الثلاثاء، 5 يناير 2021

موضوع: مغاربة فجر الإستقلال(استشهدوا من أجل غد أفضل)

 موضوع: مغاربة فجر الإستقلال(استشهدوا من أجل غد أفضل)

في فجر الإستقلال



بعد الإستقلال -والذي اعتبره البعض منقوصاً- تعالت شعارات مضللة دعت الجماهير للعفو عن الجلادين وطي صفحة الماضي الأسود للخيانة. وما هي إلا أيام قليلة وبدأت تبرزمؤشرات ذلت على أن الخونة والعملاء هم الذين كانوا أكبرالمستفيدين من الإستقلال المبثور. وبذلك، ومنذ الوهلة الأولى، ضاعت أحلام الجماهير الشعبية المغربية وذهبت تضحياتها سدى.

وهذا ما دفع، في غشت 1956 ، جملة من قادة المقاومة إلى التصريح بأنه لم يحدث أي تغيير مما كان منتظراً. ولذلك طالبوا، وبقوّة، بإنشاء محكمة استثنائية لمحاسبة الخونة والعملاء والمتآمرين على المغرب والمغاربة لتطهير الإدارة منهم وتنحيتهم جملة وتفصيلاً من مواقع القرار ومراكز التقريروكذلك استكمال الوحدة الترابية للمغرب بكامل أطرافه والمطالبة الفورية بجلاء الجيوش الأجنبية سواء الفرنسية أو الأمريكية وإصلاح الجهاز القضائي وإحترام حقوق الناس. وهي كلها أفكار تضمنها بيان المجلس الوطني للمقاومة الصادر عن مؤتمر غشت 1956.

وفي المجال الإجتماعي أكد البيان على ضرورة توزيع أراضي الإقطاعيين والملاكين الكبار والمعمرين على الفلاحين بدون أرض والذين سلبت أراضيهم عبر اغتصابها من طرف الإستعمار، لأن هذا من أبسط حقوقهم باعتبار أن العملية ماهي إلا إعادة الحقوق لأصحابها الحقيقيين تاريخيا.

إلاّ أن الأمور لم تسر على هذا النحو وإنما سارت في اتجاه لم يكن يخطر على بال الفلاحين إذ وضعت الدولة يدها على أراضي المعمرين ووهبت بعضها لخونة وعملاء الأمس القريب ولجملة من الوصوليين الذين تنكروا للتضحيات الجسيمة لأبناء الشعب المغربي. وهكذا ظل الفلاحون ينتظرون استرجاء أراضي أجدادهم التي اغتصبها الإستعمار منهم بقوّة النار والسلاح. ولازالوا ينتظرون وسوف يظلون ينتظرون باعتبار أن الأراضي المتبقية حالياً في حوزة الدولة أو الموضوعة تحت تصرف شركتي صوديا وصوجيطا فإن مآلها هو البيع بالمزاد العلني عوض توزيعها على الفلاحين بدون أرض.

ولعل هذا التوجه هو الذي نطلب من الشعب المغربي المزيد من تضحية أبنائه المخلصين من أجل التغيير وغد أفضل حتى بعد الإستقلال.

كما أن الصراعات بين الأحزاب السياسية كان لها نصيب في سقوط جملة من الضحايا. ففي 23 يناير 1956 حدتث مدبحة في سوق الأربعاء الغرب، إذ قصدها أعضاء من حزب الشورى والإستقلال آتون من وزان والرباط وسلا والدارالبيضاء بمعية فرقة من الكشفية للإحتفال بتعيين المحجوبي أحرضان عاملاً على الرباط والناحية. وهناك اشتبكوا مع أعضاء من حزب الإستقلال وكانت الحصيلة مصرع 4 ضحايا من حزب الشورى والإستقلال.

وفي 31 مارس أبريل 1956 لقي الدكتورعمر الإدريسي حتفه رمياً بالرصاص رغم عدم تعاطيه لأي نشاط سياسي، وكان قد صُفيَ خطأ مكان المستهدف الحقيقي وهو الدكتور عبد الهادي مسواك عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي المغربي. وفي نفس السنة تمت تصفية محمد السطي الكاتب الجهوي للحزب الشيوعي بالدارالبيضاء ومحمد الفضالي كاتب فرع الحزب بالمحمدية.

وفي ربيع 1956 قام أعضاء حزب الشورى والإستقلال المتحالفون مع منظمة "الهلال الأسود" بعدّة إغتيالات وتصفيات استهدفت عناصر من حزب الإستقلال في أزيلال (ناحية بني ملال) وعلقوا جثتهم في الأشجار.

واستعانت السلطة بفرقة من جيش التحريرللقضاء عليهم.

وفي 9 مايو 1956 اغتيل عبد الواحد العراقي كاتب فرع حزب الشورى والإستقلال بفاس وممثل العلماء في استشارات ايكس- ليبان، وذلك لأنه نادى بحل جيش التحرير على أمواج الإذاعة المغربية.

وفي يونيو 1956 أُختطف عبد الله الوزاني الذي كان معجباً بأدولف هتلر وسبق له أن زار برلين أثناء الحرب العالمية الثانية. وقد صرح وزير الداخلية آنذاك إدريس المحمدي بإصدارأمرلاعتقاله. وبعد ذلك اختفى أثره ويرجح أنه قُتل في معتقل بريشة بتطوان.

وفي نفس الفترة أُلقي القبض على عبد السلام الطود، وكل الشهادات المتوفرة تفيد بأنه لقي نحبه في نفس المعتقل بتطوان. وكذلك الأمربالنسبة لمحمد الشرقاوي وعبد الكريم الحاتمي.

وفي 5 يوليو 1956 هاجم مسلحون إبراهيم الروداني، الوجه البارز في الحركة النقابية والمقاومة المسلحة. ولفظ أنفاسه الأخيرة في الحال. كما مات أخوه متأثراً بجراحه وكذلك أحد المارة.

وفي 25 يوليو لقي بوشعيب الزيراوي، رفيق الروداني، حتفه رمياً بالرصاص في درب البلدية بالدارالبيضاء.

وفي 28 يوليو لقي نفس المصيرلحسن الجلاوي وأحمد الشرايبي والمجاطي والمختار كندوز.

وفي 16 غشت 1956 تم اختطاف، بطنجة، رجل الأعمال عبد القادر بن عمر برادة بمعية صهره عبد الحميد بوسليخين. وكان الأول يستقطب الريفيين المقيمين بطنجة إلى صفوف حزب الشورى والإستقلال. ورغم البحث الواسع والمستمر لم يُعثر على أثرهما، ويرجح أنهما صُفيا بمعتقل بريشة بتطوان.

وفي نفس الفترة وقعت اشتباكات بين حزبي الإستقلال والشورى والإستقلال بمدينة مكناس نتج عنها قتيلاً وعدّة جرحى. وفي إطار التطاحن بين الحزبين تم اختطاف خليفة وشقيقه أحمد وعبد القادر من مقر سكناهم ولم يظهر لهم أثر رغم البحث المستفيض عنهم.

ولم يكن يمر يوم آنذاك دون معاينة اغتيالات ومواجهات بين أنصار الحزبين.

ومن ضحايا التصفيات المتبادلة بين المقاومين، هناك محمد صدقي وصالح الحريزي ومحمد حسين وعلي العيدي المعروفي ومحمد اجضاهيم وامبارك



بادي علال ومحمد بن عبد القادر الحريزي وأحمد بلحسن وابراهيم أوليازيد وبلمخنت عبد الرحمان وزوجته وعبد الله المديوني ومحمد بن بوشعيب المديوني وأحمد الرمضاني وبن زريويل والحبيب القدميري وثريا الشاوي وأحمد بن علي السرجان ومولاي أحمد الصقلي ومولاي علي القرواني ومحمد بن المكي (هوشي مينه).

وفي فاتح يناير 1957 سقطت عائشة المسافر بآيات باعمران وهي تطلق النار على جنود الإحتلال الإسباني في معركة بويزي.

وقد وصل الصراع والتطاحن بين حزبي الإستقلال والشورى والإستقلال أوجهما في أبريل 1959. وأُغتيل الفقيه عبد العزيز بن إدريس، وألقي القبض على الفاعلين وقُتِل واحد منهم تحت التعذيب بمخفرالشرطة وهو الحسن بن الحسن القهواجي ونُفد حكم الإعدام في حق محمد بن الحسين الملقب بالأعور.

ويعتبر الشيخ عبد العزيز بن إدريس من الفعاليات البارزة، كان ضحية لعملية اغتيال قيل أن منفيذها كانوا على علاقة بالإتحاد الوطني للقوات الشعبية وبأمر من قاداته. والشيخ عبد العزيز من مواليد 1907 حصل على عالمية القرويين سنة 1930 ، شارك في مقاومة الظهير البربري وداق السجن والتعذيب على يد البغدادي باشا مدينة فاس. وكان أحد الغيورين على العقيدة السلفية ومن دعاة الإصلاح. كما كان أحد رجالات الحركة الوطنية الأوائل ووقع عريضة المطالبة بالإستقلال في 11 يناير 1944 وعرف سجون ومنافي وتعذيب وتنكيل المستعمر.

كان يتنكر في ملابس "الحلايقية" ويتجول في أسواق الجبال ويقص في "الحلقة" القصص بجميع اللهجات، وفي ذات الوقت بين دعوته الدينية ودعايته السياسية والجهادية وينسق بين المقاومين. وقد ناهض بقوّة في فجر الإستقلال المدّ الشيوعي والحملة الفرانكوفونية التي كان يقودها مركز التبشير المسيحي في كنيسة تيومليلن بمدينة أزرو إلى أن أغتيل في 25 أبريل 1959. وقد ساهم بجانب علال الفاسي وشكيب أرسلان في تحقيق أجزاء من كتاب العبر لابن خلدون المنشور سنة 1936 بالقاهرة. وقد شارك جميع القائمين على الأمور آنذاك في التعتيم على اغتياله. وكان محمد بن الجيلالي (ميشيل لحريزي) من المثقفين المنضوبين تحت لواء الحركة التقدمية. إلا أنه سرعان ما ثم إدماجه في آليات الإدارة آ نذاك وكلفه أفقير بجملة من المهام المطبوعة بالشبهات. إلا أنه أُعتقل في 17 دجنبر 1959 ثم أطلق سراحه. إلا أنّه بعد ذلك تم اختطافه بمدينة طنجو وهو في طريقه إلى فرنسا رفقة زوجته وابنتهما. ولم يظهر لهم أثر وأضحوا من عداد مجهولي المصير.

وعموماً في السنين الأولى من الإستقلال وإلى حدود 1965 فقد الكثير من المغاربة حياتهم، حيث تم إعدام عبد الرحيم اينوس ولحسن باشوش ومحمد بلحسين وبنحمو الفاخري، وعبد الله الزناكي والمولات ادريس وأحمد تاجة ومحمد آيت عمر ومحمد بولنوار وميلود المشنتف وعبد العزيز العبدلاوي ومحمد بن أحمد وعبد السلام بن عمر وعبد الله بنحمو وعبد القادر بن المختار ومحمد بن عبد القادر ومحمد بن سي محمد وحمادي بن محمد وسعيد بن سعيد والأمين بن عبد العزيز وزروال بن محمد وعمر دهكون ومحمد بن الحسين(صبري) وآيت عمي لحسن واجدابني مصطفى وموحى نايت ومحمد حسن الإدريسي وبارو امبارك ولحسن آيت زايد وحديدو أموح وعبد الإله فريكس ودحمان نايت غريس ولحسن تاغجيجت ومحمد بن الحسين وإدريس الملياني والمهتدي محمد وبوجمعة جناح ومحمد الحجيوي وميري بوجمعة وسعيد أوخويا وموحى أحمو وغيرهم.

وفيما يخص غير الإعدامات المعلن عنها والرسمية هناك عدّة مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير وغد أفضل في ظروف أخرى. نسوق منها بعض الأمثلة.

ففي يناير 1959 سقط في أحداث الريف بفعل تدخل الطيران عشرات القتلى

ستينات القرن العشرين



إن لستينات القرن العشرين نصيبها كذلك من المغاربة الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير وغد أفضل.

ففي 19 غشت 1961 صدر حكماً بالإعدام على 4 مناضلين من خيرة المقاومين. وهكذا سقط محمد بن حمو العياشي(الفاخري) وعبد الله بن الحسن الزناكي( رفيق الزرقطوني) والمولات إدريس بن أحمد وأحمد بن محمد تاجا برصاص عهد الإستقلال. وبشهادة الجميع كان هؤلاء أبطالاً حتى في مواجهة لفيف الإعدام، إذ رفض الفاخري وضع العَصَّابة على عينيه وقال لقاتليه: " اتركوني أرى لآخر مرّة سماء وطني الذي أموت سبيله". كما هتف عبد الله بن الحسن "يحيا التاريخ" وصاح المولات إدريس "هذا ما يجازينا به الإقطاع". وهذا ما أكدّه كذلك شهداء عيّان حضروا عملية تنفيد الإعدام، وهم محامو هؤلاء الشهداء الأبرار.

وفي هذه الفترة أكد أكثر من مصدرأن الجنرال السفاح أفقيركان يكبّل المناضلين الأوفياء ويثقل أجسادهم بالحديد قبل رميهم من الطائرات العسكرية في البحر. وهذا ما وقع في يوليو 1963 بالرباط وأكادير والدارالبيضاء. وأغلب هؤلاء الضحايا كانوا شباباً.

وفي سنة 1963 ، في الوقت الذي كانت فيه المحكمة العسكرية تصدر حكمها بالإعدام على محمد البصري وعمر بن جلون ومومن الديوري والمهدي بن بركة ومولاي عبد السلام الجبلي وعبد الفتاح سباطة، تسللت جماعة مسلحة من الحدود الجزائرية ووقع إشتباك مع القوات المسلحة وكانت الحصيلة سقوط قتلى وجرحى من الجانبين.

وتميزت سنة 1964 باعتقالات واسعة النطاق وصدر في يونيو على الأقل 14 حكماً بالإعدام في حق محمد بن محمد بن عبد الله، ومحمد بن عزوز بولنوار وميلود بن محمد المشنتف، وعبد العزيز بن محمد العبدلاوي ومحمد بن أحمد وعبد السلام بن حمادي بن عمر وآيت سعيد عبد الله بن حمو وعبد القادر بن البشير بن المختار ومحمد بن عبد القادر بن قدور ومحمد بن سي محمد بن عمر وحمادي بن محمد بن عمر وسعيد بن سعيد بن عبد الله والأمين بن عبد العزيز وزروال معمر بن محمد.

ورغم أن حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية رفض المشاركة في الإستفتاء على الدستور الممنوح، قرّر المشاركة في الإنتخابات البرلمانية لفتح واجهة النضال والصراع على السلطة داخل البرلمان وفي عقر صفوف القوى الرجعية آنذاك. إلاّ أن النتيجة كانت اعتقال المرشحين وتهديدهم وإلحاق الأضرار بمصالحهم وأملاكهم بل وتصفية بعضهم. وفي أقل من أسبوعين سقط ما يناهز7 مناضلا اتحادياً بعضهم أغتيل برصاص أعوان الإدارة في الرباط ومراكش وأكادير وآسفي وورزازات.

وفي سنة 1964 تعرض ادبلعيد لعملية اختطاف، وحسب أكثر من مصدر لقي حتفه بمخفرالشرطة بالدارالبيضاء، ورغم ذلك أصدرت المحكمة في حقه غيابياً حكماً بالسجن المؤبد.

كما لقي نفس المصيرالشهيد المدني بن محمد المغراني الملقب بالأعور المختطف بناحية تطوان ولم يظهر له أثر. وهو من مؤسسي جيش التحرير في الشمال. وقد صرح البعض- من ضمنهم الفقيه البصري- أنّه أغتيل بفيلا سرية بالدارالبيضاء.

ولقي نفس المصير كذلك الشهيد محمد بن علي بولحية في صيف 1963 وظل مجهول المصير. وكذلك محمد العبدي زكرياء وآيت بوهمو بن الحسن.

وفي يونيو 1964 عثر بالشارع بالدارالبيضاء على جثت الحاج أحمد أشويط وعبد الله بن علي وبلحسن السويسي وعبد الله كاكاز وكلهم من المقاومين البارزين. وقد استهدف هذا الفعل الشنيع رعب وترهيب المناضلين وتكريس ثقافة الرعب في صفوف الشعب.



وأطلق عبد الرحيم اينوس، البالغ عمره 17 سنة، الرصاص على الضابط لحسن الغول الذي صفى أكثر من مقاوم، من ضمنهم مولاي الشافعي. وصرح في وجه هيئة المحكمة أنّه قضى على حياة مجرم اغتال أبطال الإستقلال، واعتبر ما قام به واجباً وطنياً لأنه تربى على رفض سيادة الظلم والإستغلال في ظل الإستعمار الفرنسي فكيف يقبله وهو صادر من مغاربة ضد مغاربة؟

وكان حكم المحكمة العسكرية هو الإعدام في حق عبد الرحيم اينوس ورفيقه في درب النضال والكفاح لحسن بن محمد باشوش.

كما أنه قام أكثرمن صراع بين المغاربة الخاضعين للتدريب العسكري بالجزائر آنذاك. ولقي بعضهم الحتف على أيدي رفاقهم في السلاح.

ومن هؤلاء ميلود توحتوح- الذي غادر الجيش الملكي- واتهم خطأ بالخيانة، وكذلك الأمر بالنسبة للمقاوم محمد بن حمو الشيباني.

وبعد تأجج الصراع بين الجزائر والمغرب على إثر حرب الرمال أو حرب الحدود، انطلقت جماعة من المغاربة من معسكر التدريب الكائن بسيدي خالد بالقرب بالقرب من مدينة بلعباس في يوليو 1964 واصطدمت مع قوات الحدود المغربية وكانت الحصيلة قتل وأسر معظم أفراد المجموعة ماعدا ثمانية منهم تمكنوا من العودة سالمين إلى الجزائر.

وفي يونيو 1964 اخترق أحمد أكوليز(شيخ العرب) الحدود الجزائرية المغربية رفقة عمر الفرشي. إلاّ أنه بمجرد أن وطأت قدماه أرض الوطن وجد نفسه مطارداً من طرف الأجهزة الأمنية المغربية. إستقر بفيلا بالدارالبيضاء بضعة أيام فقط، وسرعان ما طوّقتها جماعة من رجال الأمن إلا أن أحمد أكوليز ورفاقه اضطروا لتبادل النار مع البوليس وقتلوا ثلاثة من أفراده وجرحوا آخرين وتمكنوا من الفرار.

ظل شيخ العرب ورفاقه مطاردين على امتداد التراب الوطني. وفي كل مرّة كان يفاجأ بترصد رجال الأمن لخطواته وطالما كانوا ينتظرونه في أكثر من مكان مما يشير إلى أن جماعته كانت مخترقة، إذ كانت تضم عميلاً يخبر جهاز المخابرات بتحركات شيخ العرب، واعتباراً لمحاصرته اللصيقة لم يتمكن من تأسيس خلايا وتنظيمها، الشيء الذي يفسر عدم تمكنه من القيام بعمليات ذات جدوى. علاوة على أن كل المؤشرات تفيذ أن شيخ العرب وجماعته لم يكونوا يتوفرون على برنامج أو رؤية واضحة المعالم والمقاصد. وظل شيخ العرب مطارداّ إلى أن لقي حتفه على يد رجال الشرطة في 7 غشت 1964 واعتقل ما يناهز 40 من رفاقه.

وفي هذه الفترة كان من المعروف أن جريدة "المحرر" كانت شوكة في حلق القائمين على الأمور، ولذلك كانت من أولى ضحايا القمع والتنكيل وارهاب الدولة. وكانت جريدة "المحرر" إذن من أولى ضحايا حالة الإسثناء، ولم يتم صدور إلا خمسة أعداد منها بعد اختطاف المهدي بن بركة تم اغتياله. وظلت المطبعة التي كانت تطبع بها محاصرة من طرف رجال الأجهزة الأمنية لمنع تسربها إلى الأكشاك. وفي أحد الأيام اقترح أحد العاملين بها بتهريب الجريدة بعد طبعها من السطح وايصالها إلى مقر الحزب قصد القيام بتوزيعها رغم المحاصرة.

وقد أكد عبد الله رشد في أحد مؤلفاته على حادثة وقعت له مع عبد الرحمان اليوسفي. وكان عبد الله رشد آنذاك يشغل منصب سكرتير التحرير بجريدة "المحرر". أخبر هذا الأخير عبد الرحمان اليوسفي بمكتبه بالأمر، لكنه صاح في وجهه قائلا: لماذا لا تستشيروننا في مثل هذه الأمور؟ والآن افعلوا ما شئتم....

ولم يمر إلا أقل من أسبوع عن هذه الحادثة حتى أصدر الحزب بلاغاً يعلن فيه عن توقيف صدور جريدة "المحرر" نهائياً لأسباب مادية، موضحاً أن الخسائر الناجمة عن المنع المستمر قد ألحقت أضراراً بالغة وبالتالي أدت إلى استحالة الاستمرار في صدورها.

وعاش المغرب في منتصف ستينات القرن الماضي أوضاعاً مزرية نتيجة لسياسة التفقير الممنهج الشيء الذي أدى إلى انفجار غضب شعبي. هكذا خرجت الجماهير الشعبية يوم 23 مارس 1965 إلى شوارع الدارالبيضاء احتجاجاً على الأوضاع الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية. وكانت النقطة التي أفاضت الكأس صدور قرار وزاري يمنع التلاميذ البالغين 17 سنة من العمر من ولوج السلك الثاني من التعليم الثانوي آنذاك، حيث اشترك التلاميذ وأباؤهم وأولياؤهم في مظاهرة صاخبة بالعاصمة الإقتصادية. وواجهها النظام بالنار والرصاص، إذ تدخلت القوات المسلحة مساندة ومدعمة بالدبابات للتوقيع على مدبحة ومجزرة بشرية مع الترصد وسبق الإصرار. واجتهد الجنرال السفاح أفقير في المساهمة الفعلية والعملية في سفك دماء المتظاهرين العزل، لقد كان يطلق النار الجماهير من طائرته المروحية. وكانت الحصيلة مئات القتلى من المتظاهرين العزل والإعلان عن حالة الإستثناء دامت عدّة سنوات تميزت هي كذلك بالمزيد من سقوط مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير وغد أفضل، ففي 23 مارس 1965 سقط أكثر من ألف قتيل في مظاهرة.

سبعينات القرن الماضي



توالت النضالات وسقط شهداء آخرون، من ضمنهم عمر بن جلون على يد أشخاص سخروا تسخيراً للقيام بجريمتهم النكراء وكذلك التلميذ محمد كرينة الذي لفظ أنفاسه في مخفر الشرطة بعد اعتقاله بأكادير لأنه أجهر بمساندته للشعب الفلسطيني ودعم كفاحه ولأنّه شارك في تظاهرة نظمت لهذا الغرض.

وقبل هذا كانت أحداث مولاي بوعزة بضواحي مدينة خنيفرة الجبلية بالهجوم على مركز الحراسة يوم 3 مارس 1973 بقيادة ابراهيم التزنيتي (النمري) رفقة 16 مناضلا. وفي 6 مارس طوقّت القوات المسلحة منزلاً بإحدى الدواوير بناحية كلميمة كان يختفي فيه المناضل محمد بنونة. وأسفر تبادل إطلاق النار عن استشهاده رفقة مولاي سليمان العلوي. ولم يكن ذلك ممكناَ لولا خيانة أحد أصدقاء صاحب المنزل (وكان عون سلطة).

آنذاك كان رد فعل النظام قوياَ ومرعباَ، إذ أجبرت القوات المسلحة السكان على تطويق المتكردين، وهكذا سقط ابراهيم التزنيتي وأسكور محمد (كاسترو) وألقي القبض على آخرين.

وفي 25 يونيو 1973 قدم للمحكمة العسكرية بالقنيطرة 149 مناضلا بتهمة تهديد أمن الدولة وصدر حكم الإعدام عن 15 منهم تم تنفيذه يومين بعد عيد الأضحى في حق كل من عمر دهكون وأجدايني مصطفى و محمد بن الحاج الحسين وموحا نايت بري وآيت عمي لحسن وعبد الإله بن محمد ويوس مصطفى ومحمد حسن الإدريسي وبارو مبارك ولحسن آيت زايد وحديدو أوموح وعبد الله أمحزون ودحمان سعيد نايت غريس ولحسن تاغجيجت ومحمد بن الحسين(المدعو هوشي مينه).

وفي 27 غشت 1974 نفذ حُكم الإعدام في حق إدريس الملياني ومحمد المهتدي وبوجمعة جناح ومحمد الحجيوي وميري بوجمعة وسعيد أوخيا وموحا أوحمو.

ومن المناضلين الذي لقوا حتفهم تحت التعذيب سالم أومسعود وبلقاسم مجاهد، كما تم اختطاف كل من الحسين المانوزي والنقابي عبد الحق الرويسي وعمر الوسولي ولم يظهر لهم أثر إلى حد الآن.

في سنة 1975 تمّ الإجهاز على الشهيد عمر بن جلون بطعنات خنجر في واضحة النهار يوم 18 دجنبر بالدارالبيضاء قرب سكناه. وقبل هذا، وعلى إثر مظاهرة 11 نوفمبر 1961 بالرباط والدارالبيضاء تضامناَ مع قادة الثورة الجزائرية الذين كانوا آنذاك مضربين عن الطعام في سجون فرنسا، وبعد أن تمكن المتظاهرون من إضرام النار في مبنى سفارة فرنسا ورفع العلم الجزائري فوق سطحها، تلت تلك الأحداث اعتقالات واسعة النطاق في صفوف الاتحاديين.

وفي نهاية دجنبر 1961 تعرض عمر بن جلون لأول اختطاف بصفته مسؤولاً آنذاك عن نقابة البريد بالدارالبيضاء.

في السابق لم يكن هناك الكثير من الحديث عن الجيش بالمغرب، وحتى الصحافة نادراً جداً ما مانت تتكلم عن القوات المسلحة، وإن تكلمت فمن أجل تمجيدها والتنويه بدورها، وربما اضطرت إلى ذلك نظراً لأن عاهل البلاد هو القائد الأعلى للجيش وقائد أركانه العامة. كما أن الميزانية الخاصة بالجيش يصادق عليها مباشرة وتوّا وبدون مناقشة وبدون أدنى تعليق يذكر. تتم دائماً وأبداً المصادقة عليها كما هي وكما أنزلت.

ومنذ المحاولتين الانقلابيتين في فجر سبعينات القرن الماضي أضحى الجيش خاضعاَ لمراقبة قريبة وتواصلة من طرف الدرك الملكي القائم عليه الجنرال حسني بنسليمان. وأصبحت كل تحركات القوات المسلحة، مهما كان حجمها، خاضعة لمراقبة الدرك وكل المناورات والتداريب على استعمال السلاح مراقبة من طرفه بشكل لصيق.

وفي يوليو 1971 وغشت 1972 عرف المغرب محاولتيت انقلابيتين، انقلاب الصخيرات والهجوم على الطائرة الملكية. ومهما كانت خلفيات ودواعي ومنطلقات الانقلابيين فإن عملهم يدخل ضمن السعي إلى نوع من التغيير ( قد لا تكون في صالح الشعب أو البلاد). والذين فقدوا حياتهم منهم، إما في ساحة القتال أو عبر الاعدام أو الذين أقبروا بتازمامارت حتى بعد قضاء المدة الحبسية المحكومين بها، كلهم فقدوا حياتهم من أجل التغيير على كل حال. ولقد أكد الأستاذ عمر بل جلون آنذاك للمعتقلين الانقلابيين أن حزبه (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) طالب في مفاوضاته مع القصر بمحاكمتهم كمعتقلي رأي وليس كمجرمين.

في ذكرى الاحتفال بعيد ميلاد الملك حدث الانقلاب الأول يوم 10 يوليو 1971 ، وأسفر إطلاق النار في رحاب قصر الصخيرات عن قتل أزيد من مئة من المدعوين للاحتفال. وهذا الانقلاب قاده ضباط من أبرز قادة الجيش الملكي، لا علاقة لهم بالسياسة ةلا بالمعارضة، كما أنه لم يكن لهم أي وازع ديمقراطي. بل إن أغلبهم شارك في قمع المقاومة في جبال الريف سنة 1925 وقمع تحركات نضالية أخرى.

وفي بداية الأحداث نشب نزاع بين الجنرال المدبوح والكولونيل عبابو انتهى بتصفية الثاني للأول. وفي مقر القيادة العامة أجهز جنود الأول على الثاني. وبعد ذلك قام الجنرال السفاح أفقير بتصفيات واسعة وسط الجيش.

وفي مواجهات محيط مبنى الاذاعة بالرباط وبعض الادارات والوزارات سقط حوالي مئتي جندي. وبعد محاكمة سريعة نفذ حكم الاعدام في عشرة:

4 جنرالات وهم بوكرين وحمو وحبيبي ومصطفى و5 من رتبة كولونيل والكومندار ابراهيم المانوزي.

وفي 16 غشت 1972 استُهدفت الطائرة الملكية العائدة من باريس وعلى مثنها الملك والحاشية، وتعرضت إلى هجوم طائرات حربية في سماء مدينة تطوان. وفي نفس اليوم لقي الجنرال السفاح أفقير حتفه بالرصاص. وكان أغلب منفذي هذا الانقلاب منحدرين من الأوساط الشعبية. وكانت الحصيلة إعدام 11 ضابطاً من الرتب المتوسطة والصغيرة ليلة عيد الأضحى من شهر يناير 1973 . ولقي 30 عسكرياً حتفهم في ظروف أشد قساوة وبطشاَ في أحضان آكل البشر، معتقل تازمامارت، رغم أن أغلبهم تجاوزوا المدد الحبسية المحكومين بها من طرف محكمة علنية. وهذا علاوة على الذين فقدوا حياتهم تحت التعذيب في المعتقلات السرية.

وهكذا لقي الحتف المقدم محمد أمقران والرائد كويرة الوافي والنقيب العربي الحاج والملازم الأول زياد عبد القادر والملازم الأول بوخالف حميد والملازم ميداوي اليزيد والرقيب الأول مهدي عبد العالي والرقيب الأول بلقاسم أحمد والرقيب الأول بينوا العربي والرقيب بحراوي الطاهر والرقيب كمون عبد الرحمان وغيرهم.

وبعد محاكمة المتورطين في انقلاب الصخيرات (1972) قام الملك باعفاء الضباط الثلاثة المستشارين في هيئة المحكمة التي حاكمت الانقلابين- من مهامهم العسكرية وأحيلوا على التقاعد اعتباراً لتعاطفهم مع الانقلابيين واعتباراً لأن الأحكام الصادرة في حقهم كانت خفيفة وليست قاسية بالقدر المناسب مع الفعل وبالقدرالمنتظر.

أما بخصوص المتورطين في الهجوم على الطائرة الملكية (غشت 1972)، أمقران والكويرة ومن معهما، فقد كان الجنرال الدليمي ضمن هيئة القضاة التي حاكمت على المتهمين، علماَ أنّه كان عن مثن الطائرة الملكية عند تعرضها للهجوم، وبذلك كان خصماً وحكماً في ذات الوقت.

ويقول السيد آيت قدور- وهو مناضل بالحركة الاتحادية- وصديق حميم لأمقران، أن هذا الأخير كان شاباً وطنياً وفياً، عاش توابع الانقلاب الأول في الصخيرات وقد نجا بأعجوبة. وأمقران هذا تعرض لتعذيب وحشي قبل أن يحكم بالإعدام ويرمى بالرصاص صبيحة يوم عيد الأضحى. ويعتبره الكثيرون شهيد ثورة كانت تسعى للتغيير.

ولم تخرج الحركة الماركسية اللينينية المغربية عن القاعدة، إذ قدمت هي كذلك جملة من الشهداء من أجل التغيير وغد أفضل، وخلال مسيرتها النضالية الصعبة والشاقة سقط عدد من مناضليها إخلاصاً لمبادئهم وسعياً وراء تحقيق طموحات وانتظارات الشعب المغربي الذي أدى الثمن باهضا من أجل البحث عن تحقيق غد أفضل على امتداد أكثر من 4 عقود من النضال والكفاح المستميت.

ومن شهداء الحركة الماركسية اللينينية المغربية نذكر بوعبيد حمامة وعبد للطيف زروال وسعيدة المنبهي والتهاني أمين ورحال جبيهة والمنتصر البريبري وشباضة عبد الحق وغيرهم.

فعبد اللطيف زروال والتهاني أمين سقطا ضحية التعذيب الوحشي من جرّاء صمودهما البطولي في وجه جلادي درب مولاي الشريف. أما بوعبيد حمامة، يعتبر أحد رواد اليسار الذي لقي حتفه بعد معاناة قاسية في منفاه بالجزائر.

وعبد اللطيف زروال هو أحد الشهداء الذين عرفتهم وخاطبتهم وعاشرتهم خلال الندوات الوطنية المُقاومة من طرف منظمة "إلى الأمام" عندما كنت مكلّفا بتمثيل مناضلي منطقة الغرب (القنيطرة) في تلك الندوات عرفته مناضلاً منضبطاً، ذو فكر ثاقب متشبتاً بأفكاره ومبادئه كثوري محترف، مهنته هي الثورة المغربية والعربية والعالمية من أجل التغيير وغد أفضل استشهد في معتقل درب مولاي الشريف في منتصف نوفمبر 1974 ، ولازالت عائلته تطالب برفاته إلى حد الآن.

وبخصوص سعيدة المنبهي، فقد استشهدت في خضم إضراب عن الطعام في حالة اعتقال بالدارالبيضاء بعد تجاوز أربعين يوماً، بعد أربعين يوماً من الإضراب عن الطعام أسلمت الشهيدة الروح يوم 19 دجنبر 1977 وهي في عنفوان وطراوة الأنوثة. وذلك تضحية لصون الشرف وتحقيق الحرية وكرامة الرجاء والنساء بالمغرب.

ومن شهداء مخافر الشرطة والمعتقلات السرية في نهاية سبعينات القرن الماضي، لا بد من الإشارة إلى أمين التهاني الذي لقي حتفه بدرب مولاي الشريف بالدارالبيضاء ومحمد كرينة بأكادير وعبد الحكيم المسكيني ببني ملال.

ومهما يكن من أمر فهناك كثيرون مازالون مجهولون، لقوا حتفهم هنا وهناك تحت قبضة المختطفين والجلادين دون علم دويهم، ولا يمكن بأي وجه من الوجوه التعرف عليهم بأكملهم اعتباراً للقمع الجهنمي السائد آنذاك في مختلف أرجاء البلاد وأعتباراً بالأساس للخوفقراطية التي تمثلت مكوّناً من مكوّنات المنظومة الاجتماعية المغربية.

وقبل حتم مرحلة السبعينات لا بد من الإشارة إلى أنه من الشهداء الذين همشوا ولم يوليهم المؤرخون حقهم، الشهيد محمد ابراهيم البصيري. وهو أحد أبناء الصحراء درس بسوريا، وبعد رجوعه إلى المغرب أسس صحيفة "الشهاب" وأصيب بالإحباط بسبب عدم اهتمام السلطات المغربية آنذاك بمطلبه المثمثل في ا

النضال والكفاح من أجل تحرير الصحراء. أسس الشهيد منظمة للتحرير "المنظمة الاسلامية لتحرير الصحراء"، والتي كانت تهدف إلى تحرير الصحراء من الوجود الاسباني والانضمام إلى المغرب واعتماد حرب التحرير المرتكزة على جيش وطني يشكله السكان. وعندما أرادت اسبانيا سنة 1970 التصدي إلى هذا التوجه أعلنت عن تنظيم البصيري معارضة هذا المشروع الدنيىء وتحديه. وكان رد السلطات الاسبانية القمع، فكانت مجزرة العيون التي أسفرت عن سقوط مئات الشهداء واعتقال الآلاف. وعلى رأس هؤلاء الشهيد محمد البضيري الذي لفظ أنفاسه الأخيرة تحت التعذيب على يد الجلادين الإسبان. ومما زاد الطين بلّة، أن الموقف المغربي من هذه الأحداث ورد فعل الأحزاب السياسية المغربية كان سلبياً مما آثار حفيظة سكان الصحراء الشيء الذي ساعد وبامتياز على نشوء حركة انفصالية بقيادة الوالي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق