الثلاثاء، 1 نوفمبر 2016

رحلت وفي قلبها غصة.. وفاة خديجة الشاو والدة الحسين المانوزي


رحلت وفي قلبها غصة.. وفاة خديجة الشاو والدة الحسين المانوزي

hajja-ecrit-son-histoire

توفيت أمس الأحد، الحاجة خديجة الشاو، المرأة الأمازيغية الصامدة التي عاشت وسط دهاليز المخافر والاعتقالات المتكررة، الزوجة التي عرفت اليتم مبكرا وتحملت المسؤولية بكل قوة وإخلاص، الأم التي ستتجرع تجربة مريرة بدأت يوم 29 أكتوبر 1972 حين اختطف ابنها الحسين المانوزي، ولم تظهر الحقيقة إلى يومنا هذا بعد مرور 44  سنة.
منذ اختطاف ابني الحسين وأنا أعيش العذاب. تصوري معي 43 سنة وأنا أطرح نفس الأسئلة: هل ما يزال حيا، هل هو ميت؟  في أي جحيم يحتجزونه؟ لقد فقدت توازني، أنام ونفس السؤال يغمرني، وأستيقظ في نفس الحالة. الأكل لا طعم له، ناهيك عن الأعياد والمناسبات..”. هكذا تحدثت الراحلة  الحاجة خديجة الشاو في تصريح سابق خصت به مجلة “لكل النساء”، بصوت مُتكسر وفي قلبها غصة اختفاء ابنها القسري طوال سنوات خلت.
وفي نعي الراحلة، كتب مصطفى المانوزي رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، “أبكيك يا وطني، غادرتني أمي الثانية دون أن ترى ابنها”. فيما قال صلاح الدين المانوزي ابن الفقيدة بصوت خافت وحزين في اتصال مع جريدة “كشك” الإلكترونية معه هذا الصباح: “يجمع جميع الناس على الدور الكبير للحاجة خديجة، فهي الإنسانة الصبورة والمثالية، أم الجميع..”.
الفقيدة خديجة الشاو، زوجة الحاج علي المانوزي، امرأة أمازيغية صامدة عاشت وسط دهاليز المخافر والاعتقالات المتكررة، عرفت اليتم مبكرا وتحملت المسؤولية بكل قوة وإخلاص، ستتجرع بعدها تجربة مريرة بدأت يوم  29 أكتوبر 1972 حين اختطف لحسين، ولم تظهر الحقيقة إلى يومنا هذا بعد مرور 44 سنة… تحدثت لمجلة “لكل النساء” ضمن ملف خاص سابق عن “الحسين المانوزي، ذاكرة مختطف تأبى النسيان”: “أحرقتم كبدي، لن أسامحكم مادامت الدماء تجري في عرقي، لكني لست من طينتكم. أقول لهم بأن الله شديد العقاب وهو يمهل ولا يهمل. أتخيل باستمرار أنهم يعذبونه وهو تحت رحمة الجلادين”.
صدح صوت الراحلة الحاجة خديجة وزاد أنينها، وجع الأم المشتاقة لضم لحسين، تتحدث لكل المتورطين في هذا الملف وهي تتصفح صور لحسين الغائب الحاضر في تصريحها السابق، قائلة: “أقول اليوم للذين مازالوا يحتجزون ابني الحسين في معتقل ما أو في حفرة ما أو في قبر ما، أقول لهم خففوا على أنفسكم، إن الله غفور رحيم، لكنه شديد العقاب. أريحوا ضمائرهم، لأني أعلم كيف انتهى الأولون”. بهذا الكلام كان يواسيني زوجي، تضيف، المرحوم الحاج علي، الذي رحل دون أن يعرف مصير ابنه والحقيقة التي ناضل من أجلها. كان رفيق حياتي يعمل جاهدا على التخفيف من حسرتي ويمسح دموعي. فقدته، ولكن والحمد لله، أبنائي يحيطون بي ويشملوني بعطفهم وحبهم وحنانهم.
رغم تعب السنين كانت الحاجة خديجة تتذكر بصفاء ذهني كل ما يتعلق بالأشياء الخاصة بالحسين، من قبيل “القارورة الخضراء بكؤوسها الخضراء وإبريق قهوة مع فناجينه”. هذه الأواني كان قد جلبها هدية لي من روما سنة 1963، في أول سفر له عندما كان طالبا بمدرسة الطيران للخطوط الملكية المغربية.
و”تبقى أجمل ذكرى ظلت راسخة بذاكرتي، قالت خديجة وقد اغرورقت عيناها دمعا: “عندما جاء خصيصا من بلجيكا  أثناء عمله في شركة الطيران البلجيكية “سابينا”، حاملا معه تذاكر السفر إلى الديار المقدسة. وحرص على أن نسافر أولا إلى بروكسيل لنتعرف على مكان إقامته الجديدة، ونزور بعد ذلك مدينة القاهرة قبل أن نؤدي فريضة الحج”.
“لحسين حاضر باستمرار.. صورة ابني لا تفارقني”.. ختمت الحاجة خديجة كلامها ذات لقاء سابق تقشعرالأبدان لتفاصيل آلامه، من بين ما حكت فيه أنه خلال العطلة الصيفية، اعتادت العائلة الكبيرة القاطنة بالدار البيضاء ومراكش والمحمدية وأكادير وطنجة والرباط وفرنسا وهولندا وبلجيكا والولايات المتحدة، تنظيم لقاء في شهر غشت كل سنة بمنزل الأجداد في “أمانوز” (دائرة تافراوت)”.
تتذكر الفقيدة الحاجة خديجة ذكرى الأمس الذي سكنها قائلة: “لقد استضفت بمنزلي السيد ميدحت بوريكات، أحد الناجين من معتقل “ب.ف.3″ النقطة الثابتة الثالثة، والذي كان لحسين معتقلا به. حكى لي بوريكات عن جلسات التعذيب بهذا المعتقل وكذلك عن الحياة اليومية في معتقل تازمامارت، الجحيم فوق الأرض”.
رحلت الحاجة خديجة، دون أن تتحقق رغبتها في رؤية ابنها، غادرتنا إلى دار البقاء وفي قلبها غصة اختطاف ابنها البكر الحسين المانوزي، فالتاسع والعشرين من أكتوبر، يوم ليس كسائر الأيام بالنسبة لعائلة المانوزي، التي تكبدت ويلات التعذيب والزج في السجون جراء نضالها من أجل العدالة والكرامة. لم يقف الأمر هنا، ليتمادى إلى التخطيط  لاختفاء الحسين المانوزي، المناضل وتقني الطائرات، قسرا منذ 29 أكتوبر 1972 إلى يومنا هذا. “في السنوات الأولى، كنت أترجى الأعياد وأنتظر بفارغ الصبر الإعلان عن الإفراج. لكن لاشيء، إلا استمرار المعاناة والألم. مع مرور الزمن، اكتشفت أنني لست الأم الوحيدة، وأن هناك أمهات مثلي في مختلف مدن المغرب، يعانون كذلك من اختفاء فلذات أكبادهن. تقاسمن الألم والعزيمة والتشبث بالحياة في انتظار عودة المختطف” -الراحلة-.
يذكر أن مراسيم الجنازة، ستتم يومه الإثنين 31 أكتوبر 2016 بعد صلاة العصر بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء .
وداعا الحاجة خديجة الشاو..
لترقد روحك بسلام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق