السبت، 2 يوليو 2016

بول باسكون (13): لأي شيء تصلح معرفة مجتمعنا من الناحية العملية؟

بول باسكون (13): لأي شيء تصلح معرفة مجتمعنا من الناحية العملية؟
بول باسكون (13): لأي شيء تصلح معرفة مجتمعنا من الناحية العملية؟

بول باسكون (13): لأي شيء تصلح معرفة مجتمعنا من الناحية العملية؟

محمد المساوي
ينتقل باسكون في الجزء الثاني من هذا المقال للحديث عن جدوى دراسة طبيعة تشكل مجتمع ما وما الفائدة منها؟ ويضع تحت المجهر بعض القراءات المتسرعة التي حاولت توصيف طبيعة المجتمع المغربي دون دراسته دراسة وافية، فيأتي على ذكر بعض المظاهر التي تدحض ادعاء هذه التوصيفات من قبيل : مجتمع رأسمالي، او مجتمع ما قبل رأسمالي، او مجتمع فيودالي، او مجتمع قبلي وأبوي… كل هذه التوصيفات في نظره ناقصة وتنظر الى جانب فقط من المجتمع دون أن تتمكن من انتاج معرفة شاملة به.
في الاجزاء الموالية يكشف لنا عن النظرية التي يتبناها، ثم يجرّب “كفاءة” هذه النظرية، وما الخلاصات التي خلص اليها حول طبيعة تكوين المجتمع المغربي.
هذا المقال المهم تعود افكاره إلى محاضرة ألقاها باسكون بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط تحت إشراف “جمعية الأبحاث الثقافية” وأعاد صياغتها للنشر لتعميم الفائدة وتوسيع افاق النقاش حول موضوع تكوّن المجتمع المغربي.
المقال ترجمه أحمد حمايمو  ونُشر في مجلة المشروع العدد 4 حزيران/يونيو 1981
الجزء الثاني من المقال :
2-لأي شيء تصلح معرفة مجتمعنا من الناحية العملية؟
إن المسألة التي أريد أن نتساءل حولها هي كالتالي: في أي مجتمع نعيش؟ ما هي طبيعة المجتمع المغربي الحالي؟ وهذه قضية ليست بأكاديمية. إنها لا تهم عالم الاجتماع وحده، بل كلا من مواطني هذا البلد. وسواء كان ذلك عن وعي أو عن غير وعي، فإنها توجد خلف جميع المحادثات السياسية التي تجري بين أناس هذا المجتمع في لحظات الأزمات، كما في لحظات السكونية الظاهرية.
إن معرفة ماهية المجتمع الذي نعيش فيه تعني في الواقع:
– فهم ما يجري في المجتمع وجعل الملاحظات والمعلومات اليومية التي نلتقطها من الشارع أو أثناء قراءة الجريدة قابلة للإدراك.
– إدراك تطورات هذا المجتمع وتحركاته العميقة، كالتي تظهر من خلال النكث والأحاديث التي تجري داخل مقهى، والقدرة على اكتشاف ما هو في طريق الفناء أو على العكس في طريق الأوج والسيادة، مع ملاحظة ما هو بصدد النشوء والنمو. وبعبارة أخرى فإن هذا يعني الاستعداد لملاحظة التبدلات وتقييم علاماتها وفق قيمتها الحقيقية.
– التفاهم حول معنى سلوكنا الخاص. فإذا كان كل منا مكونا داخل هذا المجتمع وبواسطته، فإن معرفة هذا الأخير تكمن في القدرة على تكييف سلوكنا مع تطوره على أحسن وجه. وهذا ما لا يتم عن طريق وضع الأرائك «في اتجاه التاريخ» كما يقال، ولكن برفضنا لأن نكون لعبة وموضوع التحرك الاجتماعي وتصميمنا على أن نكون أصحاب التغير الاجتماعي وصانعيه الوعاة، بدل أن نكون ضحايا له أو مستفيدين سلبيين منه.
– البحث عن سبل لتحويل المجتمع، بالكشف عن نقط ضعفه ومكامن قوته ومقاومته وجهازه الدافع. كما تعني معرفة المجتمع توجيه أنشطته وجهة القضايا المهمة على نحو علمي والاختيار الواعي للأشياء التي سنوظف فيها جهدنا وطاقتنا، ولما سوف نوليه العناية اللازمة.
وإذن فإني اعتقد على أن معرفة المجتمع الذي نعيش فيه مسألة هامة. ومع ذلك فإننا لا نملك عنها سوى أفكار جد غامضة وجد عامة، وفي اغلب الأحيان خاطئة.
3- تعريف سالب للمجتمع المغربي
حينما تطرحون هذا السؤال: «ما هو المجتمع المغربي في سنة 1971؟» وإذا كنتم تقرؤون الجرائد المغربية أو الأجنبية وتراجعون الكتب المتخصصة في الموضوع، فإنكم ستعثرون على ألف جواب متناقض، وفي أكثر الأحيان على أجوبة غير مدققة، ولا علمية غالبا. ففي أحسن الأحوال نجد اهتماما بدراسة الخصائص الجزئية للمجتمع المغربي: وعلى سبيل المثال، فقد كانت دراسة القبيلة موضة منذ سبعين عاما. ثم أصبحت الطبقة العاملة منذ خمسة وعشرين سنة موضوعا لعدد من الدراسات. كما أن هناك دراسات قليلة، من الصنف الجاد، عن نوعية الفيودالية المغربية. إلا أن المجتمع المغربي في كليته، لم يكن يوما مدروسا، إلا بكيفية جد سطحية وجد متنافرة.
ومن حقنا أن نتساءل حول العوامل التي جعلتنا لا نملك عن مسألة بمثل هذه الأهمية سوى أجوبة لا مرضية. والواقع أن لهذه الظاهرة أسبابا كثيرة! وأهمها كون أفراد المجتمع يتكاتمون فيما بينهم حقيقة الواقع الاجتماعي، لما يمثله المجتمع من حقل لمنافساتهم، بل وميدان لمصارعاتهم من أجل الحفاظ على الحياة وتحقيق التقدم الاجتماعي. ولهذا الاعتبار يجب أن لا نفاجئ حينما نرى صاحب أسهم أو لاعبا، مثلا، يرفضان الكشف عن اللعبة التي يمارسانها، بصفة كلية: إذ يلجآن إلى إخفاء ما يعرفانه ويعمدان في أغلب الأحوال إلى ترويج أخبار ناقصة، إن لم تكن خاطئة. وقياسا على ذلك، فإن مسألة مثل طرح المجتمع كله للمناقشة هي بمثابة لعبة أشد خطورة من سابقتها.
ومن ناحية ثانية، فإن المجتمع نفسه لا يتمتع بالشفافية الكافية. فيجب على الإنسان أن يقوي على التجرد الجزئي من ذاته، ويصبح موضوعيا، من تلقاء إرادته، وأن يوجد على مسافة ما، مؤقتا، بينه وبين الواقع الاجتماعي، لكي يستطيع فهمه. كل هذا مع الإبقاء على إمكانية الرجوع إليه، قصد التأثير فيه، الشيء الذي يفقد بدونه ذلك الموقع الذي يمكنه من الملاحظة والفعل. وعلى سبيل المثال فقد كان علماء الاجتماع المنتمين لعهد الحماية قبليين نظرا لاحتياجهم للقبيلة من الناحية السياسية. إلا أن كون القبيلة حقيقة غير منازعة ليس معناه قابلية المجتمع المغربي للاختزال إلى الظاهرة القبلية. وبالمثل فغننا نجد لدى المناضل السياسي ميولا نحو النزعة العمالية، نظرا للتقييم المتميز الذي يخص به أهمية ومستقبل الطبقة العاملة، غير أن معرفة المجتمع المغربي لا تقبل الاختزال إلى دراسة «صراع الطبقة العاملة ضد أرباب العمل والامبريالية».
إن أول خطوة في سبيل إيجاد تفسير جديد للمجتمع تكمن في توجيه النقد للتفاسير السابقة ولمختلف الأوصاف المغلوطة التي أطلقت على المجتمع المغربي.
أ-يقال مثلا على أن المجتمع المغربي مجتمع رأسمالي:
وعلى العموم، فهذا معناه أن الرأسمال المالي أو التكنولوجي يمثل المصدر الأساسي للسلطة وتنظيم المجتمع، وأن قانون الربح الأقصى هو الذي يحرك الناس في هذا البلد، وأن الحساب الرشيد لمردودية التوظيفات يمثل الشكل الأمثل لأنشطة أصحاب المشاريع، وأن العمل المأجور هو النموذج العام للعلاقات السائدة بين الأشخاص داخل الإنتاج الخ…
وهذه نظرة جد قصيرة وجد ناقصة.
فمما لا شك فيه أن للرأسمال المالي أهمية كبيرة في بعض القطاعات التابعة للصناعة الكبرى، إلا أن الرأسمالية أبعد ما تكون عن تنظيم المجتمع المغربي بأكمله، وهذا مثال عن الحدود التي لا تتجاوز نطاقها في المغرب:
لا نجد ضمن سبعة ملايين من الأشخاص العاملين سوى سبعمئة ألف من المأجورين الدائمين، معناه أن 10% على الأكثر من السكان تحكمهم علاقات إنتاج من النوع الرأسمالي، أي تلك التي تربط بين رب العمل والعمال المأجورين الأحرار. ويمثل هذا الرقم الحد الأقصى. إذ يوجد ضمن سبعمئة آلاف مأجور ثلاثمئة موظف وجندي يعيشون داخل علاقات إنتاج جد مختلفة عن تلك التي يحيا داخل إطارها العمال. أما بقية السكان أي أكثر من 90% فتحكمها علاقات إنتاجية مخالفة للعلاقات السائدة بين المأجورين: التبعية الفيودالية، العمل العائلي، التعاون القبلي الخ…
ومن جهة أخرى فحتى لو فرضنا أن القطاع الرأسمالي سائد في المجتمع بأكمله، فما زال دوننا تصنيف هذه الرأسمالية: هل هي رأسمالية المانفكتورات الأولى، أم رأسمالية وطنية، هل هي رأسمالية الدولة أم رأسمالية واقعة تحت سيطرة الشركات المتعددة الجنسية الكبرى؟
ب- كما يقال على أن المجتمع المغربي مجتمع فيودالي
وبصفة عامة فهذا يعني أن العلاقة الرابطة بين الإنسان والإنسان، بين القن والسيد، بين الخادم والمولى، بين الصاحب والسيد، هي التي تشكل المنبع الرئيسي للسلطة وتنظيم المجتمع.
وهذه رؤية صحيحة أيضا، لكنها ناقصة وغير كافية، مثلها في ذلك مثل الإجابة السابقة حينما خلصت إلى تأكيد الطابع الرأسمالي للمجتمع المغربي.
ومن المؤكد أن مسألة البيعة والوفاء الشبه الصوفي للزعيم، وكذا حقائق مثل قدرة رب عمل صغير على تسريح من يشاء دون الخضوع لقانون، والنظرة على الشغل باعتباره مستعبدا الخ… كلها لأشياء تدل على ما للنموذج الإقطاعي من أهمية كبرى. ويكفينا عقد مقارنة بين الكيفية التي يسير عليها معمل للزرابي ومصنع حديث، بين ضيعة حديثة تشغل عمالا دائمين متخصصين ويستعملون الآلات وبين الأسلوب اللاتفوندي LATIFUNDIA في استغلال الأرض، وبواسطة الخماسة أو الشركاء، لكي نعرف أن نموذج الإنتاج الإقطاعي سائد في كثير من الجهات.
لكن مع ذلك لا يفسر كل التنظيم الاجتماعي. فعلينا أن نستثني منذ الآن عشر السكان الذين قلنا آنفا بأنهم أجراء، لارتباطهم بعلاقات إنتاجية رأسمالية. إن هذه الطبقة العاملة المتمركزة في المدن وفي بعض المراكز المعدنية (50% من المستفيدين من الأمن الاجتماعي والتابعين للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يسكنون المدن) واقعة خارج سيطرة النموذج الإقطاعي للإنتاج، إلى حد كبير. كما يجب أن نستثني مجموع الجزء الفلاحي المنظم على أساس النموذج القبلي. وبالمثل يجب سحب النساء في جزءهن الأكبر –أي نصف السكان- لوقوعهن تحت الوصاية الأبوية للأب أو للزوج.
هذا إذا اقتصرنا على العلاقات الاجتماعية. لكن تأملات من هذا النوع يمكنها الانطباق على العلاقات القانونية أيضا، أي على الحقوق . فنحن نعرف أن قسما كبيرا من المجتمع القروي يراعي، فعليا، الأعراف التقليدية والقبلية، وأن الحق الممارس في أغلب الأحيان، داخل العائلة، إنما هو حق الأب.
وعلى رفض أن القطاع الفيودالي للمجتمع المغربي يمثل كافة المجتمع، فما زالت هناك حاجة إلى وصفه. فهل يتعلق الأمر بإقطاعية من النوع الأوربي الوسطوي أو الياباني أم بإقطاعية مملوكية، أم بنوعية خاصة جدا، تتطلب بالتالي وصفا خصوصيا: القايدية المخزنية CAIDALISME MAKHZENIEN.
ج-وإذن فباستطاعتنا القول على أن المجتمع المغربي قبلي، مثلما نستطيع نعته بكونه أبويا، مع البرهنة على إمكانية وصفه، جزئيا، بكونه كذلك، ولكن في نفس الوقت على أن هذا الادعاء يحتوي الكثير من الأخطاء.
وإذن، فدون الذهاب إلى ابعد مما فعلنا، هناك العديد من الأجوبة المحتملة، إلا أنها جميعها غير مقنعة، حقيقة.
وهناك من يتخلص من المشكل بإطلاق صيغ غامضة ومركبة: مثل القول بأن المجتمع المغربي ما قبل رأسمالي. غير أن هذا التعريف غير كاف لكون هذا المجتمع رأسمالي أيضا. ثم أن هناك أشكالا مختلفة للكينونة الما قبل رأسمالية. فهل لنا أن نعتمد مثال السعودية أم السنغال؟ وهناك آخرون ممن يقولون بأن المجتمع المغربي نصف إقطاعي. لكن ما نصفه الآخر؟ وبالتالي هل هو قبلي-إقطاعي-رأسمالي أم إقطاعي-رأسمالي؟ إن هذا لا يعني شيئا ذا بال.
يجب الاعتراف بالبديهيات: إن مجتمعنا غير متجانس. لكن هل توجد، حقيقة، مجتمعات متجانسة؟ وما هو المجتمع المتجانس؟ هل من وجود لهذا النوع؟
وهل هناك مجتمعات أكثر تجانسا من غيرها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق