بين سعد المجرد وسعيد الوجاني
فخلال الأيام الحالية طفت على السطح قضيتان متناقضتان إلى أبعد حد . في الأولى نرى المغني سعد المجرد الابن المدلل للنظام يتورط في ارتكاب حماقة أخلاقية فوق التراب الفرنسي ، وبما أنه حاصل على وسام ملكي ومؤيد مخلص للنظام فقد سارعت الدولة إلى مساندته إعلاميا و قانونيا عبر توكيل كتيبة من المحامين للدفاع عنه بسرعة البرق . وهذا لا يحصل عادة مع أبناء الجالية المغربية الذين يتعرضون للظلم خصوصا في بلدان الخليج . ولعلنا نتذكر أكثر من حالة لمواطنات مغربيات تعرضن لأبشع أنواع التعنيف في مملكة خادم الحرمين دون أن تتدخل السفارة المغربية لحمايتهن .
في القضية الثانية لدينا الكاتب المعارض سعيد الوجاني ، المعروف بمقالاته النارية المنتقدة بشدة للنظام المغربي . ولعلي أتذكر مقالا تضمن رسالة شديدة اللهجة إلى أحد المسؤولين الأمنيين الكبار ، وهناك مقالات أخرى ينتقد من خلالها رؤوسا وازنة داخل هرم السلطة على نحو شديد الجرأة .
بدأت الواقعة قبل أكثر من أسبوع ، حين تم اعتقاله في مدينة الخميسات . والسبب الظاهري هو أن شرطة المرور قد أوقفته بدعوى خرق قانون السير ، وعندما اعترض على الأمر و دخل في ملاسنات مع الشرطة وجد الأصفاد في يديه بتهمة إهانة رجل مرور . وكان مقررا أن يجري عرضه أمام المحكمة يوم الاثنين الماضي ، لكن كما العادة في التعامل مع أصحاب الرأي المستقل تم تأجيل النظر في القضية على نحو متعسف إلى الاثنين المقبل . ليظل السيد الوجاني قابعا في السجن دون مراعاة لسنه ولا لحالته الصحية ، وسط تعتيم إعلامي غير مفهوم. والأدهى من ذلك أن أحدهم صرخ في وجهه : ” خلي الكتابات ديالتك تنفعك ! ” ، وهذه العبارة تفضح الدافع الحقيقي للاعتقال .
فالنظام لم يعد يريد خلق مزيد من معتقلي الرأي حرصا على صورته أمام الرأي العام الدولي ، لذلك يختلق لهم ذرائع تمويهية لرميهم في السجن بتهم بعيدة كل البعد عن السبب الحقيقي للاعتقال . ولقد تكرر السيناريو المفضوح مع كثير من المناضلين وكتاب الرأي من المحلقين بعيدا عن جوقة المطبلين للنظام .
وهكذا تتجلى أمامنا الحقيقة البشعة : لكي تكون مواطنا مغربيا كامل المواطنة محميا من التعسف ، عليك أن تكون ” عيّاشا ” تجيد كل فنون العزف على الكمنجة والطعريجة ، أو أن تكون ” زَيْزونا ” وهذا أضعف الإيمان. فالنظام لا يتسامح مطلقا مع من يجرؤ على تجاوز خطوطه الحمراء ، وينتظر الفرصة المناسبة لتصفية الحساب معه ، مصداقا لقول هشام العلوي : ” المخزن حيوان ” .
ختاما ، أغتنم الفرصة لأقول لهؤلاء المتضامنين مع سعد المجرد : السيد سعيد الوجاني أولى بتضامنكم . وأقول للصحافيين المغاربة : ابحثوا عن الحق والعدالة برصانة في الأزقة المنسية ، ولا تبحثوا عن رفع عدد الزوار عبر العناوين الفضائحية .
تضامني التام مع الأستاذ الوجاني ومع كل قلم حر لا يخشى في الحق لومة هتلر .
...............
شاب متحرش وشعب بئيس
أولهما : اعتقال المغني المغربي سعد المجرد بفرنسا على إثر تهمة وجهتها إليه رفيقة سهرت معه في جلسة خمرية، ثم رافقته إلى الفندق الذي يقيم فيه ، لتخرج بعدها بتهمة توجهها إليه بأنه تحرش بها ، أو اغتصبها ، أو عنفها ، أو كل هذه التهم مجتمعة (حيث لم ينشر حتى الساعة أي محضر عن التهمة وحججها الإثباتية) ، ولكن موضوعها في كل الأحوال هو الجنس .
أما الحدث الثاني فهو انتحار بائع للسمك ، متجول ، حيث داهمته السلطات المحلية ، وانتزعت منها ما كان لديه من سمك ثم رمت به إلى شاحنة لطحن الأزبال، لتطحنه، فلم يتمالك الرجل نفسه حتى ألقى بها في الشاحنة لتطحنه مع سمكه الذي كان ينتظر أن يستخرج منه قوت عياله لذلك اليوم ..
حدثان لا أدري أي شيء يجمع بينهما . هل الصدفة فقط لتعطينا صورة عن أحوال المغرب واهتمامات بنائه وشبابه ..
اللافت للنظر، هو أن الاهتمام الذي حظي به اعتقال المغني رغم تفاهة موضوعه وشخصنته ، ورغم أن التحرش لدى بعض المغنين يكاد يدخل في صميم اهتماماتهم وأولوياتهم ـ هذا الاهتمام لم يحظ به، ولا حتى بـعُـشُـره، ذلك الشاب المنهك ، رب العائلة ، الذي يتقاتل من أجل توفير عشاء لها من عرق جبينه ، والذي انتحر احتجاجا على حرمانه من قوت يومه وقوت عياله.. ذلك الشاب القوي البنية، الضعيف الحيلة الذي ألقى بنفسه في شاحنة الأزبال لتطحن جسمه مع السمك الذي انتُـزِع منه.. لم يجد لواقعته صدى إلا في بعض المواقع، ولدى بعض المتتبعين من مدينته الحسيمة الواقعة في شمال المغرب .
نعم بكل هذه اللامبالاة تلقى المغاربة انتحار شاب من أجل قوت عياله، فطحنته شاحنة الأزبال مع ما تطحنه من أزبال.. بكل ذلك الاهتمام المفرط والتتبع الحثيث لأخبار سعد المجرد دقيقة بدقيقة ، تلقى المغاربة نبأ اعتقاله لتحرشه بفتاة .. حتى لم يبق أحد لم يسمع بهذا الخبر ولم ينخرط فيه بتعليق أو مآزرة أو انتقال إلى باريس لمساندته ..
بينما لم يُـسمع عن التحاق أحد بالحسيمة للمشاركة في التظاهرة الاحتجاجية على تجبر السلطة وقسوتها وتحجرها ..
ألا يقدم سياق هاتين الواقعتين صورة بئيسة لشعب بئيس
لقد فهمت الآن العامل الحقيقي الذي أدى إلى تلك النتائج الصادمة للانتخابات التشريعية التي جرت في المغرب في السابع من أكتوبر الجاري، والتي يقول عنها الخبراء أن نسبة المشاركة فيها لم تتجاوز الثلاثين بالمائة ، رغم أن وزارة الداخلية صرحت بأنها بلغت ثلاثة وأربعين بالمائة ..
ومع ذلك فهي نسبة تبقى متدنية جدا إذا علمنا أن المغاربة المهاجرين والعاملين خارج أرض الوطن لم يسمح له بالمشاركة فيها، وعددهم في حدود الخمسة ملايين مغربي .. وإذا علمنا أيضا أن نسبة البالغين سن الرشد الذين لم يسجلوا في اللوائح الانتخابية أو لم يسمح لهم بالتسجيل فيها خلال فترة الحملة الانتخابية يكاد يبلغ عشرة ملايين مغربي..
أي أن من شاركوا في التصويت لا يكاد يصل في أقصى الحالات إلى 25 بالمائة من عدد سكان المغرب. في حين قاطعها أو لم يشارك فيها حوالي 75 بالمئة .
فلماذا هذا العزوف وكيف نفسره ؟
تفسيره الذي استنتجته من الواقعتين المذكورتين، هو أن اهتمام الغالبية العظمى من المغاربة ـ والذين يشكل الشباب أكثر من ستين في المائة منهم ـ هذه الغالبية الساحقة لا تهتم إلا بتوافه الأمور، وبالزبد الذي يذهب جفاء؛ أما ما يهم الوطن في حاضره ومستقبله، وما يتعلق بحقوقه وكرامته .. فلا مكان له في اهتماماتهم ، ولا صدى له في حواراتهم او مناقشاتهم أو جلساتهم ..
إنك لو تسأل معظم الشباب المغربي عن أغاني سعد المجرد، ستجده يحفظها كاملة عن ظهر، ويحفظ تواريخ ظهورها ، ويتمايل مع ألحانها ، ويرقص طربا تجاوبا معها وهو (كالطير يرقص مذبوحا من الألم) ..
أما إذا سألته عن الفرق بين البرلمان ومجلس المستشارين ، أو عن الفرق بين الانتخابات الجماعية والانتخابات التشريعية، أو الفرق بين ملكية برلمانية وملكية تنفيذية (أو دستورية) ، أو الفرق بين وزير التعليم ووزير الثقافة في الاختصاصات الموكولة لكل منهما .. بل لو سألت كثيرا منهم في فاتح أكتوبر عن موعد الانتخابات المقبلة .. لحار جوابا .
أفظع من هذا؛ لو سألت الواحد منهم عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هل سمع به أو يعرف بعض بنوده ، لجحظت عيناه كأنه يسمع كلاما باللغة الصينية أو الهيروغليفية ..
فمن المسؤول عن هذا التخلف السياسي والمعرفي المدمر لشعوبنا العربية؟ هل هم الشباب أنفسهم؟
أم هي الأحزاب الوصولية التي لا يهمها من استقطاب الناس إلا أن يكونوا مستودعا للأصوات في الانتخابات؟
أم هي الدولة التي تراهن على أن بقاءها رهين ببقاء الشعب على حاله من الأمية والفقر والتجهيل وانحطاط الذوق ، وإلهائه بكل تافه ورخيص، حتى أصبحتَ تجد أن الخبر الذي ينشر عن مغنية أو مغن، يتلقفه عشرات الملايين في الساعات الأولى من نشره، ويصبح موضوع الساعة التجاريِّ المربح لكل المواقع والقنوات المتخصصة في هذا الغثاء ، بينما عندما ينشر خبر عن حصول عالم ـ وقد يكون عربيا أو من أصول عربية ـ على جائزة نوبل في الطب أو الفزياء أو الأدب ، فلا يكاد يقرأه إلا بضع مآت من الناس ، منهم من يمر به مر الكرام ..
ولذلك فلا نستغرب إذا كانت نتائج انتخابات السابع من أكتوبر الجاري على ما رأينا..
وإذا كانت الواقعتان المذكورتان على ما انتهينا إليه، فلا شك أنهما تقدمان صورة بئيسة لشعب بئيس
بين سعد المجرد وسعيد الوجاني
يبدو أن حقوق المواطنة في المغرب مشروطة بطبيعة العلاقة مع النظام . فإذا كنتَ مصفقا للنظام دون قيد أو شرط على طريقة الطبالين الشعبيين فأنت مواطن استثنائي محاط بالرعاية المفرطة . وإذا كنتَ من المشاغبين أصحاب الرأي المستفز لأصحاب السلطة فأنت إذن مواطن من الدرجة العاشرة ولا تستحق إلا كعب الحذاء .فخلال الأيام الحالية طفت على السطح قضيتان متناقضتان إلى أبعد حد . في الأولى نرى المغني سعد المجرد الابن المدلل للنظام يتورط في ارتكاب حماقة أخلاقية فوق التراب الفرنسي ، وبما أنه حاصل على وسام ملكي ومؤيد مخلص للنظام فقد سارعت الدولة إلى مساندته إعلاميا و قانونيا عبر توكيل كتيبة من المحامين للدفاع عنه بسرعة البرق . وهذا لا يحصل عادة مع أبناء الجالية المغربية الذين يتعرضون للظلم خصوصا في بلدان الخليج . ولعلنا نتذكر أكثر من حالة لمواطنات مغربيات تعرضن لأبشع أنواع التعنيف في مملكة خادم الحرمين دون أن تتدخل السفارة المغربية لحمايتهن .
في القضية الثانية لدينا الكاتب المعارض سعيد الوجاني ، المعروف بمقالاته النارية المنتقدة بشدة للنظام المغربي . ولعلي أتذكر مقالا تضمن رسالة شديدة اللهجة إلى أحد المسؤولين الأمنيين الكبار ، وهناك مقالات أخرى ينتقد من خلالها رؤوسا وازنة داخل هرم السلطة على نحو شديد الجرأة .
بدأت الواقعة قبل أكثر من أسبوع ، حين تم اعتقاله في مدينة الخميسات . والسبب الظاهري هو أن شرطة المرور قد أوقفته بدعوى خرق قانون السير ، وعندما اعترض على الأمر و دخل في ملاسنات مع الشرطة وجد الأصفاد في يديه بتهمة إهانة رجل مرور . وكان مقررا أن يجري عرضه أمام المحكمة يوم الاثنين الماضي ، لكن كما العادة في التعامل مع أصحاب الرأي المستقل تم تأجيل النظر في القضية على نحو متعسف إلى الاثنين المقبل . ليظل السيد الوجاني قابعا في السجن دون مراعاة لسنه ولا لحالته الصحية ، وسط تعتيم إعلامي غير مفهوم. والأدهى من ذلك أن أحدهم صرخ في وجهه : ” خلي الكتابات ديالتك تنفعك ! ” ، وهذه العبارة تفضح الدافع الحقيقي للاعتقال .
فالنظام لم يعد يريد خلق مزيد من معتقلي الرأي حرصا على صورته أمام الرأي العام الدولي ، لذلك يختلق لهم ذرائع تمويهية لرميهم في السجن بتهم بعيدة كل البعد عن السبب الحقيقي للاعتقال . ولقد تكرر السيناريو المفضوح مع كثير من المناضلين وكتاب الرأي من المحلقين بعيدا عن جوقة المطبلين للنظام .
وهكذا تتجلى أمامنا الحقيقة البشعة : لكي تكون مواطنا مغربيا كامل المواطنة محميا من التعسف ، عليك أن تكون ” عيّاشا ” تجيد كل فنون العزف على الكمنجة والطعريجة ، أو أن تكون ” زَيْزونا ” وهذا أضعف الإيمان. فالنظام لا يتسامح مطلقا مع من يجرؤ على تجاوز خطوطه الحمراء ، وينتظر الفرصة المناسبة لتصفية الحساب معه ، مصداقا لقول هشام العلوي : ” المخزن حيوان ” .
ختاما ، أغتنم الفرصة لأقول لهؤلاء المتضامنين مع سعد المجرد : السيد سعيد الوجاني أولى بتضامنكم . وأقول للصحافيين المغاربة : ابحثوا عن الحق والعدالة برصانة في الأزقة المنسية ، ولا تبحثوا عن رفع عدد الزوار عبر العناوين الفضائحية .
تضامني التام مع الأستاذ الوجاني ومع كل قلم حر لا يخشى في الحق لومة هتلر .
...............
شاب متحرش وشعب بئيس
شاب متحرش وشعب بئيس
عاش المغرب هذين اليومين الأخيرين (27 و28 أكتوبر) حدثين متزامنين :أولهما : اعتقال المغني المغربي سعد المجرد بفرنسا على إثر تهمة وجهتها إليه رفيقة سهرت معه في جلسة خمرية، ثم رافقته إلى الفندق الذي يقيم فيه ، لتخرج بعدها بتهمة توجهها إليه بأنه تحرش بها ، أو اغتصبها ، أو عنفها ، أو كل هذه التهم مجتمعة (حيث لم ينشر حتى الساعة أي محضر عن التهمة وحججها الإثباتية) ، ولكن موضوعها في كل الأحوال هو الجنس .
أما الحدث الثاني فهو انتحار بائع للسمك ، متجول ، حيث داهمته السلطات المحلية ، وانتزعت منها ما كان لديه من سمك ثم رمت به إلى شاحنة لطحن الأزبال، لتطحنه، فلم يتمالك الرجل نفسه حتى ألقى بها في الشاحنة لتطحنه مع سمكه الذي كان ينتظر أن يستخرج منه قوت عياله لذلك اليوم ..
حدثان لا أدري أي شيء يجمع بينهما . هل الصدفة فقط لتعطينا صورة عن أحوال المغرب واهتمامات بنائه وشبابه ..
اللافت للنظر، هو أن الاهتمام الذي حظي به اعتقال المغني رغم تفاهة موضوعه وشخصنته ، ورغم أن التحرش لدى بعض المغنين يكاد يدخل في صميم اهتماماتهم وأولوياتهم ـ هذا الاهتمام لم يحظ به، ولا حتى بـعُـشُـره، ذلك الشاب المنهك ، رب العائلة ، الذي يتقاتل من أجل توفير عشاء لها من عرق جبينه ، والذي انتحر احتجاجا على حرمانه من قوت يومه وقوت عياله.. ذلك الشاب القوي البنية، الضعيف الحيلة الذي ألقى بنفسه في شاحنة الأزبال لتطحن جسمه مع السمك الذي انتُـزِع منه.. لم يجد لواقعته صدى إلا في بعض المواقع، ولدى بعض المتتبعين من مدينته الحسيمة الواقعة في شمال المغرب .
نعم بكل هذه اللامبالاة تلقى المغاربة انتحار شاب من أجل قوت عياله، فطحنته شاحنة الأزبال مع ما تطحنه من أزبال.. بكل ذلك الاهتمام المفرط والتتبع الحثيث لأخبار سعد المجرد دقيقة بدقيقة ، تلقى المغاربة نبأ اعتقاله لتحرشه بفتاة .. حتى لم يبق أحد لم يسمع بهذا الخبر ولم ينخرط فيه بتعليق أو مآزرة أو انتقال إلى باريس لمساندته ..
بينما لم يُـسمع عن التحاق أحد بالحسيمة للمشاركة في التظاهرة الاحتجاجية على تجبر السلطة وقسوتها وتحجرها ..
ألا يقدم سياق هاتين الواقعتين صورة بئيسة لشعب بئيس
لقد فهمت الآن العامل الحقيقي الذي أدى إلى تلك النتائج الصادمة للانتخابات التشريعية التي جرت في المغرب في السابع من أكتوبر الجاري، والتي يقول عنها الخبراء أن نسبة المشاركة فيها لم تتجاوز الثلاثين بالمائة ، رغم أن وزارة الداخلية صرحت بأنها بلغت ثلاثة وأربعين بالمائة ..
ومع ذلك فهي نسبة تبقى متدنية جدا إذا علمنا أن المغاربة المهاجرين والعاملين خارج أرض الوطن لم يسمح له بالمشاركة فيها، وعددهم في حدود الخمسة ملايين مغربي .. وإذا علمنا أيضا أن نسبة البالغين سن الرشد الذين لم يسجلوا في اللوائح الانتخابية أو لم يسمح لهم بالتسجيل فيها خلال فترة الحملة الانتخابية يكاد يبلغ عشرة ملايين مغربي..
أي أن من شاركوا في التصويت لا يكاد يصل في أقصى الحالات إلى 25 بالمائة من عدد سكان المغرب. في حين قاطعها أو لم يشارك فيها حوالي 75 بالمئة .
فلماذا هذا العزوف وكيف نفسره ؟
تفسيره الذي استنتجته من الواقعتين المذكورتين، هو أن اهتمام الغالبية العظمى من المغاربة ـ والذين يشكل الشباب أكثر من ستين في المائة منهم ـ هذه الغالبية الساحقة لا تهتم إلا بتوافه الأمور، وبالزبد الذي يذهب جفاء؛ أما ما يهم الوطن في حاضره ومستقبله، وما يتعلق بحقوقه وكرامته .. فلا مكان له في اهتماماتهم ، ولا صدى له في حواراتهم او مناقشاتهم أو جلساتهم ..
إنك لو تسأل معظم الشباب المغربي عن أغاني سعد المجرد، ستجده يحفظها كاملة عن ظهر، ويحفظ تواريخ ظهورها ، ويتمايل مع ألحانها ، ويرقص طربا تجاوبا معها وهو (كالطير يرقص مذبوحا من الألم) ..
أما إذا سألته عن الفرق بين البرلمان ومجلس المستشارين ، أو عن الفرق بين الانتخابات الجماعية والانتخابات التشريعية، أو الفرق بين ملكية برلمانية وملكية تنفيذية (أو دستورية) ، أو الفرق بين وزير التعليم ووزير الثقافة في الاختصاصات الموكولة لكل منهما .. بل لو سألت كثيرا منهم في فاتح أكتوبر عن موعد الانتخابات المقبلة .. لحار جوابا .
أفظع من هذا؛ لو سألت الواحد منهم عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هل سمع به أو يعرف بعض بنوده ، لجحظت عيناه كأنه يسمع كلاما باللغة الصينية أو الهيروغليفية ..
فمن المسؤول عن هذا التخلف السياسي والمعرفي المدمر لشعوبنا العربية؟ هل هم الشباب أنفسهم؟
أم هي الأحزاب الوصولية التي لا يهمها من استقطاب الناس إلا أن يكونوا مستودعا للأصوات في الانتخابات؟
أم هي الدولة التي تراهن على أن بقاءها رهين ببقاء الشعب على حاله من الأمية والفقر والتجهيل وانحطاط الذوق ، وإلهائه بكل تافه ورخيص، حتى أصبحتَ تجد أن الخبر الذي ينشر عن مغنية أو مغن، يتلقفه عشرات الملايين في الساعات الأولى من نشره، ويصبح موضوع الساعة التجاريِّ المربح لكل المواقع والقنوات المتخصصة في هذا الغثاء ، بينما عندما ينشر خبر عن حصول عالم ـ وقد يكون عربيا أو من أصول عربية ـ على جائزة نوبل في الطب أو الفزياء أو الأدب ، فلا يكاد يقرأه إلا بضع مآت من الناس ، منهم من يمر به مر الكرام ..
ولذلك فلا نستغرب إذا كانت نتائج انتخابات السابع من أكتوبر الجاري على ما رأينا..
وإذا كانت الواقعتان المذكورتان على ما انتهينا إليه، فلا شك أنهما تقدمان صورة بئيسة لشعب بئيس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق