته المتنورة والمناضلة، الحالمة بغد أفضل، على أن تعثر المسيرة التنموية والديمقراطية كان بإرادة إدريس البصري الذي لم يهتم إلا بمصالحه المادية والمعنوية ومصالح ذويه والمقربين منه ولاعقي حذائه.
فقد رآه الصحفي مصطفى العلوي سوطا بيد لم يكن صاحبها راغبا في أن يوسخها، كان الكل في الكل أيام حكمه رغم أنه لم تكن له صلاحيات وإنما كانت له مبادرات، اجتهد اجتهادا لتفصيلها على مقاسه وساعده مكرها لتنفيذها كمخططات باسم الملك الراحل الحسن الثاني، إلا أنه ارتكب خطأ فادحا عندما أشرك أولاده وأصهاره في اقتسام الغنائم، والآن عرف حق المعرفة، أن الزمان يدور. ولم يعد لديه حاليا ما يساوم به أكثر مما نثره شمالا ويمينا خلال خرجاته الإعلامية السابقة، هكذا يرى الصحفي مصطفى العلوي إدريس البصري.
ويرى عبد الإله بنعبد السلام، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إدريس البصري، رمزا من رموز القمع ومنفذا أمينا لسياسة النظام، لكن ليس منفذا عاديا وإنما منفذا باجتهاد وإبداع في كل ما تعلق بالانتهاك الجسيم، علما أن انتها كاته التي تم الكشف عنها إلى حد الآن، هي أساسا متعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، علما أن يده كانت طويلة جدا في الانتهاكات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبتبديد الثروة الوطنية ونهب المال العام.
أما محسن بناصر، الناطق باسم الشبيبة الإسلامية، يرى أن إدريس البصري أمضى عمره في ترقيع دنيا غيره بإفساد آخرته فلينتبه لما بقي له في الحياة ولتكن التوبة خير مآل له ولذريته. فعهده كان عهد ظلم وتعسف وتصفية الصادقين واستهانة بالوشائج الاجتماعية والروابط الروحية بين فئات الأمة، وقد فوت على المغرب عقودا من الاستقرار والنماء والتقدم والازدهار.
أما الكاتب عبد السلام رزاق فيرى أن تجربة إدريس البصري لا يمكن فصلها عن مفهوم السلطة وتمظهراته كفعل قهري في المجتمع العربي، وأن وزراء الداخلية في البلدان العربية وبالرغم من الفروقات الشخصية والخصوصيات المحلية يلتقون في نقط مشتركة تؤدي إلى ذات النتائج تقريبا، إنه مفهوم الممارسة القهرية وانتقالها من فعل يرتبط بتدبير علاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية ملتبسة في أفق البحث عن فضاء مشترك، إلى علاقة عمودية مبنية على تجسيد فعل الامتياز وتطبيقه بصورة قهرية على الآخر، من هذا المنطلق يكون البصري في آخر المطاف نتاج ثقافة سلطوية امتدت في المغرب أزيد من ثلاثة عقود كاملة كان خلالها هو صاحب الحل والعقد، وهذه الثقافة السلطوية تحيل على مجموع القنوات المادية والمعرفية التي تعتمدها الدولة لديمومة سياستها وسلطتها رغم معارضتها من طرف الكثيرين، وتأزمت الحالة بهذا الخصوص باعتبار أن التاريخ السري والعلني للمغرب، كان دائما تاريخ تسويات وتوافقات ولو تم الأمر على حساب الاختيارات الديمقراطية، إن منطق التاريخ يقول إن البصري لم يترك وراءه شيئا، شأنه شأن العديد من القادة وزعماء الأحزاب بالمغرب الذين دخلوا اللعبة السياسية إما من باب الوجاهة أو الصدفة المحضة أو الانصياع الأعمى لأصحاب الجاه. ومن عجائب القدر أن البصري الذي كان يهابه الجميع اكتشف المغاربة حقيقته، إذ أثارت، جملة من تصريحاته وتصرفاته، الشفقة، وهكذا احترق البصري من ذات الفوهة التي كان يرمي منها خصومه السياسيين. هكذا يرى عبد السلام رزاق إدريس البصري.
يعتبر حميد برادة أن إدريس البصري هو من أجهض مشروع كتابي عن الحسن الثاني،
ففي تصريح لجريدة الشرق الأوسط أكد المحامي حميد برادة وهو أحد أبرز معارضي نظام الملك الراحل الحسن الثاني في بداية الستينيات من القرن الماضي والذي حكم عليه بالإعدام، على خلفية محاولة اغتياله الملك الراحل، أنه كان يعتزم إنجاز كتاب عن الحسن الثاني وبأنه اقترح عليه الأمر بعد إجراء حوار معه حول الصحراء من أجل إنجاز فيلم كندي حول المغرب، نشر برادة فقرات منه في مجلة "جون أفريك"، ولإقناع الملك الراحل بقبول الفكرة أشار برادة إلى إنجازه كتاب عن معمر القذافي الذي خصص له ست ساعات، كما أن فرانسوا ميتران أنجز كتابا خلال نهاية أسبوع مع أحد الصحافيين، لهذا قبل الملك بالفكرة وطلب من رئيس وزرائه عبد اللطيف الفلالي أن يجد له عشر ساعات خلال شهر شتنبر 1986، لكن المشروع لم يتم بسبب تدخل إدريس البصري الذي فضل أن يتم الحوار بمعية الصحافي الفرنسي ميشيل دروا، الذي حاور الجنرال ديفول، في حين كان برادة يفضل ميشال جوبير، لهذا أجهض المشروع.
وقال عبد الهادي بوطالب، المستشار السابق للملك الراحل الحسن الثاني، إنه أبلغ إدريس البصري، في أوج مشواره، بأنه قادر على ضربه على أنفه، على إثر نشر صحف مغربية لوقائع مشاجرة وقعت بين إدريس البصري وعبد الهادي بوطالب، إذ صرح هذا الأخير أنه قال ما يشبه هذا الكلام وذلك على إثر خلاف جرى بينه وبين البصري كان سببه إعداد وزارة الداخلية لمشروع القانون الانتخابي المغربي عندما أعد مشروع دستور سنة 1996 للاستفتاء، وبما أن مشروع القانون الانتخابي الذي أعده خبراء وزارة الداخلية كان محررا باللغة الفرنسية فقد كلف بوطالب بترجمته، وبعد أن لاحظ أنه تردد أكثر من مرة في نص المشروع من خلال الإحالة في بعض مقتضياته على وزير الداخلية بهذا الاسم، مثل "واختصاص ذلك يرجع إلى وزير الداخلية"، اقترح بوطالب على الملك الراحل تعويض صيغة وزير الداخلية بعبارة السلطة ذات الاختصاص، وهو الأمر الذي أغاض البصري بعد أن توصل بنسخته العربية فتوجه إلى الملك: لست أدري ما الذي دفع بـ "السيد الهادي" إلى أن يغير في النص العربي اسم وزير الداخلية كما كان في النص الفرنسي؟ وماذا بيني وبينه ليتصرف على هذا الشكل؟ وبعدما أقر الملك النسخة العربية وخرج الجميع من مجلس الملك، سمع بوطالب البصري وهو يؤنب المستشارين جديرة والسلاوي على التزامهما الصمت بحضرة الملك وعلى أنهما لم يسانداه في مؤاخذة بوطالب قائلا: "ما فعله بو طالب غير مقبول"، فما كان من بوطالب وحسب ما صرح به إلا أن تقدم إليه وخاطبه "لقد سمعت جميع ما قلته، أتجهل أن ما غيرته في النص كان مأذونا لي به؟" ثم أمسكته بين يدي وقلت له باللغة الفرنسية "أنا لا أضرب خصومي ضربا واطئا "Coups bas" أي من أسفل مسترته، وحينما أعزم على مواجهتك فسأصوب إليك ضربتي مباشرة وبغير تستر".
وسبق لخليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية أن قال: "من العيون إلى الداخلة كان البصري هو الملك". رغم الصعود الصاروخي في سلم الوظيفة العمومية "لركيبي" صاحب الجلالة، حيث تم تعيينه وزيرا ثم منتخبا وعمدة لمدينة العيون، فقد عاش هو الآخر صراعا مريرا مع الصدر الأعظم آنذاك، لهذا صرح ولد الرشيد بأنه لم يكن يعرف شيئا عن صراعات القوة بالمغرب وفي مواجهة البصري كانت حظوظي ضئيلة للتفوق"، ورغم ذلك فقد استطاع الصمود في وجهه إلى أن أعفي من مهامه، ويقول "لقد كنت في حرب شاملة مع البصري الذي كان يريد الاستئتار بالصحراء ليطبق سياسته الخاصة التي كانت ضمن مجاله وحصنه الخاص بالنسبة للصحراويين، إذ كانت تلك الفترة التجاهل والكذب، ومن العيون إلى الداخلة كان البصري هو الملك، الكل كان يأتي ليقدم له البيعة إلا أنا".

على سبيل الختم

قد يكون إدريس البصري المريض قد سلم أسراره لابنه هشام تحسبا للمستقبل، لكن كيف سيتم تعاطي القائمين على الأمور مع تورط هشام البصري في جملة من الملفات، فهل سيتم إتباع غض الطرف وترك الحالة على ما هي عليه ليمر الوقت وينسى المغاربة أمره؟ أم ستتم متابعته غيابيا؟ أم أن الأمر سيتغير رأسا على عقب بعد رحيل والده، حاميه بأسراره؟



نادر جدا.. البصري من بلاط الملك إلى مهاجر غير شرعي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق