الثلاثاء، 14 يونيو 2016

رسالة مفتوحة إلى الملك محمد السادس...هشام منصوري

رسالة مفتوحة إلى الملك محمد السادس...هشام منصوري

·
رسالة مفتوحة إلى الملك محمد السادس
جلالة الملك،
دأبتم كل سنة، منذ اعتلائكم العرش، على توزيع الحريرة والقُفف الرمضانية على المواطنين. وتُقدِّمون هذا العمل باسم التضامن والإحسان بينما هو، في نظري، تبذيرٌ للمال العام واحتقارٌ للشعب وإهانة لذكائه.
فأولاً، كيف يمكن لقُفّة قيمة محتواها 192 درهماً[1] (أي أقل من نصف درهم يومياً لكل مستفيد على طول السنة) أن تساهم في تقوية قدرات الفقراء الاقتصادية؟ إن الشيء الوحيد الذي تقوِّيه هو صورتكم وبدرجة أقل بكثير عِظام وعضلات المُعوِزين ـ على حد تعبير أحد الظرفاء ـ بسبب ثِقل قوالب السكر.
ثانياً، توزعون هذه "المساعدات" في طقوس مخزنية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تعود إلى ما قبل القرون الوسطى: فِرق فلكلورية وطُبول وساعات من الإنتظار تحت الشمس الحارقة وكاميرات تُشهِّر عنوة بأوجه الفقراء. فهل تتصورون مثلاً رئيس دولة ديمقراطية يجمع مواطنيه في ساحة عمومية وتحت أنظار الكاميرات ليوزع عليهم تعويضات البطالة مثلاً؟ الجواب لا، فقد خصصوا لذلك صناديق تُودِع الأموال مباشرة في الأرصدة البنكية للعاطلين الذين تتوفر فيهم المعايير.
ثالثاً، لا ينبني هذا "الدعم" على أية معايير علمية اللّهم رصيدٌ جدّ منخفضٍ من الكرامة. كيف يتم مثلاً انتقاء المستفيدين؟ لا معيار. يُشرف على الانتقاء رجال سلطة من شيوخٍ ومقدمين وتُعطى الأولوية للخزانات الانتخابية وجيوش البلطجية ومحترفي التسول الذين يُستعان بهم عند الحاجة. إنها إذن رشوة وريع تُعلّمان الشعب التواكل وتربّيانه على التطفّل (parasitisme). أليس الأفضل أن تُعلمهم كيف يصطادون سمكة عِوض أن تعطيهم "صدقة"؟
رابعاً، تقدمون هذه المساعدات، في التقارير الإخبارية المطَولة، التي تبثها شاشات التلفزة العمومية كموادٍ رئيسية، كصدقات من "ملكٍ يسارع إلى فعل الخير مقتدياً بأسلافه الأكارم الأخيار" وعن "أعمال خيرٍ ومكرُمات من أمير مؤمنين حريصٍ على تمكين الأسر الفقيرة من سدّ الرمق ودفع الحاجة" في "شهر كريم تتنزل معه الرّحمات وتتضاعف فيه الحسنات." هذا تضليل باسم الدين لا يمكن أن ينطلي حتى على الأطفال، لأنكم لا تدفعون ـ على حدّ عِلمنا ـ سنتيماً واحداً من جيبكم، بل إن الشعب هو من يتحمل كلفة هذه العملية ويتحمل دفع الفاتورة الباهظة لإخراج هذه المسرحية السخيفة بالنظر إلى ما تتطلبه تنقلاتكم وأمنكم وتنقلات وإقامة وفودكم وحشمكم وخدمكم وطباخيكم ومرافقيكم وتنقلات وإقامة أطقم التلفزة والولاة والعمال والكتاب العامون وممثلو المصالح الخارجية والأمنية رؤساء المجالس الترابية الذين يجبرون على حُضور هذه العملية تاركين مصالح المواطنين خلفهم، ناهيكم عن الاستنفار الشامل الذي تعيشه المدينة. أجزم أن ما تكلفه العملية لوجيستيكياً أكبر بكثير من قيمة محتوى القفف.
خامساً، تُدرِجون ظلماً هذه العملية؛ التي تطلقون عليها "الدعم الغذائي" وهي تسمية قدحيةٌ أقرب ما تكون إلى "العلف"؛ ضمن خانة "التنمية البشرية المستدامة" التي هي بريئة منكم. فتنميتكم هذه ليست لا بشرية ولا مستدامة. ليست بشرية لأن المعدة ليست أسمى ما في الإنسان ولأن من يمنع ندوات الدكتور المهدي المنجرة ويفرّق بالقوة حتى مبادرات القراءة في الساحات العمومية لا يمكنه ادعاء الاستثمار في الانسان. وليست مستدامة لأنها تتوقف بتوقف العملية (l’action). التنمية البشرية المستدامة (الحقيقية) هي غير ذلك تماماً. إنها تُعَرّف على أنها "زيادة الحريات وإمكانات الأفراد في جميع مكوناته: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية والسياسية (...) بالشكل الذي يسمح لهم بالتوفر على مقدار رأس المال الذي يسمح لهم بالعيش على الأقل في مستوى الجيل السابق[2]". ولقياسه تم ابتكار مؤشر التنمية البشرية (IDH) الذي يحتل فيه المغرب، تحت قيادتكم غير الرشيدة، الرتبة 128 من بين 188 دولة، متخلفاً بخمس رتب على دولة العراق التي تعيش الحرب والارهاب والتي لا يوزع رئيسها الحريرة.
سادساً، إطلالةٌ سريعةٌ على الأسماء العائلية لتركيبة المجلس الإداري لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، التي تشرف على هذه العملية، تُبين أن المؤسسة ليست مؤسسة أعمال اجتماعية وإنما مؤسسة أعمالٍ وكفى إذ لا نجد فيها أكاديميين ولا فاعلين جمعويين وإنما عائلات مال وأعمال كالملياردير عثمان بنجلون (الأغنى وطنياً والثاني عشر افريقياً وضمن الألف الأغنى عالمياً بثروة تقدر ب 2 مليار دولار[3]) وعبد السلام أحيزون (رئيس مجلس إدارة اتصالات المغرب) ومصطفى التراب (الرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط) وعائلات أخرى يُعتبر مجرد الانتماء إليها التوفر على أصلٍ تجاريٍ لا ينضب (حصّار؛ الأمراني؛ العلوي؛ بن صالح؛ بن موسى؛ الأزمي؛ الورياغلي؛ السجلماسي؛ والكتاني وآخرون).
سابعاً، تنظمون هذه العملية بالشراكة مع وزارة الداخلية ووزارة والأوقاف والشؤون الإسلامية، وهما وزارتان سياديتان سادِيتان لم تكونا يوماً في خدمة المواطن. فالأولى تتفنن في قمع المواطنين باسم الأمن والثانية في تنويمهم باسم الدين. يواكب تنظيم هذه العملية نهب كبير للمال العام من طرف الإدارات الترابية والجماعات المحلية مادام لا أحد يستطيع أن يطعن في فاتورة صُرِفت من أجل "إنجاح زيارة ملكية" خوفاً من اتهامه بمعاداة الملكية وهي تهمة باتت أخطر من معاداة السامية.
ثامناً، ماهي حصيلة 16 سنة من نشاط مؤسسة محمد الخامس للتضامن التي تمتص، بالإضافة إلى ميزانيتها، جزءاً من ميزانية وزارات الصحة والتعليم والفلاحة والشباب والخزينة العامة للمملكة وبريد المغرب وغيرها. في تقارير المؤسسة نجد كل شيء إلا تفاصيل صرف الميزانيات.
تاسعاً وأخيراً، الدعم الاجتماعي حق وليس صدقة ويجب أن يتولاه صندوق بمعايير مضبوطة تُشرف عليه مؤسسة من مؤسسات الدولة وأن يُنفذ بطريقة تحترم كرامة المواطنين المستفيدين.
في انتظار ذلك، يمكنكم القيام بأعمال "إحسانية" أخرى لا تقل أجراً وثواباً كإعادة الأموال المهربة إلى الخارج ودفع الضرائب ورفع يدكم عن الاقتصاد الوطني والتخفيض من ميزانية القصر التي لا يناقشها البرلمان والإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي. باختصار، عِوض توزيع الحريرة الباردة ضعوا يدكم في حريرة الوطن الساخنة.
والسلام
هشام منصوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق