الخميس، 12 يناير 2017

رحيل المقاوم امحمد فوزي شقيق الشهيد شيخ العرب في طنجة


‏‏ رحيل المقاوم امحمد فوزي شقيق الشهيد شيخ العرب في طنجة:
في صمت غادر هذا العالم المناضل امحمد فوزي شقيق الشهيد شيخ العرب المقاوم والمناضل المعروف في صفوف جيش التحرير وفي صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ورفيق المجاهد محمد الفقيه البصري والمجاهد محمد بنسعيد أيت يدر والمناضل مومن الديوري والشهيد المهدي بنركة فيما بعد. وعُرف بتصفيته للمدعو "كْويزا لاسورطي" الخائن الذي قتل الشهيد علال بن عبد الله.
يعتبر شقيقه المقاوم امحمد فوزي أحد المناضلين الذين لعبوا دورا كبيرا في مقاومة الاستعمار الفرنسي حيث اعتقلته قوات الاحتلال الفرنسي سنة 1954 عقب اشتباك مع فرقة من مرتزقة "الكوم". وبعد الاستقلال تم الإفراج عنه، ليلتحق بعمله في الشرطة عقب إدماج عناصر جيش التحرير في مؤسسات دولة الاستقلال.
ولم يكن لأحد أن يلتفت إلى رحيله لولا متابعة الصديق محمد لومة لأخبار هذا الجيل الفريد من المناضلين.
التقيتُ المناضل امحمد فوزي قبل حوالي خمس سنوات أثناء زيارتي له في بيته في شارع فاس بمدينة طنجة الذي بقي يقطنه مع أولاده منذ اسقراره في طنجة منذ مطلع الستينات حتى الآن، وكان برفقتي الأستاذ محمد الروين، ليحكى لنا قصصا مروعة عاشها مع عائلته في مواجهة النظام القمعي الذي بناه الحسن الثاني حينها.
عانى كثيرا من الجلاد أوفقير والدليمي عقب اشتداد مطاردة المناضل القائد شيخ العرب (أحمد أكوليز)، حيث قام أوفقير بإعفائه من عمله وسحب بذلته الرسمية ومسدسه، قبل أن يقوم بنقله تعسفا إلى مدينة طنجة لإبعاده عن الرباط، وهناك سيتم اعتقاله في 11 يونيو 1964، وهو الاعتقال الذي خضع أثاءه لتعذيب رهيب (سجلته الإدارة العامة للأمن الوطني على أنه تكليف بمهمة !!!).
كان اعتقاله أو بالأحرى اختطافه في طنجة من طرف بعثة من جهاز "الكاب 1" سيئ الذكر جاءت من الرباط لإحضاره في أربع سيارات، بهدف الضغط عليه للمساعدة في اعتقال شقيقه المقاوم والمناضل الكبير شيخ العرب. ليوضع أمام مكتب يجلس فيه الجلاد محمد أوفقير الذي سأله عن مكان وجود شقيقه، متهما له ب"انتمائه لعائلة من الخونة، أعداء الملك والوطن". وحين رد عليه المرحوم امحمد فوزي بأنه يرفض اتهامه وعائلته بالخيانة فتح درجا في مكتبه وأخرج منه سلاحا رشاشا (مثلما توقع الراحل فوزي الذي استلقى منبطحا على الأرض)، حيث قام المجرم أوفقير بإفراغ رصاصاته في اتجاه المكان الذي كان فيه فوزي ماثلا أمامه.
وبعدها امتلأ مكتب الجلاد أوفقير بأسماء من فريقه مثل أحمد الدليمي الذي حاول أن يقنع امحمد فوزي بالعمل جاسوسا مع الأجهزة لاعتقال أخيه ورفاقه المطاردين، وحين رفض تعرض لوجبات متتالية من التعذيب في المعتقل السري "دار المقري"، وبعد ذلك تم نقله إلى معتقل آخر لا يقل سوءا ورهبة، هو معتقل "درب مولاهم الشريف" حيث تناوب على تعذيبه بشكل جنوني الجلادون المعروفون: محمود عرشان، عبد القادر صاكة، السبع، الكرواني، المعطي، الصايغ... بأساليب وحشية نتج عنها تكسير أضلاع أربعة من قفصه الصدري ليتم نقله إلى مستشفى الصوفي لتلقي العلاجات تفاديا لوفاته التي كانت أقرب إلى الوقوع.
في المستشفى بالطبع سيزوره شخصان بلباس رسمي (لباس المخازنية) أحدهما هو المقاوم أحمد النجار (أزناك)، وثانيهما لم يكن إلا شقيقه المطارد شيخ العرب الذي حضر أيضا بنفس اللباس الرسمي دون أن ينتبه لذلك حراسه، وكان لقاء أخيرا مع شقيقه، سأله عن أمهما ووضعها الصحي وأبنائه وأبو زوجته وشقيقه المقاوم الآخر مبارك (وقد كانوا جميعا معتقلين للضغط على شيخ العرب للاستسلام)، قبل استشهاده وقتله في نفس اليوم من طرف الجلاد محمود عرشان، ثم دفنه في قبر مجهول بدون اسم، حيث لا تعرف عائلة هذا الشهيد الكبير قبره حتى الآن.
ليظل المرحوم امحمد فوزي بعدها معتقلا إلى أواخر غشت 1964، ولم يسترجع سلاحه الرسمي وبطاقته المهنية إلا أواخر 1965.
وبعد استشهاد شقيقه شيخ العرب تكلف الراحل امحمد فوزي بتربية أبناء شقيقه، توفيق ونادية حتى بلغا مستويات عليا من التعليم، حيث يقيمان اليوم ويشتغلان في فرنسا.
عاش الراحل امحمد فوزي عفيف النفس، متواضعا لا يتحدث عن نفسه ولا عن مساهمات أسرته في النضال من أجل الاستقلال ومجابهة الفساد والاستبداد بعده، حالِماً بمغرب تسوده العدالة والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية التي لم تراعها هيئة الإنصاف والمصالحة أثناء معالجة قضيته، كما صرح لي بذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق